مصباح المنهاج

هوية الکتاب

بطاقة تعريف : الطباطبائي الحكيم، محمد سعيد، 1935- م.

لقب واسم المنشئ: مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مواصفات النشر: نجف : دار الهلال ، 1427 ق. = 2006 م. = 1385 -

خصائص المظهر: ج.

ISBN: دوره: 964-8276-54-4 ؛ ج.1 :964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8: 964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

حالة كتابة القائمة: الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان : العربية.

ملحوظة: ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

ملحوظة: ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

ملحوظة: ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

ملحوظة: چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

ملحوظة: كتابنامه.

محتويات: ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : أصول الفقه الشيعي

تصنيف الكونجرس: BP159/8 / ط2م6 1385

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1041894

ص: 1

اشارة

مصباح المنهاج

ص: 2

مصباح المنهاج

کتاب الصوم

تالیف

السید محمد سعید الطباطبائي الحکیم

دار الهلال

ص: 3

الطبعة الاولی

1425 ه/ 2004 م

جمیع الحقوق محفوظة

ISBN:964-8276-19-6

ص: 4

[كتاب الصوم]

اشارة

كتاب الصوم و فيه فصول:

[الفصل الأول في النية]

اشارة

الفصل الأول في النية

[(مسألة 1): يشترط في صحة الصوم النية]

(مسألة 1): يشترط في صحة الصوم النية (1)

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين. و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين. و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) يعني: نية الصوم، بحيث يكون ترك المفطر عن قصد لذلك، و التزام به.

و لا خلاف و لا إشكال في اشتراط ذلك. بل هو من الضرورات الفقهية، بل الدينية.

و النصوص به مستفيضة (1). و يظهر من جملة منها المفروغية عنه، كحديث عمار الساباطي- الذي يأتي في المسألة السابعة أنه موثق- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، و يريد أن يقضيها، متي يريد أن ينوي الصيام؟ قال:

هو بالخيار إلي أن تزول الشمس. فإذا زالت الشمس فإن كان نوي الصوم فليصم، و إن كان نوي الإفطار فليفطر … » (2)، و غيره.

ص: 5


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2، 3، 4، 5، 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.

علي وجه القربة (1) لا بمعني وقوعه عن النية (2) كغيره من العبادات. بل يكفي وقوعه للعجز عن المفطرات أو لوجود الصارف النفساني عنها (3)

______________________________

و هو المناسب لما يأتي من كونه من العبادات. لظهور توقف العبادية علي قصد المشروعية، المستلزم لقصد عنوان المشروع و لو إجمالا. و يأتي في المسألة السابعة من هذا الفصل ما ينفع في المقام.

(1) كما هو مقتضي مرتكزات المتشرعة- القطعية، بل الضرورية- من كونه من العبادات المتقومة بالقربة. و هو المناسب لما في كثير من النصوص من كون الصائم في عبادة و إن كان علي فراشه (1)، و أن نومه عبادة (2)، و أن اللّه تعالي يقول عن الصوم أنه لي، و أنا أجزي به (3). و غير ذلك.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من الاستدلال بما تضمن ذكره في جملة الخمس التي بني عليها الإسلام (4)، لبداهة أن مجرد ترك المفطر في ساعات معينة لا يصلح لأن يكون أساس الإسلام و عليه بناؤه، بل لا بد أن يكون عباديا يتقرب به، و يضاف إلي المولي. فهو لا يرجع إلي محصل ظاهر في قبال الضرورة المشار إليها.

(2) بل بمعني سبق النية به، و لو مع الغفلة عنه- لنوم أو غيره- إذا لم يعدل عن نيته السابقة. كما يأتي منه قدّس سرّه التنبيه لذلك. و من ثم كان المناسب التعبير هكذا:

لا بمعني وقوعه عن النية، كغيره من العبادات، بل بنحو يكفي سبق النية به مع عدم العدول عنها. كما يكفي وقوعه للعجز …

(3) حيث لا ريب في صحة الصوم من العاجز عن بعض المفطرات، و ممن له صارف نفساني عنها.

ص: 6


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 12.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 17، 23، 24.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 7، 15، 16، 27، 33.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات.

إذا كان عازما علي تركها لو لا ذلك (1)، فلو نوي الصوم

______________________________

(1) كأنه لما ذكروه عند الكلام في معيار صحة العبادة مع الضمائم المباحة، من أنه لا بد من صلوح امتثال الأمر للداعوية استقلالا، بحيث يكون مؤثرا مع عدم وجودها، ففي المقام لا بد من ذلك أيضا.

لكن تقدم في مبحث اعتبار النية من الوضوء أن ذلك إنما يتم فيما إذا كانت الضميمة مترتبة علي العمل بالوجه الذي يكون به امتثال الأمر، كصلة الرحم التي تكون تارة لحبه، و أخري لامتثال أمر الشارع الأقدس به.

بخلاف ما إذا كانت مترتبة علي ذات العمل، و كان امتثال الأمر مترتبا علي قصد عنوانه زائدا علي ذاته، كما في التنظيف و التبريد المترتبين علي ذات الغسل، مع توقف الامتثال به علي قصد عنوانه من غسل أو وضوء، لأن الضميمة لما لم تكن داعية لقصد العنوان، فالداعي لقصده ينحصر بالتقرب، فيتعين الاكتفاء به في صحة العمل، و إن كانت الضميمة هي تمام الداعي للعمل بذاته، بحيث لولاها لما أتي المكلف به.

غاية الأمر أن الضميمة تكون دخيلة في فعلية داعوية الداعي القربي نحو الخصوصية، و هو لا يمنع من العبادية بعد تمحض الداعي القربي في فعل الخصوصية المتقومة بالقصد. ففي المقام حيث ينحصر الداعي لقصد الصوم المشروع بالتقرب يتعين الاكتفاء به و إن كان ترك المفطر لتعذره، أو لوجود الصارف عنه، بحيث لولاهما لما تركه.

فمثلا لو كان الشخص في حاجة إلي الطعام أو النساء، إلا أنه لا يتيسر له ما يريد، صح منه نية الصوم، و إن كان بحيث لو تيسر له ما يحتاج إليه لم يصم، استجابة لحاجته.

و يناسب ذلك صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلي أهله، فيقول: عندكم شي ء؟ و إلا صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به، و إلا صام» (1).

ثم إن هذا لا يرجع إلي عدم اعتبار وقوع الصوم عن نية، بل إلي معيار النية

ص: 7


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.

ليلا (1) ثم غلبه النوم قبل الفجر حتي دخل الليل صح صومه (2).

و لا يكفي مثل ذلك في سائر العبادات (3)، فعبادية الصوم فاعلية لا فعلية (4).

[(مسألة 2): لا يجب قصد الوجوب و الندب]

(مسألة 2): لا يجب قصد الوجوب و الندب (5)، و لا الأداء و القضاء و لا غير ذلك من صفات الأمر و المأمور به (6)، بل يكفي القصد إلي المأمور

______________________________

المعتبرة في الصوم و غيره من العبادات، و تحديد مرتبتها.

نعم يفترق الصوم عن جملة من العبادات، بعدم اعتبار فعلية النية فيه، بأي مرتبة فرضت، بل يكفي سبق النية له و لو مع حصول الغفلة المطلقة عنه حينه- بنوم و نحوه- لما هو المعلوم من عدم قادحيتها في الصوم. و يشاركه في ذلك بعض العبادات، كالوقوف بعرفة و المشعر الحرام، بخلاف مثل الصلاة، حيث لا بد من وقوع تمام أجزائها عن نية و لو ارتكازية. فلاحظ.

(1) هذا لا دخل له بما سبق من الاكتفاء بوقوع الصوم للعجز عن المفطرات أو لوجود الصارف النفساني، بل هو متعلق بما ذكره أولا من عدم اعتبار وقوع الصوم عن نية، كما يظهر مما ذكرناه آنفا.

(2) بلا ريب و كذا إذا غفل عن الصوم من دون نوم. و يأتي بعض الكلام في ذلك في المسألة الأولي من الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم.

(3) سبق مشاركة بعض العبادات له في ذلك.

(4) كأنه راجع إلي أنه يكفي في عبادية الصوم كون المكلف في مقام التقرب بالصوم، و لا يعتبر مقارنة فعله للتقرب به. و هو سهل بعد كونه محض اصطلاح، و المعيار في العمل ما سبق.

(5) يظهر الوجه فيه مما تقدم في المسألة الواحدة و السبعين من مبحث الوضوء عند الكلام في فروع النية.

(6) لعدم الدليل علي اعتبار قصد ذلك، فالمرجع فيه الإطلاق أو الأصل، كما

ص: 8

به عن أمره (1).

[(مسألة 3): يعتبر في القضاء عن غيره قصد امتثال أمر غيره]

(مسألة 3): يعتبر في القضاء عن غيره قصد امتثال أمر غيره (2).

كما أن فعله عن نفسه يتوقف علي امتثال أمر نفسه (3). و يكفي في المقامين القصد الإجمالي (4).

[(مسألة 4): لا يجب العلم بالمفطرات علي التفصيل]

(مسألة 4): لا يجب العلم بالمفطرات علي التفصيل، فإذا قصد الصوم عن المفطرات إجمالا كفي (5).

[مسألة (5): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره]

مسألة (5): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره (6)، و إن لم يكن مكلفا

______________________________

يظهر مما ذكرناه في مبحث التعبدي و التوصلي من الأصول من أنهما ينهضان بدفع احتمال اعتبار أصل النية، فضلا عن خصوصياتها مع الشك، و أنه يقتصر من ذلك علي المتيقن. نعم قد يحتاج لنية بعض هذه الأمور في العبادات من أجل تعيين الأمر الذي يراد امتثاله، لأن الأمر المردد لا وجود له، كي يقصد امتثاله.

(1) مع تعيين الأمر كما ذكرناه آنفا. و يكفي التعيين الإجمالي، كما ذكرناه في مباحث القطع من الأصول. هذا و قد ذكرنا في مبحث التعبدي و التوصلي من الأصول الاكتفاء بقصد ملاك المحبوبية الملازم للأمر، و المستكشف به.

(2) علي ما ذكرناه في المسألة الثامنة و العشرين من مقدمة كتاب التجارة في الأجرة علي الواجبات و العبادات.

(3) لأن ذلك هو مقتضي العبادية. نعم أشرنا قريبا إلي الاكتفاء بقصد ملاك المحبوبية.

(4) كما أشرنا إليه قريبا.

(5) بلا إشكال ظاهر، لعدم الدليل علي اعتبار ما زاد علي ذلك، و المرجع في نفيه إطلاق الأدلة الشارحة للصوم و الأصل. بل هو قطعي بلحاظ سيرة المتشرعة و ارتكازياتهم.

(6) كما هو المعروف بين الأصحاب المصرح به في كلام كثير منهم. و في

ص: 9

______________________________

الجواهر: «فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره، واجبا أو مندوبا، من المكلف و غيره، كالمسافر و نحوه. بل هو المعروف في الشريعة، بل كاد يكون من قطعيات أربابها إن لم يكن من ضرورياتها».

و قد يستدل عليه بما عن غير واحد من عدم ثبوت مشروعية صوم غير رمضان فيه. و توضيح ذلك: أنه و إن كان التحقيق إمكان الأمر بالمهم من الضدين عند ترك الأهم بنحو الترتب، و إمكان الإتيان بالمهم حينئذ تقربا بملاكه لو قيل بامتناع الأمر به، إلا أنه لا بد في البناء علي ذلك في كل مورد من إطلاق الأمر بالمهم فيه بنحو يشمل حال ثبوت الأهم. و لا مجال لذلك في المقام، لأن معروفية وجوب صوم شهر رمضان فيه توجب انصراف إطلاقات أدلة بقية أنواع الصوم الواجب و المستحب إلي غير شهر رمضان من أيام السنة. و لا أقل من عدم وضوح شمولها له فلا يحرز مشروعيتها فيه.

و هذا بخلاف بقية موارد التزاحم بين الضدين، لعدم اختصاص الأهم بزمن معين معهود، ليمنع من إطلاق الأمر بالمهم بنحو يشمل الزمن المذكور، و لا منشأ لاحتمال عدم مشروعية المهم مع فعلية أمر الأهم إلا التضاد و التزاحم، الذي هو ارتكازا لا يمنع من ثبوت ملاك المهم، بل و لا الأمر به بنحو الترتب، كما حقق في محله.

و من هنا كان عدم مشروعية صوم غير شهر رمضان فيه لعدم المقتضي، لا لوجود المانع، كما قد يتوهم بدوا.

و يؤيد ذلك أو يعضده..

أولا: معروفية الحكم بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) و ظهور كثير من كلماتهم في المفروغية عنه، فإن شيوع الابتلاء بالمسألة يمنع عادة من خفاء الحكم فيها، و من خطئهم فيه. و من البعيد جدا ابتناء المفروغية المذكورة منهم علي شبهة عدم صحة الضد المهم عند ترك الأهم، التي حدثت نتيجة تحقيقات بعض علماء الأصول، و كانت موردا للكلام بينهم، و التي لا تساعد عليها المرتكزات المتشرعية و العقلائية، خصوصا مع الجهل بثبوت الأمر بالضد.

و ثانيا: سكوت النصوص عن التعرض لذلك، مع أنه قد يقوي الداعي لصوم

ص: 10

بالصوم كالمسافر (1)،

______________________________

غير شهر رمضان فيه، خصوصا في صوم الكفارة تتميما للتتابع، و لا سيما في حق من رخص له الإفطار مع مشروعية الصوم له، كالشيخ و الشيخة. فإنه لو لا المفروغية المذكورة لوقع السؤال عن ذلك، و احتيج لبيان الحكم فيه، و لم يتجه إطلاق مثل انقطاع التتابع في صوم الكفارة بدخول شهر رمضان(1).

بل في مرسل إسماعيل بن سهل: «خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم، ثم دخل عليه شهر رمضان في السفر، فأفطر. فقيل له: تصوم شعبان، و تفطر شهر رمضان. فقال: نعم شعبان لي، إن شئت صمت و إن شئت لا.

و رمضان عزم من اللّه عز و جل علي الإفطار» (2). و نحوه مرسل الحسن بن بسام 3.

فإنهما و إن كانا مسوقين لبيان عدم مشروعية صوم شهر رمضان الفرض في السفر، إلا أنه لو لا المفروغية عن عدم مشروعية صوم غير شهر رمضان فيه لم يصلح ما ذكره عليه السّلام تعليلا لإفطاره بعد أن كان يصوم في شعبان، إذ يمكنه عليه السّلام حينئذ الاستمرار علي الصوم بالنحو الذي أوقعه في شعبان من تطوع أو نذر أو غيرهما.

(1) لما سبق من قصور إطلاق أدلة أقسام الصوم الأخر عن شهر رمضان، و أن عدم صحة صوم غيره فيه لعدم المقتضي، لا لوجود المانع، و هو وجوب صوم شهر رمضان، ليصح بارتفاعه.

لكن قال في المبسوط: «فأما إذا كان مسافرا سفرا يوجب التقصير، فإن صام بنية رمضان لم يجزه، و إن صام بنية التطوع كان جائزا. و إن كان عليه صوم نذر معين و وافق ذلك شهر رمضان، فصام عن النذر و هو حاضر وقع عن رمضان، و لا يلزمه القضاء لمكان النذر، و إن كان مسافرا وقع عن النذر، و كان عليه القضاء لرمضان.

و كذلك الحكم إن صام و هو حاضر بنية صوم واجب عليه غير رمضان وقع عن رمضان و لم يجزه عما نواه، و إن كان مسافرا وقع عما نواه. و علي الرواية التي رويت أنه

ص: 11


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب بقية الصوم الواجب.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 5.

فإن نوي غيره بطل (1)، إلا أن يكون جاهلا به أو ناسيا له فيجزي عن

______________________________

لا يصام في السفر، فانه لا يصح هذا الصوم بحال».

و يشكل بأن مشروعية الصوم في السفر مطلقا أو بالنذر- لو قيل بها- إنما ترجع إلي عدم مانعية السفر من الصوم المشروع في نفسه، بحيث لو وقع في الحضر لصح، لا إلي تشريع الصوم فيه مطلقا و إن لم يكن مشروعا في نفسه، بحيث لا يصح في الحضر، و يصح في السفر.

و دعوي: أن ذلك منه قدّس سرّه يبتني علي أن صحته في الحضر ليس لعدم مشروعيته في نفسه عنده، بل لمزاحمته بصوم شهر رمضان، فمع عدم مزاحمته به في السفر، لعدم وجوب صوم شهر رمضان فيه، يتعين صحته فيه.

مدفوعة: بأن المزاحمة لا تقتضي البطلان، خصوصا مع عدم تنجز صوم شهر رمضان بجهل أو نحوه، حيث لا يعرف منهم البناء علي بطلان المزاحم. بل قد لا يجب صوم شهر رمضان، كما في الشيخ و الشيخة و نحوهما، فلا مزاحمة أصلا.

فإطلاقه البطلان في الحضر و الصحة في السفر في غير محله. بل يتعين عدم الصحة مطلقا، لما سبق، خصوصا بملاحظة المرسلين المتقدمين.

(1) كما في السرائر و المختلف و عن غيرهما. أما عدم وقوعه عما نواه فلا خلاف فيه، بل حكي الإجماع عليه. و يقتضيه ما سبق من عدم مشروعية غير صوم شهر رمضان فيه. و أما عدم وقوعه عن صوم شهر رمضان، فلعدم نية امتثال أمره، و حيث كان من العبادات- كما سبق- تعين عدم حصوله بدونها.

لكن مقتضي إطلاق كلام المبسوط المتقدم و الخلاف و محكي كلام المرتضي وقوعه عن صوم شهر رمضان حتي مع العلم بدخول شهر رمضان. و إن حمله في السرائر علي صورة الجهل بذلك. و هو مقتضي إطلاق الشرائع أيضا. بل قوي العموم لصورة العلم في المعتبر و التذكرة و المدارك، لدعوي: أن المعتبر في صوم شهر رمضان نية القربة، و الزائد عليها لغو لا عبرة به.

ص: 12

رمضان حينئذ لا عن ما نواه (1).

______________________________

و فيه: أن الاكتفاء بنية القربة فيه إنما هو لرجوعها إلي قصد امتثال أمر صوم شهر رمضان، لانحصار الصوم المشروع فيه به، لأن صوم شهر رمضان تعبدي، و الأمر التعبدي هو الذي يتوقف امتثاله علي الإتيان بمتعلقه بقصد امتثال أمره أو قصد موافقة ملاك محبوبيته. و لا مجال لذلك مع القصد لغير صومه. و إجزاؤه حينئذ يحتاج إلي دليل، و ما يأتي من دليل الإجزاء مختص بغير العالم العامد.

(1) أما عدم وقوعه عما نواه فلما تقدم. و أما وقوعه عن رمضان فهو المعروف بين الأصحاب المدعي عليه إجماعهم.

و هو ظاهر لو رجع إلي نية الصوم المشروع في ذلك اليوم مع الخطأ في التطبيق.

و أما مع عدمه فيقتضيه ما تضمن إجزاء صوم يوم الشك بنية شهر شعبان عن صوم شهر رمضان، كموثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيه: «إنما يصام يوم الشك من شعبان، و لا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك، و إنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل اللّه، و بما قد وسع علي عباده. و لو لا ذلك لهلك الناس»(1). و نحوه غيره.

لكن النصوص المذكورة منصرفة إلي صومه تطوعا، لأن ذلك هو حكم صوم شعبان، و إطلاقها بنحو يشمل الصوم في شعبان عن غير صوم شعبان- كصوم الكفارة و القضاء- في غاية الإشكال. و كذا فهم العموم منها بإلغاء خصوصية التطوع بصوم شعبان. و مثله إلحاق بقية أنواع الصوم بصوم التطوع المذكور بعدم الفصل.

لعدم وضوح بلوغه حدّ الإجماع الحجة.

اللهم إلا أن يقال: إنما يتجه الانصراف المذكور لو كان التعبير هكذا: و إنما ينوي أنه يصوم شعبان. أما حيث كان التعبير: و إنما ينوي أنه يصوم من شعبان، فصوم يوم من شعبان كما يقع عن صوم شعبان تطوعا يقع عن صوم آخر فيه فرضا، و مقتضي إطلاقه العموم، و لا سيما مع قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «و لو لا

ص: 13


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.

______________________________

ذلك لهلك الناس»، حيث لا يراد بهلاكهم إلا الضيق عليهم بعدم صحة صوم شهر رمضان منهم بنية رمضان لعدم ثبوته، و عدم احتساب صوم شعبان منهم عن رمضان، بحيث يجب عليهم القضاء لو كان من رمضان، و لا يفرق في هذا بين أنواع الصوم الذي يصام في شعبان. خصوصا بناء علي ما هو المعروف بين الأصحاب من عدم صحة الصوم المندوب ممن عليه صوم واجب.

مضافا إلي حديث الزهري عن الإمام زين العابدين عليه السّلام و فيه: «قال: و صوم يوم الشك أمرنا به و نهينا عنه. أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. فقلت له: جعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، و إن كان من شعبان لم يضره. فقلت: و كيف يجزي صوم تطوع عن فريضة؟! فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا، و هو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بذلك لأجزأ عنه، لأن الفرض إنما وقع علي اليوم بعينه» (1). فإن مقتضي التعليل في ذيله العموم لغير صوم التطوع.

و دعوي: أن مقتضي التعليل فيه الصحة و إن صامه بنية رمضان أو بنية الفرض، أو نوي في رمضان عمدا صوم غيره، و حيث لا يمكن البناء علي ذلك، بل هو مناف لصدر الحديث، فالمتعين البناء علي إجمال التعليل، و الاقتصار فيه علي مورده.

مدفوعة: بأن حمل صدر الحديث- بقرينة التعليل في الذيل- علي كون بطلان الصوم بنية رمضان أو الفرض من أجل المانع، أو عقوبة، لمخالفة السنة، أولي عرفا من البناء علي إجمال التعليل. و أما البطلان مع تعمد صوم غير رمضان في رمضان فيه فهو- لو تم- قد يكون لعدم تيسر قصد القربة. علي أن البناء علي تخصيص التعليل فيه أقرب من البناء علي إجماله، و الاقتصار فيه علي مورده، بحيث لا يتعدي منه لمحل الكلام.

و مثلها دعوي: أن التعليل المذكور مناف لما سبق في موثق سماعة من أن الإجزاء بتفضل اللّه و بما وسع علي عباده، لظهوره في أن مقتضي القاعدة عدم الإجزاء

ص: 14


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5: من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 8.

[(مسألة 6): يكفي في صحة صوم رمضان القصد إليه و لو إجمالا]

(مسألة 6): يكفي في صحة صوم رمضان القصد إليه و لو إجمالا (1)، فإذا نوي الصوم المشروع في غد، و كان من رمضان، أجزأ عنه، أما إذا قصد صوم غد دون توصيفه بخصوص المشروع لم يجز (2). و كذا الحكم في سائر أنواع الصوم من النذر أو الكفارة أو القضاء فما لم يقصد المعين لا يصح (3).

______________________________

فيه، لمباينة المأتي به للمطلوب.

لاندفاعها بأن مقتضي الجمع بين الموثق و التعليل حمل الموثق علي كون التفضل و التوسعة من اللّه تعالي في اكتفائه بتحقق صوم الفرض من دون أن ينوي بعينه.

نعم ضعف سند الخبر مانع من الاستدلال به، و يبقي مؤيدا لما سبق. فالبناء علي العموم قريب جدا.

هذا و النصوص المذكورة و إن وردت في الجهل بدخول شهر رمضان، إلا أن الظاهر إلغاء خصوصيته عرفا، و التعدي للنسيان و نحوه من موارد عدم التعمد.

(1) كما يظهر مما تقدم في المسألة الثانية.

(2) الظاهر إجزاؤه، لرجوعه إلي قصد الصوم المشروع، إذ حيث كان المفروض في محل الكلام قصد صوم الغد بوجه قربي، فالوجه القربي لا يكون إلا بقصد امتثال الأمر المتعلق بصومه، و حيث لا أمر في شهر رمضان إلا بصومه تعين رجوع ذلك ارتكازا إلي قصد امتثال أمر صومه. فهو نظير قصد أمر صوم ما في الذمة إذا كان واحدا. نعم إذا قيد صوم غد الذي قصده بغير صوم رمضان فقد خرج عن مقتضي الارتكاز المذكور، و تعين البطلان.

(3) إذ بعد تعدد وجوه الصوم، و تعدد الأمر به تبعا لها، لا معين للصوم المأتي به بأحدها إلا القصد إليه، و نية امتثال أمره.

نعم وقع الكلام بينهم في النذر المعين، و أنه هل يتوقف الوفاء به علي قصده، كما في المبسوط و الشرائع و الدروس و جامع المقاصد و غيرها، و في المسالك أنه المشهور، أو لا، بل يكفي نية صوم اليوم الخاص و لو مع الغفلة عن النذر، كما في السرائر

ص: 15

______________________________

و المدارك و عن المرتضي و العلامة في جملة من كتبه و في المسالك أنه متجه؟

و قد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن ذلك يبتني علي تحديد مفاد النذر فإن قلنا بأن مفاده جعل المنذور ملكا للّه تعالي، توقف الوفاء به علي قصده، لأن تسليم ما في الذمة يتوقف علي قصد المصداقية، و لولاه لم يتعين الخارجي لذلك، كما في سائر موارد ما في الذمة من الديون المالية، عينا كانت أو عملا.

أما بناء علي أن مفاد النذر مجرد الالتزام بفعل المنذور، و أن مقتضي نفوذه وجوب الإتيان بالمنذور من دون أن يكون مملوكا للّه تعالي، فيكفي في الوفاء بالنذر تحقق الأمر المنذور- كصوم اليوم الخاص- من دون حاجة إلي قصد الوفاء بالنذر، لأن انطباق المنذور عليه قهري. و وجوب الوفاء بالنذر لو كان مولويا فهو توصلي لا يتوقف امتثاله علي قصده.

لكنه يشكل بأنه بناء علي إن مفاد النذر جعل المنذور ملكا للّه تعالي فتسليم ما في الذمة إنما يتوقف علي قصد المصداقية إذا لم يكن المأتي به متعينا لها، كما إذا كان مدينا لشخص درهما أو خياطة ثوب، فإن الدرهم المدفوع و خياطة الثوب كما يمكن أن يقعا وفاء عن الدين، يمكن أن يكونا إهداء للدرهم، و تبرعا بالخياطة، فلا يتعينان للوفاء إلا بقصده.

أما إذا كان متعينا للمصداقية فلا يتوقف الوفاء علي قصدها، كما إذا اقتضت الإجارة ملك المؤجر منفعة الأجير الخارجية، فإن المنفعة إذا حصلت تكون ملكا للمؤجر و وفاء بالإجارة و إن لم يقصد الأجير بالإتيان بها الوفاء بها، بل و إن قصد عدم الوفاء بها.

و علي ذلك ففي المقام إن كان المنذور مطلق الصوم في اليوم المعين و لو كان واجبا، بأن يكون المنذور مجرد إشغال اليوم بالصوم، كفي في الوفاء بالنذر نية صوم ذلك اليوم مهما كان نوع الصوم المنوي، و لو مع الغفلة عن النذر، بل و لو قصد عدم الوفاء به، لأن انطباق المنذور علي المأتي به قهري.

و إن كان المنذور هو أن يصوم في اليوم المعين صوما خاصا مباينا لبقية أنواع

ص: 16

نعم إذا قصد ما في ذمته و كان واحدا أجزأ عنه (1)، و في الاكتفاء في صحة الصوم المندوب المطلق بنية صوم غد قربة إلي اللّه تعالي إشكال.

بل الأظهر البطلان إلا إذا لم يكن عليه صوم واجب (2) و قصد الصوم

______________________________

الصوم الواجب، فهو في الحقيقة صوم مستحب له لم يجب عليه إلا بالنذر. و حينئذ يكفي في الوفاء بالنذر أن ينوي الصوم في ذلك اليوم قربة إلي اللّه تعالي، لرجوعه إلي صوم ذلك اليوم امتثالا لأمره- الاستحبابي الأولي و الوجوبي الثانوي بسبب النذر- فينطبق عليه المنذور قهرا، و يقع وفاء عن النذر و إن لم يقصد به ذلك.

نعم لو نوي به صوما آخر واجبا- كصوم الكفارة أو الإجارة- أو مستحبا- كالصوم التبرعي وفاء عن ذمة الغير- لم يقع وفاء عن النذر، لعدم انطباق المنذور عليه حينئذ، نظير ما إذا نوي في شهر رمضان صوما غير صومه، حيث تقدم عدم إجزائه عن صومه إلا بدليل خاص.

(1) لرجوع ذلك إلي التعيين الإجمالي.

(2) إذ لو كان عليه صوم واجب كان الصوم الذي نوي التقرب به مرددا بين الواجب و المستحب، و لا مرجح لأحدهما، ليتعين انطباقه عليه، و لا وجود للمردد.

اللهم إلا أن يقال: مقتضي الجمع بين ما دل علي استحباب الصوم في غير رمضان، و وجوب بعض الأنواع منه- كصوم القضاء و الكفارة- كون الصوم بذاته مستحبا، و بخصوصيته الخاصة واجبا، فمع الاقتصار علي نية صوم الغد قربة إلي اللّه تعالي من دون قصد الخصوصية الواجبة يكون المقصود لبا هو التقرب بامتثال الأمر الوارد علي الذات، و هو الأمر الاستحبابي.

و نظيره في ذلك صلاة ركعتين قربة إلي اللّه تعالي من دون قصد خصوصية القضاء أو غيرها من الخصوصيات الواجبة، و التصدق بمدّ قربة إلي اللّه تعالي من دون قصد خصوصية الفدية أو غيرها من الخصوصيات الواجبة، حيث يحملان علي الصلاة و الصدقة المستحبتين. و نظيره في العرفيات إعطاء المال لشخص و تمليكه له،

ص: 17

المشروع في غد (1). و لو كان غد من أيام البيض مثلا، فإن قصد الطبيعة المطلقة صح مندوبا مطلقا، و إن قصد الطبيعة الخاصة صح المندوب الخاص، و إن قصد طبيعة مهملة مرددة بين مطلق المندوب و المندوب الخاص فالأظهر البطلان (2).

______________________________

فإنه مع الاقتصار علي ذلك- من دون نية القرض أو الوفاء به، أو جعله ثمنا في بيع، أو نحو ذلك- يكون هدية لا غير.

علي أن قوله قدّس سرّه: «و في الاكتفاء في صحة الصوم المندوب … » ظاهر في فرض كون المقصود ارتكازا هو امتثال الأمر الاستحبابي، و هو راجع إلي نية الصوم المستحب دون الواجب.

نعم لو لم يكن الأمر الاستحبابي الذي يراد امتثاله متعلقا بمطلق الذات، بل بالخصوصية، و تعدد الأمر نتيجة تعدد الخصوصية، لم يكف في الامتثال قصد العمل قربة إلي اللّه تعالي، بل لا بد من قصد الخصوصية التي يراد امتثال أمرها و تعيينها، كصلاة الزيارة، و صلاة نافلة المغرب، و صوم الشكر، و صوم الاستغفار- لو فرض مشروعيتها- و غيرها. و مع عدم قصد الخصوصية و الاقتصار علي قصد العمل قربة إلي اللّه تعالي يتعين وقوعه امتثالا لأمر الذات، و هو الأمر الاستحبابي الأولي، كما سبق.

ثم إن ما ذكره قدّس سرّه مبني علي مشروعية الصوم المستحب لمن عليه صوم واجب و لو في بعض الموارد، إذ لو قيل بعدم مشروعيته تعين عدم صحة المستحب ممن عليه صوم واجب. و توقفت صحة الصوم الواجب منه علي نيته و لو إجمالا. و يأتي الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشرة من الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم إن شاء اللّه تعالي.

(1) معطوف علي قوله قدّس سرّه: «إذا لم يكن عليه … ». و مما سبق يظهر أنه لا حاجة إلي قصد المشروع، و أنه يكفي قصد الصوم قربة إلي اللّه تعالي.

(2) كأنه لعدم الجامع الحقيقي بين المطلق و المقيد، ليكون موضوعا للأمر،

ص: 18

______________________________

و يكون المأتي به مطابقا له، و امتثالا لأمره.

و فيه أولا: أنه يمتنع الإهمال في نفسه ثبوتا، بل يتردد الأمر بين الإطلاق و التقييد، لا غير، لأن الطبيعة حينما تؤخذ في الحكم تارة: يقتصر علي حدودها المفهومية و أخري: يؤخذ فيها قيد زائد عليها. و الأول راجع للإطلاق، و الثاني راجع للتقييد، و لا ثالث لهما، ليكون هو الإهمال. نعم يمكن الإجمال في مقام الإثبات، لعدم اهتمام الحاكم ببيان تمام حدود حكمه، علي ما أوضحناه في مبحث التعبدي و التوصلي و مبحث المطلق و المقيد من الأصول.

و من الظاهر أنه لا مجال للإجمال- فضلا عن الإهمال- في مقام الامتثال لأن الممتثل إما أن يقتصر علي قصد الطبيعة بما لها من حدود مفهومية، من دون أخذ قيد فيها، و إما أن يقصد الطبيعة ذات القيد الخاص، و لا معني للإجمال أو الإهمال فيما يقصده.

و ثانيا: أن الأمر الاستحبابي بالمطلق تارة و بالمقيد أخري، لا يرجع إلي الأمر بأمرين متباينين لا يتعين كل منهما إلا بقصده بعينه تفصيلا أو إجمالا، و لا يكفي قصد أحدهما بنحو الترديد، نظير الأمر بصوم الكفارة و صوم بدل الهدي، بل هو راجع إلي الأمر بالماهية بتمام أفرادها بنحو يشمل الواجد للقيد، و الأمر بخصوص الواجد للقيد، فيكون الواجد للقيد مأمورا به بأمرين يندكّ أحدهما بالآخر، و يكون استحبابه مؤكدا.

و حينئذ إن قصد الطبيعة دون الخصوصية فقد امتثل بالفرد أمر الطبيعة، و إن قصد الخصوصية فقد امتثل الأمرين معا. و كذا إذا قصد الأمر الوارد علي اليوم الذي يريد صومه علي ما هو عليه، فإنه حيث كان هو الأمر المؤكد فقد قصد امتثاله بالعمل المأتي به.

و بالجملة: إذا نوي صوم يوم معين قربة للّه تعالي فلا بد من البناء علي صحة الصوم، لرجوع ذلك إلي قصد امتثال الأمر الوارد عليه. غاية الأمر أنه إن قصده علي إجماله، أو ملتفتا لخصوصيته، كان ممتثلا الأمر المؤكد المتحصل من الأمرين معا، و إن قصد الأمر الوارد علي الطبيعة وحده، كان ممتثلا له دون الأمر بالخصوصية.

ص: 19

[(مسألة 7): وقت النية في الواجب المعين- و لو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق]

(مسألة 7): وقت النية في الواجب المعين- و لو بالعارض (1)- عند طلوع الفجر الصادق (2) بحيث يحدث الصوم حينئذ مقارنا

______________________________

(1) يأتي الكلام في هذا التعميم إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما في الشرائع و عن الشيخين، بل لعله المعروف بينهم. لأنه أول زمان الصوم، و عبادية الصوم تقتضي وقوعه بتمامه عن نية، كما هو الحال في سائر العبادات.

و هو المنصرف من النبوي: «لا تصام الفريضة إلا باعتقاد [و] نية» (1). و عليه ينزل النبوي الآخر: «لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل» (2). و النبوي الثالث: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» (3). بحمل تبييت النية علي الطريقية من أجل إحراز وقوع الصوم بتمامه عن نية، لعدم تيسر إحراز ذلك إلا بالتبييت.

لكن لا مجال للتعويل علي النبويات بعد عدم رواية أصحابنا لها إلا مرسلة في عوالي اللآلي. و الظاهر أنها من روايات المخالفين، كما صرح به في الغنية في الثاني. و أما الوجه الأول فيندفع بأن عبادية العبادة حيث كانت خلاف الأصل فاللازم الاقتصار فيها علي المتيقن. و إذا تم الإجماع في كثير من العبادات علي اعتبار وقوعها بتمامها عن نية فلا مجال له في المقام بعد ما حكاه في المختلف عن السيد المرتضي قدّس سرّه من إطلاق أن وقت النية في الصيام الواجب من الفجر إلي قبل الزوال، نظير ما يأتي منهم في الواجب غير المعين، و عن ابن الجنيد من إطلاق الاجتزاء بوقوعها في بعض النهار، نظير ما يأتي منهم في الصوم المستحب.

كما أنه حيث ثبت من النصوص الآتية الاجتزاء في بعض أفراد الصوم بنيته في بعض الوقت فلا بد من كون عبادية الصوم لا تقتضي نيته في تمام الوقت، و غاية ما يدعي أن الأصل في الصوم لزوم النية في تمام وقته إلا ما أخرجه الدليل. أو أن ذلك هو اللازم في الصوم الواجب المعين. و كلا الأمرين لا ينهض به ما سبق.

ص: 20


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث 2.
2- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.

______________________________

هذا و قد سبق من بعض مشايخنا قدّس سرّه الاستدلال علي عبادية الصوم بما تضمن أنه مما بني عليه الإسلام، مع ضرورة أن الإسلام لا يبني علي مجرد الإمساك، بل خصوص ما كان منه عباديا. و قد جعل ذلك دليلا في المقام علي عبادية الصوم بتمامه.

لكن تقدم إن ذلك لا يزيد علي الضرورة علي عبادية الصوم، و اللازم الاقتصار فيها علي المتيقن.

و مثله ما ذكره قدّس سرّه من أن الكلام هنا ليس في نية التقرب بالصوم، بل في أصل نية الصوم و قصد عنوانه، و قصد عنوان العمل مما يتوقف عليه حصول المأمور به، إلا أن يثبت من الخارج عدم الحاجة لذلك، و ترتب الغرض علي ذات العمل.

إذ فيه: أن اعتبار قصد عنوان العمل المأمور به أيضا يحتاج إلي دليل، و حيث ثبت اعتبار ذلك في الصوم، و اختلف في أمده، فاللازم الاقتصار فيه علي المتيقن.

فالعمدة في المقام: أن الصوم عرفا و شرعا ليس مجرد ترك المفطر، بل القصد إلي ذلك، و لذا يصدق مع فعل المفطر جهلا أو نسيانا، و لا يصدق بتركه من دون قصد إليه، فهو متقوم بالقصد. و حينئذ فظاهر قوله تعالي: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ (1). لزوم الصيام بالمعني المذكور من ظهور الفجر إلي الليل و إشغال النهار كله بذلك. و هو مقتضي إطلاق قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيّاماً مَعْدُوداتٍ (2)، و غيره مما تضمن الصيام في اليوم، و صيام اليوم، من الآيات و النصوص الكثيرة. فيكون ذلك هو الأصل في الصوم، ما لم يثبت الاجتزاء بنية الصوم في أثناء النهار، و احتساب ما سبق من الإمساك من دون نية منه.

هذا بالإضافة إلي نية الصوم، التي هي محل الكلام في المقام. و أما كون الداعي لذلك هو التقرب، و امتثال الأمر الشرعي به، فهو مفروغ عنه، تبعا للمفروغية عن

ص: 21


1- سورة البقرة الآية: 187.
2- سورة البقرة الآية: 183- 184.

______________________________

كون الصوم من العبادات، و ليس الكلام في وجوب مقارنته للفجر و عدمها إلا تبعا للكلام في وجوب مقارنة نية الصوم له، و لا يحتمل وجوب مقارنة نية الصوم للفجر، و عدم وجوب مقارنة التقرب به له، بحيث يكتفي بنية الصوم مقارنة للفجر مع تأخر التقرب بها عنه.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور الأدلة الشارحة للصوم، و المتضمنة لوجوبه في النهار، في أنه عبارة عن القصد لترك المفطرات و نية الصوم عنها في تمام النهار، و بضميمة المفروغية عن كون الصوم من العبادات لا بد من مقارنة نية الصوم للتقرب. فلا بد في الاجتزاء بنية الصوم في أثناء النهار من قيام الدليل المخرج عن ذلك، و لو تم اقتصر علي مورده، و لزم الرجوع في غيره لمقتضي الأصل.

و المظنون قويا أن ما سبق عن المرتضي و ابن الجنيد لا يبتني علي إنكار أن مقتضي الأدلة الأولية اعتبار مقارنة النية للفجر، بل علي استفادة الاكتفاء بالنية في أثناء النهار من النصوص الآتية، و فهم العموم منها، و من ثم استدل لهما بها في المختلف. و إن كان هو في غير محله بعد اختصاصها بغير الواجب المعين، و عدم وضوح إلغاء خصوصية مواردها عرفا، كما أشار إليه في المختلف أيضا.

هذا و عن ابن أبي عقيل وجوب تقديم نية صوم الفرض من الليل، و عن المرتضي أنها من قبل الفجر. و قد يستدل لهما بالنبويين المتقدمين جمودا علي لسانهما.

لكن من القريب كون مرادهما التقديم من أجل إحراز استيعاب الوقت بالنية، كما سبق حمل النبويين علي ذلك، و لو بقرينة النبوي الثالث. و إلا كان خاليا عن الدليل، و لا سيما بعد ضعف النبويين.

بل قد يدعي عدم وجوب الإحراز المذكور، لأن ذلك و إن كان هو مقتضي قاعدة الاشتغال بالصوم عن نية، إلا أن مقتضي جعل مبدأ الصوم في الآية الشريفة تبين الفجر عدم وجوب الاحتياط بنية الصوم قبل تبينه. كما أنه مقتضي استصحاب الليل و عدم النهار، الذي هو ظرف الصوم شرعا. غاية الأمر أن الاستصحاب لا يقتضي العفو عن عدم نية الصوم في بعض أجزاء النهار قبل تبين الفجر، بحيث يصح

ص: 22

______________________________

الصوم، بخلاف الآية الشريفة، حيث يستفاد ذلك منها عرفا تبعا.

و كيف كان فلا يعتبر فعلية النية حين الفجر، بل يكفي سبقها من دون عدول عنها، و إن تخلل النوم أو الغفلة عند الفجر، كما تقدم في المسألة الأولي. و من ثم اكتفي بعضهم بتبييت النية.

و ربما يستظهر منه البناء علي لزوم التبييت، بحيث لا يجتزأ بحدوث النية في النهار السابق لو غفل عنها بنوم و نحوه في تمام الليل المتوسط بين اليومين. و قد يستدل له بالنبويين المتقدمين. لكنهما ظاهران بدوا في لزوم التقدم بالنية عن يوم الصوم، بحيث لا بد من وجودها في الليل من دون أن يمتنع تقدمها عليه.

و بعبارة أخري: ليس مفاد النبويين مجرد لزوم وجود النية في الليل، بل استمرارها من الليل إلي يوم الصوم، و بضميمة المفروغية عن عدم قادحية الغفلة المتخللة يتعين حمل النية منهما علي ما يعم النية الارتكازية، التي لا تنافيها الغفلة المتخللة، و علي ذلك فتقديم النية التفصيلية علي الدليل و حصولها النهار السابق من دون عدول عنها مستلزم لوجود النية الارتكازية في الليل، و استمرارها منه إلي نهار الصوم، و إن لم تتحقق النية التفصيلية في الليل.

علي أن ضعف النبويين مانع من الاستدلال بهما، بل يتعين الرجوع للقاعدة المتقدمة المستفادة من الأدلة السابقة، و هي تقتضي لزوم نية الصوم في النهار، حيث يراد بها ما يعم النية الارتكازية التي لا تقدح فيها الغفلة، فهي حاصلة حتي مع تقديم النية التفصيلية في النهار السابق و إن تخللتها الغفلة في تمام الليل.

لكن ذكر بعض مشايخنا قدّس سرّه أن ذلك إنما يتجه مع حدوث الأمر بصوم اليوم المنوي، كما لو كان ذلك بعد دخول شهر رمضان، لظهور قوله تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (1). في الخطاب بصوم الشهر بتمامه بنحو الواجب المعلق. أما لو لم يحدث الأمر بالصوم المنوي، كما لو نوي في آخر يوم من شعبان أن يصوم غدا من رمضان، فنام في تمام الليل، فإنه لا يجزي، إذ لا مجال لنية الامتثال مع عدم فعلية الأمر

ص: 23


1- سورة البقرة الآية: 185.

للنية. و في الواجب غير المعين يمتد وقتها إلي الزوال (1) و إن تضيق

______________________________

الممتثل، و في زمان الأمر لا قابلية له للخطاب بسبب نومه.

و فيه: أن النية المذكورة ليست نية للامتثال فعلا لتتوقف علي فعلية الأمر، بل نية للامتثال معلقا علي دخول الوقت و حصول الفجر الذي هو حال فعلية الأمر.

و الاجتزاء بها ليس بلحاظ حال حدوثها، بل بلحاظ استمرارها و بقائها ارتكازا أو حكما حال النهار الذي هو حال الامتثال لفعلية الأمر و إن لم يكن النائم قابلا لأن يوجه له. و من الظاهر أنه لا يفرق في حصول النية الارتكازية الاستمرارية بين سبق النية التفصيلية علي الأمر المعلق المدعي و لحوقها له. و من ثم لا مخرج عما سبق.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، و في المدارك أنهم قد قطعوا به، و في الجواهر أنه لا يعرف منهم قائل فيه بلزوم مقارنة النية لأول جزء من الصوم. نعم هو مقتضي إطلاق كلام المحقق في الشرائع.

و كيف كان فالنصوص الدالة علي مشروعية نية الصوم في أثناء النهار كثيرة، يأتي بعضها. إلا أن الدليل علي التحديد بالزوال ينحصر بحديث عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، و يريد أن يقتضيها متي يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلي أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس، فإن كان نوي الصوم فليصم، و إن كان نوي الإفطار فليفطر. سئل: فإن كان نوي الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا … » (1).

و قد أورد علي الاستدلال به بعض مشايخنا قدّس سرّه بأنه و إن عبر عنه بالموثق في كلام غير واحد، إلا أنه ضعيف، إذ لم يروه إلا الشيخ قدّس سرّه بسنده عن علي بن الحسن ابن فضال، و في سنده إليه علي بن محمد بن الزبير القرشي، و هو لم يوثق، فهو لا ينهض بالاستدلال.

أقول: علي بن محمد بن الزبير القرشي و إن لم ينص أحد علي توثيقه، إلا أنه من مشايخ الإجازة، حتي قال الشيخ عنه: «روي عن علي بن الحسن بن فضال جميع كتبه،

ص: 24


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.

______________________________

و روي أكثر الأصول». و قد اقتصر الشيخ في روايته عن ابن فضال كتبه الكثيرة علي الطريق المشتمل عليه، حيث رواها عن أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير المذكور عن الحسن بن علي بن فضال، و أورد كثيرا من روايات ابن فضال بالطريق المذكور، بنحو يظهر منه العمل بها و الاعتماد عليها في الفتوي. و من المعلوم من حال الشيخ قدّس سرّه أنه لا يعمل إلا برواية الثقة.

و لعل اهتمامه بالرواية عن ابن الزبير لعلو طبقته، و قصر السند الذي هو فيه لأن ابن فضال من أصحاب الإمامين الجواد و الهادي (عليهما السلام)، فرواية الشيخ عنه بواسطة رجلين مزية يهتم بها رجال الحديث، و إلي ذلك يشير النجاشي حيث قال في ترجمة أحمد بن عبدون المذكور: «و كان لقي أبا الحسن علي بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير، و كان علوا في الوقت».

و من الظاهر أن الاهتمام بعلو الطبقة و قصر السند بنحو يقتصر عليه فرع الوثاقة، خصوصا في روايات الأحكام التي عليها المعول في العمل و الفتوي. و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من عدم الفرق بين رواية الرجل عن آخر رواية أو روايتين و بين روايته عنه أصلا من الأصول أو كتابا من الكتب. فهو كما تري، للفرق الواضح بين الرواية و الروايتين، و رواية الكتب و الأصول المشهورة، ثم التعويل عليها في العمل و الفتوي.

و يؤيد وثاقة الرجل أن النجاشي روي عن ابن فضال كتبه بالطريق المذكور و بطريق آخر عن ابن عقدة، و قال بعد أن عدّ كتب ابن فضال: «و رأيت جماعة من شيوخنا يذكرون أن الكتاب المنسوب إلي علي بن الحسن بن فضال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين عليه السلام يقولون: أنه موضوع عليه، لا أصل له. و اللّه أعلم. قالوا:

و هذا الكتاب ألصق روايته إلي أبي العباس بن عقدة و ابن الزبير، و لم نر أحدا ممن روي عن هذين الرجلين يقول: قرأته علي الشيخ، غير أنه يضاف إلي كل رجل منهما بالإجازة حسب». لإشعار كلامه هذا أو ظهوره في مفروغية الشيوخ المذكورين عن وثاقة الرجلين، و عدم احتمال إلصاق الكتاب بابن فضال من قبلهما، و إنما العلة

ص: 25

______________________________

في الرواية عنهما بطريق الإجازة، لأنها ليست في الضبط كالقراءة. و من هنا فالظاهر وثاقة علي بن محمد بن الزبير، بل جلالته.

هذا و قد حاول بعض مشايخنا قدّس سرّه في مسألة مبطلية البقاء علي حدث الحيض للصوم تصحيح طريق الشيخ لكتب ابن فضال بوجه آخر لم يتضح لنا الوجه في إهماله هنا.

و حاصله: أنه إذا روي شخصان كتابا واحدا أحدهما بطريق معتبر و الآخر بطريق ضعيف، و قد اشتركا في شيخ واحد، تعين اعتبار رواية ذي الطريق الضعيف لذلك الكتاب بعد رواية شيخه له بطريق معتبر حدث به الآخر.

و علي ذلك فطريق الشيخ لكتب ابن فضال و إن كان ضعيفا إلا أن طريق النجاشي لها معتبر، و حيث كان الشيخ و النجاشي يشتركان في شيخ واحد، و هو أحمد ابن محمد بن عبدون، و قد روي الكتب المذكورة بالطريقين معا، تعين اعتبار رواية الشيخ لتلك الكتب.

لكن الكبري التي ذكرها قدّس سرّه و إن كانت متينة جدا، إلا أنها لا تنطبق في المقام، لأن ابن عبدون إنما روي كتب ابن فضال بطريق واحد ذكره الشيخ و النجاشي، و هو المشتمل علي علي بن محمد بن الزبير المذكور، و ليس له إليها طريق آخر.

و أما النجاشي فهو و إن روي الكتب المذكورة بطريق آخر معتبر، إلا أنه غير مشتمل علي ابن عبدون حيث قال بعد ذكر الطريق الأول: «و أخبرنا محمد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن بكتبه».

نعم لا يبعد الاكتفاء بذلك في اعتبار الحديث، لظهور حال ابن عبدون في أن ما رواه للشيخ من كتب ابن فضال هو عين ما رواه للنجاشي، و ظهور حال النجاشي في أن ما رواه له ابن عبدون منها هو عين ما وصل له بالطريق الآخر المعتبر، و لازم ذلك اعتبار رواية الشيخ لكتب ابن فضال، لأنها عين ما رواه النجاشي بالطريق المعتبر. و إن كان الأمر أظهر من ذلك.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في اعتبار سند الحديث المذكور.

علي أن الظاهر عمل الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) في المقام به و اعتمادهم

ص: 26

______________________________

عليه، إذ ليس في نصوص المسألة ما يطابق فتواهم إثباتا و نفيا و لسانا غيره. و كفي بهذا جابرا للحديث لو كان ضعيفا في نفسه. بل هو في الحقيقة كاشف عن ثبوته عندهم، إما لوثاقة علي بن محمد بن الزبير- كما سبق- أو لاشتهار الكتاب المأخوذ منه، و إنما يذكر السند له لمحض إخراج الحديث عن الإرسال.

ثم إن بعض مشايخنا قدّس سرّه قد استدل للتحديد بالزوال بصحيح هشام ابن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يصبح، و لا ينوي الصوم، فإذا تعالي النهار حدث له رأي في الصوم. فقال: إن هو نوي الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوي» (1).

بتقريب: أن مقتضي الحكم باحتساب اليوم بتمامه إذا نوي الصوم قبل الزوال كونه بمنزلة النية عند الفجر في إجزائه عن صوم اليوم شرعا. كما أن الحكم باحتسابه من حين النية إذا نواه بعد الزوال لا يتناسب مع إجزائه، إذ لا يكفي صوم بعض اليوم في الصوم الواجب، فلا بد من حمله علي النافلة، و يدل علي أنه عمل مشروع يثاب عليه و إن لم يكن صوما حقيقيا، و قد سبقه إلي ذلك في الجملة المحقق الهمداني قدّس سرّه في مصباحه.

لكنه كما تري تكلف يأباه ظاهر الصحيح، فإن صوم بعض اليوم غير مشروع لا فرضا و لا نفلا. و تنزيله علي التفصيل بين الوجهين في مقدار الثواب من دون أن يكون صوما مشروعا يقتضي عدم الإجزاء فيهما معا، و مع كونه صوما مشروعا يقتضي الإجزاء فيهما معا. و حيث تضمن- ككثير من النصوص- إقرار نية الصوم تعين الثاني.

نظير ما في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أصبح و هو يريد الصيام ثم بدا له الإفطار فله أن يفطر ما بينه و بين نصف النهار، ثم يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنه يحسب له من الساعة التي نوي فيها» (2).

إلا أن يحمل صحيح هشام علي خصوص النافلة، جمعا مع حديث عمار

ص: 27


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 8.
2- التهذيب ج: 4 ص: 187 باب: نية الصيام حديث: 7. أورد صدره في وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7. و ذيله في باب: 2 من الأبواب المذكورة حديث: 3.

______________________________

المتقدم. أو يدعي انصراف الصحيحين معا للنافلة، بسبب التركيز فيهما علي الثواب، الذي هو الداعي المنظور في صوم النافلة. و علي كلا الوجهين ينحصر دليل المسألة بحديث عمار. و من ثم سبق منا أن اعتماد الأصحاب عليه في المقام.

و به يخرج عن إطلاق صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قال علي عليه السّلام: إذا لم يفرض الرجل علي نفسه صياما، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام، و إن شاء أفطر» (1)، و نحوه معتبر الجعفريات (2). و قد يستفاد من غيرهما.

نعم في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن موسي عليه السّلام عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صياما، و كان عليه يوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة النهار؟ فقال: نعم له أن يصومه، و يعتد به من شهر رمضان» (3).

و في مرسل البزنطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان، و يصبح فلا يأكل إلي العصر، أ يجوز أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال: نعم» (4).

و في معتبر الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أن رجلا من الأنصار أتي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فصلي معه صلاة العصر، ثم قام، فقال: يا رسول اللّه إني كنت اليوم في ضيعة لي، و إني لم أطعم شيئا، أ فأصوم؟ قال: نعم. قال: إن عليّ يوما من رمضان أ فأجعله مكانه؟ قال: نعم» (5). و هو- كما تري- صريح أو كالصريح في جواز نية قضاء شهر رمضان بعد الزوال.

لكن بعض مشايخنا قدّس سرّه منع من الاستدلال بالمرسل، بناء منه علي عدم حجية مراسيل البزنطي و أضرابه ممن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة، و لم يذكر حديث الجعفريات،

ص: 28


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 3 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6، 9.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6، 9.
5- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 3.

______________________________

غفلة، أو لما ذكره في غير هذا المورد من عدم حجية أحاديث الكتاب المذكور.

و أما صحيح عبد الرحمن فقد ادعي أنه مطلق يتعين حمله علي ما قبل الزوال، جمعا مع دليل التحديد بالزوال، لدخول ما بين الطلوعين في نهار الصوم، فيكون ما قبل الزوال أكثر النهار.

و فيه: أنه ليس في اللغة و العرف و الشرع إلا نهار واحد، و هو عنده قدّس سرّه يبدأ من طلوع الشمس، و الصوم عنده يبدأ من بعض الليل. بل حتي بناء علي المشهور المنصور من أن مبدأ النهار طلوع الفجر فنصف النهار عرفا هو الزوال الذي هو حد ميسور التشخيص. و عليه يبتني ما تقدم في صحيح عبد اللّه بن سنان. علي أن صحيح عبد الرحمن لم يتضمن ذهاب أكثر النهار، بل عامته، و عامة الشي ء حقيقة جميعه، و عرفا- كما هو المراد في المقام- ما يقابل القليل منه جدا الذي يكاد لا يعتد به، فهو في الحقيقة إطلاق مجازي شايع عرفا، و لا إشكال في عدم صدقه بحصول الزوال. و ما في المختلف من احتمال إرادته مجازا، بعيد جدا، بنحو لا يعول عليه في مقام الجمع بين الأدلة عرفا. و من هنا لا ينبغي التأمل في منافاته للتحديد بالزوال.

و لا سيما مع اعتضاده بمرسل البزنطي الصريح في ذلك، و الذي هو حجة علي التحقيق، كما يظهر مما ذكرناه في مسألة تحديد الكر من مباحث المياه، و كذا بحديث الجعفريات الذي هو حجة أيضا، علي ما ذكرناه في المسألة الثانية و الأربعين من مقدمة كتاب التجارة.

و علي ذلك فمقتضي الجمع العرفي حمل حديث عمار علي كراهة الاجتزاء بنية الصوم بعد الزوال، لأنه أقل ثوابا، كما احتمله في الاستبصار و يأتي نظيره في المستحب.

و يناسبه صحيح هشام بن الحكم، و إطلاق صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدمين. إلا أن يوهن بندرة القول بذلك، حيث لم ينسب إلا لابن الجنيد، و ظاهر الانتصار الإجماع علي خلافه.

و لكن في بلوغ ذلك حدا تسقط معه النصوص المتقدمة عن الحجية إشكال.

و لا سيما مع عدم تعرض بعضهم للمسألة، و مع ظهور تبويب الكافي في الإطلاق،

ص: 29

وقته (1)، فإذا أصبح ناويا للإفطار، و بدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا،

______________________________

و مع ما في الاستبصار من الجمع بين النصوص بحمل حديث عمار علي الفضل، أو حمل مرسل البزنطي علي جواز تجديد النية في أول وقت العصر، و ما في التهذيب من الاقتصار في باب نية الصيام علي النصوص الموسعة- بما في ذلك صحيح عبد الرحمن المتقدم- من دون ذكر حديث عمار، حيث يصعب مع كل ذلك إحراز الإعراض المسقط للنصوص المذكورة عن الحجية.

بقي في المقام شي ء، و هو أن حديث عمار مختص بقضاء شهر رمضان، و التعدي منه لجميع أفراد الواجب غير المعين يبتني علي فهم العموم منه، و إلغاء خصوصية مورده عرفا، و هو لا يخلو عن إشكال، لأن أهمية صوم شهر رمضان تناسب أهمية قضائه تبعا له، و ذلك كاف في احتمال خصوصيته في الخروج عن إطلاق ما دل علي مشروعية نية الصوم في أثناء النهار، كصحيح محمد بن قيس و معتبر الجعفريات المتقدمين. و لا سيما مع امتيازه عن بقية أنواع الصوم الواجب الموسع بحرمة الإفطار فيه بعد الزوال، و وجوب الكفارة به، و مع إطلاق معتبر صالح بن عبد اللّه عن أبي إبراهيم عليه السّلام:

«قلت له: رجل جعل عليه الصيام شهرا، فيصبح و هو ينوي الصوم، ثم يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم، فيبدو له فيصوم. فقال: هذا كله جائز» (1).

(1) هذا لا يتناسب مع ما سبق منه قدّس سرّه من تعميم حكم الواجب المعين إلي ما إذا كان تعينه بالعارض. و يبدو من استدلاله قدّس سرّه أن عمله علي الأخير، حيث قال في التعقيب علي نصوص الاجتزاء بالنية قبل الزوال في الواجب غير المعين: «كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين تضيق الوقت و عدمه، فالتعين بضيق الوقت بمنزلة عدمه».

و الذي ينبغي أن يقال: إن المنساق من النصوص هو ما لا يجب المبادرة له، إما لاستحبابه أو لكونه موسعا، لأن ذلك هو المناسب لما تضمنته من التعبير بأنه أراد أن يصوم أو يبدو له أن يصوم، أو له أن يصوم، أو نحو ذلك مما لا يناسب الوجوب المضيق و لو بالعرض.

ص: 30


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.

______________________________

نعم مقتضي إطلاق حديث عمار الذي سبق أنه هو الدليل علي التحديد بالزوال العموم لما إذا تضيق الوقت، لأن السؤال فيه عن وقت النية في قضاء شهر رمضان.

فإذا تم إلحاق بقية أنواع الواجب الموسع به تعين عمومه لما إذا تضيق بالعرض مثله.

و إلا احتاج الاجتزاء بتجديد النية فيه قبل الزوال للدليل، فضلا عن الاجتزاء فيه بتجديدها بعد الزوال.

أما بعض مشايخنا قدّس سرّه فقد ذهب إلي إلحاق المعين بغير المعين في الاجتزاء بتجديد النية في غير صورة تعمد عدم المبادرة بالنية من الفجر. لدعوي: أنه مقتضي الأولوية القطعية، لأنه إذا أجزأ تجديد النية في غير المعين مع إمكان امتثاله بفرد آخر كامل، فإجزاؤه في المعين الذي يتعذر امتثاله بفرد آخر أولي قطعا. و الي ذلك يرجع ما ذكره المحقق الهمداني قدّس سرّه من استفادة حكم المضيق بالفحوي، و تنقيح المناط.

نعم لا يجري ذلك في صوم شهر رمضان، لعدم انقسامه إلي معين و غير معين، ليستفاد حكم المعين من حكم غير المعين بالأولوية، بل هو معين لا غير، خارج عن موضوع النصوص السابقة.

و هو لو تم لا يختص بما إذا تعين الصوم الموسع بالعرض- كتضيق الوقت- بل يعم ما إذا كان متعينا بالأصل، كالصوم المنذور في وقت معين. غاية الأمر أنه لا بد من انقسام ماهية الصوم إلي قسمين معين و غير معين مشمول للنصوص السابقة، دون صوم شهر رمضان، الذي هو معين لا غير.

لكنه يشكل أولا: بأن لازمه العموم لما إذا تعمد عدم المبادرة بالنية من الفجر في المعين، لعموم النصوص في غير المعين لذلك و ما ذكره المحقق الهمداني قدّس سرّه من انصراف النصوص عنه و إن كان مسلما، بل هي قاصرة عنه، كما سبق، إلا أنه لا ينفع مع فرض الأولوية القطعية.

و ثانيا: بأن اللازم عدم اختصاص الاستثناء بصوم شهر رمضان، بل يجري في كل ما لا ينقسم إلي قسمين، بل يكون معينا لا غير، كصوم اليوم اللاحق لمن نام عن صلاة العشاء، لو قيل بوجوبه، و صوم ثالث الاعتكاف، فإن صوم الاعتكاف

ص: 31

______________________________

إما مستحب أو واجب معين، و ليس فيه واجب غير معين. و لا سيما و أن وجوبه ليس نفسيا، بل هو شرطي، لتوقف صحة الاعتكاف الواجب في اليوم الثالث عليه، و هو خارج عن موضوع النصوص قطعا، مع أنه قدّس سرّه صرح بالاجتزاء بتجديد النية في أثناء النهار فيه بمقتضي الأولوية المدعاة.

و ثالثا: بأن تعين وجوب الصوم إنما يقتضي الأولوية في الإجزاء بعد الفراغ عن عموم الملاك المقتضي للإجزاء لحال تعين الوجوب، بحيث يعلم بأن ما يترتب علي الصوم المنوي في أثناء النهار من الملاك مع عدم تعين وجوبه يترتب عليه مع تعين وجوبه، إذ حينئذ يكون تشريع الصوم الواجد للملاك المذكور مع تعذر الامتثال بالفرد الأكمل أولي من تشريعه و الاكتفاء به مع القدرة علي الامتثال بالفرد الأكمل.

و لكن الشأن في إحراز عموم الملاك مع قصور النصوص المتقدمة عن الواجب المعين.

و لعل الأولي أن يقال: إذا دلت الأدلة علي الاجتزاء بتجديد النية في نوع من أنواع الصوم، كصوم القضاء، و صوم النذر، و صوم الكفارة، و غيرها، فخصوصية التعيين أو عدمه ملغية عرفا في ذلك، لأن الاجتزاء بتجديد النية من من شئون ذات الصوم و حقيقته ارتكازا، و التعيين و عدمه أمران خارجان عن حقيقته. فالنصوص في المقام و إن اختصت بالمستحب و الواجب غير المعين، كما سبق، إلا أنه يفهم منها عرفا العموم للواجب المعين إذا اتحد نوعا مع غير المعين، أما إذا كان نوعا برأسه- كصوم شهر رمضان و غيره مما سبق ذكره- فلا طريق لإلحاقه بغير المعين من نوع آخر.

و لا سيما مع إطلاق موثق عمار الوارد في القضاء بنحو يشمل ما إذا تضيق، كما سبق.

هذا و لو تم إلحاق المعين بغير المعين فلا يفرق في المعين بين كون عدم المبادرة لنيته عن عمد و كونه عن عذر من جهل أو نسيان أو نحوهما.

و دعوي: أن تعمد عدم المبادرة قد يكون مانعا من صحة نية الصوم في المعين، لما فيه من التمرد، فيصعب إلغاء خصوصيته عرفا بعد فرض قصور النصوص عنه بدوا.

مدفوعة: بأنه بعد فهم عموم النصوص للمعين وسعة وقت النية فيه، فعدم المبادرة للنية لا يكون تمردا، لتوقف التمرد و العصيان علي فوت محل النية، كما لعله ظاهر.

ص: 32

فنوي الصوم، أجزأه. و إن كان ذلك بعد الزوال لم يجز. و في المندوب يمتد وقتها إلي أن يبقي من النهار ما يمكن فيه تجديد النية (1).

______________________________

(1) كما صرح به جماعة من القدماء، بل في الانتصار و الغنية و السرائر دعوي الإجماع عليه. و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق صحيحي هشام بن سالم و محمد بن قيس و معتبر الجعفريات المتقدمة، و إلي استفادته بالأولوية من نصوص التوسع في الواجب لو بني علي العمل بها- موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة. قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتي العصر ثم بدا له أن يصوم و إن [فإن] لم يكن نوي ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء اللّه» (1).

و صحيح هشام بن سالم عنه عليه السّلام: «قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلي أهله، فيقول: عندكم شي ء؟ و إلا صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به، و إلا صام» (2)، بناء علي حمله علي المستحب، لبعد أن يكون عليه عليه السّلام صوم واجب لا يبادر له، و علي أن المراد الدخول بعد صلاة الظهر، لأنه الوقت المعهود لدخول الرجل لداره لتناول الطعام بعد خروجه منها، و إلا كان بحكم المطلق.

و عن جماعة تحديده بالزوال كالواجب. و في الشرائع أنه الأشهر، و في المسالك أنه المشهور، و نسبه في المدارك للأكثر، و يشهد له موثق ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب، ثم ينام حتي يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟

فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار»(3). و مرسل دعائم الإسلام عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من أصبح لا ينوي الصوم، ثم بدا له أن يتطوع، فله ذلك ما لم تزل الشمس. و كذلك إن أصبح صائما متطوعا فله أن يفطر ما لم تزل الشمس» (4).

مضافا إلي إطلاق خبر ابن بكير عنه عليه السّلام: «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل، و مضي ما مضي من النهار. قال: يصوم إن شاء.

ص: 33


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 3 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.

[(مسألة 8): يجتزأ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر]

(مسألة 8): يجتزأ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر (1) و في

______________________________

و هو بالخيار إلي نصف النهار» (1).

و يتعين الجمع بين الطائفتين بالحمل علي اختلاف مراتب الفضل. و لا سيما مع عدم ظهور الموثق في تشريع التحديد بالزوال، بل في الإشارة للتحديد به المعهود، حيث لا يبعد كون التحديد المعهود هو التحديد بلحاظ الصوم التام، كما يناسبه ما تقدم في صحيح هشام بن سالم، و مع اشتمال المرسل علي النهي عن الإفطار بعد الزوال المحمول علي الفضل أيضا.

(1) كما صرح بذلك جماعة، و نسبه في التذكرة لأصحابنا. و عن المنتهي نسبته إلي الأصحاب من غير نقل خلاف، و في الانتصار و الخلاف و الغنية و محكي المسائل الرسية دعوي الإجماع عليه صريحا.

و قد يستدل عليه تارة: بأن صوم الشهر كله عبادة واحدة.

و أخري: بقيام السيرة علي الاجتزاء في صوم شهر رمضان بالبناء علي صومه من أول الشهر، و الجري علي ذلك في جميع الأيام، من دون تعمد نية كل منها علي استقلاله. بل لا إشكال ظاهرا في اجتزائهم بالصوم لمن نام قبل المغرب و استمر نومه لما بعد الفجر من اليوم الثاني.

لكن يندفع الأول: أولا: بأن وحدة الخطاب بصوم الشهر في الآية الشريفة و غيرها لا ينافي انحلال الواجب و تعدده بعدد الأيام، بل هو من ضروريات الفقه، و لذا يمكن التفكيك بين الأيام في الإفطار و الصيام. بل الأولي دعوي ذلك في صوم الكفارة حيث يجب صوم مجموع أيامه بنحو الارتباطية، فلا يصح صوم البعض وحده كفارة، و إن صح ندبا.

و ثانيا: بأن ذلك- لو تم- إنما يقتضي لزوم النية في أول الشهر- بحيث لا يجتزأ بصوم بعض الشهر بدونها- لا الاجتزاء بها عن النية لكل يوم، لوضوح أن النية كما

ص: 34


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

______________________________

تعتبر في أول العبادة تعتبر في أجزائها، و هي الأيام في المقام.

و لهذا و نحوه تردد في الشرائع و النافع و القواعد. و مال في المعتبر و المدارك لوجوب تحديد النية، و به صرح في التذكرة و المختلف و جامع المقاصد و عن غيرها، بل في الحدائق أنه المشهور بين المتأخرين.

و أما الثاني فهو لا يختص بصوم رمضان، بل يجري في كل صوم مستمر، واجبا كان كصوم الكفارة المبني علي التتابع في الأداء، أو مستحبا كصوم شعبان.

فإن سيرتهم الارتكازية في الجميع علي نهج واحد. و من ثم لا يتضح امتياز صوم شهر رمضان عن صوم غيره في ذلك.

علي أن المراد بذلك إن كان هو عدم لزوم استحضار النية في كل ليلة. فهو مبني علي اعتبار الاستحضار في نية الصوم و غيره من العبادات، كي يتجه استثناء صوم رمضان، و التحقيق عدمه، و الاكتفاء بتحقق الداعي و الجري عليه ارتكازا من دون فرق بين الصوم و غيره، فضلا عن أفراد الصوم و أنواعه.

و إن كان هو عدم الإخلال بمثل النوم و نحوه لو طلع الفجر حينه، فلا يظن من أحد المنع منه في بقية أنواع الصوم لو سبقت النية. و إلا فالفرق في وجوب النية بين حدوث الصوم و بقائه بلا فارق، مع ضرورة عدم إخلال مثل النوم نهارا في جميع أنواع الصوم.

و دعوي: أن مقتضي الأصل قدح مثل النوم مطلقا، لمنافاته للنية المعتبرة في العبادة، و يلزم الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن من الإجماع أو الضرورة، و هو النوم في أثناء النهار في جميع أنواع الصوم، و النوم في أثناء الليل بعد النية كذلك، و النوم في تمام الليل مع النية السابقة في أول الشهر في خصوص صوم رمضان دون غيره، للفرق بينهما بالإجماع.

مدفوعة: أولا: بعدم ظهور إجماع تعبدي يمكن الخروج به عن مقتضي القاعدة أو الأصل و لا سيما بعد ظهور الخلاف ممن سبق، و بعد تصريح المحقق في المعتبر بعدم العلم بالإجماع المدعي.

ص: 35

غيره لا بد في كل يوم من نية، في ليلته إلي طلوع الفجر، أو إلي الزوال (1).

[(مسألة 9): الناسي و الجاهل في شهر رمضان إذا لم يستعملا المفطر و لم يفسدا صومهما برياء و نحوه]

(مسألة 9): الناسي و الجاهل في شهر رمضان إذا لم يستعملا المفطر و لم يفسدا صومهما برياء و نحوه (2)

______________________________

و ثانيا: بأن مقتضي الإطلاق و الأصل عدم اعتبار النية رأسا، و لزومها هو الذي يحتاج إلي دليل، و قد دل الدليل علي ذلك في صوم شهر رمضان بنحو يقتضي مقارنة النية لأول النهار، و هو الظاهر في غيره من أنواع الصوم- و لو لقاعدة الإلحاق، التي يأتي الكلام فيها في المفطر السابع- كما تقدم في المسألة السابقة. و حينئذ لا بد من حمل النية المذكورة- بضميمة ارتكازيات المتشرعة و سيرتهم- علي الاجتزاء بالعزم السابق علي الصوم لليوم الواحد أو الأيام المتعددة، و عدم قدح النوم و نحوه إذا كان مبنيا عليها، لا علي الإعراض عن الصوم. فاللازم البناء علي ذلك في جميع أفراد الصوم و أنواعه بعد عدم وضوح المخرج عنه من إجماع تعبدي أو غيره.

و أما ما تضمن اشتراط الصوم بتبييت النية (1). فهو- مع ضعفه كما تقدم في أوائل الكلام في المسألة السابقة- لا ينهض بتعيين كيفية النية، و لا ينافي الاجتزاء بالنية الارتكازية التي لا ينافيها النوم. بل لا يمكن البناء علي حمله علي خصوص النية التفصيلية التي ينافيها النوم. و لا سيما و أن المتيقن منه صوم شهر رمضان، لأنه أظهر أفراد الصوم، فالاجتزاء فيه بالنية الارتكازية المذكورة ملزم بحمل النبوي عليها.

(1) بلا خلاف أجده فيه، بل في الدروس الإجماع عليه. كذا في الجواهر.

و يظهر الحال فيه مما تقدم من عدم وضوح إجماع تعبدي ينهض بالفرق، و أن اللازم اعتبار استمرار النية في الكل، و الاكتفاء فيها بالنية الارتكازية الإجمالية، من دون أن ينافيها النوم و نحوه.

(2) المفروض في محل الكلام عدم الصوم، و هو لا يناسب فرض إبطاله بالرياء و نحوه. إلا أن يريد من إبطال الصوم بالرياء إبطال الإمساك به من دون نية

ص: 36


1- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.

يجزيهما تجديد النية قبل الزوال (1). من غير فرق بين نسيان الحكم و نسيان الموضوع و كذلك في الجهل.

______________________________

الصوم. و حينئذ قد يوجه الإشكال المذكور بانصراف أدلة الاجتزاء بالنية قبل الزوال أو قصورها عما إذا وقع الإمساك بوجه محرم، لأنه إذا وقع بوجه مبعد امتنع التقرب به بعد ذلك. لكن التقرب عند تجديد النية لا يكون به، لأنه أسبق منها، بل بالقصد للصوم المقارن للتقرب.

(1) فقد صرح جماعة ممن ذهب إلي وجوب مقارنة النية للفجر بجواز تجديدها للجاهل و الناسي، و لم يعرف الخلاف فيه، إلا ما حكاه في المختلف عن ابن أبي عقيل في الناسي، مع موافقته لهم في الجاهل.

و كيف كان فبعد أن سبق أن مقتضي القاعدة مقارنة النية للفجر، و أن ما دل علي الاجتزاء بتجديدها في أثناء النهار لا يشمل الواجب المعين إذا كان نوعا برأسه بحيث ليس فيه غير معين، كصوم شهر رمضان و غيره مما تقدم، فيقع الكلام في وجه الاجتزاء فيه بتجديد النية مع النسيان أو مطلق العذر. و قد يستدل علي ذلك بوجوه..

الأول: حديث الرفع المشهور المتضمن رفع جملة من الأمور، منها الجهل و النسيان (1).

و فيه: أنه إنما يقتضي رفع المؤاخذة و الآثار الشرعية المبتنية علي تحميل مسئولية الإنسان لعمله، كالحد، و نفوذ العقد، و الإقرار، دون مثل بطلان العمل الذي هو أمر واقعي منتزع من عدم مطابقته لموضوع الأثر، و ما يترتب عليه من وجوب الإعادة تحقيقا للامتثال، أو القضاء تداركا للفائت، من دون أن يكون من سنخ المؤاخذة أو تحميل الإنسان مسئولية عمله. و لذا يجبان مع الاضطرار و الإكراه و إن كانا مرفوعين أيضا، كالجهل و النسيان في الحديث المذكور. و قد ذكرنا نظير ذلك بتفصيل عند الكلام في بيع الصبي و المكره من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع.

ص: 37


1- راجع وسائل الشيعة ج: 11 باب: 56 من أبواب جهاد النفس.

______________________________

الثاني: النصوص الدالة علي تجديد نية الصوم إذا دخل المسافر بلده قبل الزوال (1). بل جعله في المدارك مستفادا من ذلك بالفحوي و الأولوية. و كأنه بلحاظ أن السفر في بعض اليوم نقص في الصوم زائد علي النقص الحاصل من ترك النية.

و فيه أولا: أن ذلك يبتني علي تجديد نية الصوم تبعا لتجدد التكليف به من دون أن يكون بعض الصوم الواجب فاقدا للنية، و ما نحن فيه يبتني علي تجديدها تبعا لتجدد تنجزه مع سبق التكليف به من الفجر، بحيث يكون بعض الصوم الواجب فاقدا للنية. و حمله علي الأول قياس مع الفارق.

و ثانيا: أن تلك النصوص إنما دلت علي وجوب الصوم و مشروعيته بدخول البلد قبل الزوال، من دون تحديد لوقت النية، و أنه هل يشترط إيقاعها عند الدخول في أول زمان وجوب الصوم، أو يجوز تأخيرها- مطلقا، أو مع العذر- إلي الزوال أو إلي آخر النهار، بل ذلك موكول إلي هذه المسألة، من دون دخل له بتلك المسألة.

الثالث: المرسل في بعض كتب أصحابنا، أقدمها فيما عثرنا عليه المعتبر: «روي أن ليلة الشك أصبح الناس، فجاء إعرابي شهد برؤية الهلال، فأمر النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك» (2). و عن المنتهي: «و إذا جاز مع العذر و هو الجهل بالهلال جاز مع النسيان».

و فيه أولا: أنه ضعيف بالإرسال. و لا سيما بعد عدم العثور عليه في كتب الحديث للخاصة و العامة، و إنما ذكره بعض الفقهاء منا، كما ذكره السرخسي من العامة. قال: «و لنا حديث عكرمة عن ابن عباس (رضهما): أن الناس أصبحوا يوم الشك علي عهد رسول اللّه (ص)، فقدم إعرابي، و شهد برؤية الهلال، فقال رسول اللّه (ص): أتشهد أن لا إله إلا اللّه، و إني رسول اللّه؟ فقال: نعم. فقال (ص): اللّه أكبر يكفي المسلمين أحدهم. فصام و أمر الناس بالصيام، و أمر مناديا، فنادي: ألا من كان أكل فلا يأكلن بقية يومه، و من لم يأكل فليصم» (3).

ص: 38


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم.
2- المعتبر ص: 299.
3- المبسوط للسرخسي ج: 3 ص: 62.

______________________________

و ذكر نحوه في المباركفوري (1).

لكن الحديث لم يرو بهذه التتمة في كتب الحديث للعامة، و إنما اقتصر في بعضها علي الأمر بالصيام، و صرح في بعضها بالأمر بالصيام غدا، و في آخر أن الأعرابي شهد ليلا. قال الزيلعي بعد ذكر الحديث بالتتمة المتقدمة: «قلت حديث غريب، و ذكره ابن الجوزي في التحقيق. و قال: إن هذا حديث لا يعرف، و إنما المعروف أنه شهد عنده برؤية الهلال، فأمر أن ينادي في الناس أن تصوموا غدا. و قد رواه الدارقطني بلفظ صريح: أن إعرابيا ليلة شهر رمضان، فذكر الحديث … » (2).

نعم ورد المضمون المذكور من طرق العامة في صوم يوم عاشوراء. ففي حديث سلمة بن الأكوع قال: «أمر النبي (ص) رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه، و من لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء»(3).

و نحوه غيره. و هو الذي ذكره الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية، مستدلين به علي العامة، بضميمة أن يوم عاشوراء كان واجبا.

لكنه- لو تم- لا مجال للتعدي عن مورده، لأن تأخير النداء به إلي أثناء النهار لا بد أن يكون لعدم تشريعه إلا في ذلك الوقت. و التوسع في النية مع تأخر التشريع لا يستلزم التوسع فيها مع سبق التشريع و عدم المبادرة للنية للجهل بالحكم أو الموضوع أو نسيانهما.

هذا مع أنه لا مجال لاستدلالنا به لإثبات الحكم عندنا مع عدم ثبوته من طرقنا.

و دعوي: انجبار ضعف الحديث الأول الوارد في يوم الشك بعمل الأصحاب.

ممنوعة جدا. فإن ذلك إنما يتجه في الحديث الذي يرويه قدماء الأصحاب بطرقهم، و يثبتونه في كتب الحديث التي كانت تعرف فتاواهم منها. دون مثل هذا الحديث مما لم يذكر إلا في بعض كتب الاستدلال خصوصا مع ما عرفت من حاله.

و أما الإشكال فيه باشتماله علي الاكتفاء بخبر الواحد المجهول في الهلال، و هو

ص: 39


1- تحفة الأحوذي ج: 3 ص: 354.
2- نصب الراية ج: 2 ص: 435.
3- صحيح البخاري ج: 2 ص: 705.

______________________________

مخالف للنص و الفتوي. فقد يندفع باحتمال النسخ في المقام.

و ثانيا: أنه لا يتضمن التحديد بالزوال. كما أنه مختص بصوم شهر رمضان، دون بقية الصوم المعين، و بالجهل دون النسيان.

اللهم إلا أن يعمم لبقية الصوم المعين بالأولوية، و للنسيان بإلغاء الخصوصية، و فهم العموم لكل عذر عرفا، كما ربما يرجع إليه ما تقدم عن المنتهي. و يكون الاستدلال به بلحاظ دلالته علي العفو عن الإخلال بالنية في الجملة، لأنه قد تضمن قضية في واقعة لا إطلاق لها، و المتيقن منها قبل الزوال، و يكون المرجع فيما بعده القاعدة، المقتضية للبطلان كما تقدم. فتأمل. فالعمدة الوجه الأول من الإشكال.

و من ثم قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «فالعمدة إذا الإجماع. و لا يقدح فيه خلاف العماني، حيث ألحق الناسي بالعامد في البطلان. لكثرة تفرده في مخالفة الأصحاب. مع عدم ثبوت خلافه في المقام، كما قيل».

و الذي ينبغي أن يقال: شيوع الابتلاء بالمسألة في الجهل بسبب عدم وضوح الهلال من الليل يناسب وضوح الحكم فيها بنحو يبعد معه خطأ الأصحاب في الحكم بالإجزاء. غاية الأمر أنهم قد اضطربوا في توجيه حكم المسألة، كما اضطربوا في كثير من مباحث النية، و ذلك لا يمنع من الاطمئنان، بل القطع، بعدم خطئهم فيه.

غاية الأمر أن التحديد بالزوال يفقد الدليل المعتد به. إلا أنه مقتضي الأصل المتقدم، بعد كون المتيقن من الإجزاء ما قبله.

و أما النسيان فعدم شيوع الابتلاء به مانع من معرفة حكمه من السيرة.

و الظاهر أن بناء المشهور علي الإجزاء معه يبتني علي إلحاقه بالجهل. و هو قد يتجه لو كان الدليل في الجهل لفظيا، لدعوي إلغاء خصوصية الجهل فيه عرفا، و فهم العموم منه لمطلق العذر. أما حيث كان لبيا فإلحاقه بالجهل يتوقف علي القطع بالعموم. و هو لا يخلو عن إشكال.

ص: 40

[(مسألة 10): إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان]

(مسألة 10): إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان (1) و إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية (2)،

______________________________

(1) كما هو المعروف بينهم، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر من المصنف و الفاضل نفيه بين المسلمين. بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا، كالنصوص».

لكن النصوص الواردة في صوم يوم الشك و إجزائه عن صوم شهر رمضان و إن كانت كثيرة.

إلا أن ما تضمن إجزاءه مع صومه بنية شعبان ليست بتلك الكثرة. و عمدتها موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المتقدم في المسألة الخامسة، و فيه: «إنما يصام يوم الشك من شعبان، و لا يصومه من شهر رمضان … و إنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل اللّه، و بما قد وسع علي عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس» (1). و خبر الزهري المتقدم هناك أيضا (2).

و ما أرسله الصدوق عن عبد اللّه بن سنان: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام شعبان، فلما كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان، فبان أنه من شعبان، لأنه وقع فيه الشك. فقال: يعيد ذلك اليوم. و إن أضمر من شعبان فبان أنه من رمضان فلا شي ء عليه» (3).

هذا و قد تقدم في المسألة الخامسة الكلام في إطلاق هذه النصوص أو اختصاصها بما إذا صامه تطوعا. فراجع.

(2) كما هو مقتضي إطلاق الأمر بالتجديد في المعتبر، و التصريح بعمومه لما بعد الزوال في الدروس. إذ لا مجال للبقاء علي النية الأولي بعد ظهور خطئها، فلا بد من العدول بها إلي ما علم. و ما دل علي صوم يوم الشك من شعبان مختص بما إذا بقي

ص: 41


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 10.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 10.

و إن صامه بنية رمضان بطل (2) و إن صامه بنية الأمر الواقعي المتوجه إليه

______________________________

اليوم يوم الشك إلي الليل، دون ما إذا ظهر حاله.

كما أن قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «و إنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه … » ظاهر في العفو عن النية الأولي و إجزائه عن شهر رمضان حين وقوعه، و مقتضي إطلاقه عدم الفرق بين ظهور الحال قبل انقضاء اليوم و بعده. و هو مقتضي إطلاق خبر الزهري و مرسل الصدوق.

بل إجزاؤه عن شهر رمضان مع نيته بتمامه من شعبان يقتضي إجزاءه عنه مع نية بعضه منه بالأولوية العرفية. و أما ما سبق من الإشكال أو المنع من تجديد النية قبل الزوال أو بعده فإنما هو مع عدم نية الصوم، لا مع نيته خطأ بنحو يعفي عنه، و يجزي عن النية المطلوبة.

و منه يظهر ضعف ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من قصور النصوص عن صورة الانكشاف في الأثناء، و أن إلحاقها إنما كان بالإجماع أو بالأولوية، و المتيقن منهما صورة التجديد.

و أضعف منه ما في الجواهر من عدم وجوب تجديد النية للإطلاق. لما أشرنا إليه من أن موضوع الإطلاق يوم الشك، و قد خرج اليوم بانكشاف الحال عن ذلك.

مع أنه لا معني للبقاء علي النية الأولي بعد ظهور خطئها.

(2) كما صرح به غير واحد، و نسبه في المدارك للمعظم، و في الجواهر أنه المشهور بين الأصحاب. و قد يستدل له بأنه تشريع محرم، فيكون منهيا عنه، فيمتنع التقرب به، و يبطل مع الالتفات لذلك. لكنه مختص بما إذا رجع إلي تشريع ثبوت رمضان شرعا ببعض الطرق غير الشرعية، كشهادة النساء، أما إذا رجع إلي البناء علي تحقق رمضان خارجا من دون أن ينسب للشارع، فلا يكون تشريعا، ليحرم.

فالعمدة النصوص المتقدمة و غيرها مما تضمن النهي عن صومه بنية شهر رمضان، فإنها ظاهرة في عدم مشروعية الصوم بالوجه المذكور، المستلزم لبطلانه.

و مثلها ما تضمن النهي عن صوم يوم الشك، كمعتبرة قتيبة الأعشي: «قال أبو

ص: 42

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن صوم ستة أيام: العيدين، و أيام التشريق، و اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان» (1). حيث لا بد من حملها علي صومه بنية شهر رمضان، جمعا مع النصوص الآمرة بصومه (2)، بقرينة النصوص المفصلة.

مضافا إلي خصوص ما تضمن أن من صامه قضاه، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، قال: عليه قضاؤه و إن كان كذلك»(3)، و صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال في يوم الشك: من صامه قضاه و إن كان كذلك … » (4) فإنهما إن كانا مطلقين تعين حملهما علي خصوص ما إذا صامه بنية رمضان بقرينة النصوص المفصلة. و إن كانا مختصين بصومه علي أنه من شهر رمضان كانا نصا في المطلوب. كما يناسبه قوله عليه السّلام فيهما:

«و إن كان كذلك»، لظهور اسم الإشارة في سبق فرض شهر رمضان.

بل هو صريح قوله في ذيل الثاني: «يعني: من صامه علي أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه، و إن كان يوما من شهر رمضان، لأن السنة جاءت في صيامه علي أنه من شعبان، و من خالفها كان عليه القضاء». نعم لا يبعد عدم كون ذلك من تتمة كلام الإمام عليه السّلام، بل من بعض الرواة، أو من الشيخ.

هذا و قد يستدل للإجزاء بموثق سماعة: «سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان، فصامه من شهر رمضان.

قال: هو يوم وفق له. لا قضاء عليه» (5)، و صحيح معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك.

ص: 43


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 5.
5- التهذيب ج: 4 ص: 181 باب: فضل صيام يوم الشك و الاحتياط لصيام شهر رمضان حديث: 4، الاستبصار ج: 2 ص: 78 باب: صيام يوم الشك حديث: 2. و قد أشار إليه محقق كتاب وسائل الشيعة ج: 7 في التعليق علي الحديث السادس من باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته.

______________________________

فقال: هو شي ء وفق له» (1)، بناء علي أن قوله: «من شهر رمضان» متعلق بقوله:

«يصوم».

و يندفع بأن الموثق و إن روي كذلك في التهذيبين المطبوعين حديثا، إلا أنه روي في الكافي هكذا: «فصامه، فكان من شهر رمضان» (2)، و هو أنسب بالجواب و بكلام الشيخ قدّس سرّه في التهذيبين، حيث ساق الموثق شاهدا للتفصيل المشهور. و بكلام صاحب الوسائل حيث حكي رواية الكافي عن الكليني و الشيخ (قدّس سرهما) معا.

مضافا إلي ما أشتهر من أن الكافي أضبط. و لا أقل من التعارض، الموجب للتساقط، المانع من الاستدلال.

و أما الصحيح فكما يمكن أن يكون قوله فيه: «من شهر رمضان» متعلقا بقوله:

«يصوم» يمكن أن يكون متعلقا بقوله: «يشك». بل لعل الثاني أظهر، لأنه أقرب. و لا أقل من لزوم حمله عليه، جمعا مع بقية النصوص. علي أنه لو فرض ظهورهما في ذلك فلا مجال للخروج بهما عما سبق من النصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب.

و منه يظهر ضعف ما في الخلاف و عن العماني و الإسكافي من إجزائه عن شهر رمضان لو صادفه، قال في الخلاف: «دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة و أخبارهم علي أن من صام يوم الشك أجزأه عن شهر رمضان. و لم يفرقوا. و من قال من أصحابنا:

لا يجزيه، تعلق بقوله: أمرنا بأن نصوم يوم الشك بنية أنه من شعبان، و نهينا أن نصومه من رمضان، و هذا صامه بنية رمضان، فوجب أن لا يجزيه، لأنه مرتكب للنهي، و ذلك يدل علي فساد المنهي عنه». و التدافع في كلامه ظاهر.

هذا و قد قال في المبسوط: «و صوم يوم الشك إن صامه بنية شعبان، ثم بان أنه من رمضان فقد أجزأه عنه. و إن صامه بنية رمضان بخبر واحد أو بأمارة أجزأه أيضا، لأنه يوم من رمضان، فأما مع عدم ذلك فإنه لا يجزيه، لأنه منهي عن صومه علي هذا

ص: 44


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.
2- الكافي ج: 4 ص: 82، 81 باب: اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان حديث: 2. وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.

- إما الوجوبي أو الندبي- فالظاهر الصحة (1).

______________________________

الوجه … »، و ما ذكره في الصورة الثانية إنما يتجه إذا أوجب خبر الواحد أو الأمارة العلم بدخول رمضان. أما إذا بقي الشك فهو داخل في النهي عن صوم يوم الشك بنية رمضان كالصورة الثالثة، إذ لا يثبت الهلال شرعا إلا بالبينة.

(1) كما قد يستفاد ممن صرح بالإجزاء في الصورة الآتية. و هو مقتضي القاعدة، لما هو التحقيق من عدم اعتبار نية الوجه. مضافا إلي استفادته من إطلاق جملة من النصوص المتضمنة إجزاء صوم يوم الشك عن رمضان إن صادفه من دون تنبيه فيها علي لزوم نية صومه من شعبان.

بل حملها علي خصوص صورة صومه بالنية المذكورة لا يخلو عن تكلف بعد كون المتعارف صومه برجاء كونه من شهر رمضان. و لا سيما صحيح الكاهلي:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان. قال: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» (1).

و معتبر سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام أول يوم من شهر رمضان و هو شاك لا يدري أ من شعبان أو من رمضان. فقال: هو يوم وفق له لا قضاء عليه» (2).

و حديث بشير النبال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن صوم يوم الشك. فقال:

صمه فإن يك من شعبان كان تطوعا و إن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له» (3) و غيرها.

و أما ما تضمن الأمر بصومه علي أنه من شعبان، و النهي عن صومه علي أنه من شهر رمضان (4)، و الحكم بالبطلان في الثاني، و بالصحة في الأول (5). فهو إما محمول علي الحصر الإضافي في مقابل صومه علي أنه من شهر رمضان، أو قاصر عن محل الكلام، لخروجه عن كلا الفرضين المذكورين فيه، فيرجع فيه للقاعدة التي عرفتها، و النصوص الأخر المشار إليها. فلاحظ.

ص: 45


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 11، 3، 4، 8، 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 11، 3، 4، 8، 10.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 11، 3، 4، 8، 10.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 11، 3، 4، 8، 10.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1، 11، 3، 4، 8، 10.

و إن صامه علي أنه إن كان من شعبان كان ندبا، و إن كان من رمضان كان وجوبا فللصحة وجه (1). و الأحوط القضاء فيهما.

______________________________

هذا و الظاهر عدم التنافي بين محل الكلام و صومه علي أنه من شعبان، إذ المراد بمحل الكلام هو النظر للواقع، و المراد بصومه علي أنه من شعبان هو النظر للظاهر، لا أنه من شعبان واقعا، و من الظاهر عدم التنافي بينهما، بل رجوع أحدهما للآخر ثبوتا، و إمكان القصد لهما معا.

نعم يمكن انفكاك محل الكلام عن صومه علي أنه من شعبان ظاهرا، بإغفال مقتضي الظاهر، فالكلام إنما يكون في خصوص هذا الفرض.

(1) كما في المبسوط و الخلاف و المختلف و الدروس و عن ابن أبي عقيل و غيرهم. و يظهر الوجه فيه مما تقدم في الفرض السابق، فإنهما من باب واحد.

و في النهاية و السرائر و الشرائع و التذكرة و المدارك، و عن سائر كتب الشيخ و أكثر المتأخرين، أنه لا يجزي. و عباراتهم بين ما هو نص فيه و ما يشمله بإطلاقه.

و قد يستدل عليه تارة: بمبطلية الترديد في النية، و أخري: بظهور الأمر بصومه من شعبان في تعين ذلك و عدم إجزاء غيره. و يظهر الجواب عنهما مما سبق.

نعم استدل عليه بعض مشايخنا قدّس سرّه بأن مقتضي إطلاق ما تضمن النهي عن صومه من رمضان العموم لما إذا قصد رمضان رجاء و احتمالا، بل من البعيد حمله علي خصوص صورة نية أنه من رمضان بنحو الجزم، لندرة حصول ذلك في يوم الشك.

لكنه كما تري بعيد عن لسان النصوص المذكورة. كما لا يناسب النصوص الأخر التي تقدم الاستدلال بها للصحة. و أما ما ذكره من ندرة نية أنه من رمضان جزما في يوم الشك. فيندفع بأن من الممكن توهم توقف الإجزاء علي الجزم بأنه من رمضان، للبناء علي عدم إجزاء الفريضة إلا بنية امتثالها جزما، فلا يكون الاحتياط إلا بذلك، بل قال في التذكرة: «و قال أحمد: إن كانت السماء مصحية كره صومه. و إن كانت مغيمة وجب صومه، و يحكم بأنه من رمضان. و هو مروي عن ابن عمر … ».

ص: 46

______________________________

و حينئذ يمكن ورود هذه النصوص للردع عن ذلك.

بقي شي ء، و هو أن المعروف من مذهب الأصحاب استحباب صوم يوم الشك، و هو المدعي عليه الإجماع صريحا في الانتصار و الخلاف و الغنية، و ظاهرا في محكي غيرها.

و النصوص به مستفيضة، تقدم بعضها. و هي مؤكدة لمقتضي القاعدة من استحباب صومه شرعا استصحابا لشعبان، و حسنه عقلا احتياطا لشهر رمضان، لأنه حيث كان يقع عنه إذا صادفه، كان مقتضي الاحتياط له صومه. و قد تقدم أن ما تضمن النهي عن صومه محمول علي صومه بنية شهر رمضان، كما هو الظاهر من بعضها، و لا أقل من كونه مقتضي نصوص التفصيل المتقدمة.

نعم قد لا يناسب ذلك صحيح عبد الكريم بن عمرو: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني جعلت علي نفسي أن أصوم حتي يقوم القائم. فقال: [صم. و] لا تصم في السفر، و لا في العيدين، و لا في أيام التشريق، و لا اليوم الذي يشك فيه» (1).

فإن النهي عن صومه تنفيذا لما جعله علي نفسه لا يناسب مشروعية صومه في الجملة و لو بنية شعبان.

لكن لا مجال للخروج به عن النصوص الكثيرة المتقدمة. و لا سيما و في خبره الآخر: «حلفت في ما بيني و بين نفسي أن لا آكل طعاما بنهار أبدا حتي يقوم قائم آل محمد. فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام. قال: فقلت له: رجل من شيعتكم جعل للّه عليه أن لا يأكل طعاما بنهار أبدا حتي يقوم قائم آل محمد. قال: فصم إذا يا كرام. و لا تصم العيدين، و لا ثلاثة التشريق، و لا إذا كنت مسافرا و لا مريضا … » (2). و هو و إن كان ضعيف السند، إلا أنه موجب لاحتمال التصحيف في الصحيح.

و لو غض النظر عن ذلك تعين حمله علي التقية، لوجود ذلك في أقوال العامة. و في حديث محمد بن حكيم: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن اليوم الذي يشك فيه، فإن الناس

ص: 47


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 3.
2- الكافي: ج: 1: ص: 534 باب ما جاء في الاثني عشر و النص عليهم عليه السّلام حديث: 19.

______________________________

يزعمون أن من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان. فقال: كذبوا إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق [وفقوا] له. و إن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضي من الأيام» (1).

و في المختلف: «و قال ابن الجنيد: لا استحب الابتداء بصيام يوم الشك، إلا إذا كان في السماء علة تمنع من الرؤية، استظهارا. و قال المفيد في الرسالة الغرية:

يكره صوم يوم الشك إذا لم يكن هناك عارض، و تيقن أول الشهر، و كان الجو سليما من العوارض و تفقد الهلال، و لم ير مع اجتهادهم في الطلب. و لا يكون هناك شك حينئذ. و يكره صومه حينئذ إلا لمن كان صائما قبل شعبان أو أياما تقدمته من شعبان.

بذلك جاءت الآثار عن الأئمة عليهم السّلام».

و كأنه يشير بذلك إلي صحيح معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «كنت جالسا عنده آخر يوم من شعبان، و لم يكن هو صائم، فأتوه بمائدة. فقال: ادن. و كان ذلك بعد العصر. فقلت: جعلت فداك صمت اليوم. فقال لي: و لم؟ قلت: جاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في اليوم الذي يشك فيه أنه قال: يوم وفق له. قال: أ ليس تدرون؟ إنما كان ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان، فصام الرجل فكان من شهر رمضان، كان يوما وفق له. فأما و ليس علة و لا شبهة فلا. فقلت: أفطر الآن؟

فقال: لا … » (2).

و في حديث الزهري عن الإمام زين العابدين عليه السّلام: «و صوم يوم الشك أمرنا به و نهينا عنه. أمرنا به إن نصومه من صيام شعبان، و نهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. فقلت: جعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه … » (3).

لكن صحيح معمر صريح في مشروعية الصوم مع عدم العلة، و لذا نهاه عن الإفطار. غايته أنه لا يكون من صوم يوم الشك المستحب بعنوانه، و الذي ورد أنه يوم وفق له، لعدم الشبهة. فهو راجع إلي نفي الموضوع. و حديث الزهري- مع

ص: 48


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7، 12، 8.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7، 12، 8.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7، 12، 8.

و إذا أصبح فيه ناويا للإفطار، فتبين أنه من رمضان قبل تناول المفطر، فإن كان قبل الزوال جدّد النية و اجتزأ به (1)، و إن كان بعده أمسك وجوبا (2).

و عليه قضاؤه (3).

______________________________

ضعفه- ظاهر بقرينة تتمته في النهي عن إفراد صوم يوم الشك علي أنه من شهر رمضان، لا مطلقا. فلاحظ.

(1) كما يظهر مما تقدم في المسألة التاسعة.

(2) كما صرح به غير واحد، بل في الخلاف و جامع المقاصد الإجماع عليه، و في التذكرة أنه لم يخالف فيه إلا عطاء، و كذا أحمد في رواية و قريب منه عن المنتهي و الذكري. و كفي بهذا الإجماع في مثل هذه المسألة العملية الشائعة الابتلاء دليلا مخرجا عن مقتضي الأصل.

مضافا إلي النصوص الواردة فيمن بطل صومه بتناول المفطر بعد الفجر من غير مراعاة (1)، أو مع خطأ المخبر ببقاء الليل (2)، أو مع ظن كذب المخبر بدخول النهار (3) و فيمن نام جنبا حتي أصبح (4)، أو تعمد البقاء علي الجنابة (5). و غير ذلك.

حيث يظهر منها أن بطلان الصوم و وجوب قضائه لا يرفع وجوب الإمساك تأدبا.

و يؤيدها النبوي المرسل المتقدم في تحديد وقت النية في رمضان للجاهل و الناسي.

هذا و الكلام في وجوب الكفارة بترك الإمساك يبتني علي الكلام في موضوع الكفارة و أنه مطلق استعمال المفطر، أو الإفطار. و يأتي إن شاء اللّه تعالي الكلام فيه في محله.

(3) لعدم الدليل علي إجزاء النية بعد الزوال، بل مقتضي أدلة شرح الصوم عدم إجزائه، كما يظهر مما تقدم في المسألة السابعة و التاسعة.

ص: 49


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45، 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك.

[(مسألة 11): تجب استدامة النية إلي آخر النهار]

(مسألة 11): تجب استدامة النية إلي آخر النهار (1)، فإذا نوي القطع فعلا أو تردد بطل. و كذا إذا نوي القطع فيما يأتي (2)، أو تردد فيه، أو نوي المفطر مع العلم بمفطريته. و إذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر

______________________________

(1) و به صرح غير واحد لكون الصوم بتمامه أمرا قصديا عباديا، كما يظهر مما سبق في أوائل الكلام في المسألة السابعة، و لا يتحقق ذلك فيه إلا باستمرار النية في تمام النهار. غاية الأمر أنه تقدم الاكتفاء باستمرار النية ارتكازا بالنحو الذي لا يخل به الغفلة و النوم، و إنما يخل به العدول و التردد مع الالتفات. و هو المعبر عنه في كلام غير واحد بالنية الحكمية.

لكن يظهر من غير واحد التردد في ذلك. و صرح في المبسوط و الخلاف بعدم فساد الصوم بنية تركه أو نية فعل المفطر في أثناء النهار إذا سبقت نية الصوم. و هو المحكي عن السيد المرتضي قدّس سرّه مدعيا أنه مذهب جميع الفقهاء.

و قد يقرب ذلك بقياس الصوم علي الصلاة، حيث لا تبطل بنية القطع أو القاطع ما لم يفعله. و بأن الأصحاب لم يذكروا ذلك في مبطلات الصوم. لكن لم يثبت في ذلك إجماع تعبدي ينهض بالاستدلال، و لا سيما بعد ظهور الخلاف حتي من السيد المرتضي نفسه في أول الأمر، حيث اعترف بأنه كان يري فساد الصوم بذلك، ثم عدل عنه.

كما لا مجال لقياس الصوم علي الصلاة. لعدم نهوض القياس بالاستدلال، و للفرق بأن النية غير مقومة للصلاة، و إنما هي شرط فيها، و المتيقن شرطيتها لأجزائها، بحيث لا تجزي إذا وقعت لا عن نية، من دون دليل علي اعتبار استمرار النية فيها، أما الصوم فهو متقوم بالنية في تمام النهار، و هي لا تجتمع مع نية القطع في أثنائه.

و منه يظهر أن ذكر الأصحاب لاعتبار النية في الصوم يغني عن ذكر نية القطع في مبطلاته، فلا يدل عدم ذكرهم لها علي عدم مبطليتها للصوم عندهم.

(2) لأن نيته لذلك لا تجتمع مع نيته للصوم المشروع، و هو الصوم في تمام النهار بنحو الارتباطية.

ص: 50

الصحة (1)، هذا في الواجب المعين، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شي ء من ذلك فيه إذا رجع إلي نيته قبل الزوال (2).

[(مسألة 12): لا يصح العدول من صوم إلي صوم إذا فات وقت نية المعدول إليه]

(مسألة 12): لا يصح العدول من صوم إلي صوم إذا فات وقت نية المعدول إليه (3)، و إلا صح (4)،

______________________________

(1) لرجوعه للجزم بالنية علي تقدير صحة الصوم، فإذا فرض صحته فهو غير فاقد للنية.

(2) لإطلاق ما دل علي الاجتزاء بالنية المذكورة في الصوم المذكور لما إذا سبقت نيته ثم تردد فيه أو عدل عنه و ما إذا لم تسبق، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت له: رجل أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟ قال: نعم» (1).

و حتي ما كان منصرفا أو مختصا بما إذا لم تسبق نية الصوم المعدول عنها أو المتردد بعدها، يفهم منه العموم بضميمة إلغاء الخصوصية عرفا، لكون المرتكز أن العدول و التردد إنما يوجب إلغاء النية الأولي، فهي بحكم العدم، لا إنها مانعة من الصوم مع بقاء وقته، لاحتياج مانعيتها إلي عناية مغفول عنها. هذا و قد تقدم في المسألة السابعة أن الأمر لا يختص بغير المعين، بل يعم المعين بالعارض، بل حتي المعين بالأصل إذا كان من سنخه غير معين، كالصوم المنذور. فراجع.

(3) أما بعد تمامية صوم اليوم فلأنه قد تعين لما نوي له و صار امتثالا له مسقطا لأمره، و تبدل الحال بالعدول يحتاج إلي دليل، و بدونه فالأصل عدمه.

و أما في أثناء صوم اليوم، فلأن انقلاب ما وقع من أجزاء الصوم علي طبق النية اللاحقة أيضا مخالف الأصل. بل هو خلاف ظاهر دليل تحديد وقت نية المعدول إليه، فمثلا إذا نوي صوم الكفارة، و بعد الزوال أراد العدول إلي صوم القضاء كان ذلك مخالفا لدليل تحديد نية صوم القضاء بالزوال.

(4) لأن العدول عما نواه أولا موجب لفساده بتخلف النية، فهو كما لو لم ينوه،

ص: 51


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.

علي إشكال (1).

______________________________

و حينئذ له تجديد النية للثاني مع بقاء وقتها.

(1) لاختصاص نصوص سعة النية بما إذا لم ينو الصوم، فإلحاق صورة ما إذا نوي صوما آخر غير ما نواه أخيرا يحتاج إلي دليل.

اللهم إلا أن يدعي فهمه من النصوص المذكورة بإلغاء خصوصية موردها عرفا. و لذا لا إشكال ظاهرا في جواز العدول إذا لم يكن الصوم الأول مشروعا، كما إذا كان عليه قضاء شهر رمضان، فنوي صوما مستحبا عمدا أو غفلة، ثم عدل لصوم القضاء قبل الزوال، مع أنه يشترك مع محل الكلام في الخروج عن مورد النصوص.

و ما ذلك إلا لفهم العموم من النصوص، و أنه بعد بقاء وقت النية للصوم المعدول إليه لا تمنع منه نية الصوم المعدول عنه، لبطلانه بالعدول و عدم ترتب الأثر عليه.

فتأمل.

ص: 52

[الفصل الثاني في المفطرات]

اشارة

الفصل الثاني في المفطرات

[و هي أمور..]

اشارة

و هي أمور..

[الأول و الثاني: الأكل و الشرب]

الأول و الثاني: الأكل و الشرب (1) مطلقا، و لو كانا قليلين (2)، أو

______________________________

(1) قطعا، بل هو من الضروريات الفقهية و الدينية. و يشهد به- مضافا إلي ذلك- الكتاب المجيد و السنة الشريفة التي تزيد علي التواتر بمراتب.

(2) بلا خلاف ظاهر. لإطلاق الأدلة. و لا سيما ما تضمن وجوب الإعادة علي من تمضمض فدخل الماء حلقه (1). و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الصائم هل يصح له أن يصب في أذنه الدهن؟ قال: إذا لم يدخل حلقه فلا بأس» (2).

لغلبة قلة ما يدخل في الحلق في الموردين.

و قد أضاف إلي ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه ما تضمن النهي عن مصّ الخاتم و النواة، و ذوق الطعام و نحو ذلك من الموارد الكثيرة التي يظهر منها بوضوح عدم الفرق بين القليل و الكثير.

لكن لم نعثر علي النهي عن مص الخاتم، بل صرح في غير واحد من النصوص بجوازه (3).

نعم ورد النهي عن مص النواة (4). إلا أنه لا بدّ من حمله علي الكراهة، بعد عدم استلزامه دخول شي ء منها مهما قلّ إلي الجوف، و عدم ظهور القائل بمفطريته تعبدا لا

ص: 53


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 40 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 40 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.

غير معتادين (1)

______________________________

من جهة صدق الأكل عليه.

و مثله صحيح سعيد الأعرج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا يبلعه؟ قال: لا»(1). و لا سيما مع النصوص الكثيرة المصرحة بجواز ذوق الطعام و المرق (2) و مضغ الطعام للصبي و الطير (3). حيث لا بد مع ذلك من حمل الصحيح علي الكراهة مطلقا، أو إذا وجد طعم ما يذوقه في حلقه لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام: «سألته عن الصائم يذوق الطعام و الشراب يجد طعمه في حلقه. قال: لا يفعل. قلت: فإن فعل فما عليه؟ قال: لا شي ء عليه و لا يعود» (4). بعد صعوبة حمل نصوص الترخيص علي إطلاق الكراهة.

هذا مضافا إلي خروج ذلك كله عن محل الكلام، لعدم صدق الأكل في الموارد المذكورة حتي للقليل، فلو فرض مفطريتها فهي تعبدية لا بملاك الأكل و الشرب.

و دعوي: أن الاستدلال بها ليس بلحاظ مضمونها، بل بلحاظ ظهور السؤال فيها في مفروغية السائل عن مفطرية الطعام و الشراب القليل، و أن الوجه في السؤال عدم الوصول للجوف.

ممنوعة: لإمكان ابتناء السؤال علي احتمال مفطريتها في قبال الأكل و الشرب، كالسؤال عن شم الطيب، و لبس الثوب المبلول و غيرها مما هو كثير جدا (5).

(1) أما عدم الاعتياد من حيثية نوع المطعوم و المشروب، كالتراب و النفط، فالعموم معه هو المعروف من مذهب الأصحاب، المدعي عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهر التذكرة و محكي المنتهي. بل في الناصريات و المختلف

ص: 54


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 38 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3، 7، 24، 25، 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك و غيرها.

______________________________

و التذكرة الإجماع عليه من المسلمين، عدا أبي طلحة و الحسن بن صالح. و يقتضيه إطلاق الآية الشريفة و نحوها مما تضمن عنوان الأكل و الشرب.

لكن قال في المختلف: «و قال السيد المرتضي: الأشبه أنه ينقض الصوم و لا يبطله. و اختاره ابن الجنيد. و نقل السيد عن بعض أصحابنا أنه يوجب القضاء خاصة».

و قد يستدل لعدم مفطريته بصحيح محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (1). بتقريب أن الطعام و الشراب لما كانا صفة مشبهة دالة علي الثبوت فلا بد في صدقهما علي المطعوم و المشروب من كونه معدا للأكل و الشرب، ليكون له نحو من الثبوت، لا مجرد وقوعهما عليه الذي هو حدث لا ثبوت له.

و يناسبه موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم. قال: ليس عليه قضاء، لأنه ليس بطعام» (2). و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الصائم يكتحل. قال: لا بأس به. ليس بطعام و لا شراب» (3). و معتبر ابن أبي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكحل للصائم، فقال: لا بأس به، إنه ليس بطعام يؤكل» (4).

و أما حمل الطعام في هذه النصوص علي المصدر، لأنه أحد معنييه لغة- كما يظهر من لسان العرب و القاموس و غيرهما- فيكون بمعني الأكل.

ففيه: أنه لو تم كون ذلك أحد معنييه لغة إلا أن الظاهر منه الشائع استعماله فيه عرفا هو المطعوم، و هو المناسب لسوقه في مساق الشراب في صحيحي محمد بن مسلم، و لظهور رجوع الضمير في موثق سماعة للذباب، المصرح به في السؤال، لا للدخول في الحلق المستفاد تبعا منه. بل هو صريح معتبر ابن أبي يعفور، كما لا يخفي.

و فيه: أن الطعام عرفا ليس كل مطعوم، بل ما يقابل الإدام، و هو الذي يجب

ص: 55


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 6.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 6.

______________________________

دفعه في الفدية و الكفارة، و لا يصدق علي مثل البقل و الفاكهة و الملح و غيرها، و حيث لا إشكال في عدم اختصاص المفطرية به، تعين حمل صحيح محمد بن مسلم الأول علي إلغاء خصوصية الطعام و الشراب و الإشارة إلي مطلق المأكول و المشروب اللذين يتقوم الصوم عرفا بتركهما، و تضمنته الآية الشريفة و بقية النصوص، و حينئذ لا ينهض بتقييدها، و لا بالخروج عن المعني العرفي للصوم.

كما أنه لا مجال للجمود علي التعليل في حديثي الكحل المتقدمين، ضرورة عدم مفطرية الاكتحال بالطعام و الشراب، كالدقيق و العسل و غيرهما، فلا بد من إرجاع التعليل المذكور إلي التعليل بأن الاكتحال ليس أكلا للطعام، و لا هو شربا للشراب، نظير قوله تعالي: وَ لا يَحُضُّ عَلي طَعامِ الْمِسْكِينِ* (1). و قوله سبحانه: وَ لا تَحَاضُّونَ عَلي طَعامِ الْمِسْكِينِ (2). حيث يراد بها الحض علي إطعام المسكين للطعام.

و مثلهما في ذلك موثق سماعة، لأن الدخول في الحلق من غير اختيار لا يكون مفطرا حتي لو كان الداخل طعاما، و ذلك مناسب لحمل التعليل فيه علي التعليل بعدم صدق الأكل للطعام. و إن لم يخل عن تكلف.

هذا و لو لم يتم ما ذكرناه في هذه النصوص فلا مجال للخروج بها عن الإجماع المتقدم، المطابق للمرتكزات المتشرعية، حيث لا مجال للخطأ فيهما في مثل هذا الحكم العملي الذي يشيع الابتلاء به، لكثرة الأمور التي يمكن التغذي بها، و يرتفع بها جهد الجوع و العطش، من دون أن يتعارف أكلها و شربها، فلو لم يكن أكلها و شربها مبطلا للصوم لظهر ذلك و شاع، و لم يخف علي الأصحاب و المتشرعة، و لكثر السؤال عن الفروع المناسبة لذلك، لأن تعارف الأكل و الشرب ذو مراتب، فقد يخفي تحديد المرتبة التي عليها مدار المنع، كما قد يخفي حال بعض الصغريات، بنحو يحتاج معه للسؤال.

كما لعله ظاهر.

نعم حيث كان المقوم للصوم عرفا و شرعا هو ترك الأكل و الشرب، فلا بد

ص: 56


1- سورة الحاقة الآية: 34. سورة الماعون الآية: 3.
2- سورة الفجر الآية: 18.
[الثالث: الجماع]

الثالث: الجماع (1) قبلا و دبرا فاعلا و مفعولا به حيا و ميتا، حتي البهيمة علي الأحوط وجوبا، و لو شك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة

______________________________

في المفطرية من صدق أحدهما، و لا يكفي مجرد الابتلاع من دون ذلك. و من ثم يشكل الإفطار بمثل ابتلاع المعادن الصلبة و الحصي و الخرز الكبيرة غير القابلة للتحلل، بل يكون الجوف ظرفا لها لا غير، من دون أن يصدق الأكل بابتلاعها عرفا. و لعل ذلك هو مراد السيد المرتضي قدّس سرّه حيث نسب له في السرائر عدم مفطرية بلع ما لا يؤكل، كالحصي و غيره.

و أما عدم الاعتياد من حيثية طريق الأكل و الشرب- كإدخال شي ء للجوف من طريق الأنف- فالظاهر عدم الخلاف في العموم بالإضافة إليه، كما يظهر مما ذكروه من تقييد عدم المفطرية بإدخال الدواء في الأنف و الأذن بما إذا لم يدخل الجوف. و يأتي في المفطر التاسع الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(1) إجماعا، بل ضرورة. و يشهد به الكتاب المجيد و السنة الشريفة المتواترة.

نعم الظاهر أن المعيار علي الجنابة، كما يظهر من صحيح أبي سعيد القماط: «أنه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل، فنام حتي أصبح.

قال: لا شي ء عليه. و ذلك أن جنابته كانت في وقت حلال» (1). لظهوره في قدح الجنابة في النهار، لأنها في وقت حرام.

و صحيح يونس في حديث قال: «في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال، و لم يكن أكل، فعليه أن يتم صومه، و لا قضاء عليه. يعني إذا كانت جنابته من احتلام» (2). حيث تدل علي قادحية الجنابة من غير الاحتلام.

و خبر عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، و النكاح يفطر الصائم؟ قال: لأن النكاح فعله، و الاحتلام مفعول به» (3).

ص: 57


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.

لم يبطل صومه (1)، كما أنه لا يبطل إذا قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين (2).

[الرابع: الكذب علي اللّه أو علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم]
اشارة

الرابع: الكذب علي اللّه أو علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم (3) أو علي

______________________________

لظهوره في المفروغية عن أن القادح في الصوم هو القدر المشترك بين الاحتلام و النكاح، و أن عدم مفطرية الاحتلام لخروجه عن الاختيار.

مضافا إلي ما يأتي في الاستمناء، و في تعمد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر.

فإن المناسبات الارتكازية قاضية بأن المفطر هو أمر واحد و هو القدر المشترك بين الجماع و إنزال المني و البقاء علي الجنابة، و هو تعمد صيرورة كون الإنسان جنبا في النهار، و ليست المفطرات أمورا ثلاثة لا جامع بينها.

و يترتب علي ذلك أن مفطرية الأمور المذكورة في المتن تبتني علي سببيتها للجنابة، التي تقدم الكلام فيها عند الكلام في أسباب الجنابة من كتاب الطهارة، فلو لم تكن سببا لها لم تكن مفطرة. و هو الظاهر من بعض نصوص تلك المسألة المتقدمة هناك، فراجع.

(1) لاستصحاب عدم حصول سبب الجنابة، و عدم حصول المفطر.

(2) لما يأتي في آخر هذا الفصل من توقف مفطرية المفطرات المذكورة علي القصد إليها و تعمد الإتيان بها.

(3) كما في المقنع و الهداية- حاكيا له فيها عن والده- و المقنعة و الانتصار و النهاية و المبسوط و الخلاف و الغنية و عن غيرها. و نسبه في الخلاف للأكثر، و في الدروس للمشهور. و في الانتصار و الغنية دعوي الإجماع عليه.

و يقتضيه موثق سماعة: «سألته عن رجل كذب في رمضان. قال: قد أفطر، و عليه قضاؤه. فقلت: فما كذبته؟ قال: يكذب علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم» (1). و موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الأئمة عليه السّلام

ص: 58


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

يفطر الصائم» (1). و موثقه الآخر: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن الكذبة لتفطر الصائم. قلت: و أينا لا يكون ذلك منه؟ قال: ليس حيث ذهبت، إنما ذلك الكذب علي اللّه، و علي رسوله، و علي الأئمة (صلوات اللّه عليه و عليهم») (2). و قريب منه أو عينه موثقه الثالث، إلا أن فيه: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم» (3).

و عن العماني و المرتضي في الجمل عدم الإفطار به. و قد يظهر من الكليني حيث ذكر موثق أبي بصير في باب آداب الصائم. و قواه في السرائر و الشرائع و المختلف و غيرها، و في الجواهر أنه إليه صار أكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم. للحصر المستفاد من صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (4). و لضعف النصوص سندا، لعدم اشتمالها علي الصحيح، و دلالة، لاشتمالها علي نقض الوضوء، حيث يلزم لأجل ذلك حملها علي نفي الكمال، كما ورد في كثير من آداب الصوم.

لكن الحصر لا يزيد علي العموم القابل للتخصيص، الذي ثبت في غير واحد من المباحات، كالبقاء علي الجنابة، و الاحتقان بالمائع، فضلا عن مثل الكذب المذكور، الذي هو من أعظم المحرمات.

كما لا مجال لضعف النصوص سندا بعد ما هو التحقيق من عموم الحجية للموثق، و عدم اختصاصها بالصحيح، كما أوضحناه في الأصول.

و أما اشتمالها علي نقض الوضوء فعدم العمل عليه، و حمله علي نفي الكمال

ص: 59


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.
2- الكافي ج: 2 ص: 340 باب: الكذب حديث: 9. معاني الأخبار: ص: 161.
3- الكافي ج: 4 ص: 89 باب: آداب الصائم حديث: 10. التهذيب: ج: 4: ص: 203 باب ما يفسد الصيام و يخل بشرائط فرضه و ينقض الصيام حديث: 2. راجع وسائل الشيعة: ج: 7: باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2. تجد الموثقين معا باختلاف طرقهما و ألسنتهما. و غيرها.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

لا يستلزم حمل الإفطار عليه. لعدم التعويل علي قرينة السياق في مثل ذلك مما ثبت الخروج عن الظاهر فيه بقرينة خارجية. و لا سيما بعد تعدد الجملة و اختلاف المادة.

علي أنه لم يرد ذلك إلا في موثق أبي بصير الثاني علي إحدي روايتيه، و غاية ذلك رفع اليد عنه لاختلاف روايته، دون موثقه الأول، فضلا عن حديث سماعة، غير المتضمنين للحكم بنقض الوضوء.

نعم لا مجال لذلك فيما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من كذب علي اللّه و علي رسوله و هو صائم نقض صومه و وضوءه إذا تعمد» (1). لاتحاد المادة و الجملة و الرواية فيه. فينحصر الجواب عنه بما تقدم من عدم التعويل في ذلك علي قرينة السياق. مضافا إلي ضعفه بالإرسال، إذ لو ثبت كتاب النوادر بالتواتر أو بطريق معتبر إلا أن أحمد بن محمد بن عيسي لا يروي عن أبي بصير بلا واسطة.

و من هنا لا مخرج عن ظهور النصوص في نقض الصوم حقيقة. و لا سيما و أن القدح في كمال الصوم لا يختص بالكذب المذكور، بل يعم ارتكازا مطلق الكذب، كسائر المحرمات التي ورد قدحها في الصوم، فتخصيص الحكم بالكذب الخاص مناسب لكون المراد به المفطرية الحقيقية. و هو المناسب لظهور مفروغية سماعة عن عدم العموم حتي سأل عن تعيين الكذب المراد بالحديث. و كذا قول أبي بصير: «و أينا لا يكون ذلك منه؟!» لظهوره في ضيقه من العموم بنحو لا يناسب فهمه القدح في الكمال لا غير. و علي ذلك يتعين البناء علي المفطرية الحقيقية.

هذا و في موثق سماعة الآخر: «سألته عن رجل كذب في شهر رمضان. فقال:

قد أفطر، و عليه قضائه، و هو صائم، يقضي صومه و وضوءه إذا تعمد»(2). و ربما يجعل قوله فيه: «و هو صائم» قرينة علي حمل الحكم فيه بالإفطار و القضاء علي نقض الكمال، و حينئذ يتعين تحكيمه علي بقية النصوص، و حملها لأجله علي نفي الكمال. و هو الذي جنح له سيدنا المصنف قدّس سرّه.

ص: 60


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7، 3.

أحد الأئمة عليهم السّلام (1) علي الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا إلحاق

______________________________

و فيه أولا: أن النظر في مجموع الحديث يشهد باضطراب متنه، لما فيه من جمع الإفطار و القضاء مع الصوم، و من تكرار الحكم بالقضاء، و الأمر بإعادة الوضوء من دون إشعار فيه بفرض كونه متوضئا. و لا يتضح توجيهه بنحو يقتضي حمله علي معني ظاهر فيه عرفا، ليكون حجة فيه.

و ثانيا: أن الحديث وارد في مطلق الكذب، و نقضه لكمال الصوم من دون أن يبطله لا يستلزم ذلك في الكذب علي اللّه و رسوله و الأئمة (صلوات اللّه عليهم) الذي هو محل الكلام، ليتعين تحكيمه علي بقية نصوص المسألة. و حمله علي خصوص الكذب المذكور تكلف بعيد عن ظاهر الإطلاق جدا.

نعم استظهر بعض مشايخنا قدّس سرّه اتحاد موثق سماعة هذا مع موثقه الأول، و أن الاختلاف بينهما نتيجة النقل بالمعني، لاستبعاد تعدد السؤال و اختلاف الجواب، تارة بالإطلاق، و أخري بالزيادة الشارحة للمراد من الكذب، مع وحدة المسئول عليه السّلام و السائل و الراوي عنه، و هو عثمان بن عيسي.

لكن لا طريق لإحراز وحدة المسئول مع الإضمار في الموثقين، و كون سماعة من أصحاب الإمامين الصادق و الكاظم عليه السّلام معا. مع أنه لو تم ما ذكره فهو راجع إلي تحريف الثاني بإسقاط تتمة الحديث المغيرة للمعني، زائدا علي ما سبق من الاضطراب فيه، و ذلك موجب للريب فيه بنحو يقصر عن الحجية، فلا مجال للخروج به عن ظهور الأول في المفطرية الحقيقية. فضلا عن ظهور بقية نصوص المسألة في ذلك. و من ثم لا مخرج عما سبق من البناء علي المفطرية الحقيقية.

(1) كما ذكره أكثر من سبق، بل لم أعثر علي من اقتصر علي اللّه تعالي و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم عدا المرتضي في الانتصار. و يظهر من كلام غير واحد سوق كلامه في مساق كلام غيره.

و كيف كان فهو المتعين بعد اشتمال غير واحد من النصوص عليه، و لا ينافيه عدم ذكره في موثق سماعة، و ما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي المتقدمين. و لا سيما

ص: 61

الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام بهم (1)، من غير فرق أن يكون في أمر ديني

______________________________

مع إمكان إرجاعه للكذب علي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم حقيقة أو تنزيلا.

(1) قال في الجواهر: «فالأولي إلحاق الزهراء و باقي الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام بهم، لرجوع الكذب عليهم إلي الكذب علي اللّه».

لكنه غير ظاهر، بل لا يناسب جعل الكذب علي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في قبال الكذب علي اللّه تعالي في النصوص و الفتاوي المتقدمة.

نعم يتجه ذلك لو قصد بنسبة الفتوي لأحدهم نسبتها للّه تعالي، بلحاظ رجوع حكمهم عليه السّلام لحكمه سبحانه، من باب الإخبار عن اللازم بالإخبار عن الملزوم. أما مجرد التلازم الواقعي بين حكمهم عليه السّلام و حكمه تعالي فهو لا يكفي في صدق الكذب عليه جل شأنه، من دون أن يساق الكلام لبيانه و الحكاية عنه، الذي هو المعيار في صدق الإخبار عن الشي ء الموضوع للصدق و الكذب فيه.

و أظهر من ذلك الكذب في غير الأحكام الشرعية، كالإخبار بأنه ضرب فلانا أو لعنه أو فعل كذا أو غير ذلك مما لا يتعلق بالتشريع. فلا بد في العموم لهم في ذلك إما من حمل الرسول و الأئمة في النصوص علي الجنس، أو فهم العموم منها بضميمة إلغاء الخصوصية عرفا، أو التعدي لهم بتنقيح المناط.

لكن لا مجال للأول، لتوقف الحمل علي الجنس علي عدم وجود معهود ذهني ينصرف إليه الكلام، كما في المقام. و لا سيما مع عدم معهودية التعبير عن أوصياء الأنبياء السابقين بالأئمة، بل هو يختص في عرف أهل البيت عليه السّلام بالأئمة منهم (صلوات اللّه عليهم)، و ذلك يؤكد كون المراد بالرسول هو نبي الإسلام صلي اللّه عليه و آله و سلم، و إلا كان المناسب التعبير بصيغة الجمع، كما في الأئمة عليه السّلام.

و الأخيران في غاية المنع، لإمكان خصوصيتهم صلوات اللّه عليهم في مثل هذا الحكم التشريفي الثابت في شريعتنا الذين هم حملتها، دون من سبقهم من حملة الشرائع السابقة. و لا سيما مع قرب كونهم صلوات اللّه عليهم أفضل ممن سبقهم، و إن عظم شأن أولئك.

ص: 62

أو دنيوي (1).

______________________________

(1) كما عن المنتهي و التحرير لو قيل بالمفطرية. و يقتضيه الإطلاق. و عن كاشف الغطاء الاختصاص بنسبة الأحكام الشرعية، دون الأمور العادية و الطبيعية.

و كأنه لدعوي الانصراف لذلك. لكنه ممنوع.

نعم قد يدعي أن ظاهر تعدية الكذب لهم ب (علي) تضمنه تحميل شي ء عليهم، إما باقتضائه نحوا من النقص فيهم، كنسبة الذنب أو مخالفة الأولي لهم كذبا، أو بنقل تعهدهم بمضمون خبري أو إنشائي، دون ما لا يتضمن ذلك، كالإخبار عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم بأنه ولد في ليلة ممطرة، أو صيفا، أو نحو ذلك، فضلا عما إذا تضمن مدحا لهم و رفعا لشأنهم.

اللهم إلا أن يقال: التعدية ب (علي) و إن تضمنت معني التحميل، إلا أن التحميل ليس بلحاظ الأمر المكذوب، بل بلحاظ نفس الكذب، لما فيه من التضليل و الإبهام و التعمية قال تعالي: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلّا أَنْ قالُوا وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ* انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (1). مع وضوح أن نفي الشرك عن أنفسهم ليس نقصا عليها، بل هو تنزيه لها.

و لذا لا إشكال في صدق الكذب علي اللّه تعالي عرفا بنسبة فعل ما لم يفعله له و إن لم يكن فعله له نقصا فيه جل شأنه، كما لو قيل: أنزل اللّه تعالي هذا اليوم المطر، أو خلق حيوانا يمشي علي خمسة أرجل أو نحو ذلك. و من ثم يشكل التخصيص المذكور، بل هو مخالف للإطلاق.

نعم المضمون الواحد قد يتعلق بأكثر من طرف واحد، و لا يكون خبرا عن أحد الأطراف- صدقا أو كذبا- إلا بقصد بيان حاله من ذكر المضمون المذكور.

مثلا كون الليلة التي ولد فيها النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ممطرة قد يكون بيانه بداعي بيان حال النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و أنه قد ولد حال المطر، و قد يكون بيانه بداعي بيان حال تلك الليلة و أن المطر قد نزل فيها. و علي الأول يكون إخبارا عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم، و علي الثاني

ص: 63


1- سورة الأنعام الآية: 23- 24.

و إذا قصد الصدق فكان كذبا فلا بأس (1)، و إن قصد الكذب فكان صدقا كان من قصد المفطر (2)، و قد تقدم البطلان به مع العلم بمفطريته.

______________________________

يكون إخبارا عن حال الليلة دون النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم، فلا يكون كذبا عليه لو كان كذبا.

كما أن التشابه بين النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه مثلا يساق (تارة): لبيان صورة جعفر (و أخري): لبيان صورة النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم (و ثالثة): لبيان النسبة بينهما. و علي الأول يكون إخبارا عن جعفر لا غير، و علي الثاني يكون إخبارا عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم. و علي الثالث يكون إخبارا عنهما معا. و المعيار في تحديد ذلك ثبوتا علي قصد المتكلم، و إثباتا علي ظاهر الكلام و هيئته.

(1) لما يأتي من اعتبار العمد في مفطرية المفطرات المذكورة. بل لا يبعد قصور إطلاق أدلة مفطرية الكذب في المقام عن ذلك، إما لتقوم الكذب بقصد بيان خلاف الواقع، أو لانصرافه لذلك، و لذا كان من صفات الذم ارتكازا، كالخيانة، و لو كان المراد به مطلق بيان خلاف الواقع و لو خطأ لم يكن كذلك. و يتأكد ذلك في المقام.

لسوق الحكم بالمفطرية في مساق التشديد في التنفير و تأكيده. و هو يناسب قصوره عن صورة تعمد الصدق.

(2) يعني: من دون أن يتحقق، و يكون إبطاله للصوم للإخلال بالنية، لا لفعل المفطر. لكن من القريب صدق المفطر به، و أن المراد بالكذب في المقام تعمد الإخبار علي خلاف الواقع، بل تعمد الإخبار بما لم يعلم ثبوته في الواقع و إن شك المخبر في ذلك، لما أشرنا إليه آنفا من وروده مورد الذم و التنفير، المناسب لإرادة ذلك في المقام، و لذا يصدق في عرف المسلمين الكذب علي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم بذلك، و ينسب فاعله للكذب عليهما جزما، لا مراعي بعدم تحقق ما أخبر به واقعا، الذي كثيرا ما يتعذر الاطلاع عليه.

و بعبارة أخري: لو تم أن المعيار في الكذب لغة علي مخالفة الواقع، إلا أن المنصرف من أدلة التحريم و من خصوص نصوص المقام هو الإخبار من دون بصيرة و لا بينة، و عليه يجري عرف المتشرعة في نسبة الكذب للشخص و ترتيب آثاره، من

ص: 64

______________________________

دون مراعاة منهم لعدم حصول ما أخبر به واقعا.

و لو غض النظر عن ذلك تعين ما سبق من سيدنا المصنف قدّس سرّه من عدم تحقق المفطر في صورة ما إذا قصد الكذب و كان صدقا في الواقع، و إنما يبطل الصوم لقصد المفطر المستلزم للإخلال بالنية لا غير.

هذا و لو أخبر بما يشك في ثبوته فلا إشكال في حرمة الإخبار المذكور، و إنما الإشكال في المفطرية به، و قد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه حيث يشك في كونه كذبا، فيشك في مفطريته، و الأصل البراءة. قال قدّس سرّه: «بل بناء علي ما سيأتي من اختصاص المفطرية بحال العمد المتوقف علي قصد الكذب لا يفطر به و إن كان مخالفا للواقع.

و حينئذ لا مجال لأصل البراءة، للعلم بعدم مفطريته واقعا. فتأمل».

و ما ذكره من الرجوع لأصل البراءة يبتني علي مذهبه من جريان البراءة عند الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين في الشبهة الموضوعية. لكن الظاهر أن المرجع فيها الاشتغال، للشك في مطابقة المأتي به للمطلوب الراجع للشك في الامتثال، كما أوضحناه في الأصول. نعم يمكن الرجوع لاستصحاب عدم تحقق الكذب من أجل إحراز صحة الصوم ظاهرا.

و أما ذكره أخيرا من توقف المفطرية علي تعمد الكذب، و هو غير حاصل في المقام بسبب الشك فيه، فيعلم بعدم المفطرية. فقد دفعه بعض مشايخنا قدّس سرّه بصدق التعمد في المقام بعد تنجز الاحتمال بسبب العلم الإجمالي بصدق الكذب، إما علي الإخبار بالشي ء المشكوك، أو الإخبار بنقيضه، فالإقدام علي أحدهما مع منجزية احتماله بالعلم المذكور كاف في صدق العمد. و حينئذ إذا أخبر بأحد الأمرين فإن كان كذبا في الواقع بطل صومه، لتعمد المفطر، و إن لم يكن كذبا في الواقع بطل صومه، للإخلال بالنية، لأنه قد أقدم علي تعمد الكذب علي تقدير كون خبره كاذبا، و هو ينافي نية الصوم بالعزم علي ترك المفطر.

و فيه أولا: أن العلم الإجمالي مغفول عنه غالبا، لانصراف ذهن المبتلي بالواقعة إلي الخبر الذي يتعلق غرضه به، دون الخبر المناقض له، ليلتفت للعلم الإجمالي

ص: 65

[(مسألة 1): إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلي أحد أو موجها له إلي من لا يفهم]

(مسألة 1): إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلي أحد أو موجها له إلي من لا يفهم لم يبطل صومه علي الأقوي (1).

______________________________

بمفطرية أحدهما، و لا يكون العلم الإجمالي منجزا إلا مع فعليته.

و ثانيا: أن تنجز احتمال الكذب أو المفطرية بالعلم الإجمالي لا يكفي في صدق التعمد للكذب، و لا للمفطر بعد كونه محتملا- لا مقطوعا به- في كل من الطرفين، و إنما الصادق في المقام هو تعمد انتهاك حرمة العلم الإجمالي، لا غير.

فإذا علم المكلف مثلا بنجاسة أحد الطعامين، فأكل أحدهما، فهو متعمد في انتهاك حرمة العلم الإجمالي المذكور و الإقدام علي مخالفة احتمال النجاسة المنجز بسببه، لا متعمد لأكل النجس أو الحرام.

اللهم إلا أن يقال: المناسبات الارتكازية قاضية بأن ذكر التعمد في الأدلة ليس لكونه شرطا في مفطرية المفطرات المذكورة، بل لكون المفطرية مشروطة بعدم كون الإقدام عن عذر، و مرجع ذلك إلي العفو عن الإقدام علي المفطر عن عذر من نسيان أو جهل بحصول المفطر أو اعتقاد بعدم مفطريته، و ذلك يقصر عن صورة الإقدام علي المفطر مع احتمال مفطريته احتمالا لا يكون معذرا، كما في المقام، لفرض عدم إحراز كون الخبر غير كاذب حتي مع الغفلة عن العلم الإجمالي المذكور، فضلا عما إذا التفت إليه.

و علي ذلك يتعين البناء علي بطلان الصوم للإخلال بالنية، لأن الإقدام علي محتمل المفطرية من دون إحراز لعدمها مناف لنية الصوم بترك جميع المفطرات، و غاية ما يمكن هي نية الصوم بنحو الاشتراط و التعليق علي عدم كونه مفطرا، و لازم ذلك عدم صحة الصوم إلا إذا لم يكن الخبر في الواقع كاذبا.

هذا كله مع غض النظر عما سبق منا من تقريب تحقق الكذب المفطر في المقام مطلقا. فلاحظ.

(1) كما في الجواهر. لدعوي اعتبار قصد الإفهام. و كأنه لتوقف صدق الخبر علي ذلك. لكن ذكر بعض مشايخنا قدّس سرّه أنه لم يؤخذ في النصوص عنوان الخبر، بل

ص: 66

[(الخامس): رمس تمام الرأس في الماء علي الأحوط وجوبا]
اشارة

(الخامس): رمس تمام الرأس (1) في الماء علي الأحوط وجوبا، من

______________________________

عنوان الكذب، و هو حاصل بعدم مطابقة الكلام للواقع و لو مع عدم صدق الخبر عليه، لعدم توجيهه لشخص، ليكون مخبرا بمضمونه.

و فيه: أن المفطر ليس هو تحقق الكلام الكاذب، بل صدور الكذب من الصائم بحيث يصدق أنه قد كذب، و في صدق ذلك من دون صدق الإفهام بالكلام الكاذب و الإخبار به إشكال. و لا أقل من انصراف الإطلاقات عنه.

نعم لا يبعد صدق الخبر و الكذب بتوجيه الخطاب لمن لا يفهم بقصد التفهيم ادعاء و تخييلا. و أظهر من ذلك ما إذا وجه الكلام بداعي إفهام كل من يصله الكلام و يبلغه و إن لم يواجه به شخص خاص حين صدوره، كما في البيانات المنشورة، و الحديث المسجل الذي تعارف في عصورنا.

(1) كما في المقنعة و الانتصار و النهاية و المبسوط و الخلاف و الغنية و اللمعة و عن غيرها. و نسبه في الخلاف للأكثر، و في الدروس للمشهور، و ادعي في الانتصار و الغنية الإجماع عليه.

لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: الصائم يستنقع في الماء و يصب علي رأسه، و يتبرد بالثوب، و ينضح بالمروحة، و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء» (1). و صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء» (2). و صحيح يعقوب بن شعيب عنه عليه السّلام: «قال: لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم» (3).

و موثق حنان بن سدير: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يستنقع في الماء.

قال: لا بأس، و لكن لا ينغمس. و المرأة لا تستنقع في الماء، لأنها تحمله بقبلها» (4) و غيرها من النصوص الكثيرة الناهية عنه، و الظاهرة في الإرشاد لقدحه في صحة الصوم كما هو الحال في سائر ما ورد في بيان الماهيات المركبة.

ص: 67


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 8، 1، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 8، 1، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 8، 1، 6.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 8، 1، 6.

______________________________

و أظهر منها في ذلك صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (1). بل عدّ من المفطرات في مرفوع الخصال عن أبي عبد اللّه:

«قال: خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء … » (2).

و حكي الشيخ قدّس سرّه في المبسوط عن بعض أصحابنا عدم مفطريته. و يظهر منه في الاستبصار الميل إليه، بل هو صريحه في التهذيب. و هو ظاهر المراسم و السرائر و الوسائل أو صريحها. و قواه في الشرائع و المعتبر و التذكرة و المختلف و الروضة و المدارك، و حكي عن العماني و المرتضي- عدولا منه عن قوله الأول- و فخر المحققين و غيرهم.

و يشهد لهم موثق إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا، عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: ليس عليه قضاء، و لا يعودن» (3).

و قد اختلفوا في ذلك علي قولين:

الأول: حرمة الارتماس تكليفا، من دون أن يكون مخلا بالصوم. و هو الذي يظهر من الاستبصار، و جري عليه المحقق و من بعده.

الثاني: كون الارتماس مكروها للصائم مخلا بكمال الصوم، من دون أن يكون مبطلا له. و هو الذي صرح به في التهذيب، و يظهر مما عن السيد المرتضي من أنه ينقض الصوم و لا يبطله.

و كأن الأول يبتني علي الجمود علي ظاهر النهي في النصوص المتقدمة، أو حملها عليه بقرينة موثق إسحاق. قال في الاستبصار: «و لست أعرف حديثا في إيجاب القضاء و الكفارة أو إيجاب أحدهما علي من ارتمس في الماء».

لكن النهي و إن كان ظاهرا بدوا في الحرمة التكليفية، إلا أنه في الماهيات المركبة

ص: 68


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.

______________________________

يكون له ظهور ثانوي في النهي الوضعي الراجع للفساد، كما سبق، و عليه جري أهل الاستدلال في سائر الموارد إلا بقرينة مخرجة عنه. و لا سيما في المقام بلحاظ عموم النهي للصوم المستحب، و من البعيد جدا ثبوت الحرمة التكليفية فيه، و إن كان ممكنا.

و أما حمل النهي علي الحرمة التكليفية بقرينة موثق إسحاق. فيشكل بأن الأقرب الجمع بينهما بحمل النهي علي الكراهة، لبيان الإخلال بكمال الصوم، كما جروا عليه في بعض ما ورد الحكم بمفطريته، كالغيبة(1). فضلا عما ورد النهي عنه حال الصوم من دون حكم بمفطريته، كاستنقاع المرأة في الماء (2). و بلّ الثوب علي الجسد (3). بل جروا عليه في غير الصوم، كالوضوء و الصلاة و غيرهما. و لا سيما مع سوق الارتماس في مساق استنقاع المرأة في الماء في موثق حنان المتقدم.

و من ثم كان المتعين البناء علي الكراهة. و قد يناسبه معتبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يكره للصائم أن يرتمس في الماء» (4). بل ساقه في التهذيب دليلا عليها. و إن لم يخل عن إشكال. و العمدة ما سبق.

و أما ما ذكره مشايخنا قدّس سرّه مع عدم تعقل معني الكراهة الوضعية، ليمكن الجمع بها بين الموثق و النصوص السابقة، و أن التعارض مستحكم بينه و بينها، و عليه يتعين ترجيح النصوص السابقة، للشهرة في الرواية، أو لمخالفة العامة.

فيظهر ضعفه مما سبق من شيوع الجمع المذكور، فلا تصل النوبة للمرجحات المنصوصة، و لا موجب لسقوط الموثق عن الحجية. و لا سيما مع عمل من عرفت به و تعويلهم عليه في الجملة، و إن اختلفوا في وجه الجمع بينه و بين النصوص السابقة.

بقي شي ء، و هو أن أكثر الأصحاب قد عبر بالارتماس الظاهر في رمس تمام البدن، إلا أن من القريب أن يكون المفطر عندهم هو رمس الرأس و إن كان وحده، كما يظهر من بعضهم فهمه من كلماتهم.

و كيف كان فهو المتعين، لأن النصوص المتقدمة و غيرها و إن تضمن بعضها

ص: 69


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5- 8- 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6، 3- 4- 5، 7.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6، 3- 4- 5، 7.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6، 3- 4- 5، 7.

دون فرق بين الدفعة و التدريج (1)، و لا يقدح رمس أجزائه علي التعاقب

______________________________

التعبير بالارتماس الظاهر في رمس تمام البدن، إلا أن بعضها قد تضمن رمس الرأس.

و كما يمكن بدوا تنزيل الأولي علي الثانية، بحمل النهي عن الارتماس علي كونه عرضيا، بلحاظ استلزامه رمس الرأس، يمكن العكس، بحمل النهي عن رمس الرأس علي كونه عرضيا، من أجل تجنب رمس تمام البدن، لغلبة كون ارتماس البدن تدريجيا يبدأ من الأسفل إلي الأعلي فيكون رمس الرأس متمما لرمس البدن أجمع.

إلا أن الأول أقرب عرفا، لظهور خصوصية الرأس ارتكازا. و لا سيما مع شيوع رمس الرأس وحده، و مع سوق الصائم مع المحرم في الحكم المذكور في صحيحي شعيب و حريز المتقدمين و غيرهما، مع وضوح خصوصية الرأس في الإحرام.

و هذا هو العمدة في المقام، لا ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من عدم التنافي بين الطائفتين، لإمكان كون كل منهما مفطرا.

إذ فيه: أن مقتضي صحيح محمد بن مسلم الثاني المتقدم انحصار المفطر برمس تمام البدن، و هو ينافي في مفطرية رمس الرأس وحده لو لا الجمع بالنحو المتقدم. كما أنه إذا كان رمس الرأس وحده مفطرا لم يكن لرمس بقية البدن دخل في المفطرية، و يتعين رجوع مفطرية الارتماس عرفا لمفطرية رمس الرأس وحده. و من ذلك يظهر ضعف ما عن الدروس من التردد في كفاية رمس الرأس وحده، فضلا عما عن ظاهر الميسي من منعه.

هذا و الظاهر أن المراد بالرأس ما فوق الرقبة، و إلحاق الرقبة بالرأس في الغسل لو تم- لا يقتضي إلحاقها به في المقام. و في المدارك: «و لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة و إن كانت منابت الشعر خارجة من الماء». و كأنه يبتني علي كون النهي عن رمس الرأس من أجل رمس المنابت. و هو خروج عن الظاهر من دون قرينة. نعم لا إشكال في صدقه مع خروج الشعر وحده، دون منابته.

(1) كما في الجواهر، بل لعله لا خلاف فيه، و أن مراد من اعتبر الدفعة لزوم

ص: 70

و ان استغرقه (1)، و كذا إذا ارتمس و قد لبس ما يمنع وصول الماء إلي البدن كما يصنعه الغواصون (2).

[(مسألة 2): في إلحاق المضاف بالماء إشكال]

(مسألة 2): في إلحاق المضاف بالماء إشكال (3).

[(مسألة 3): إذا ارتمس عمدا ناويا للاغتسال بأول مسمي الارتماس]

(مسألة 3): إذا ارتمس عمدا ناويا للاغتسال بأول مسمي الارتماس

______________________________

صيرورة مجموع الرأس في الماء، و عدم الاكتفاء برمس أجزائه علي التعاقب، كما يأتي.

نعم هو لا يناسب ما في المسالك و المدارك من اعتبار الدفعة العرفية. و كيف كان فيقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.

(1) لعدم صدق رمس الرأس بذلك. و ما في المدارك من احتمال صدقه ضعيف، بل غريب.

(2) لانصراف النصوص المتقدمة عنه، و خصه بعض مشايخنا قدّس سرّه بالحاجب المنفصل عن البشرة، أما المتصل بها- كالنايلون المتعارف في زماننا- فهو لا يمنع من صدق الرمس. لكن صدقه عرفا لا ينافي انصراف النصوص عنه في المقام، خصوصا ما تضمن مقابلته بالاستنقاع في الماء، بل لا يبعد انصرافها عما إذا لطخت البشرة بما يمنع من وصول الماء إليها. و إن كان الانصراف في الموارد الثلاثة مختلفا في مرتبة الوضوح.

(3) كأنه لاختصاص النصوص بالماء الذي هو حقيقة في المطلق. و ما في موثق حنان و غيره من إطلاق النهي عن الغمس و الرمس يراد به الرمس في الماء، لمقابلته بالاستنقاع فيه، و للتقييد به في بقية النصوص.

لكن فهم عدم الخصوصية قريب جدا، و لا سيما مع ذكره في سياق استنقاع المرأة في الماء في موثق حنان المتقدم مع تعليل النهي عنه بأنها تحمله بقبلها.

بل عمم في المسالك الحكم لكل مائع. إلا أن المتيقن من ذلك ما كان مثل الماء في اللطافة دون ما كان غليظا. و لعله إليه يرجع ما في الجواهر و عن كشف الغطاء من الاقتصار علي الماء المضاف.

ص: 71

فإن كان الصوم واجبا معينا بطل غسله (1) و صومه (2)، و إن كان مستحبا أو واجبا موسعا بطل صومه (3) و صح غسله (4)، و إن كان ناسيا صح صومه و غسله في الصورتين (5).

[السادس: إيصال الغبار الغليظ إلي جوفه عمدا]

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلي جوفه عمدا (6) و الأقوي إلحاق

______________________________

(1) بناء علي مفطرية الارتماس. لحرمة الارتماس حينئذ في فرض كون الصوم واجبا معينا، فيمتنع التقرب به و يبطل الغسل الذي ينوي به. و كذا الحال بناء علي حرمة الارتماس تكليفا من دون أن يكون مفطرا، كما هو ظاهر.

(2) بناء علي مفطرية الارتماس.

(3) بناء علي مفطرية الارتماس أيضا.

(4) لعدم حرمة الارتماس حينئذ. نعم بناء علي حرمته تكليفا من دون أن يبطل به الصوم، و عموم الحرمة للصوم الموسع و المستحب، يتعين بطلان الغسل أيضا، كما هو ظاهر.

(5) و هما ما إذا كان الصوم واجبا معينا، و ما إذا لم يكن كذلك. لعدم مفطرية الارتماس حينئذ. و إمكان التقرب بالغسل.

(6) كما صرح به غير واحد، و في الجواهر: «وفاقا للمشهور، بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد و غيره، إلا من المصنف في المعتبر، فتردد فيه … بل ظاهر الغنية و التنقيح و صريح السرائر و محكي نهج الحق الإجماع عليه». كما ادعي الإجماع عليه في التذكرة أيضا.

و قد يستدل عليه بقاعدة المنع من كل ما يصل إلي الجوف. لكنها مختصة بما يكون له وجود متميز، دون مثل الغبار مما يتعارف وجوده في الجوّ مع الهواء، بحيث يكون تابعا له غير متميز بالوجود عرفا.

فالعمدة في المقام مضمر سليمان بن حفص المروزي: «سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمدا، أو شم رائحة غليظة، أو كنس

ص: 72

______________________________

بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطّر مثل الأكل و الشرب و النكاح» (1).

و لا يقدح إضماره بعد إيداع الأصحاب له في كتبهم المعدة لأحاديث الأئمة عليه السّلام. و لا عدم النص علي وثاقة سليمان بن حفص، بعد كونه من رجال كامل الزيارات. و لا روايته في إحدي نسختي الوسائل عن سليمان بن جعفر، بعد كون الموجود في التهذيبين روايته عن سليمان بن حفص. و لا سيما و أن الراوي عنه محمد بن عيسي الذي يروي عن ابن حفص كثيرا. بل لعله لا وجود لسليمان بن جعفر المروزي و أنه تصحيف عن ابن حفص، كما قرّبه بعض مشايخنا قدّس سرّه في معجمه.

نعم في موثق عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه. فقال: جائز لا بأس به. و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه. فقال: لا بأس» (2)، و ربما يجمع بينهما بوجهين:

الأول: حمل المضمر علي الغليظ، بقرينة الكنس، فيكون شاهدا علي تنزيل الموثق علي غير الغليظ.

و فيه: أن الكنس لا يستلزم غلظ الغبار، و فرض دخول الغبار في الحلق في الموثق مستلزم عرفا للإحساس به، و هو و إن لم يستلزم الغلظ، إلا أن الغليظ هو أظهر أفراد ذلك، فإخراجه يحتاج إلي عناية بعيدة عن مقام الجمع العرفي.

الثاني: حمل المضمر علي صورة التعمد إما للتصريح بالتعمد في صدره، أو لفرض الكنس الذي هو وسيلة اختيارية لإدخال الغبار في الحلق، أو للحكم بوجوب الكفارة التي هي من شئون العمد، أو للتشبيه فيه بالأكل و الشرب و النكاح التي تختص مفطريتها بالعمد. و حينئذ يجمع بينها و بين الموثق بحمل الموثق علي صورة عدم التعمد. و بذلك يرتفع التنافي بينهما.

و فيه: أن عدم تنبيه السائل لخصوصية عدم التعمد موجب لظهور كلامه في السؤال عن مفطريته ذاتا، كسائر المفطرات، و قوة ظهور الجواب في نفي مفطريته كذلك،

ص: 73


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

______________________________

فحمله علي عدم التعمد، ليكون عدم مفطريته ثانويا، بعيد عن مقام الجمع العرفي.

مضافا إلي أن التصريح في المضمر بالتعمد بالإضافة إلي الاستنشاق و إهماله في الغبار مع الاقتصار فيه علي الكنس ظاهر في أن التعمد إنما يكون للكنس، و أن ترتب وصول الغبار للأنف و الحلق عليه طبعي من دون تعمد له بخصوصه، و لا سيما مع عدم الداعي عادة لتعمد ذلك، لكونه أمرا مزعجا، و ليس هو كالاستنشاق مما يرغب فيه.

و أما الحكم فيه بالكفارة فلعله بلحاظ تعمد الكنس، تحفظا عما قد يترتب عليه من دخول الغبار للأنف و الحلق، لا بلحاظ تعمد نفس دخول الغبار. كما أن تشبيهه بالأكل و الشرب إنما كان في أصل المفطرية، لا في كيفيتها. و بالجملة: الجمع المذكور بعيد في نفسه. و لا أقل من كونه جمعا تبرعيا، بلا شاهد.

الثالث: الجمع بينهما بحمل المضمر علي ما يثيره الصائم بنفسه، أو مطلق ما يثيره الإنسان، و الموثق علي ما يثار بالهواء و نحوه.

و فيه: أن إلغاء خصوصية الكنس و نحوه عرفا تجعل الجمع المذكور غير عرفي.

و من ثم كان التعارض مستحكما بين الحديثين و لازم ذلك تساقطهما، أو ترجيح الموثق، لموافقته لما تضمن من النصوص حصر المفطرات في غيره، و لوهن المضمر باشتماله علي ما يصعب الالتزام بمفطريته و ثبوت الكفارة به أو يتعذر، و بأن عموم مفطرية الغبار قد يستلزم الحرج النوعي. و قصره علي الغليظ بلا شاهد.

و دعوي سقوط الموثق بإعراض المشهور عنه، بل الإجماع المدعي في التذكرة و غيره، علي ما سبق. كما أن ظاهر ما في المبسوط من الإشارة للخلاف في ثبوت الكفارة من دون إشارة للخلاف في وجوب القضاء الإجماع علي وجوب القضاء، كما هو صريح السرائر.

ممنوعة: لإهمال جماعة له عند ذكر المفطرات، كما في الكافي (للكليني) و الفقيه و المقنع و جمل العلم و العمل و المقنعة و النهاية و المراسم، بل الغنية، إلا أن يستفاد من تعميمه المفطرية لكل ما يدخل في الجوف و لو من طريق الأنف. فتأمل.

و لا سيما مع ظهور اضطراب كلمات الفقهاء (رضوان اللّه تعالي عليهم) في بيان

ص: 74

الدخان به (1)، بل الأحوط وجوبا إلحاق غير الغليظ به (2)، إلا ما يتعسر التحرز عنه فلا بأس به (3).

[السابع: تعمد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر في شهر رمضان]
اشارة

السابع: تعمد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر في شهر رمضان (4)،

______________________________

حقيقة الصوم و تعداد المفطرات، و أحكامها، و أن كثيرا من القائلين بمفطرية الغبار خصوه بالغليظ، من دون أن يظهر المضمر في ذلك، و لم يوجبوا به الكفارة، مع أن المضمر قد اشتمل عليها.

(1) الأظهر عدم مفطريته. لما تضمن من النصوص حصر المفطرات في غيره.

و خصوص موثق عمرو بن سعيد المتقدم في الدخنة، معتضدين بالسيرة، حيث لو بني علي تجنب ذلك لظهر و كثر السؤال عن فروعه، لشيوع الابتلاء به في الخبز و الطبخ و غيرهما. و لا أقل من كونه مقتضي الأصل.

نعم مقتضي سيرة المتشرعة و مرتكزاتهم اجتناب عملية التدخين المعهودة بالتبغ و الأفيون و نحوهما. و هي و إن كانت سيرة حادثة، نتيجة حدوث الابتلاء بذلك، إلا أنه يصعب جدا الخروج عنها، و العمل علي خلافها مع شدة إباء المرتكزات لذلك. فتأمل.

(2) لإطلاق مضمر سليمان، و قد سبق أن تضمنه للكنس لا يصلح قرينة علي تقييده بالغليظ.

(3) لا يخفي أن تعسر التحرز عنه لا يصلح للمنع من مبطليته. إلا أن الوجه في عدم مبطليته حينئذ السيرة القطعية. لكن اللازم حينئذ كون المعيار تعسر التحرز نوعا، لعموم السيرة معه.

(4) علي المعروف من مذهب الأصحاب المدعي عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية و الوسيلة و ظاهر السرائر و التذكرة و عن غيرها.

و يقتضيه النصوص الكثيرة. كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله، ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتي

ص: 75

______________________________

أصبح، قال: يتم صومه ذلك، ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان، و يستغفر ربه» (1)، و صحيح أبي بصير عنه عليه السّلام: «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثم ترك الغسل متعمدا حتي أصبح، قال: يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متابعين، أو يطعم ستين مسكينا … » (2)، و غيرهما.

مضافا إلي ظهور المفروغية عن ذلك في الجملة من النصوص الكثيرة الواردة في النوم (3)، سواء ما دل منها علي الإفطار أم علي عدمه، لأن الكلام في خصوصية النوم فرع عن ثبوت المقتضي للإفطار بذلك. كما يدل عليه بالأولوية أو علي المفروغية عنه ما ورد فيمن نسي غسل الجنابة في شهر رمضان (4). فتأمل.

نعم يعارضها جملة من النصوص، كصحيح حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يصلي صلاة الليل في شهر رمضان، ثم يجنب، ثم يؤخر الغسل متعمدا حتي يطلع الفجر» (5)، و مرسل المقنع عن حماد: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل و أخر الغسل حتي يطلع الفجر. فقال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يجامع نساءه من أول الليل، ثم يؤخر الغسل حتي يطلع الفجر. و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب: يقضي يوما مكانه» (6)، و صحيح العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان، فأخر الغسل حتي طلع الفجر. فقال: يتم صومه و لا قضاء عليه» (7)، و قريب منه معتبر سليمان بن أبي زينبة (8).

لكن الأول ظاهر في استمرار النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم علي ذلك، و هو أمر لا يليق

ص: 76


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13، 14، 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم، و مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 4، 5.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 4، 5.
8- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 4، 5.

______________________________

به صلي اللّه عليه و آله و سلم، لو كان يليق به وقوعه منه اتفاقا، و الثاني- مع ضعفه بالإرسال- مشتمل علي ما يمتنع عليه صلي اللّه عليه و آله و سلم، لما هو المعروف من وجوب صلاة الليل عليه صلي اللّه عليه و آله و سلم.

مضافا إلي نسبة الحكم المذكور فيه للأقشاب ذما لهم، فإن كان المراد بهم العامة فالمعروف عنهم خلافه، و عدم فساد الصوم بذلك. و إن كان المراد بهم الخاصة فهو من أظهر شواهد التقية.

و أما الأخيران فهما معارضان بمعتبر سليمان بن حفص عن الفقيه: «قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، و لا يغتسل حتي يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم. و لا يدرك فضل يومه» (1)، و لا يقدح فيه روايته في بعض النسخ عن سليمان بن جعفر المجهول. لما سبق عند الكلام في مفطرية الغبار الغليظ من تقريب كونه تصحيفا.

و حينئذ يتعين الجمع بين الطائفتين بالتفصيل بين تعمد تأخير الغسل و عدمه كما ذكره الأصحاب (رضوان اللّه عليهم)- بشهادة صحيحي الحلبي و أبي بصير المتقدمين. مضافا إلي عموم ما دل علي اعتبار التعمد في المفطرية. و لو غض النظر عن ذلك كان الترجيح لنصوص المفطرية، لشهرتها رواية و عملا بين الأصحاب قديما و حديثا، و مخالفتها للمعروف من مذهب العامة.

و من القريب حمل النصوص الأخيرة علي التقية، كما يناسبه ما تقدم في مرسل المقنع عن حماد، و ما في حديث إسماعيل بن عيسي: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان، فنام عمدا حتي يصبح، أي شي ء عليه؟ قال: لا يضره هذا، و لا يفطر، و لا يبالي، فإن أبي عليه السّلام قال: قالت عائشة: إن رسول اللّه أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (2)، فإن الاستدلال بحديث عائشة ليس من طريقتهم عليه السّلام، و مناسب للتقية جدا.

و من هنا يضعف ما في ظاهر المقنع من عدم مفطريته، و عن الداماد و الاردبيلي

ص: 77


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 6.

______________________________

و الكاشاني الميل إليه أو القول به.

و قد استدل لهم بقوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ … (1).

بدعوي: أن مقتضي إطلاق صدره و صراحة ذيله جواز الجماع في آخر جزء من الليل، و عدم إخلاله بالصوم، و حيث كان مستلزما للبقاء علي الجنابة عند الفجر كشف عن عدم مفطريته.

و ربما يجاب عن ذلك بأن إطلاق الصدر مقيد بالنصوص المتقدمة. و الغاية في الذيل كما يمكن أن ترجع للجماع و الأكل و الشرب يمكن أن ترجع للأكل و الشرب فقط، لأن القيد المتعقب لجمل متعددة كما يمكن رجوعه للكل يمكن رجوعه للأخير فقط، و هو المتيقن في المقام، بل المتعين بقرينة النصوص المتقدمة.

و لعل الأولي أن يقال: الآية الكريمة قد وردت لنسخ حكمين كانا مشرعين سابقا في الصوم:

الأول: حرمة الجماع في ليلة اليوم الذي يصام.

و الثاني: جواز الأكل و الشرب للصائم ما لم ينم، فإذا نام حرم الأكل و الشرب عليه (2).

و الصدر وارد لنسخ الحكم الأول، و بيان رجوع الأمر في الجماع ليلا إلي ما كان قبل تشريع الصوم، و هو لا ينافي وجوب اجتناب الجماع بالعرض في بعض الليل أو جميعه عليه إذا لزم منه محذور، و منه البقاء علي الجنابة نهارا.

و أما قوله تعالي: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا … فهو وارد لنسخ الحكم الثاني، و بيان استمرار حل الأكل و الشرب إلي طلوع الفجر.

ص: 78


1- سورة البقرة الآية: 187.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 43 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.

و قضائه (1).

أما في غيرهما من الصوم الواجب ففيه إشكال (2). أما المندوب

______________________________

أما استمرار حلّ الجماع إلي الفجر فهو غير منظور في المقام، إذ لم يسبق تحديده بغير الفجر- كالأكل و الشرب- و إنما سبق المنع منه رأسا.

و بذلك يظهر أن رجوع التحديد بالفجر للأكل و الشرب فقط ليس لأنه المتيقن، و لا من جهة النصوص المتقدمة، بل لمناسبته لمورد نزول الآية الشريفة، و أن الآية لا تنهض بالمنع من مفطرية البقاء علي الجنابة، لا بصدرها و لا بذيلها. فلاحظ.

(1) كما هو ظاهر الأصحاب، إما لإلحاق القضاء بالأداء، لاتحادهما في الماهية، و الاختلاف بينهما في وقت الامتثال لا غير. أو للنصوص الخاصة، كصحيح عبد اللّه ابن سنان: «كتب أبي إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان يقضي شهر رمضان، و قال: إني أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم اغتسل حتي طلع الفجر، فأجابه عليه السّلام:

لا تصم هذا اليوم، و صم غدا» (1)، و غيره. و هي إن اختصت بغير العمد دلت علي المانعية في العمد بالأولوية و إلا دلت عليها بالإطلاق.

لكن في المعتبر: «و لقائل أن يخصّ هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام»، كما تردد فيه في المنتهي، لدعوي اختصاص النصوص برمضان. و يظهر ضعفه مما سبق.

(2) و ظاهر الأصحاب الإلحاق بشهر رمضان في المفطرية. و كأنه لقاعدة الإلحاق في الماهيات المخترعة بالمشرع المعهود منها.

لكنه يشكل بأن الدليل علي ذلك إن كان هو إلغاء خصوصية المشرع المعهود منها عرفا، و التعميم لتمام أفراد الماهية فلا مجال له في المقام بعد ورود الدليل بعدم المفطرية في المندوب، الذي هو من أفراد الماهية. و إن كان هو الإطلاق المقامي لأدلة حكم الفرد الخاص، حيث يظهر منه الاتكال فيه علي البيان الوارد في الفرد المعهود.

فلا مجال له في المقام، إذ كما يمكن الاتكال في سائر أفراد الواجب علي بيان مفطرية

ص: 79


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

______________________________

البقاء علي الجنابة في صوم رمضان أداء و قضاء، يمكن الاتكال فيه علي بيان عدم مفطريته في المندوب.

اللهم إلا أن يقال: الإطلاق المقامي في المقام ينصرف لصوم رمضان، لأنه الصوم المفروض، و أظهر أفراد الصوم المشروع، دون المندوب، و لا سيما مع ما هو المعهود من التسامح في المندوبات عموما.

و مثله في ذلك الاستدلال علي عدم المفطرية بعموم حصر المفطر في غيره في مثل صحيح محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (1).

بدعوي: أنه يدل علي عدم قدح البقاء علي الجنابة في طبيعة الصوم من حيث هي، فإذا دل دليل علي دخله في خصوص صوم رمضان لم يكن وجه لإلحاق غيره به، بل المرجع فيه العموم المذكور.

لاندفاعه بأن العموم المذكور مسوق لبيان عدم قادحية غير الأمور المذكورة في الصوم، و حيث كان أظهر أفراده صوم شهر رمضان، فلا مجال للجمع بين دليل مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة في صوم شهر رمضان و العموم المذكور بقصر العموم علي ما عدا صوم شهر رمضان. كما لا مجال للجمع بحمل الدليل المذكور علي كون ترك تعمد البقاء علي الجنابة واجبا في صوم رمضان بنحو تعدد المطلوب، لا مقوما له، لصراحته في المفطرية. و من هنا لا بد من أحد أمور..

الأول: طرح العموم المذكور رأسا. و حينئذ لا ينهض بالاستدلال.

الثاني: حمله علي الحصر الإضافي بلحاظ الأفعال الخارجية الحدوثية، دون مثل تعمد البقاء علي الجنابة مما كان مانعا من الصوم باستمراره، و عدم رفع المكلف له.

و حينئذ لا يمكن الاستدلال به في المقام.

الثالث: تعميم النساء فيه لمثل تعمد البقاء علي الجنابة بأن تكون مفطريته بلحاظ أثره، كما يناسبه ما يأتي من عموم المفطرية لكل جنابة متعمدة، فيكون المفطر

ص: 80


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

فلا يقدح فيه ذلك (1).

______________________________

هو تعمد الكون علي الجنابة حال الصوم، أما بتعمد إحداثها حاله، أو تعمد البقاء عليها حتي يشرع فيه.

و لعل الأخير أقرب عرفا في الجمع بين النصوص، كما يناسبه ما تقدم في مفطرية الجماع. و لازم ذلك البناء علي عموم مفطرية البقاء علي الجنابة و يختص الخروج عن ذلك بالمندوب، لاختصاص دليل عدم قادحيته- لو تم- به، كما لعله المناسب لبعض النصوص الآتية فيه، الذي خصّ السؤال فيه بالمندوب، حيث قد يشعر بمفروغية السائل عن المانعية في غيره، كما قد يشعر بذلك عدم التنبيه في الجواب لعموم عدم المانعية له. فلاحظ.

(1) كما في المدارك و ظاهر الوسائل، و يظهر من الدروس الميل إليه، و كذا من المسالك و الجواهر، و لو بضميمة قاعدة التسامح في أدلة السنن. و جري عليه غير واحد ممن قارب عصرنا و ممن عاصرناهم.

لصحيح حبيب الخثعمي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن التطوع و عن صوم هذه الثلاثة أيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم أني أجنبت، فأنام متعمدا حتي ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم» (1). و هو و إن ورد في تعمد النوم، لا تعمد البقاء علي الجنابة، إلا أنه لا يبعد انصرافه إلي عدم مبالاته بالبقاء علي الجنابة بعد الفجر، فيرجع إلي تعمد البقاء عليها. و لا أقل من كونه مقتضي إطلاقه، كموثق ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يجنب ثم ينام حتي يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ قال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار؟» (2).

و دعوي: أن الإطلاق المذكور معارض لدليل مانعية تعمد البقاء علي الجنابة، بضميمة قاعدة الإلحاق في الماهيات المخترعة، التي أشير إليها آنفا عند الكلام في بقية الصوم الواجب. بل لإطلاق صحيح محمد بن مسلم المتضمن لحصر المفطرات

ص: 81


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

______________________________

بضميمة التقريب المتقدم للجمع بينه و بين أدلة مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة، فيتعين حمله علي صورة عدم التعمد في البقاء علي الجنابة كما في الصوم الواجب.

مدفوعة: بأن قاعدة الإلحاق لا تنهض في قبال الإطلاق الوارد في الصوم المندوب. و صحيح محمد بن مسلم لا يزيد علي المطلق. و كما يمكن حمل إطلاق عدم مانعية البقاء علي الجنابة في المندوب علي غير صورة التعمد، يمكن حمل إطلاق صحيح محمد بن مسلم علي غير المندوب. و لو لم يكن الثاني أقرب عرفا، لقوة خصوصية المندوب ارتكازا، فلا أقل من التساقط، و البناء علي عدم المفطرية، للأصل، أو لظهور الآية الشريفة، أو غيرها في عدم مفطرية البقاء علي الجنابة.

هذا و قد يستدل أيضا بخبر ابن بكير الآخر عنه عليه السّلام: «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثم أراد الصيام بعد ما أغتسل، و مضي ما مضي من النهار.

قال: يصوم إن شاء. و هو بالخيار إلي نصف النهار» (1). بدعوي أن مقتضي إطلاقه العموم لصورة العمد.

لكنه- مع ضعفه في نفسه- وارد فيمن طلعت عليه الشمس و هو جنب.

و حينئذ إن حمل علي تعمد البقاء علي الجنابة من الليل إلي طلوع الشمس لزم تعمد ترك صلاة الصبح، و هو بعيد جدا، و لا أقل من عدم القرينة علي ذلك. و إن حمل علي تعمد الجنابة بعد صلاة الصبح، ثم البقاء عليها إلي طلوع الشمس، لم يناسب الجواب بصحة الصوم منه حتي المستحب، لاختصاصه بما إذا لم يتعمد المفطر.

و من أجل ذلك إما أن يحمل علي النوم جنبا من الليل إلي طلوع الشمس.

و حينئذ يبعد حمله علي تعمد البقاء علي الجنابة إلي الفجر، ليكون مما نحن فيه. و لا أقل من عدم القرينة علي ذلك. و إما أن يحمل علي الاحتلام بعد الفجر، فيخرج عما نحن فيه. و هو المناسب لإطلاق صحة الصوم منه بنحو يشمل حتي قضاء شهر رمضان.

و من ثم لا مجال للاستدلال به في المقام و إن ظهر من غير واحد. فلاحظ.

ص: 82


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
[(مسألة 4): الأقوي عدم البطلان بالإصباح جنبا لا عن عمد]

(مسألة 4): الأقوي عدم البطلان بالإصباح جنبا لا عن عمد (1) في صوم رمضان (2)، و غيره من الصوم الواجب المعين (3)، بل غير

______________________________

(1) كما هو ظاهر الأصحاب، لتقييدهم المفطرية بالعمد. و يقتضيه إطلاق ما تضمن عدم مفطرية الإصباح جنبا، كصحيح العيص بن القاسم المتقدم (1)، و نحوه معتبر سليمان بن أبي زينبة (2)، بعد حملهما- كما تقدم- علي غير صورة العمد بقرينة النصوص المتقدمة.

و يتناسبه في الجملة ما يأتي في المسألة الثانية عشرة في حكم النوم، و ما تضمن عدم الإفطار إذا أخر الغسل لتحصيل الماء أو تسخينه، كقوله عليه السّلام في صحيح محمد ابن مسلم الوارد في النوم: «إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي، فطلع الفجر، فلا يقضي صومه [يومه]» (3)، و غيره (4).

مضافا إلي عموم عدم المفطرية مع عدم التعمد- الذي يأتي الكلام فيه في أواخر هذا الفصل إن شاء اللّه تعالي- و إلي الأصل بعد قصور دليل المفطرية عن صورة عدم العمد، لاختصاص نصوصه به صريحا، كصحيح أبي بصير المتقدم (5) أو بقرينة ذكر الكفارة، كمعتبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام: «قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، و لا يغتسل حتي يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه» (6).

(2) فإنه مورد النصوص المتقدمة، كما أنه مقتضي العموم و الأصل المتقدمين.

(3) فإنه و إن قصرت عنه النصوص المتقدمة، إلا أنه مقتضي العموم و الأصل المتقدمين. مضافا إلي قاعدة الإلحاق التي سبق الاستدلال بها لمبطلية تعمد البقاء علي الجنابة للصوم المذكور، فإنها تقتضي عدم مبطليته له مع عدم التعمد كما لا يبطل به صوم شهر رمضان.

ص: 83


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 5.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 3.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 3.

المعين (1)، إلا قضاء رمضان (2)، فلا يصح معه إذا التفت إليه في أثناء

______________________________

(1) كما هو مقتضي العموم و الأصل المتقدمين. و يأتي تمام الكلام فيه، إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما صرح به غير واحد، و ظاهر ما يأتي من جامع المقاصد في مطلق غير المعين المفروغية عنه. و يشهد به صحيح عبد اللّه بن سنان: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتي يجي ء آخر الليل، و هو يري أن الفجر قد طلع. قال: لا يصوم ذلك اليوم، و يصوم غيره»(1)، و صحيحه الآخر: «كتب أبي إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان يقضي شهر رمضان و قال: إني أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتي طلع الفجر. فأجابه: لا تصم هذا اليوم، و صم غدا» (2).

و مقتضي إطلاق الأول و ترك الاستفصال في الثاني العموم لصورة عدم التعمد.

بل لعل ظاهر الأول هو عدم التعمد، و أنه إنما تعمد تأخير الغسل إلي آخر الليل، لكنه غلب علي أمره فرأي أن الفجر قد طلع. كما لعله منصرف الثاني، لأن السؤال فيه عن قضية خارجية، و التفات السائل للمسألة مع اهتمامه بصحة صومه لا يناسب تعمده ترك الغسل مع احتمال بطلان صومه معه. و أما ما تضمن عدم بطلان الصوم بالنوم جنبا فهو مختص بصوم شهر رمضان، فلا ينهض برفع اليد عن مفاد الصحيحين الواردين في القضاء.

هذا و قد عمم في القواعد البطلان لكل صوم غير معين، و في جامع المقاصد:

«للرواية الصحيحة في قضاء رمضان. و ألحق الشيخ و الأصحاب به غيره مما لم يعين».

و كأنه لفهم عدم الخصوصية.

و هو لا يخلو عن إشكال بل منع. فلا مخرج عن مقتضي العموم و الأصل اللذين تقدم التعرض لهما في صوم شهر رمضان، كما أشرنا إليه آنفا. مضافا إلي قاعدة الإلحاق، كما سبق أيضا.

ص: 84


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

النهار، و إن تضيق وقته (1). أما إذا لم يلتفت إليه حتي انقضي النهار فلا يخلو عن إشكال (2).

[(مسألة 5): لا يبطل الصوم واجبا أو مندوبا معينا أو غيره بالاحتلام في أثناء النهار]

(مسألة 5): لا يبطل الصوم واجبا أو مندوبا معينا أو غيره بالاحتلام في أثناء النهار (3)،

______________________________

هذا و لو قيل بعدم قدح البقاء علي الجنابة فيه عمدا- كما سبق من بعضهم- فعدم قدحه مع عدم التعمد أولي.

(1) لإطلاق صحيحي ابن سنان المتقدمين. و دعوي انصراف الأول للموسع، و اختصاص الثاني به، لأن الأمر بصوم غد صريح في بقاء وقت القضاء من نفس السنة.

مدفوعة: بأنه لا منشأ لانصراف الأول مع عموم قوله فيه «يوم غيره» للسنة الثانية. كما أن الأمر بصوم الغد في الثاني و إن دل علي بقاء وقت القضاء في نفس السنة، إلا أنه لا ينافي تضيقه بسبب كون عدد الأيام التي يجب قضاؤها أقل من عدد الأيام الباقية من السنة.

(2) كأنه لاختصاص الصحيحين بصورة الالتفات في أثناء النهار، و لذا حسن فيهما النهي عن صوم ذلك اليوم، و لم يقتصر علي الأمر بالقضاء. لكن المستفاد منهما عرفا أن النهي عن صوم ذلك اليوم لقدح البقاء علي الجنابة فيه، من دون خصوصية للالتفات في ذلك، و لذا كان هو المفهوم في نظائره، كالأمر بقطع الصلاة و استئنافها في بعض القواطع، حيث يفهم منه عموم قاطعيته لما إذا غفل عنه حتي أتم الصلاة، إلا أن يدل دليل علي خلاف ذلك.

اللهم إلا أن يكون أخذ التعمد في مبطليته للصوم في بقية الموارد مانعا عرفا من إلغاء خصوصية الالتفات في أثناء النهار في المقام. فلاحظ.

(3) بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر، بل لعله ضروري، بلحاظ كثرة الابتلاء به بنحو يمتنع عادة خفاء حكمه.

ص: 85

كما لا يبطل بمس الميت (1) عمدا، و إن كان قبل الفجر (2).

[(مسألة 6): إذا أجنب عمدا ليلا في وقت لا يسع الغسل و لا التيمم ملتفتا إلي ذلك فهو من تعمد البقاء علي الجنابة]

(مسألة 6): إذا أجنب عمدا ليلا في وقت لا يسع الغسل و لا التيمم ملتفتا إلي ذلك فهو من تعمد البقاء علي الجنابة (3). نعم إذا تمكن من التيمم

______________________________

مضافا إلي جملة من النصوص، كصحيح عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام و الحجامة» (1). و موثق ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان يتم يومه [صومه] كما هو؟

فقال: لا بأس» (2)، و غيرهما.

(1) كما هو ظاهر الأصحاب، لعدم تنبيههم لمفطريته، بل اقتصروا علي الجنابة و الحيض و النفاس.

و يقتضيه- مضافا إلي الأصل- ما تضمن حصر النواقض في غيره، كقوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (3)، و غيره.

و أما ما دل علي وجوب الغسل به فهو و إن اقتضي كونه موجبا للحدث، إلا أنه لا دليل في المقام علي قادحية مطلق الحدث. و قد تقدم في آخر مبحث غسل المس ما ينفع في المقام. فراجع.

(2) لا خصوصية لذلك بعد فرض التعمد. بل لعل الأنسب أن يقول: و إن كان بعد الفجر؟ حيث قد يحتمل أن يكون جعل الصائم نفسه محدثا أولي بالمفطرية من بقائه علي الحدث السابق علي الصوم، و لا يحتمل العكس.

(3) كما في الجواهر و غيرها. قال سيدنا المصنف: «و في كلام بعض نفي الإشكال فيه». و يظهر من الخلاف أن الإجماع علي مفطرية الإصباح جنبا عمدا شامل لمحل الكلام.

ص: 86


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

فتيمم صح صومه (2).

______________________________

و هو و إن كان خارجا عن مفاد النصوص، لظهورها في تعمد الجنب في البقاء علي الجنابة بترك الغسل، و لا تعمد إيقاع سبب الجنابة، إلا أن المناسبات الارتكازية تقتضي التعميم. و لا سيما بملاحظة ما تضمن الإفطار بتعمد النوم، مع وضوح أن النائم لا يتعمد في ترك الغسل، بل في إحداث ما يقتضي الاستمرار علي تركه.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أنه لا فرق في اتصاف الفعل بالعمد و إسناده إلي الاختيار بين أن يكون اختياريا بنفسه أن يكون اختياريا أو بمقدمته و إن خرج عن الاختيار في ظرفه، فإن الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فالبقاء علي الجنابة في المقام اختياري باختيارية مقدمته، و هو الإجناب.

فهو إنما ينفع لو كان موضوع الحكم في النصوص تعمد الكون علي الجنابة عند الفجر. أما حيث كان الموضوع فيها تعمد ترك الغسل بعد الجنابة حتي يطلع الفجر، فهو يختص بما إذا كان الغسل ممكنا بعد حصول الجنابة و قبل الفجر، و لا يشمل ما نحن فيه، و ينحصر وجه إلحاقه بما ذكرنا.

(2) هذا قد لا يناسب ما ذكروه من لزوم عدم تعمد الجنابة في وقت لا يسع الغسل، بنحو يظهر منه بطلان الصوم بذلك من دون تنبيه للتيمم.

و كيف كان فالكلام هنا في مقامين..

المقام الأول: في بدلية التيمم عن الغسل في الصوم، بحيث يجب عند تعذر الغسل و لو من غير جهة ضيق الوقت. و قد صرح غير واحد بذلك، لعموم تنزيل الطهارة الترابية منزلة الطهارة المائية.

و ربما يقال: لما كان ظاهر الأدلة قدح الجنابة في الصوم فيبتني وجوب التيمم علي كونه رافعا للحدث، إذ لو كان مبيحا لم ينفع في رفع القادح، و يكون المورد من موارد تعذر رفع الجنابة.

و يندفع بأنه بناء علي الإباحة فمقتضي عموم البدلية جريان حكم الرفع علي

ص: 87

______________________________

التيمم و إن لم يكن رافعا حقيقة، ففي كل مورد تشرع الطهارة المائية لرفع الحدث تشرع الطهارة الترابية عند سقوطها، لترتب حكم الرفع، و منه المقام.

فالأولي في الإشكال في المقام: أنه لا دليل علي شرطية الطهارة في الصوم، أو مانعية الجنابة منه، كما استفيد ذلك في الصلاة من مثل قوله عليه السّلام: «لا صلاة إلا بطهور» (1)، ليكون مقتضي عموم التنزيل قيام التراب مقام الماء في إحداث الطهارة أو في جريان أحكامها.

بل الذي تضمنته الأدلة في المقام هو قادحية تعمد البقاء علي الجنابة بترك الطهارة المائية بالغسل، و تنزيل التيمم منزلة الغسل في ذلك، بحيث يكون تعمد تركه عند تعذر الغسل قادحا أيضا، لا يقتضيه عموم التنزيل، لاختصاص العموم المذكور بقيام التيمم مقام الغسل و الوضوء في حصول الطهارة أو في جريان أحكامها.

و كأنه إلي هذا يرجع ما في المدارك من اختصاص الأمر بالغسل، فيسقط بتعذره، و ينتفي التيمم بالأصل. أما لو كان مراده ظهور الأدلة في شرطية الغسل بنفسه لا بلحاظ ترتب الطهارة عليه. فهو في غاية الإشكال، لأن المنصرف من جميع أدلة مطلوبية الغسل و الوضوء مطلوبيتهما من أجل ترتب الطهارة عليهما، لا مطلوبيتهما لنفسهما. فالعمدة ما سبق.

نعم قد يدعي أن المستفاد من مجموع الأدلة كون المفطر هو البقاء علي الجنابة، و أن التعمد شرط في مفطريته، لا أنه هو المفطر، ليدعي اختصاصه بتعمد البقاء علي الجنابة بترك الغسل. و حينئذ فمقتضي عموم مطهرية التراب كون التيمم رافعا للجنابة، فيكون تعمد تركه من تعمد المفطر.

لكنه لا يخلو عن إشكال، و لا سيما مع عدم التنبيه للتيمم في الصوم مع كثرة الابتلاء بالمسألة. و ليس إلحاقه بالصلاة في ذلك من الوضوح بحدّ يستغني معه عن التنبيه و السؤال.

و دعوي: أن لازم ذلك عدم جواز الإجناب ليلا لمن لا يستطيع الغسل، لخوف

ص: 88


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.

______________________________

الضرر أو فقد الماء أو نحوهما، لأنه بتعمد الإجناب قد تعمد البقاء علي الجنابة بعد فرض تعذر رفعها للصوم بالتيمم.

مدفوعة: بما سبق من قصور أدلة مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة عن تعمد الإجناب ليلا، و المتيقن من إلحاقه ما إذا انحصر سبب البقاء علي الجنابة عرفا بالإجناب ليلا، لعدم سعة الوقت للغسل، دون ما إذا كان له سبب آخر، و هو تعذر الغسل، أو عدم مشروعيته، لفقد الماء، أو لخوف الضرر. و علي ذلك يتجه جواز الإجناب ليلا لفاقد الطهورين. فلاحظ.

المقام الثاني: في مشروعية التيمم في المقام لو قيل بمشروعيته عموما للصوم.

و الظاهر عدم مشروعيته، كما يظهر من جماعة من الأصحاب ممن صرح بالعصيان و لزوم القضاء و الكفارة بتعمد الإجناب مع ضيق الوقت عن الغسل. حيث يظهر منهم أن المعيار في ذلك ترك الغسل، من دون تنبيه منهم للتيمم.

و قد استدل عليه بعض مشايخنا بانصراف عدم الوجدان عما إذا كان مستندا لاختيار المكلف.

و فيه: أن ذلك- لو تم- إنما يقتضي عدم مشروعية التيمم مع تعجيز المكلف نفسه عن الطهارة بإراقة الماء و نحوه، لا عدم مشروعيته مع تعمد الجنابة في ضيق الوقت.

فالأولي في وجهه ما سبق منا- في مسوغات التيمم- و يظهر من جماعة من الإشكال في عموم مشروعية التيمم لضيق الوقت عن استعمال الماء مع القدرة عليه.

و يناسبه في المقام عدم التنبيه في النصوص لانتقال التكليف بتضيق الوقت للتيمم بدلا عن الغسل- كما جري عليه بعض الفقهاء هنا- مع شدة الحاجة له، لكونه مغفولا عنه.

مضافا إلي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان، ثم ينام قبل أن يغتسل، قال: يتم صومه، و يقضي ذلك اليوم. إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي، فيطلع الفجر، فلا يقضي صومه [يومه]» (1)

ص: 89


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

و إن كان عاصيا (1)، و إن ترك التيمم وجب القضاء و الكفارة (2).

[(مسألة 7): إذا نسي غسل الجنابة ليلا حتي مضي يوم أو أيام من شهر رمضان بطل صومه]

(مسألة 7): إذا نسي غسل الجنابة ليلا حتي مضي يوم أو أيام من شهر رمضان بطل صومه (3) و عليه القضاء.

______________________________

و خبر إسماعيل بن عيسي: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان … و رجل أصابته جنابة في آخر الليل، فقام ليغتسل و لم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه، فعسر عليه حتي أصبح كيف يصنع؟ قال: يغتسل إذا جاءه ثم يصلي» (1).

فإن عدم التنبيه فيهما للتيمم مع ظهور غفلة المكلف عنه مشعر أو ظاهر في عدم مشروعيته هنا لضيق الوقت.

و ما في الجواهر من ظهور أو احتمال ابتناء السؤال علي تخيل سعة الوقت- لو تم لا ينافي حسن التنبيه للتيمم في أمثال المقام مما كان المكلف فيه معرضا لضيق الوقت.

بل قد يظهر من خبر إسماعيل عدم مشروعية التيمم للصوم حتي من غير جهة ضيق الوقت، كعدم وجدان الماء و استلزام طلبه خروج الوقت. فينفع حتي في المقام الأول.

(1) لما ذكرناه في مبحث التيمم من عدم وفاء الطهارة الترابية بتمام ملاك الطهارة المائية.

(2) بناء علي وجوبهما في متعمد البقاء علي الجنابة، كما تضمنته بعض النصوص المتقدمة. و لا ينبغي الإشكال في القضاء، فإنه ملازم للمفطرية. و أما الكفارة فيأتي الكلام فيها في الفصل الثالث إن شاء اللّه تعالي.

(3) كما في المبسوط و النهاية و المختلف و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و ظاهر الصدوق في الفقيه، و قد يظهر من المعتبر، و حكي عن جماعة. و عن بعض أنه الأشهر، و نسب في كلام آخرين للأكثر. لصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن

ص: 90


1- التهذيب ج: 4 ص: 211، 210 باب: الكفارة في اعتماد إفطار يوم من شهر رمضان حديث: 7. راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من الأبواب المذكورة حديث: 2.

______________________________

رجل أجنب في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتي خرج شهر رمضان. قال: عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» (1).

و نحوه حديث إبراهيم بن ميمون (2)، و مرسل الصدوق (3).

و يظهر من اقتصار العلامة في القواعد علي نسبة الحكم للرواية، و اقتصار الشهيد في اللمعة علي نسبته للمشهور، التوقف فيه، بل قد يظهر من إهمال جماعة كثيرة التنبيه له البناء علي عدمه، كما هو صريح السرائر، و في الشرائع و النافع أنه الأشهر، بل في السرائر بعد نسبة القول بوجوب القضاء للشيخ أنه لم يقل به أحد من محققي أصحابنا.

و قد يستدل له- كما في كلام غير واحد- بأن مفطرية البقاء علي الجنابة مشروطة بالعمد، معتضدا بعموم اعتبار العمد في المفطرية الذي يأتي الكلام فيه.

لكن ذلك لا ينهض في قبال النصوص المتقدمة، حيث تصلح لإثبات الحكم علي خلاف القاعدة.

و مثله حديث رفع النسيان. علي أنه إنما يقتضي معذرية النسيان و عدم المؤاخذة به، لا صحة العمل الناقص نسيانا علي ما ذكرناه في التنبيه الرابع من تنبيهات مبحث الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين من كتابنا (المحكم) و غيره.

و أضعف من ذلك الاستدلال بمساواته للنوم، حيث يأتي عدم وجوب القضاء به إلا مع التكرار. فإنه قياس لا ينهض بالاستدلال في نفسه، فضلا عن أن يرفع به اليد عن النص المعتبر.

و دعوي: أن بين أدلة الصحة مع النوم و نصوص المقام عموما من وجه، و بعد تساقطهما في الناسي النائم يكون المرجع عموم اعتبار العمد في المفطرية.

مدفوعة أولا: بعدم التعارض بين الطائفتين، لأن عدم مفطرية ترك الغسل من أجل النوم لا تنافي مفطرية تركه من أجل النسيان و لو في حق الشخص الواحد.

و ثانيا: بأن غلبة تحقق النوم في مورد نصوص المقام تجعلها بحكم الأخص من

ص: 91


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 1، 2.

و يلحق به قضاؤه (1)،

______________________________

نصوص النوم، فتقدم عليها.

و ثالثا: بأن ذلك إنما يقتضي عدم المفطرية في حال وحدة النوم، إذ مع تعدده لا إشكال في بطلان الصوم و وجوب القضاء، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

نعم في حديث الجعفريات: «أن عليا عليه السّلام سئل عن رجل احتلم أو جامع، فنسي أن يغتسل جمعة، فصلي جمعة و هو في شهر رمضان فقال علي عليه السّلام: عليه قضاء الصلاة، و ليس عليه قضاء صيام شهر رمضان» (1)، و الظاهر اعتبار سنده، كما ذكرناه في المسألة الثانية و الأربعين عند الكلام في حرمة حلق اللحية في آخر مباحث المكاسب المحرمة.

و حينئذ يكون مقتضي الجمع بينه و بين نصوص القضاء المتقدمة حمل النصوص المذكورة علي الاستحباب، أو علي الخطأ، بقرينة عموم اعتبار العمد في المفطرية.

(1) كما في الجواهر. لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من قاعدة إلحاق القضاء بالمقضي. و مرجعها إلي أن القضاء عبارة عن أداء نفس العمل المقضي في غير وقته، فلا بد من اتحادهما في الخصوصيات المعتبرة فيه.

نعم لو احتمل كون منشأ بطلان الصوم في المقام قصور الزمان الذي تنسي فيه الجنابة عن الصوم، لا قصور نفس الصوم الحاصل فيه، أمكن الفرق بينهما، لأن قصور شهر رمضان عن الصوم مع نسيان الجنابة فيه لا يستلزم قصور غيره عنه مع النسيان المذكور. لكنه بعيد جدا، بل المستفاد عرفا من دليله رجوعه إلي قصور الصوم نفسه.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من اختصاص القاعدة بالخصوصيات المعتبرة في أصل الطبيعة، دون ما كان معتبرا في الفرد. فهو في غاية المنع، ضرورة أن القضاء إنما هو للفرد الذي اعتبرت فيه الخصوصية، و لا يكون قضاؤه إلا بادائه في غير وقته. و أما الخصوصيات المعتبرة في أصل الطبيعة فالدليل علي اعتبارها في القضاء هو إطلاق دليل اعتبار الخصوصية في الطبيعة من دون حاجة للقاعدة.

ص: 92


1- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

دون غيره من الواجب المعين و غيره (1). و الأقوي عدم إلحاق غسل الحيض

______________________________

بل إذا لم تتم القاعدة في الخصوصيات المعتبرة في الفرد المقضي لم تتم في الخصوصيات المعتبرة في الطبيعة، لعدم الفرق، و ينحصر الدليل فيها بالإطلاق المذكور.

علي أن ذلك منه قدّس سرّه لا يناسب استدلاله بالقاعدة نفسها علي مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة لقضاء شهر رمضان، كما لعله ظاهر.

هذا و قد جعل سيدنا المصنف قدّس سرّه القاعدة المذكورة مؤيدة أو معتضدة بإطلاق صحيح عبد اللّه بن سنان: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أول الليل، و لا يغتسل حتي يجي ء آخر الليل، و هو يري أن الفجر قد طلع. قال: لا يصوم ذلك اليوم، و يصوم غيره» (1)، و صحيحه الآخر:

«كتب أبي إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان يقضي شهر رمضان و قال: إني أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتي طلع الفجر. فأجابه: لا تصم هذا اليوم، و صم غدا» (2) لإمكان عموم عدم الغسل فيهما لصورة نسيان الجنابة.

و قد استشكل فيه بعض مشايخنا قدّس سرّه بأن الصحيحين و إن كانا شاملين لغير صورة تعمد تأخير الغسل إلي طلوع الفجر، إلا أنهما ظاهران في تعمد تأخير الغسل و لو باعتقاد سعة الوقت فبان ضيقه، و لا يشملان من صورة عدم الغسل لنسيان الجنابة الذي هو محل الكلام.

و الإنصاف أن ما ذكره و إن كان قريبا في الصحيح الأول، إلا أنه لا يتم في الثاني، كما يتضح بالتأمل فيهما. و من ثم لا يبعد عموم إطلاق الثاني لصورة النسيان، و نهوضه بالاستدلال في المقام. لكنه مختص بما إذا ذكر الجنابة في نفس اليوم بعد طلوع الفجر، و لا يعم ما إذا ذكرها بعد انتهاء النهار و إكمال الصوم، بل ينحصر الدليل فيه بقاعدة إلحاق القضاء بالمقضي.

(1) كأنه لخروجه عن مورد النص. لكن تقدم عند الكلام في عموم مفطرية

ص: 93


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

و النفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة (1)، و إن كان الأحوط استحبابا.

[(مسألة 8): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل- لمرض و نحوه]

(مسألة 8): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل- لمرض و نحوه- وجب عليه التيمم قبل الفجر (2) و إن تيمم لم يجب عليه أن يبقي مستيقظا

______________________________

تعمد البقاء علي الجنابة لغير صوم شهر رمضان ما يقتضي عموم المفطرية في المقام لبقية أنواع الصوم، كما استظهر ذلك في الجواهر.

نعم لا يبعد استثناء الصوم المندوب، بناء علي ما تقدم من عدم مانعية تعمد البقاء علي الجنابة منه، لأن ذلك يقتضي عدم مانعية البقاء علي الجنابة نسيانا بالأولوية العرفية. فلاحظ.

(1) لاختصاص النص بالجنابة، و التعدي لغيرها يحتاج إلي دليل. لكن استظهر في الجواهر العموم، لأن الظاهر اتحاد الجميع في كيفية الشرطية. و هو و إن كان قريبا جدا إلا أن في بلوغ ذلك حدا ينهض بالاستدلال إشكال، و لا سيما في مثل هذا الحكم المخالف للقاعدة.

قال في الجواهر: «بل قيل انهما أقوي، لأنه لم يرد فيهما ما ورد فيه مما يوهم أن الشرط إنما هو تعمد البقاء».

لكن هذا إنما ينفع لو كان الدليل فيهما إطلاق يقتضي بطلان الصوم بهما مع النسيان. و هو غير ظاهر، إذ ما تضمن بطلان الصوم بمفاجأة الحيض و النفاس إنما يقتضي مفطرية نفس الحيض و النفاس من غير تعمد، لا حدثهما المستمر بعد النقاء الذي هو محل الكلام. و ما تضمن إفطار الحائض و النفساء ببقاء الحدث بعد النقاء مختص بموثق أبي بصير (1) الآتي في المسألة العاشرة المتضمن للتواني في الغسل، و الظاهر في التقصير، فلا يشمل صورة النسيان. و من ثم ينحصر الدليل فيهما بما ورد في الجنابة بضميمة إلحاقهما بها لو تم. و حينئذ يتعين مشاركتهما للجنابة في جميع الأدلة، حتي ما أوهم أن الشرط هو تعمد البقاء.

(2) تقدم في المسألة السادسة الإشكال في ذلك، و احتمال عدم مشروعية

ص: 94


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

إلي أن يطلع الفجر (1).

[(مسألة 9): إذا ظن سعة الوقت للغسل فأجنب فبان الخلاف]

(مسألة 9): إذا ظن سعة الوقت للغسل فأجنب فبان الخلاف فلا شي ء عليه (2) مع المراعاة، أما بدونها فالأحوط القضاء (3).

______________________________

التيمم في المقام. فراجع. نعم لا إشكال في رجحان التيمم برجاء المشروعية.

(1) لما سبق منا و منه قدّس سرّه في المسألة الأربعين من فصل التيمم من أن التيمم للحدث الأكبر لا يبطل بالحدث الأصغر. أما لو قيل ببطلانه به فالمتجه عدم جواز النوم، إذ مع بطلان التيمم يلزم البقاء علي الجنابة- أو مطلق الحدث الأكبر- إلي طلوع الفجر فيكون تعمد النوم من تعمد البقاء علي الجنابة المفروض مبطليته للصوم.

نعم لا بد من العزم علي النوم بنحو يستمر إلي الفجر- كما لا يبعد كونه محل الكلام- دون ما إذا لم يتعمد النوم، أو تعمده برجاء الانتباه قبل الفجر، فإنه لا يلزم منه بطلان الصوم لو استمر للفجر، حتي لو لم يسبق بالتيمم. بل لا أثر للتيمم بعد فرض بطلانه بالنوم. غاية الأمر أن يختص بالنومة الأولي، بناء علي ما يأتي في المسألة الثانية عشرة.

اللهم إلا أن يقال: صعوبة الالتزام بترك النوم قبل الفجر نوعا، خصوصا في العصور السابقة، و الغفلة عن وجوب ذلك مع إغفال النصوص له تشهد بمجموعها بجواز النوم. إما لعدم وجوب التيمم بدلا عن الغسل في المقام، أو لعدم بطلان التيمم بالنوم، أو لعدم قادحية تعمد البقاء علي الجنابة الحاصل بذلك في الصوم.

لكن ذلك إنما ينفع إذا بلغ حدّ الاطمئنان بجواز النوم و عدم مبطليته للصوم، بنحو يرفع به اليد عن القواعد المفروض اقتضاؤها بطلان الصوم، كما هو غير بعيد.

(2) لعدم تعمد البقاء علي الجنابة حينئذ.

(3) بل جزم بوجوبه في المراسم و الشرائع و القواعد و غيرها. و كأنه لإلحاق المقام بالأكل بعد الفجر من دون مراعاة. لكن مورد ذلك فعل المفطر بعد الفجر، و المقام أجنبي عنه، لأن المفطر- و هو إحداث الجنابة- إنما كان قبل الفجر، و أما البقاء

ص: 95

[(مسألة 10): حدث الحيض و النفاس كالجنابة في أن تعمد البقاء عليهما مبطل للصوم]

(مسألة 10): حدث الحيض و النفاس كالجنابة في أن تعمد البقاء عليهما مبطل للصوم (1)

______________________________

عليها فهو ليس مفطرا إلا مع العمد غير الحاصل في المقام.

علي أن دليل المراعاة إنما تضمن مراعاة طلوع الفجر، لا مراعاة قرب طلوعه، كما هو المراد لهم هنا. و حمل ما نحن فيه علي ذلك، لعموم العلة- و هي التسامح و عدم التوثق- أشبه بالقياس بعد عدم النص علي التعليل بنحو يقتضي التعدي لسائر موارده.

و من ذلك يظهر الإشكال فيهما في الجواهر من الاستدلال عليه بإطلاق أدلة القضاء، إذ فيه: أن موضوع أدلة القضاء تعمد البقاء علي الجنابة، لا تعمد سبب الجنابة إذا استلزم البقاء من دون تعمد له كما في المقام. و من ثم كان ظاهر المدارك و محكي الذخيرة التوقف، أو الميل لعدم وجوب القضاء.

(1) كما ذكره غير واحد، بل قيل انه المشهور بين من تعرض له. و لعل عدم التعرض له في جملة من كتب السيدين و الشيخين و غيرهما اكتفاء بما ذكروه في حكم الجنب، لما هو المعهود منهم من مشاركتهما للجنب في كثير من الأحكام.

و كيف كان فيشهد به في الجملة موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

إن طهرت بليل من حيضتها، ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتي أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم» (1).

و أما الإشكال في سنده تارة: بأن علي بن الحسن بن فضال فطحي. و أخري:

بضعف طريق الشيخ إليه، لاشتماله علي علي بن محمد بن الزبير.

فهو مدفوع بحجية خبر الفطحي الثقة، علي ما ذكرناه في الأصول. و بأن الظاهر وثاقة علي بن محمد بن الزبير علي ما تقدم في المسألة السابعة من الفصل الأول في النية. بل تقدم هناك ما يشهد باعتبار رواية الشيخ قدّس سرّه لكتب ابن فضال حتي لو فرض عدم ثبوت وثاقة ابن الزبير المذكور. فراجع.

ص: 96


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

هذا و قد استدل بعض مشايخنا قدّس سرّه أيضا بصحيحة ابن مهزيار الواردة في أغسال المستحاضة، بضميمة الأولوية القطعية، لأهمية حدث الحيض من حدث الاستحاضة.

لكنه لا يخلو عن إشكال:

أولا: لأن الصحيحة واردة في أغسال الاستحاضة لاستمرار حدثها باستمرار دمها، لا لحدثها بعد انقطاع الدم، و لم يتضح أهمية حدث الحيض بعد انقطاع الدم من استمرار حدث المستحاضة مع استمرار الدم.

و ثانيا: لأن الظاهر عدم العمل بالصحيحة في الحكم المذكور، علي ما ذكرناه في محله من مباحث أحكام المستحاضة من كتاب الطهارة، و تأتي الإشارة إليه في المسألة الحادية عشرة إن شاء اللّه تعالي. فالعمدة الموثق.

هذا كله في حدث الحيض. و أما حدث النفاس فالظاهر المفروغية عن مشاركته لحدث الحيض في الأحكام، علي ما سبق الكلام فيه في مباحث أحكام النفاس. فراجع.

بقي شي ء، و هو أن سيدنا المصنف قدّس سرّه قال: «مقتضي عموم ما دلّ علي وجوب الكفارة بتعمد المفطر وجوب الكفارة أيضا. لكن في المستند و غيره عدمها. و وجهه غير ظاهر. و أصل البراءة لا مجال له مع الدليل».

لكن لا يبعد ابتناء كلام المستند و غيره علي أن الاقتصار في الموثق علي ذكر القضاء من دون تنبيه للكفارة، موجب لظهوره في عدم وجوبها، فيخرج به عن العموم المذكور، لو تم.

و لعل الأولي أن يقال: لا ظهور للموثق في تعمد الترك، بل المنصرف أو المتيقن من التواني فيه إرادة فعل الشي ء في وقته مع التسامح في تنفيذ المراد و التسويف فيه تفريطا، و لو أريد تعمد الترك كان الأنسب التعبير به.

و من هنا كان ظاهر الموثق أو المتيقن منه إرادة التفريط بالغسل من دون تعمد، نظير التفريط بغسل الجنابة بالنومة الثانية، علي ما يأتي في المسألة الثانية عشرة. و هو

ص: 97

في رمضان و قضائه (1) دون غيرهما (2). و إن كان في غيرهما أحوط استحبابا.

[(مسألة 11): المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل لصلاة الصبح]

(مسألة 11): المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل (3) لصلاة الصبح، و كذا للظهرين علي الأحوط، فإذا تركت

______________________________

إنما يدل علي مفطرية الحدث في ذلك- بسبب اشتماله علي وجوب القضاء- من دون أن يدل علي حكم تعمد فعل المفطر المذكور. و حينئذ لا مانع من الرجوع في حكمه إلي عموم وجوب الكفارة لو تم، لعدم منافاة الموثق له.

و المتحصل: أن المرأة إن لم تفرط في الغسل يصح صومها، و لا قضاء عليها، و إن فرطت فيه توانيا من دون تعمد تأخيره فسد صومها، و عليها القضاء فقط، و إن تعمدت الترك جري عليها حكم تعمد المفطر.

(1) لما تقدم عند الكلام في مفطرية البقاء علي الجنابة و في المسألة السابعة من أن مقتضي القاعدة إلحاق القضاء بالأداء في الخصوصيات المعتبرة.

(2) كأنه لخروجه عن مورد الموثق. لكن تقدم عند الكلام في عموم مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة ما يقتضي العموم في المقام. بل مقتضاه العموم حتي للصوم المندوب. لكن من القريب التسامح فيه، كما ثبت في تعمد البقاء علي الجنابة. و إن كان في بلوغ ذلك حدّا يصلح معه للاستدلال إشكال.

(3) تقدم في المسألة الأربعين من مباحث الدماء عند الكلام في أحكام المستحاضة عدم نهوض دليل يعتد به بذلك. و من ثم كان الأظهر عدم اشتراط الصوم بالأغسال المذكورة. فراجع.

كما أنه لو غض النظر عن ذلك، و بني علي دخل الأغسال المذكورة في صحة الصوم، تعين البناء علي اعتبار غسلي النهار، و غسل العشاءين لليلة السابقة، إلا مع تقديم غسل صلاة الصبح علي الفجر- لو قيل بمشروعيته- فيجتزأ به عن غسل العشاءين لليلة السابقة. لكن لا دليل علي مشروعية التقديم، كما تقدم هناك. فراجع.

ص: 98

أحدهما بطل صومها، و لا يشترط غسل الليلة الماضية، و لا غير الغسل من الأعمال (1) و إن كان أحوط. و لا يجب تقديم غسل الصبح علي الفجر (2)، بل لا يجزي لصلاة الصبح إلا مع وصلها به (3). نعم إذا اغتسلت لصلاة الليل اجتزأت به للصبح، مع عدم الفصل المعتد به (4).

[(مسألة 12): إذا أجنب في شهر رمضان ليلا و نام حتي أصبح]

(مسألة 12): إذا أجنب في شهر رمضان ليلا (5) و نام حتي أصبح، فإن نام ناويا ترك الغسل أو مترددا فيه لحقه حكم تعمد البقاء علي

______________________________

(1) لاختصاص الدليل المدعي بالغسل، كما يظهر بمراجعة ما تقدم.

(2) بل لا دليل علي مشروعيته، كما ذكرناه آنفا. فراجع ما تقدم في المسألة المذكورة.

(3) كما هو الظاهر من أدلة أحكام المستحاضة التي تقدمت في محلها.

(4) تقدم منا في المسألة التاسعة و العشرين من أحكام الدماء الإشكال في ذلك. فراجع.

(5) لا خصوصية في الحكم المذكور للجنابة ليلا، بل و لا للشروع في النوم ليلا، بل المدار علي إيقاع النوم و هو جنب، كما يظهر مما يأتي.

(6) أما مع نية ترك الغسل فهو المعروف من مذهب الأصحاب، بل هو المتيقن من معاقد نفي الخلاف و دعوي الإجماع في كلماتهم. كما هو المتيقن أيضا من نصوص المفطرية مع النوم مطلقا، أو مع التعمد، التي تقدم و يأتي التعرض لبعضها.

اللهم إلا أن يقال: نصوص المفطرية مع النوم مطلقا معارضة بمثلها. فمن الطائفة الأولي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان، ثم ينام قبل أن يغتسل، قال: يتم صومه، و يقضي ذلك اليوم … » (1)،

و نحوه غيره. و من الطائفة الثانية صحيح أبي سعيد القماط: «أنه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام

ص: 99


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

______________________________

عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل، فنام حتي أصبح. قال: لا شي ء عليه.

و ذلك أن جنابته كانت في وقت حلال» (1). و نحوه غيره.

و من هنا لا بد من الجمع بين الطائفتين إما بالحمل علي الاستحباب، فلا تنفع في المدعي، و إما بالتفصيل بين العمد و غيره بقرينة نصوص تعمد النوم، فيكون المعيار علي تلك النصوص، لا علي هذه.

و أما دليل مفطرية تعمد النوم فهو صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصحاب من أهله، ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتي أصبح. قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان، و يستغفر ربه» (2)، و صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة، ثم ينام حتي يصبح متعمدا. قال: يتم ذلك اليوم و عليه قضاؤه» (3).

و ظاهر الأول و إن كان هو كفاية تعمد المكلف النوم و إن لم يقصد استمراره حتي يصبح، إلا أنه لا يصلح حينئذ لأن يكون شاهد جمع بين نصوص مطلق النوم، حيث لا مجال لحمل النصوص المتعددة الدالة علي عدم مفطريته علي خصوص من غلبه النوم من دون قصد له، لندرة ذلك و احتياجه للتنبيه.

و من ثم يتعين حمله علي ما هو ظاهر الثاني أو المتيقن منه من قصد النوم المستمر للصباح، في مقابل ما إذا قصد النوم من دون قصد لاستمراره، أو مع القصد لعدم استمراره. و بذلك يكون الصحيحان شاهدي جمع بين نصوص مطلق النوم.

و يكون المتحصل من مجموع النصوص الحكم ببطلان الصوم من الجنب مع النوم بقصد استمراره للصباح، و عدم المفطرية مع النوم الغالب من دون قصد، أو مع القصد له من دون قصد للاستمرار فيه، أو مع القصد لعدم الاستمرار.

نعم قد يعارضها في ذلك حديث إسماعيل بن عيسي: «سألت الرضا عليه السّلام

ص: 100


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.

______________________________

عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان، فنام عمدا حتي يصبح، أي شي ء عليه؟

قال: لا يضره هذا، و لا يفطر و لا يبالي، فإن أبي عليه السّلام قال: قالت عائشة: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أصبح جنبا من جماع غير احتلام. قال: لا يفطر، و لا يبالي» (1).

لكن- مع غض النظر عن سنده- لا بد من حمله علي تعمد النوم دون الاستمرار فيه، أو علي التقية، كما يناسبه الاستشهاد بحديث عائشة، علي ما تقدم في أول الكلام في مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة.

و قد ظهر من جميع ما تقدم: أن نصوص مفطرية النوم لا تنهض بمفطريته في مفروض المسألة- و هو ما إذا نام ناويا ترك الغسل- إلا إذا عزم المكلف علي الاستمرار بالنوم حتي يطلع الفجر، أما لو تعمد أصل النوم من دون قصد لاستمراره، فاستمر، فهي قاصرة عن إثبات المفطرية حينئذ. و مجرد القصد لترك الغسل لا يقتضي نهوضها بذلك، لأن موضوعها تعمد النوم مستمرا، لا تعمد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر.

اللهم إلا أن يستفاد من الحكم فيها بالمفطرية مع قصد استمرار النوم أن المعيار في المفطرية علي قصد استمرار حدث الجنابة و عدم الغسل منه إلي طلوع الفجر، لعدم خصوصية استمرار النوم ارتكازا في الصوم، لو لا ما يترتب عليه من استمرار الحدث المذكور.

هذا مضافا إلي ما تضمن مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة، إذ يكفي في صدقه العزم عليه من أول الأمر من دون عدول عن ذلك، و لو مع عدم فعلية القصد حين طلوع الفجر، لذهول أو نوم أو نحوهما.

بل لو قلنا بالمفطرية مع التردد تعين القول به مع العزم علي العدم بالأولوية، و إن كان قد يختلف عن مفاد النصوص في ملاك المفطرية، علي ما قد يتضح.

هذا كله مع نية ترك الغسل. و أما مع التردد فيه فقد يدعي دخوله في معقد الإجماع أو نفي الخلاف علي المفطرية مع النوم من دون قصد الغسل. إلا أن استدلال بعضهم عليها بأن العزم علي ترك الغسل يسقط اعتبار النوم، ظاهر في أن مراده بعدم

ص: 101


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 6.

الجنابة (6) و إن نام ناويا للغسل (1)، أو ذاهلا عنه (2) فإن كان في النومة

______________________________

قصد الغسل قصد عدمه.

و كيف كان فحيث كان التردد المذكور لا يجتمع مع قصد استمرار النوم إلي طلوع الفجر، فلا مجال للاستدلال علي المفطرية مع التردد بما تقدم من نصوص المفطرية مع النوم، بعد ما سبق من حملها علي قصد الاستمرار بالنوم أو بالجنابة إلي طلوع الفجر. و مثله الاستدلال بنصوص تعمد البقاء علي الجنابة. لفرض عدم سبق نية البقاء عليها، بل التردد في ذلك.

و دعوي: أنه لا يعتبر في صدق تعمد البقاء علي الجنابة القصد إلي ترك الغسل، بل يكفي عدم القصد له حتي مضي وقته، كما يظهر بملاحظة النظائر، حيث يصدق علي من تردد في السفر مثلا حتي مضي وقته أنه تعمد ترك السفر في وقته.

ممنوعة جدا، بل لا بد فيه من الالتفات للموضوع، و لضيق الوقت عنه حين خروج الوقت. و من ثم لا يصدق في المقام، للغفلة عن ذلك كله بالنوم حين خروج الوقت.

نعم حيث كان المعتبر في الصوم نيته عند الفجر أو قبل طلوعه، و كانت نيته عبارة عن نية ترك جميع المفطرات، و منها تعمد البقاء علي الجنابة، تعين لزوم نية الغسل قبل الفجر علي تقدير الانتباه، إذ عدم الغسل حينئذ مستلزم لتعمد البقاء علي الجنابة المفطر، فالتردد في ذلك و عدم نيته مستلزم لعدم نية الصوم، فيبطل لعدم النية، لا لتعمد فعل المفطر.

و علي ذلك يبتني الكلام في وجوب الكفارة و عدمه، بناء علي ما يأتي من الفرق بين الوجهين في ذلك. كما أن ذلك يختص بالصوم الواجب المعين، دون غيره، بناء علي ما ذكروه في الثاني من الاكتفاء فيه بتجديد النية قبل الزوال.

(1) و هو موضوع كلام الأكثر أو المتيقن منه.

(2) ذكرنا آنفا أن تعمد النوم مع البناء علي عدم الغسل هو موضوع المفطرية المتحصل من مجموع النصوص، و أن تعمد النوم مع التردد في الغسل إنما يبطل الصوم معه لعدم نيته، لا لتعمد المفطر. أما تعمد النوم مع الذهول عن الغسل فهو لا ينافي

ص: 102

______________________________

حتي النية، لإمكان تحقق النية للصوم بما له من مفهوم ارتكازي، مع الغفلة و عدم القصد لترك كل مفطر تفصيلا.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من دخوله حينئذ في نسيان غسل الجنابة الذي تقدم في المسألة السابعة أن المشهور بطلان الصوم معه. فهو لا يخلو عن إشكال، لأن المراد بالذهول هو الذهول عن الغسل بعدم قصده و لا قصد عدمه و لا التردد بين الأمرين، و لو مع الالتفات- و لو ارتكازا- للجنابة، و لوجوب الغسل منها.

علي أن دليل نسيان غسل الجنابة ظاهر أو منصرف إلي ما إذا استحكم النسيان، بحيث يستند ترك الغسل له عرفا، دون ما إذا كان موقتا، بحيث اقتضي الإقدام علي النوم، و كان ترك الغسل عرفا مستندا للنوم لا للنسيان، فهو نظير ما إذا نسي المكلف غسل الجنابة، فأراق الماء، ثم التفت قبل خروج الوقت. فتأمل.

و أشكل من ذلك الاستدلال للبطلان مع الذهول بإطلاق النصوص المتضمنة للمفطرية مع النوم، لما سبق من حملها علي خصوص صورة قصد النوم المستمر إلي طلوع الفجر.

و لو فرض تحققه في المقام أشكل دخوله في إطلاق النصوص المذكورة، لقرب انصرافها إلي ما إذا كان تعمد استمرار النوم راجعا للبناء علي ترك الغسل، ليكون من صغريات تعمد البقاء علي الجنابة، فلا يشمل صورة الذهول عنه.

بل الظاهر قصور بقية نصوص النوم عن صورة الذهول. أما ما تضمن منها عدم المفطرية فلأنه مسوق لبيان التخفيف في أمر النوم، و العفو عنه و إن ابتني علي التسامح في أمر الغسل و تأخيره، فلا يشمل صورة الذهول عن الغسل. و أما ما تضمن منها المفطرية- كنصوص النومة الثانية و الثالثة- فلأنه مسوق لبيان العقوبة علي التسامح بالنوم، و هو لا يتأتي مع الذهول المفروض.

و من هنا كان اللازم الرجوع في صورة الذهول عن أصل الغسل- بحيث لا يتحقق العزم علي فعله أو تركه أو التردد فيه- إلي ما تقتضيه القاعدة من عدم المفطرية، لعدم تعمد ترك الغسل و البقاء علي الجنابة، الذي تضمنت الأدلة مبطليته للصوم.

ص: 103

الأولي صح صومه (1).

______________________________

نعم ذلك مختص بالذهول لقصور في المكلف أو لسبب طارئ، الذي لا يبعد كونه محل كلامهم، دون ما إذا كان ناشئا عن التسامح في الغسل و عدم الاهتمام به، الراجع إلي عدم الاهتمام بالصوم. فإن الظاهر منافاته لنية الصوم. بل الظاهر رجوعه للبناء علي عدم الغسل ارتكازا، فيجري معه حكم تعمد البقاء علي الجنابة. فتأمل جيدا.

(1) كما هو المعروف بينهم المنسوب للمشهور في الحدائق، و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا». و نفي في الخلاف الخلاف فيه، بل ادعي الإجماع عليه.

و يشهد به أن النومة الأولي هي المتيقنة من النصوص النافية للمفطرية مع النوم بعد ما سبق من حملها علي صورة عدم القصد للنوم المستمر، المستلزم للعزم علي عدم الغسل ليلا. مضافا إلي صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في أول الليل، ثم ينام حتي يصبح في شهر رمضان. قال: ليس عليه شي ء. قلت:

فإنه استيقظ، ثم نام حتي أصبح. قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة» (1).

و زاد في المعتبر- في المسألة العاشرة من المقصد الثاني مما يجب الإمساك عنه- بعد أن أفتي بما ذكره الأصحاب (رضوان اللّه عليهم)، فاستدل بصحيح بن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في شهر رمضان، ثم يستيقظ، ثم ينام حتي يصبح. قال:

يتم صومه [يومه]، و يقضي يوما آخر. و إن لم يستيقظ حتي يصبح أتم يومه، و جاز له» (2).

لكن الاستدلال به موقوف علي فرض تخلل النوم بين الجنابة و الاستيقاظ، فكأنه قال: «الرجل يجنب بشهر رمضان ثم ينام ثم يستيقظ … ». و هو تكلف لا شاهد عليه. بل الظاهر منه إرادة الجنابة بالاحتلام، ثم الاستيقاظ بعدها. و حينئذ يدل علي العفو عن استمرار نومة الاحتلام، و عدم العفو عن النومة الأولي بعدها، فيخالف ما عليه الأصحاب، و لا ينهض بالاستدلال لهم.

ص: 104


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- التهذيب ج: 4 ص: 211. الاستبصار ج: 2 ص: 86.

______________________________

بل يكون كسائر المطلقات المتضمنة للإفطار مع النوم المستمر حتي الفجر، فيحمل علي صورة تعمد استمرار النوم و عدم الغسل قبل الفجر، أو علي استحباب القضاء، جمعا مع صحيح معاوية بن عمار، و ما هو المتيقن من المطلقات النافية للقضاء مع استمرار النوم إلي الفجر.

هذا كله بناء علي ما أثبته في المعتبر من عبارة الصحيح المذكور، و هو المطابق لما في التهذيبين. لكن رواه الصدوق هكذا: «قلت له: الرجل يجنب في شهر رمضان، ثم يستيقظ، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتي يصبح. قال: يتم صومه و يقضي يوما آخر.

فإن لم يستيقظ حتي يصبح أتم صومه، و جاز له» (1). بل ظاهر الوسائل رواية الشيخ له كذلك أيضا (2).

و حينئذ قد يستدل به لما عليه الأصحاب بحمل عدم الاستيقاظ في ذيله علي عدم الاستيقاظ الثاني من النومة الأولي بعد الجنابة، حيث يدل حينئذ علي العفو عن استمرار النومة الأولي إلي الصباح. إذ لعله أولي من حمله علي عدم الاستيقاظ أصلا، باستمرار نومة الجنابة، لأن الأول أخفي حكما من الثاني، و بيانه يغني عن بيان الثاني للأولوية، و لا عكس، فيكون أولي بالبيان.

و إن كان الإنصاف أن الحديث بهذا المتن لا يخلو عن اضطراب، لأن تكرر الاستيقاظ في السؤال لا يتناسب مع الاقتصار علي ذكره مرة واحدة في الجواب. و من ثم كان المتن الأول أقرب، و لا سيما مع اتفاق التهذيبين عليه. و إن قيل إن الفقيه أضبط.

نعم عن بعض نسخ الفقيه و الوسائل روايته هكذا: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يجنب في شهر رمضان، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتي يصبح. قال يتم صومه [يومه]، و يقضي يوما آخر. و إن لم يستيقظ حتي يصبح أتم يومه» (3) و هو خال عن الإشكال المذكور، و مطابق لصحيح معاوية بن عمار، و صريح فيما عليه الأصحاب. لكن لا طريق لإثبات صحة هذا المتن بعد هذا الاختلاف في الحديث.

ص: 105


1- من لا يحضره الفقيه ج: 2 ص: 75.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
3- مستمسك العروة الوثقي ج: 8 ص: 299- 300.

______________________________

و لعله لذا جعل في المعتبر في تتمة كلامه المتقدم صحيح معاوية بن عمار هو الدليل الأوضح في المسألة. و كفي به حجة في المقام.

مضافا إلي إطلاقات صحة الصوم من الجنب مع استمرار نومه إلي الفجر، حيث كانت النومة الأولي هي المتيقن منها، كما ذكرنا.

لكن مع كل ذلك قال في المعتبر في ذيل المسألة الأولي من المقصد الأول مما يجب الإمساك عنه: «و لو أجنب، فنام ناويا للغسل حتي أصبح، فسد صوم ذلك اليوم.

و عليه قضاؤه. و عليه أكثر علمائنا». ثم استدل عليه بصحيح ابن أبي يعفور المتقدم بعين المتن الذي ذكره في كلامه السابق. و الذي روي به في التهذيبين، و بصحيح محمد بن مسلم. و الظاهر أن مراده به صحيح محمد بن مسلم المتقدم في أول المسألة.

لكن سبق لزوم حمله علي الاستحباب، أو علي صورة تعمد النوم المستمر، الراجع لقصد عدم الغسل. كما سبق قريبا حمل صحيح ابن أبي يعفور بالمتن المذكور علي ذلك.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الصوم، در يك جلد، دار الهلال، قم - ايران، اول، 1425 ه ق مصباح المنهاج - كتاب الصوم؛ ص: 106

نعم في حديث إبراهيم عن بعض مواليه قال: «سألته عن احتلام الصائم.

قال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتي يغتسل، و إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلا [إلي] ساعة حتي يغتسل. فمن أجنب في شهر رمضان، فنام حتي يصبح، فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و يتم صيامه، و لن يدركه أبدا» (1).

و يصعب جدا حمله علي خصوص صورة تعمد النوم المستمر، لظهور النهي فيه عن مطلق النوم أو ما زاد علي الساعة في وجوب الاحتياط و التحفظ علي الغسل ليلا، فتعقيبه بحكم استمرار النوم ظاهر جدا في إرادة حكم مخالفة الاحتياط المذكور، لا حكم خصوص تعمد المفطر.

و منه يظهر أنه لا مجال لحمله علي ما عدا النومة الأولي، و من ثم كان منافيا لما عليه الأصحاب في المقام، و مناسبا لما تقدم من المعتبر.

لكن لا مجال للتعويل عليه:

ص: 106


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4

و إن كان في النومة الثانية- بأن نام بعد العلم بالجنابة (1) ثم أفاق و نام

______________________________

أولا: لضعفه بالإرسال، لعدم معرفة بعض موليه المذكور، اللهم إلا أن يكون مراده به بعض الأئمة عليه السّلام، لأنهم مواليه و موالي جميع شيعتهم فإن إبراهيم يروي عن الإمامين الصادق و الكاظم (عليهما السلام) بل قيل: أنه يروي عن الإمام الرضا عليه السّلام. و عليه لا تكون الرواية مضمرة.

و ثانيا: لمخالفته لجميع النصوص المرخصة في النوم، و المرخصة في خصوص النومة الأولي، و الحاكمة بعدم المفطرية مع استمرار النوم إلي ما بعد الفجر.

و ثالثا: لظهور إعراض الأصحاب عنه حيث يتعين حينئذ طرحه، أو حمله علي كراهة النوم ليلا- ككراهته نهارا- و استحباب التكفير مع استمراره.

و كيف كان فلا ينهض الحديث بالاستدلال لما في المعتبر. و لا سيما مع الحكم فيه بثبوت الكفارة الذي لم يلتزم به في المعتبر حتي في النومة الثالثة.

و من ثم كان ما ذكره في هذه المسألة عجيبا- كما في الجواهر- لإغفاله ما سبق منه و منا من دليل صحة الصوم، كنسبته لأكثر أصحابنا، مع أن المعروف عندهم- كما سبق- الصحة.

(1) يشير قدّس سرّه بذلك إلي أنه يشترط في مفطرية استمرار النوم العلم بالجنابة قبل النوم، لانصراف نصوص النوم بأجمعها إلي صورة العلم بالجنابة.

أما ما تضمن عدم المفطرية باستمراره، فلوروده في مقام بيان التخفيف في أمر النوم، و العفو عن التسامح الحاصل به عن تعجيل الغسل، و لا موضوع لذلك مع الجهل بالجنابة. و أما ما تضمن المفطرية به فلابتنائه علي العقوبة، و إجرائه مجري تعمد البقاء علي الجنابة، و ذلك إنما يتم مع العلم بها، نظير ما تقدم وجه قصور الطائفتين معا عن صورة الذهول.

نعم يكفي في جريان حكم النومة الثانية العلم حين الإقدام عليها بسبق الجنابة علي النومة الأولي، و لو مع الجهل بالجنابة عند الإقدام علي النومة الأولي لإطلاق دليل

ص: 107

ثانيا حتي أصبح- وجب عليه القضاء (1)

______________________________

حكم النومة الثانية.

هذا و لو تخيل حين النومة الثانية أنها النومة الأولي بعد الجنابة، فالظاهر عدم ترتب حكم النومة الثانية، و انصراف دليل حكمها عن هذه الصورة، بقرينة وروده مورد العقوبة و التشديد، بسبب التسامح في تأخير الغسل، فإن ذلك يناسب اختصاص الحكم المذكور بما إذا علم بالحال حين الإقدام علي النوم. فلاحظ.

(1) كما هو المعروف. و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه مخالفا»، بل ادعي في الخلاف الإجماع عليه، و نسبه في محكي المنتهي للأصحاب، و عن المستند: «استفاض نقل الإجماع عليه».

و يشهد به صحيح معاوية بن عمار المتقدم، و صحيح ابن أبي يعفور، بناء علي روايته بأحد الوجهين الأخيرين. و أما بناء علي روايته بالوجه الأول المروي في التهذيبين فيكون ظاهرا في البطلان باستمرار النومة الأولي، الملزم بحمله علي صورة القصد للنوم المستمر، أو علي الاستحباب، كما سبق. و يخرج عن محل الكلام.

هذا و منصرف الصحيحين، خصوصا الأول المشتمل علي كون القضاء عقوبة ما إذا كان النوم مبنيا علي التسامح في الغسل و الإقدام علي تأخيره، فلو لم يبتن علي ذلك، بل كان للذهول عن الجنابة فالمتعين عدم القضاء، كما يظهر مما سبق.

و أما مع الالتفات للجنابة، لكن ابتني النوم علي الاحتياط للغسل و التحفظ من استمرار النوم- باستعمال المنبه الشائع في عصورنا، أو بتكليف شخص بإيقاظه أو نحو ذلك- لكن غلب علي أمره، فقد يدعي انصراف الإطلاق عنه. لكنه لا يخلو عن إشكال، أو منع.

نعم لا ينبغي الإشكال فيه لو تعذر الغسل فعلا، و كان إمكانه متوقعا بعد مدة معتد بها، حيث لا يكون النوم حينئذ مع التوثق من الانتباه عند إمكان الغسل مشمولا لما سبق، لظهور التعليل بالعقوبة في صحيح معاوية في ابتناء النوم علي

ص: 108

دون الكفارة علي الأقوي (1).

______________________________

التهاون بالغسل و تأخيره، و هو غير حاصل مع تعذر تعجيل الغسل و التحفظ عليه في وقته بالتوثق من الانتباه.

بقي شي ء، و هو أنه حيث سبق قوة مانعية تعمد البقاء علي الجنابة من الصوم الواجب غير صوم شهر رمضان، فالظاهر بطلانه بالنوم الثاني، كصوم شهر رمضان، لعين الوجه المتقدم لإلحاق الصوم المذكور بصوم شهر رمضان في مانعية تعمد البقاء علي الجنابة من صحته. فلاحظ.

(1) كما نسب للأصحاب، بل يظهر من الجواهر احتمال انعقاد الإجماع الحجة عليه. و يقتضيه- مضافا إلي الأصل- السكوت عنه في صحيحي معاوية بن عمار و ابن أبي يعفور، (1) و لا سيما الأول المشتمل علي الأمر بالقضاء عقوبة، لظهور أن الكفارة أظهر في العقوبة و ادعي في الردع، فإهمالها و الاقتصار علي القضاء ظاهر جدا في عدم وجوبها.

لكن استشكل فيه في الجواهر بأصالة ترتبها علي كل مبطل مقصود. و فيه: أن ذلك لو تم فالمفطر بالأصل هو بالبقاء علي الجنابة بشرط التعمد، أو نفس تعمد ذلك، و لا قصد للبقاء علي الجنابة هنا، فضلا عن تعمده، لما سبق من كون مفروض الكلام عدم القصد لاستمرار النوم. كما أن النوم هنا و إن كان يترتب عليه البطلان بمقتضي الصحيحين السابقين إلحاقا له بالمفطر المذكور. إلا أن مبطليته للصوم باستمراره، الراجع للبقاء علي الجنابة، و هو غير مقصود بالفرض، و إنما القصد في محل كلامهم إلي أصل النوم، و إلي إحداثه.

و أضعف منه دعوي: أصالة ترتب الكفارة عند وجوب القضاء. لعدم الشاهد لها، و لا سيما مع كثرة موارد تخلف وجوب الكفارة عن وجوب القضاء.

و كذا الاستدلال بإطلاق ما تضمن وجوبها بالبقاء علي الجنابة، كمعتبر سليمان بن حفص عن الفقيه: «قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، و لا يغتسل حتي

ص: 109


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

و كذا بعد النومة الثالثة (1). و إن كان الأحوط استحبابا وجوب الكفارة

______________________________

يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم. و لا يدرك فضل يومه» (1).

فإنه محمول علي تعمد ذلك، كما هو مورد بعض نصوصه كصحيح أبي بصير المتقدم في مفطرية تعمد البقاء علي الجنابة «1»، و المنصرف من سائر موارد الحكم بالكفارة، التي هي ارتكازا من سنخ العقوبة.

و لا سيما مع عدم ثبوتها في كثير من موارد الاستمرار علي الجنابة، كما في موارد نسيان الجنابة- بناء علي وجوب القضاء به- و عدم تيسر الغسل، و استمرار النومة الأولي و غير ذلك.

و كذا ما تضمن إطلاق وجوبها بالنوم من الجنب حتي يصبح. لما سبق من لزوم حمله علي صورة تعمد النوم المستمر، و لو للعلم باستمرار النوم عادة، دون القصد لأصل النوم و إن استمر بنفسه من دون قصد لذلك حين الإقدام عليه.

نعم تقدم أنه لا مجال لذلك في حديث إبراهيم. لكنه- مع غض النظر عن وجوه الإشكال فيه- يقتضي وجوب الكفارة حتي مع استمرار النومة الأولي. و من ثم يتعين حمله علي الاستحباب أو طرحه، كما سبق.

(1) أما وجوب القضاء فهو مفروغ عنه بينهم. و يقتضيه ما ورد في النومة الثانية بفهم عدم الخصوصية، أو بالأولوية العرفية. بل ربما يستفاد من إطلاقات وجوب القضاء باستمرار النوم بعد تقييدها في النوم الأول بما سبق، فإنه و إن سبق حملها علي صورة تعمد النوم المستمر، أو الاستحباب، إلا أنه ربما يمكن حملها علي ما عدا النوم الأول. و إن لم يكن ذلك مهمّا بعد كفاية ما سبق.

و أما عدم وجوب الكفارة فهو الذي ذهب إليه في المعتبر و المدارك و محكي المنتهي و غيرها. و يقتضيه الأصل علي نحو ما تقدم هناك.

خلافا لما هو المشهور بين الأصحاب من وجوبها، بل هو المدعي عليه الإجماع في

ص: 110


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

فيه أيضا (1). بل الأحوط ذلك في النوم الثاني (2). بل كذا في الأول إذا لم يكن معتاد الانتباه (3).

[(مسألة 13): الظاهر جواز النوم الأول]

(مسألة 13): الظاهر جواز النوم الأول (4)،

______________________________

الخلاف و الغنية و الوسيلة و جامع المقاصد. لعين ما تقدم في النومة الثانية مما عرفت ضعفه.

و من ثم جعل في جامع المقاصد دليل المسألة هو الإجماع. لكن لا مجال للتعويل عليه في الخروج عن مقتضي الأصل المذكور بعد توقف مثل الفاضلين عن الاعتماد عليه، بل نسبة مضمونه في الشرائع للمشهور، و في المعتبر للشيخين، و مع ظهور ابتناء دعاوي الإجماع من القدماء علي التوسع أو التسامح بنحو يرفع الوثوق بها.

هذا و يجري ذلك أيضا في النومات اللاحقة مهما تعددت.

(1) مراعاة لخلاف المشهور، المدعي عليه الإجماع، كما تقدم.

(2) خروجا عن احتمال وجوبها، الذي تقدم من الجواهر تقريبه و الاستدلال عليه.

(3) يعني مع القضاء أيضا. فقد صرح غير واحد بأنه لا بد في العفو عن النومة الأولي من احتمال الانتباه، و إلا كان قصد النوم ملازما لقصد استمراره الذي سبق جريان حكم تعمد الجنابة معه. قال في المسالك: «و شرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياده الانتباه، و إلا كان كمتعمد البقاء علي الجنابة. و لا بأس به». و مقتضاه وجوب القضاء و الكفارة مع عدم اعتياد الانتباه.

لكنه غير ظاهر الوجه، لعدم صدق تعمد البقاء علي الجنابة بمجرد ذلك. بل هو مخالف لإطلاق نصوص النومة الأولي المتقدمة.

نعم لا يبعد اعتبار عدم اعتياد الاستمرار في النوم، بحيث لا يعتد عرفا باحتمال الانتباه، و لو لعدم توقع طروء سبب خارجي له.

(4) كما يظهر من مساق كلام الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) للأصل بعد عدم استلزامه بطلان الصوم لعدم تحقق تعمد البقاء علي الجنابة معه. مضافا إلي صحيح العيص بن القاسم: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر

ص: 111

و كذا الثاني (1)،

______________________________

رمضان، فيحتلم، ثم يستيقظ، ثم ينام قبل أن يغتسل. قال: لا بأس» (1)، و إطلاقه شامل للنوم في الليل.

لكن في الجواهر أنه قد يدل علي الحرمة صحيح معاوية بن عمار المتقدم، الدال علي حرمة النوم في الجملة، و خبر إبراهيم المتقدم في تعقيب ما سبق من المعتبر. و كأن وجه الاستدلال بصحيح معاوية ما تضمنه من أن القضاء عقوبة.

و فيه أولا: أن العقوبة بالقضاء قد لا تكون لحرمة النوم، بل للتسامح في الغسل المرجوح في نفسه و إن لم يكن محرما، نظير وجوب إعادة الصلاة علي من صلي في الثوب النجس نسيانا، عقوبة لنسيانه و عدم اهتمامه، كما تضمنته بعض النصوص (2).

و ثانيا: أنه إنما يدل علي العقوبة المذكورة في النومة الثانية دون الأولي. بل قد يظهر منه الإذن في النومة الأولي، كالنصوص المتضمنة لصحة الصوم مع النوم التي عرفت فيما سبق أن المتيقن منها النومة الأولي.

و أما خبر إبراهيم فهو- مع اشتماله علي النهي عن النوم في النهار المحمول علي الكراهة، كما سبق في المسألة الخامسة- ظاهر في جواز النوم ساعة.

نعم رواه في الجواهر هكذا: «فلا ينام ساعة حتي يغتسل»، و في موضع من التهذيب روايته هكذا: «فلا ينام إلي ساعة حتي يغتسل» (3). لكن لا طريق لإثبات صحة روايته بأحد الوجهين. بل جزم بعضهم بابتناء الثاني علي التصحيف، مع أنه حينئذ لا يمنع من النوم أقل من ساعة.

(1) كما في المدارك و محكي المنتهي. و يظهر الوجه فيه مما تقدم في النوم الأول.

و أما في الجواهر من أن المفروض هو الصوم المعين الذي يجب علي المكلف حفظه من كل ما يقتضي إبطاله، و منه البقاء جنبا إلي الصبح. فهو كما تري، لعدم العلم بترتب

ص: 112


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 2 باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 5.
3- التهذيب ج: 4 ص: 321.

و الثالث (1) مع احتمال الاستيقاظ، و إن كان إذا أستمر، يلزم القضاء.

[(مسألة 14): إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلي الغسل منه]

(مسألة 14): إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلي الغسل منه (2) و يجوز له الاستبراء بالبول و إن علم ببقاء شي ء من المني في

______________________________

ذلك علي النوم بعد كون محل الكلام احتمال الانتباه كما تقدم.

إلا أن يريد من وجوب حفظه وجوب الاحتياط و التحفظ عليه مما يحتمل أن يؤدي إلي ذلك. لكن لا دليل عليه في المقام و نظائره، كالمضمضة لغير الفريضة، و الأكل مع الشك في الفجر من دون مراعاة، و غيرها.

و مثله ما قد يدعي من أن فساد الصوم و وجوب القضاء بالنوم يقتضي حرمته مع كون الصوم من الواجب المعين. إذ وجوب القضاء ليس بمجرد النوم، بل باستمراره، و المفروض عدم العلم به.

نعم قد يقال: استمرار النوم هو مقتضي الاستصحاب. و بذلك يفترق عن غيره من موارد احتمال حصول المفطر، كالمثالين السابقين.

لكن الاستصحاب إنما يجري بعد حصول النوم و العلم به. أما حين الإقدام علي النوم فلا موضوع له، لعدم اليقين به إلا معلقا، و هو غير كاف في جريان الاستصحاب و ترتب العمل عليه. و لا سيما مع إطلاق صحيح العيص المتقدم.

و من ذلك يظهر ضعف ما في المسالك من حرمة النوم الثاني.

(1) كما في المدارك و عن المنتهي، لعين ما سبق في النوم الثاني. و لا يفرق في ذلك بين القول بوجوب الكفارة و عدمه، لأنها إنما تجب باستمرار النوم، نظير ما تقدم في القضاء.

(2) كما صرح به غير واحد، و عن المنتهي: «و لا نعلم فيه خلافا». بل يكاد يكون ضروريا، لشيوع الابتلاء بالمسألة بنحو يمتنع عادة خفاء حكمها.

و يقتضيه- مضافا إلي الأصل- ما تقدم في صحيح العيص من جواز النوم بعد الاحتلام الشامل، بإطلاقه للاحتلام في أثناء النهار. بل لعله المتيقن منه.

ص: 113

المجري (1).

[(مسألة 15): لا يعد النوم الذي احتلم فيه ليلا من النوم الأول]

(مسألة 15): لا يعد النوم الذي احتلم فيه ليلا من النوم الأول (2)، بل إذا أفاق ثم نام كان نومه بعد الإفاقة هو النوم الأول.

______________________________

نعم سبق في خبر إبراهيم- المتقدم في تعقيب ما في المعتبر من بطلان الصوم بنوم المجنب ليلا إذا استمر حتي الصباح- قوله عليه السّلام: «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتي يغتسل» (1).

لكنه ضعيف بالإرسال. مع أن تحريم النوم لا يقتضي وجوب المبادرة للغسل.

علي أنه لا يمكن البناء علي حرمة النوم بعد ما سبق في صحيح العيص. بل جواز النوم من الوضوح بحدّ يلحق معه بالضروريات، بسبب شيوع الابتلاء بذلك، حيث يمتنع عادة خفاء حكمه. و من هنا لا بد من حمل الخبر علي الكراهة.

(1) لا ينبغي التأمل في ذلك بعد قصور أدلة مفطرية إحداث الجنابة في نهار شهر رمضان عن مثل ذلك مما لا يستقل بنفسه، و يكون من توابع جنابة سابقة.

و مثله في ذلك ما إذا أنزل قبل الفجر و لم يعلم بذلك، أو تعذر عليه الغسل حتي طلع الفجر، أو سبقه المني في النهار بنحو لا يفطر به، و نحو ذلك.

مضافا إلي أن ذلك لما كان مغفولا عنه، فعدم التنبيه له في نصوص الاحتلام و نحوه من موارد الجنابة غير القادحة في الصوم، موجب لظهور تلك النصوص بإطلاقاتها المقامية في عدم قدحه في الصوم. و لا سيما و أن المحتلم و نحوه قد ينتبه قبل استكمال خروج المني بنحو يتعرض لخروج بقيته بالحركة الاختيارية، بحيث يستطيع منع خروجه بتجنبها، فلو كان ذلك قادحا لكان المناسب جدا التنبيه له.

(2) كما عن الفخر في شرح الإرشاد التصريح به، و هو المستفاد من مساق كلام غير واحد من الأصحاب، لعدم تفريقهم بين الجنابة بالاحتلام و الجنابة بغيره، و جعلهم المدار علي النوم بعد الجنابة، الظاهر في إرادة إحداث النوم، و عدم الاكتفاء بالنوم

ص: 114


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.

______________________________

المستمر حينها، بل هو كالصريح مما في الروضة من التعبير بالنوم بعد العلم بالجنابة.

و كيف كان فقد يستدل عليه بصحيح العيص المتقدم: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر رمضان، فيحتلم ثم يستيقظ، ثم ينام قبل أن يغتسل. قال: لا بأس» (1)، بدعوي: أن المراد بنفي البأس فيه نفي القضاء.

لكنه في غاية المنع، لظهور نفي البأس في الجواز التكليفي. و لا سيما و أن السؤال فيه عن أصل النوم، لا عن استمراره إلي الفجر، و أن المتيقن منه- كما سبق- النوم في النهار، لأن تميز شهر رمضان عن بقية الشهور بنهاره، و لأنه الأولي بتوهم مرجوحية النوم فيه علي الجنابة، لمنافاتها للصوم، و إن كان الظاهر شمول إطلاقه للنوم ليلا، كما سبق أيضا. فتأمل.

فالعمدة في المقام إطلاق صحيح معاوية بن عمار المتقدم، فإن قوله: «الرجل يجنب»، كما يشمل عرفا الجنابة الاختيارية يشمل الجنابة غير الاختيارية بالاحتلام أو غيره. بل لو فرض اختصاصه بالجنابة الاختيارية، فالمستفاد عرفا عموم الحكم فيه للاحتلام، و حيث كان موضوع العفو فيه هو النوم الذي يقدم عليه المكلف بعد الجنابة يتعين عدم احتساب نوم الاحتلام.

و لا سيما مع ظهور ابتناء الحكم فيه بالعفو عن النوم علي التخفيف، و هو إنما يجري في النوم المتعقب لنوم الاحتلام، أما نوم الاحتلام نفسه فلا منشأ لتوهم المفطرية معه بعد عدم العلم بالجنابة، و عدم الإقدام علي ما أوصل إلي البقاء عليها.

مضافا إلي أنه مقتضي الأصل، لأن المفطر حيث كان هو تعمد البقاء علي الجنابة فهو لا يتحقق بالنوم بنية الغسل، و لذا تضمن صحيح معاوية أن المفطرية في النوم الثاني عقوبة، فمع الشك في احتساب نوم الاحتلام يكون مقتضي الأصل عدم احتسابه، و عدم المفطرية في النوم المتعقب له.

نعم مقتضي صحيح ابن أبي يعفور علي رواية التهذيبين احتسابه كما سبق. لكن لا طريق لإثبات صحة الرواية المذكورة بعد ما سبق من الاختلاف في متن الصحيح المذكور.

ص: 115


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

______________________________

و في موثق سماعة: «سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها، و لم يستيقظ حتي يدركه الفجر. فقال: عليه أن يتم صومه، و يقضي يوما آخر» (1)، فإنه كالصريح في الاحتلام الذي هو أمر طارئ يصيب الإنسان، و لا سيما مع التنبيه علي حصول العلم بالجنابة الذي لا يحتاج له في الجنابة الاختيارية، و مع ذلك تضمن الحكم بالقضاء باستمرار النوم بعد العلم بها.

لكنه ليس صريحا في النومة الأولي بعد نومة الاحتلام مع احتمال الانتباه، بل كما يمكن حمله علي ذلك، و لو بمقتضي الإطلاق، يمكن حمله علي النومة الثانية بعد الاحتلام جمعا مع صحيح معاوية بن عمار، أو حمله علي اعتياد عدم الانتباه، ليرجع للتعمد في البقاء علي الجنابة.

و قد يقرب الأول إلغاء خصوصية الاحتلام عرفا، كما قد يناسبه تنبيه السائل علي علمه حين النوم بالجنابة المشعر بأن المهم في المقام ذلك. كما قد يقرب الثاني قوله:

«و لم يستيقظ حتي يدركه الفجر» حيث لا يبعد وقوع التصحيف فيه، إذ لو كان المراد بيان قضية اتفاقية لكان المناسب أن يقول: و لم يستيقظ حتي أدركه الفجر، و من ثم قد يكون الصحيح: و لا يستيقظ حتي يدركه الفجر، لبيان مقتضي حاله و عادته في النوم.

و لو فرض عدم ظهور أحد الحملين فربما يكون حمله علي الاستحباب- المحتمل في مقام الجمع بين النصوص في المقام- أقرب عرفا من التفصيل بين الانتباهة بعد الاحتلام و الانتباهة حين الجنابة الاختيارية. و لذا لا يظهر من الأصحاب البناء علي ذلك مع شيوع الابتلاء بالمسألة، المناسب لعدم خفاء حكمها عليهم. و لا أقل من التوقف في أمر الموثق، و الرجوع إلي إطلاق صحيح معاوية، أو إلي الأصل، حيث سبق أن مقتضاهما عدم احتساب نومة الجنابة.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن المستند من احتساب نومة الاحتلام، و الحكم بأن استمرار النوم الأول بعدها موجب للقضاء، كاستمرار النوم الثاني بعد الجنابة الاختيارية. فلاحظ.

ص: 116


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
[(مسألة 16): الظاهر إلحاق النوم الرابع و الخامس بالثالث]

(مسألة 16): الظاهر إلحاق النوم الرابع و الخامس بالثالث (1).

[(مسألة 17): الأقوي عدم إلحاق الحائض و النفساء بالجنب]

(مسألة 17): الأقوي عدم إلحاق الحائض و النفساء بالجنب، بل المدار علي صدق التواني في الغسل (2)، فيبطل و إن كان في النوم الأول،

______________________________

(1) لعين ما تقدم في النوم الثالث، كما أشرنا إليه هناك.

(2) عملا بقوله عليه السّلام في موثق أبي بصير المتقدم في المسألة العاشرة:: «إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتي أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم» (1)، و قد تقدم أنه هو الدليل علي مفطرية تعمد البقاء علي الحدث منهما.

و عن نجاة العباد إلحاقهما بالجنب في حكم النوم.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و نسب إلي غير واحد ممن تأخر. و وجهه: أن حكم النومة الأولي في الجنب موافق للأصل، فيطرد فيهما. و النصوص في النومتين و إن كانت واردة في الجنب، لكن يتعدي إليهما بالأولوية».

لكن لا مجال للرجوع للأصل في النومة الأولي بعد ورود موثق أبي بصير القاضي ببطلان الصوم مع التواني في الغسل، لحكومته علي الأصل. و أما الأولوية فيما زاد علي النومة الأولي فهي تبتني علي أولوية حدث الحيض و النفاس بإبطال الصوم من حدث الجنابة. و هي لا تخلو عن إشكال. نعم تقدم قوة احتمال مشاركتهما لحدث الجنابة في الحكم و إن لم يبلغ مرتبة تنهض بالاستدلال.

علي أنه لو سلم ذلك فإن أريد به وجوب القضاء عليهما مع استلزام النوم الثاني لصدق التواني في الغسل، كفي فيه موثق أبي بصير. و إن أريد به وجوب القضاء عليهما مع عدم استلزام النوم الثاني لصدق التواني في الغسل، للغفلة عن الحدث، أو لتعذر الغسل حين النوم، و ابتناء النوم علي عدم الاستمرار و التوثق من الانتباه حين إمكان الغسل، فقد سبق- في ذيل الكلام في وجوب القضاء بالنوم الثاني- عدم البطلان حينئذ في حق الجنب، ليتعدي منه للحائض و النفساء. و حينئذ لا مخرج عما

ص: 117


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

و عدم التواني، فيصح و إن كان في الثاني و الثالث (1).

[الثامن: إنزال المني بفعل ما يؤدي إلي نزوله، مع احتمال ذلك احتمالا معتدا به]

الثامن: إنزال المني بفعل ما يؤدي إلي نزوله (2)، مع احتمال ذلك احتمالا معتدا به، بل مطلقا (3) علي الأحوط وجوبا.

______________________________

سبق من أن المعيار في وجوب القضاء عليهما صدق التواني في الغسل.

(1) كما لو تعذرت المبادرة للغسل، و كان نومهما مبنيا علي التحفظ من الاستمرار و التوثق من الانتباه عند إمكان الغسل، ثم غلبتا علي أمرهما فاستمر النوم.

أو كان النوم للذهول عن الحدث و الغفلة عنه، كما أشرنا إليه آنفا.

(2) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، و نفي الخلاف فيه في محكي المنتهي.

بل في الانتصار و الغنية و الوسيلة و التذكرة و المدارك، و عن غيرها الإجماع عليه.

و يقتضيه جملة من النصوص، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتي يمني. قال: عليه من الكفارة مثل ما علي الذي يجامع» (1)، و قريب منه صحيحه الآخر (2). و موثق سماعة: «سألته عن رجل لزق بأهله، فأنزل. قال: عليه إطعام ستين مسكينا، مدّ لكل مسكين» (3)، و غيرها مما يأتي التعرض له.

(3) اختلفت كلماتهم في إطلاق الحكم بوجوب الكفارة بفعل الأمور المذكورة في النصوص مع ترتب الإنزال عليها، أو تقييده بما إذا قصد بها الإنزال، أو مع إضافة الاعتياد.

و الذي ينبغي أن يقال: التأمل في مجموع النصوص شاهد بأن خروج المني بتعمد ما يوجبه موجب للمفطرية، كالنصوص المتقدمة، لظهورها في أن المفطر هو الإنزال المترتب علي الأمور المذكورة. و كذا صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: إن ذلك ليكره للرجل الشاب، مخافة أن يسبقه المني» (4).

ص: 118


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 4.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

و صحيح منصور بن حازم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الصائم يقبل الجارية و المرأة؟ فقال: أما الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس. و أما الشاب الشبق فلا، لأنه لا يؤمن، و القبلة إحدي الشهوتين … » (1)، و نحوها. فإن تعليل الكراهة بخوف الإنزال أو عدم الأمن منه ظاهر في بطلان الصوم بالإنزال.

و لا ينافي ذلك ما تضمن نفي البأس عن القبلة، و مس المرأة (2)، و نحو ذلك.

لأن عدم البأس بذلك لنفسه، لا ينافي مفطرية الإنزال لو ترتب عليه.

و مقتضي إطلاقها عدم اعتبار قصد الإنزال في ذلك، و لا اعتياده. بل هو بعيد عن النصوص المذكورة جدا. أما النصوص الأخيرة فلقوة ظهورها في الاهتمام بالصوم و الاحتياط له بالبعد عما يعرضه للفساد، حيث لا يناسب ذلك اختصاصها بالقصد للإنزال أو اعتياده. و أما النصوص الأول فلأن المنصرف منها مفروغية السائل عن كون الإنزال محذورا في الصوم، و أن السؤال إنما هو بلحاظ عدم تعمده، و ذلك لا يناسب إرادة القصد إليه أو اعتياده.

بل اقتصار السائل علي ذكر الإنزال من دون تنبيه للاعتياد أو القصد قد يظهر في عدمهما، لأنهما آكد في ترتب المحذور، فالمناسب التنبيه لهما في مقام معرفة الحكم لو كانا مفروضين في مورد السؤال. بل هو كالصريح من صحيح حفص بن سوقة عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته، و هو في قضاء شهر رمضان، فيسبقه الماء فينزل. قال: عليه من الكفارة مثل ما علي الذي جامع في شهر رمضان» (3)، فتأمل.

كما قد يشعر به أيضا موثق سماعة المتقدم و خبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وضع يده علي شي ء من جسد امرأته فأدفق. فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق رقبة» (4)، لقرب عدم سوق الفاء فيهما لمجرد التفريع و التعقيب، بل لبيان عدم التراخي بين ما قبلها و ما بعدها،

ص: 119


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 5.

______________________________

المناسب للمفاجأة و عدم القصد و الاعتياد.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن ذكر الكفارة قرينة علي الاختصاص بصورة العمد أو الاعتياد، لاختصاصها عرفا بالذنب، المتوقف علي ذلك. فهو مدفوع بقرب ابتناء المفطرية و الكفارة في المقام علي الردع عن الاستمتاع الذي يتعرض فيه الرجل للجنابة، احتياطا للصوم، فالتعدي الموجب للكفارة بالإفطار في المقام ليس في القصد للمفطر، بل لعدم احترام الصوم، و عدم التعفف عما يثير الشهوة مما من شأنه أن يعرض الصوم للبطلان، فإن حمل الحكم بوجوب الكفارة علي ذلك أقرب من تقييد النصوص المذكورة بالقصد للإنزال أو اعتياده.

هذا و قد اقتصر بعض مشايخنا في الحكم بالإفطار علي ما إذا لم يثق المكلف بعدم الإنزال، لصحيحي الحلبي و منصور بن حازم المتقدمين المتضمنين للتعليل بخوف ترتب الإنزال، و صحيح محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان، فقال: إني أخاف عليه، فليتنزه من ذلك، إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه» (1)، و موثق سماعة: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان. فقال: ما لم يخف علي نفسه فلا بأس» (2).

لكن الأولين ظاهران في أن المراد بالحذر هو حذر الشارع من ترتب الإنزال، و أنه ملحوظ له حكمة في كراهة فعل الأسباب المذكورة، مع ترتب المحذور و هو الإفطار بمجرد الإنزال، لا أن خوف المكلف منه علة في الكراهة شرعا و موضوعا لها تدور مفطرية الإنزال مدارها وجودا و عدما.

و أما الأخيران فمقتضي الجمع بينهما و بين الإطلاقات المذكورة كون وثوق المكلف مؤمنا له خارجا من ترتب الإنزال المفسد للصوم، فيكون عذرا ظاهريا له في فعل هذه الأمور، لا مانعا واقعيا من مفطرية الإنزال، بحيث لا تترتب عليه معه.

نعم لا يبعد التفصيل المذكور بالإضافة إلي وجوب الكفارة، لأن معذرية الوثوق شرعا تمنع من صدق التهاون في الصوم و التفريط فيه، و هو لا يناسب ثبوت

ص: 120


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13، 6.
[التاسع: الاحتقان بالمائع]
اشارة

التاسع: الاحتقان بالمائع، و لا بأس بالجامد (1).

______________________________

الكفارة معها جدا.

كما أن الظاهر اختصاص الإفطار و الكفارة بما إذا كان الإقدام علي الفعل من أجل الاستمتاع، بنحو يقتضي إثارة الشهوة نوعا، لانصراف النصوص إليه، دون ما إذا لم يكن بداعي ذلك، و إن ترتب عليه الإنزال لمفاجأة الشهوة من دون توقع لذلك بسبب شدة الشبق، كما قد يؤيده معتبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان فأمني، فقال عليه السّلام: لا بأس» (1).

(1) المعروف من مذهب الأصحاب منع الصائم من الاحتقان في الجملة، و إن حكي عن الإسكافي إطلاق استحباب الامتناع من الحقنة.

و كيف كان فيشهد للمنع صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «أنه سأله عن الرجل يحتقن، تكون به العلة في شهر رمضان، فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (2).

و هو ظاهر أو منصرف للمائع، و لا أقل من لزوم حمله عليه جمعا مع صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام: «سألته عن الرجل و المرأة هل يصح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال: لا بأس» (3) بقرينة موثق الحسن بن فضال:

«كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في التلطف [بالأشياف. يب] يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بالجامد» (4). لظهوره في ثبوت البأس في المائع.

و من ذلك يظهر ضعف ما في المعتبر و المختلف من المنع عن الاحتقان بقسميه.

بل قد يستفاد من كل من أطلق، كما في المقنعة و عن أبي الصلاح. لكن لا يبعد انصراف إطلاقهم لخصوص الاحتقان بالمائع.

ثم إن المصرح في كلام كثير منهم أن منع الصائم من الاحتقان وضعي راجع إلي

ص: 121


1- التهذيب ج: 4 ص: 273 باب: حكم الساهي و الغالط في الصيام حديث: 20.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 1.
4- التهذيب ج: 4 ص: 204، الاستبصار ج: 2 ص: 83، و رواه في وسائل الشيعة باختلاف في المتن و السند ج: 7 باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 2.

كما لا بأس بما يصل إلي الجوف من غير طريق الحلق (1) مما لا يسمي أكلا أو

______________________________

فساد الصوم به، و في الناصريات نفي الخلاف فيه، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

و هو الظاهر من صحيح البزنطي و موثق ابن فضال المتقدمين. لما تكرر منا من ظهور النهي و الترخيص في الماهيات المركبة في الوضعيين الراجعين للصحة و الفساد، دون التكليفيين.

و منه يظهر ضعف ما في المعتبر و النافع و المدارك و عن غيرها من حرمته تكليفا.

و أضعف من ذلك ما في الشرائع، قال: «و الحقنة بالجامد جائزة، و بالمائع محرمة. و يفسد بها الصوم علي تردد». حيث يظهر منه احتمال الجمع بين الحرمة التكليفية و الإفساد، مع ظهور أن النهي إن حمل علي التكليفي فلا وجه للإفساد، و إن حمل علي الوضعي فلا وجه للحرمة التكليفية. و لا مجال لحمله عليهما معا، و لا سيما مع عدم الجامع بينهما عرفا.

نعم لو بني علي إفساد الاحتقان للصوم فقد يحرم عرضا، لكون الصوم واجبا معينا يحرم إفساده. و هو أمر آخر يختص ببعض أفراد الصوم.

هذا و مقتضي إطلاق ما سبق عدم الفرق في المفطرية بين الاختيار و الاضطرار، لأن الاضطرار إنما يرفع التكليف دون المفطرية. و لازم ذلك عدم وجوب الصوم مع الاضطرار للاحتقان، بل عدم مشروعيته لو كان الاضطرار للمرض، لرجوع ذلك إلي كون الصوم مضرا بالمريض.

و ربما يحمل عليه ما في الغنية و عن ابن البراج من وجوب القضاء به حينئذ، دون الكفارة. لكن المنساق من كلامهما مشروعية الصوم، بل وجوبه- لو كان واجبا بالأصل و عدم فساده بالاحتقان حال الاضطرار. و لا مجال للبناء علي ذلك بعد ما سبق.

هذا و بعد البناء علي إفساد الاحتقان للصوم، ففي وجوب الكفارة به كلام يأتي في الفصل الثالث، و عند الكلام في معيار وجوب الكفارة- إن شاء اللّه تعالي.

(1) لا ينبغي التأمل في أن مقتضي أدلة مفطرية الأكل و الشرب خصوصيتهما في

ص: 122

______________________________

ذلك، بحيث لا بد من صدقهما عرفا، إلا أنه قد يعمم موضوع المفطرية فيهما لكل ما يصل إلي الجوف، بضميمة ما تضمن مفطرية الاحتقان بالمائع.

بدعوي: أن البناء علي أنه مفطر مستقل في قبالهما لا يناسب ما تضمن حصر المفطرات في غيره، كصحيح محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (1)، و خبر أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الصيام من الطعام و الشراب، و الإنسان ينبغي له أن يحفظ لسانه … » (2). و لا النصوص المعللة عدم مفطرية بعض الأمور بأنها ليست بطعام و لا شراب (3).

و من هنا كان الأنسب بالجمع بين الأدلة المذكورة إلغاء خصوصية العناوين المذكورة فيها، و جعل موضوع المفطرية هو وصول الشي ء للجوف، نظير ما سبق عند الكلام في مفطرية الجماع، و في مبطلية تعمد البقاء علي الجنابة لغير صوم شهر رمضان، من إلحاق تعمد البقاء علي الجنابة بالنساء، و عدم كونه مفطرا مستقلا في قباله.

و لعله لذا جعل في الغنية موضوع المفطرية ما يصل إلي الجوف، و عليه يبتني ما يأتي من بعضهم من المفطرية بصب الدواء في الإحليل إذا وصل إلي الجوف، و ما في المبسوط و المختلف من الإفطار بتعمد وصول الطعنة للجوف، و غير ذلك مما قد يظهر بالنظر في كلماتهم.

لكنه يشكل أولا: بصعوبة البناء علي مفاد الحصر المذكور و إرجاع جميع المفطرات إليه، و لا سيما مثل الكذب علي اللّه تعالي و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليه السّلام، و القي ء. و يلزم لأجله حمل تعليل عدم مفطرية بعض الأمور بأنه ليس بطعام و لا شراب علي الحصر الإضافي، كما لعله ظاهر.

و ثانيا: بأنه لو تم إرجاع مفطرية مثل الاحتقان لمفطرية الأكل و الشرب فهو لا يتوقف علي إلغاء خصوصية الأكل و الشرب، و كون الموضوع مطلق الوصول

ص: 123


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، و باب: 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

______________________________

للجوف، بل قد يبتني علي كونه من الفرد الخفي للأكل و الشرب، و لو لواجديته لملاكهما، بحيث يحتاج إلحاقه بهما لتعبد خاص يقتصر فيه علي مورده، و لا يتعدي لسائر ما يصل إلي الجوف.

بل ذلك هو الأنسب بالجمع بين الأدلة من تعميم موضوع المفطرية لمطلق ما يصل إلي الجوف، فإن إلغاء خصوصية الأكل و الشرب لأجل دليل مفطرية الاحتقان صعب جدا.

و لا سيما بلحاظ ما جري عليه بعضهم من تعميم الجوف لغير المعدة و الأمعاء، مثل ما تقدم من بعضهم من المفطرية بصب الدواء في الإحليل إذا وصل إلي الجوف، حيث لا يراد به الوصول إليها، بل إلي المثانة بتوسط المسالك الضيقة، و غير ذلك مما يتضح بالنظر في كلماتهم.

و من ذلك يظهر الحال في كل ما يفرض مفطريته مما دلت عليه الأدلة بالخصوص، و لا يصدق عليه الأكل و الشرب عرفا، و إن أمكن رجوعه إليهما بنحو من التكلف، كابتلاع الغبار الغليظ، و الارتماس في الماء، الذي قد تبتني مفطريته علي التحفظ من شرب الماء، و الاحتياط له، و غير ذلك. حيث لا بد إما البناء علي كونه مفطرا مستقلا عن الأكل و الشرب، أو البناء علي كونه فردا خفيا ملحقا بهما، تعبدا يقتصر فيه علي عنوانه.

هذا و قد ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن المعيار في صدق الأكل و الشرب علي وصول الشي ء للجوف من طريق الحلق، من دون فرق بين طرق الوصول للحلق.

كالفم و الأنف و غيرهما. و هو المناسب لقوله في الشرائع: «لا يفسد الصوم ما يصل إلي الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع».

لكن المبني المذكور علي إطلاقه لا يخلو عن إشكال، حيث يصعب تحديد مفهوم الأكل و الشرب بذلك، لأن الصورة المعهودة لهما هي الوصول للجوف من طريق الفم، و الغرض المقصود منهما عرفا هو انتفاع الجسم بما يدخله من طريق تحلله في المعدة. و بلحاظ الأول يتعين الاقتصار علي ما يدخل من طريق الفم. و بلحاظ الثاني

ص: 124

______________________________

يتعين العموم لكل ما يصل المعدة من أجل أن يتحلل فيها و ينفذ منها للجسم، و إن كان وصوله من منفذ مستحدث بعد الحلق. و لا طريق لتحديد الأكل و الشرب بحدّ متوسط بين الأمرين بعد عدم توجه العرف لتجديد المفاهيم بهذه الدقة.

و من هنا لا ينبغي التأمل في أن المتيقن من الأكل و الشرب عرفا هو ما يدخل من طريق الفم. لكن يقرب تعميم مفطريتهما لكل ما يدخل للمعدة بالوجه المذكور، كما يظهر من الجواهر، إما لعمومهما له مفهوما، أو بلحاظ الغرض المهم منهما، الذي يكاد يقطع بكفايته في تحديد موضوع المفطرية، و فهمه من دليلها، لو فرض عدم استيضاح صدق عنوان الأكل و الشرب تبعا له.

و أما مجرد دخول الشي ء للجسم و نفوذه فيه أو انتفاعه به من غير طريق التحلل في المعدة، فلا ريب في عدم صدق الأكل و الشرب به، و عدم عموم الغرض المهم منهما له. بل هو عرفا من سنخ التدارك للنقص بسبب تعذرهما، أو قصورهما عن أداء المقصود، نظير الاستنقاع في الماء، أو التواجد في الجو الرطب من أجل تخفيف حاجة الجسم للماء، أو امتصاصه للرطوبة المحيطة به.

كما أنه لا بد في تحقق موضوع المفطرية- بناء علي ما ذكرنا- من دخول الشي ء المستعمل بصورته المعهودة للمعدة عرفا، و لا يكفي وصوله لها أو للحلق بعد تحلله و استهلاكه في المسالك المؤدية إليهما، بحيث يكون الواصل لأحدهما عرفا أثره المستكشف بالطعم أو الرائحة أو نحوهما بسبب نفوذها، حيث لا ريب في عدم صدق الأكل و الشرب به حينئذ، بل هو كالتدهين و استعمال اللطوخ و نحوها مما ينفذ في الجسم بتحولات لا يصدق معها أكله أو شربه.

و قد يناسب ذلك صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السّلام: «سألته عن الصائم يذوق الشراب و الطعام يجد طعمه في حلقه. قال: لا يفعل. قلت: فإن فعل فما عليه؟ قال: لا شي ء عليه، و لا يعود» (1). و موثق عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السّلام:

«سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك، فتدخل الدخنة في حلقه. قال: جائز

ص: 125


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.

شربا، كما إذا صب دواء في جرحه (1)، أو في أذنه (2)،

______________________________

لا بأس به» (1).

كما قد يظهر من صحيح محمد بن مسلم: «قال أبو جعفر عليه السّلام: يا محمد إياك أن تمضغ علكا، فإني مضغت اليوم علكا و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا» (2)، فإن الظاهر أن مراده عليه السّلام من وجدان شي ء في نفسه الاحساس بأثره في الحلق. و لا بد من البناء علي عدم مفطريته، لامتناع استعماله عليه السّلام له مع ذلك. غاية الأمر الكراهة.

و لذا حمل عليها غير واحد النصوص المتضمنة للنهي الكحل للصائم إذا وجد له طعما في حلقه (3).

(1) كما في الخلاف و التذكرة. و عن الشيخ مفطريته، و نسبه في المختلف لظاهر كلامه في المبسوط، و اختاره، إلحاقا له بالحقنة، بعد مشاركته لها في الوصول إلي الجوف. و يظهر ضعف الاستدلال المذكور مما سبق. و مثله الاستدلال له بعموم مفطرية ما يصل إلي الجوف.

نعم لو تحقق فيه المعيار المتقدم في مفطرية ما يصل إلي الجوف تعين البناء علي مفطريته. لكنه بعيد عن محل كلامهم.

(2) قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه … إلا من أبي الصلاح». فإن كان مراد أبي الصلاح مفطريته مطلقا، للبناء علي مفطرية كل ما يصل للجوف بمعني الباطن، و إن لم ينفذ عن موضعه. فهو- مع خلوه عن الدليل- مقطوع ببطلانه، و لو بلحاظ جواز المضمضة و الاستنشاق. مضافا إلي الترخيص في جملة من النصوص بصب الدواء و الدهن في أذنه. ففي صحيح حماد بن عثمان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يصب في أذنه الدهن؟ قال: لا بأس به» (4). و نحوه غيره.

و إن كان مراده خصوص ما إذا وصل إلي الجوف- كما هو مورد كلام سيدنا

ص: 126


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 11.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

أو في إحليله (1)،

______________________________

المصنف قدّس سرّه- فيظهر ضعفه مما سبق في تحديد مفطرية ما يصل إلي الجوف من أنه يختص بما إذا كان الواصل هو نفس الأمر المتناول قبل تحلله في المسالك المؤدية للجوف، دون ما إذا تحلل بحيث يكون الواصل عرفا من سنخ الأثر المدرك بالطعم أو الرائحة.

نعم في صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في أذنه الدهن؟ قال: إذا لم يدخل حلقه فلا بأس» (1). و حيث لا يعهد مسلك ظاهر بين الأذن و الحلق، يدرك دخول الدهن للحلق من طريقه، فالظاهر أن المراد به إدراك دخوله للحلق من طريق أثره، كتغير الطعم و نحوه، نظير ما تقدم.

لكن لا يبعد حمله علي الكراهة، نظير ما سبق في العلك و الكحل، كما يناسبه عدم تنبيه الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) له مع شدة الحاجة لذلك لو كان مفطرا، لغفلة العرف عنه بعد عدم وضوح صدق الأكل و الشرب عليه، خصوصا مع تصريحهم بكراهة مثل ذلك في الكحل، و مع كثرة النصوص التي أطلق فيها عدم البأس بصب الدهن في الاذن من دون تنبيه للقيد المذكور. و لا سيما و أن مقتضاه المفطرية بالدخول للحلق و إن لم يصل للجوف، مع أنه لا إشكال في عدم صدق الأكل و الشرب بذلك، و من البعيد جدا مفطريته تعبدا. فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي إطلاق الخلاف و محكي كلام ابن الجنيد، و صريح التذكرة.

لكن في المبسوط و الوسيلة و عن غيرهما الحكم بمفطريته. و اختاره في المختلف إلحاقا له بالحقنة، قال: «لنا أنه أوصل جوفه مفطرا بأحد المسلكين، فإن المثانة ينفذ إلي الجوف، فكان موجبا للإفطار، كما في الحقنة». و كأنه لإلغاء خصوصية الحقنة، أو لتنقيح المناط.

لكنهما معا ممنوعان، و لا سيما مع اختلاف الجوف الذي يصل إليه كل منهما، و اختلاف كيفية وصولهما، فالمائع في الاحتقان يصل رأسا لسعة المسالك، و في المقام

ص: 127


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.

أو عينه (1) فوصل إلي جوفه. و كذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلي

______________________________

يصل بعد تحلله لضيقها.

نعم لو قيل بعموم مفطرية ما يصل للجوف بمعني الباطن اتجه البناء علي المفطرية في المقام مطلقا و لو مع الجمود، لأن اختصاص المفطرية في الاحتقان بالمائع للدليل الخاص لا يقتضي ذلك في غيره. لكن تقدم المنع من العموم المذكور.

(1) إجماعا محكيا صريحا و ظاهرا إن لم يكن محصلا. كذا في الجواهر. و به يخرج عن ظاهر النهي عنه في النصوص.

و توضيح ذلك: أن النصوص علي طوائف..

الأولي: ما تضمن النهي عن الكحل و جميع ما يجعل في العين، كصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عمن [الرجل] يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه، يذرها بالنهار و هو صائم؟ قال: يذرها إذا أفطر، و لا يذرها و هو صائم» (1)، و موثق الحسن بن علي: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصائم إذا اشتكي عينه يكتحل بالذرور و ما أشبهه، أم لا يسوغ له ذلك؟ فقال: لا يكتحل» (2).

الثانية: ما تضمن الترخيص فيه مطلقا، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الصائم يكتحل. قال: لا بأس به. ليس بطعام و لا شراب» (3).

و صحيح عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بالكحل للصائم» (4)، و غيرهما من النصوص الكثيرة.

الثالثة: ما تضمن التفصيل، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «أنه سئل عن المرأة تكتحل و هي صائمة. فقال: إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس» (5)و موثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن الكحل للصائم. فقال: إذا كان كحلا ليس فيه مسك، و ليس له طعم في الحلق، فلا بأس به» (6)، و غيرهما.

ص: 128


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 8، 7، 1، 5، 2.

______________________________

و الجمع العرفي يقتضي العمل علي الطائفة الثالثة المفصلة، و البناء علي حرمة الكحل و الذرور الذي فيه مسك، أو له طعم في الحلق، و حلية ما عداه.

بل لا يبعد كراهة ما عداه احتياطا لاحتمال أن ينفذ إلي الداخل لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يكتحل و هو صائم. فقال: لا، إني أتخوف أن يدخل رأسه» (1)، و لا يبعد أن يكون دخول الكحل للرأس كناية عن نفوذه حتي يصل إلي الحلق.

نعم في موثق الحسين بن أبي غندر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اكتحل بكحل فيه مسك و أنا صائم؟ فقال: لا بأس به» (2). و مقتضاه حمل النهي في موثق سماعة عن الكحل الذي فيه مسك علي الكراهة. و يبقي الكحل و الذرور الذي له طعم في الحلق علي الحرمة، عملا بظاهر النصوص الناهية عنه من دون معارض.

لكن شيوع الابتلاء بالمسألة و معروفية الحكم بالكراهة بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالي عليهم)، بل الإجماع المدعي علي عدم الحرمة- كما سبق- تلزم بحمل النهي المذكور علي الكراهة، لامتناع خفاء الحكم في مثل هذه المسألة الشائعة الابتلاء عليهم.

و يؤيد ذلك أولا: كثرة النصوص التي أطلق فيها الترخيص في الكحل من دون تنبيه فيها للقيد المذكور، مع شدة الحاجة لبيانه لو كان لازما.

و ثانيا: التعليل في بعضها بأنه ليس بطعام و شراب، المناسب لعموم الترخيص جدا.

و ثالثا: أن من القريب كون الكحل المشتمل علي المسك الذي تقدم الترخيص فيه صريحا مما من شأنه النفوذ للحلق.

و رابعا: ما تضمنه حديث سماعة المتقدم من جعل عدم دخوله للحلق في سياق عدم اشتماله علي مسك، الذي سبق حمله علي الكراهة.

و خامسا: أن النفوذ للحلق لا يستلزم نزول شي ء معتد به منه للجوف الذي

ص: 129


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 9، 11.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 9، 11.

جوفه (1)، و غير ذلك.

نعم إذا فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلي الجوف من غير طريق الحلق- كما يحكي عن بعض أهل زماننا- فلا يبعد صدق الأكل و الشرب حينئذ فيفطر به (2). كما لا يبعد أيضا ذلك إذا كان بنحو الاستنشاق في الأنف (3).

______________________________

هو المعيار في صدق الأكل و الشرب. بل يكاد يقطع بعدمه، لقلته و تحلله و استهلاكه في المسالك القريبة. و التزام كونه مفطرا في قبال الأكل و الشرب بعيد جدا، بل لا يناسب التعليل المذكور.

و من هنا يتعين البناء علي كراهة الكحل مطلقا و لو تحفظا من نفوذه و احتياطا له، كما تضمنه صحيح الحلبي، و يناسبه ما تضمن إطلاق النهي عن الكحل بعد عدم الملزم بتقييده، لعدم منافاة ما تضمن الترخيص له، إذ يكفي فيه عدم الحرمة و إن كان مكروها. و تشتد الكراهة فيما ينفذ للحلق أو كان فيه مسك.

(1) خلافا لما تقدم من المبسوط و المختلف. و يظهر ضعفه مما تقدم هنا، و مما تقدم عند الكلام في تحديد الطعام و الشراب من عدم شموله لمثل الفلزات الكبيرة مما لا يتحلل عرفا، حيث لا يصدق عليه الأكل و الشرب. و لا سيما في محل الكلام حيث يكون الدخول مؤقتا بحيث لا يتحقق حتي الابتلاع.

(2) ففي الجواهر: «نعم لو فرض منفذ و لو بالعارض لهما- يعني: للطعام و الشراب- في البدن أفطر به قطعا، إن كان مما يصل به الغذاء. أما لو كان في مكان لا يتغذي بالوصول منه، لسفله عن المعدة مثلا، ففيه وجهان أقواهما عدم الإفطار».

و هو يناسب ما تقدم منا عند الكلام في تحديد الأكل و الشرب- كما سبق- و لا يناسب ما تقدم من سيدنا المصنف قدّس سرّه في تحديدهما. فراجع.

(3) مقتضي ما تقدم منه قدّس سرّه الجزم بمفطريته. كما هو الحال بناء علي ما ذكرناه أيضا.

و منه أو مثله ما تعارف في عصورنا من إيصال الغذاء بأنبوب لين يوضع في الأنف و يمر بالحلق إلي المعدة.

ص: 130

و أما إدخاله الجوف بطريق الإبرة فلا يخلو من إشكال (1). و أما إدخال الدواء بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما من الأعضاء فلا بأس به (2). و كذا تقطير الدواء في العين أو الأذن (3).

[(مسألة 18): الظاهر جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط]

(مسألة 18): الظاهر جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط، و إن وصل إلي فضاء الفم. أما ما ينزل من الرأس ففيه إشكال، إلا إذا لم يصل إلي فضاء الفم فلا بأس به. و إن كان الأظهر الجواز فيه أيضا (4).

______________________________

(1) إن كان المراد من الجوف المعدة فهو مفطر بناء علي ما تقدم منا. و إن كان المراد به غيرها- كإيصال الدواء و المغذي في عصورنا إلي الوريد- فالظاهر أنه بحكم الإدخال بالإبرة الذي يأتي منه المنع من مفطريته.

نعم يفترق عنه بسرعة تأثيره. لكن ذلك لا يصلح فارقا بعد عدم دخوله في الأكل و الشرب. و عدم ترتب الغرض المطلوب منهما عليه، و الذي سبق أنه المدار في المفطرية.

(2) كما يظهر وجهه مما تقدم منه و ما تقدم منا في تحديد موضوع مفطرية الأكل و الشرب.

(3) كما تقدم منه قدّس سرّه التصريح به، و لم يتضح وجه إعادته.

(4) لا ينبغي التأمل في عدم المفطرية في ابتلاع ما ينزل من الرأس و يخرج من الصدر مع عدم وصوله إلي فضاء الفم، لوضوح عدم صدق الأكل و الشرب به، و لزوم الحرج نوعا من تجنبه، مع كثرة الابتلاء به، فلو لم يكن عدم مفطريته واضحا عند المتشرعة لكثر السؤال عنه و عن فروعه، و لو كان مفطرا للزم علي الشارع الأقدس التنبيه علي ذلك. مضافا إلي دلالة موثق غياث الآتي عليه بالإطلاق أو بالأولوية، بل حتي صحيح عبد اللّه بن سنان الآتي أيضا، علي ما سيتضح إن شاء اللّه تعالي.

و أما مع الوصول إلي فضاء الفم ففي التذكرة و عن المعتبر و المنتهي و البيان و غيرها عدم المفطرية أيضا، و في الجواهر أنه المشهور. و قد يستدل عليه..

تارة: بعدم وضوح صدق الأكل و الشرب عليه، لظهورهما أو انصرافهما إلي ما

ص: 131

______________________________

يكون خارجا عن الجسد، دون ما خرج منه، كالريق.

و أخري: باستفادته بالأولوية مما ورد في القلس، و هو ما يخرج بالتجشؤ، ففي صحيح عبد اللّه بن سنان: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الصائم يقلس، فيخرج منه الشي ء من الطعام أ يفطر ذلك؟ قال: لا. قلت: فإن ازدرده بعد أن صار علي لسانه؟ قال: لا يفطر ذلك» (1).

و ثالثة: بموثق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» (2)، لأن الازدراد إن لم يكن ظاهرا في فرض خروج الشي ء عن الحلق لفضاء الفم فلا أقل من عمومه له. و ما يظهر من الدروس من حمله علي خصوص ما إذا لم يصل إلي فضاء الفم غريب.

لكن قد يمنع الأول، و يدعي صدق الأكل بذلك. و الفرق بينه و بين الريق واضح. لملازمة الريق للصوم، و دعم الاعتداد به بنحو يغفل عنه.

و يستشكل في الثاني بعدم العمل بالصحيح في مورده، لإعراض المشهور عنه.

و في الثالث بإجمال النخامة، فظاهر الشرائع و مجمع البحرين أنها ما يخرج من الصدر، و عن المغرب أنها ما يخرج من أصل الخيشوم عند التنخع، و أن ما ينزل من الصدر يختص باسم النخاعة، و يظهر من بعضهم العموم، ففي لسان العرب:

«النخامة: بالضم النخاعة. نخم الرجل نخما و نخما و تنخم: دفع بشي ء من صدره أو أنفه، و اسم ذلك الشي ء النخامة، و هي النخاعة». و في نهاية ابن الأثير: «النخامة:

البزقة التي تخرج من أقصي الحلق، و من مخرج الخاء المعجمة». و حينئذ لا ينهض الموثق بجواز كل منهما بعينه.

بل حيث كان مقتضي عموم مفطرية الأكل مفطرية كل منهما يتعين البناء علي مفطرية أحدهما إجمالا جمعا بين العموم المذكور و الموثق، فيجب تركهما معا خروجا عن العلم الإجمالي المذكور.

ص: 132


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

اللهم إلا أن يدفع الأول بأن الفرق بين ابتلاع ذلك و ابتلاع الريق و إن كان مسلما، إلا أنه ليس بنحو يقتضي اليقين بصدق الأكل بابتلاع ذلك، و لا سيما بملاحظة الصحيح و الموثق المذكورين، حيث يقرب ابتناء الحكم فيهما- خصوصا الثاني- علي القاعدة، لعدم صدق الأكل.

و الثاني بأن عدم العمل بالصحيح في مورده غير ظاهر بنحو يتحقق به الإعراض المسقط للحجية، غاية الأمر أن حكاية صاحب الوسائل عن الشيخ حمله علي الازدراد نسيانا ظاهر في عدم بنائهما علي العمل بظاهره، و في بلوغ ذلك حدا يسقطه عن الحجية إشكال، أو منع، بعد عدم وضوح مأخذه غير الاستبشاع.

و أما الثالث بأن لو تم إجمال الموثق لإجمال النخامة- و لم يقرب العموم، لأنه الأقرب للمعني العرفي- فمن القريب جدا إلغاء خصوصية كل من المعنيين عرفا، و التعدي منه للآخر.

هذا و مقتضي ما سبق من الإشكال في الوجه الثالث- لو غض النظر عما ذكرنا في رده- عدم وجوب الكفارة بأحد الأمرين حتي لو قيل بوجوبها بكل مفطر، لعدم إحراز كونه مفطرا. بل و كذا القضاء، لعدم إحراز بطلان الصوم به بعد سقوط عموم مفطرية الأكل و الشرب عن الحجية في كل منهما بالعلم الإجمالي بتخصيصه بالموثق.

و مجرد وجوب اجتناب كل منهما خروجا عن العلم الإجمالي المدعي لا يقتضي مفطريته و لا بطلان الصوم به.

اللهم إلا أن يبطل الصوم بالإخلال بالنية، لأن نية الصوم بترك جميع المفطرات لا تجتمع مع الإقدام علي محتمل المفطرية من دون إحراز لعدم مفطريته، و غاية ما يمكن هو نية الصوم معلقا و مشروطا بعدم مفطريته، فيصح الصوم علي تقدير عدم مفطريته واقعا لا مطلقا، فليس له أن يجتزئ به، لعدم إحرازه الامتثال به. غاية الأمر أنه لا تجب الكفارة، لعدم إحراز موضوعها، و هو استعمال المفطر.

نعم لو ابتلي بهما معا في يوم واحد أو يومين ففعلهما معا وجب القضاء و الكفارة ليوم واحد. فلاحظ.

ص: 133

[(مسألة 19): لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم]

(مسألة 19): لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم (1). و إن كان كثيرا و كان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلا.

[العاشر: تعمد القي ء]
اشارة

العاشر: تعمد القي ء (2)، و إن كان لضرورة من علاج مرض

______________________________

(1) بلا إشكال ظاهر، و نفي الخلاف فيه في الخلاف، و نسبه في التذكرة لعلمائنا، قال: «سواء جمعه في فمه ثم ابتلعه، أو لم يجمعه».

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي السيرة القطعية- معتبر الجعفريات عن جعفر ابن محمد (عليهما السلام): «أنه قال: لا بأس أن يزدرد الصائم ريقه» (1) و لا أقل من كونه مقتضي الأصل، بعد القطع بخروجه عن الشرب عرفا.

(2) علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل إجماع من المتأخرين. كذا في الجواهر. و في الخلاف و الغنية و محكي المنتهي الإجماع عليه.

للنصوص المستفيضة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، و إن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه» (2). و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يستاك و هو صائم، فيقي ء، ما عليه؟ قال: إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه، و إن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شي ء» (3)، و موثق سماعة:

«سألته عن القي ء في رمضان، فقال: إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه [فقد] أفطر و عليه القضاء» (4)، و غيرها.

و عن السيد المرتضي أنه حكي عن قوم من أصحابنا أنه ينقض الصوم و لا يبطله، و جعله أشبه. و وافقه في السرائر. و قد يستدل لهم- بعد الأصل- بعموم حصر المفطر في غيره (5) 1، و بإطلاق صحيح عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي عبد اللّه عن أبيه (عليهما السلام): «قال: ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام

ص: 134


1- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 10، 5.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 10، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 10، 5.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

و نحوه (1)، و لا بأس بما كان بلا اختيار (2).

______________________________

و الحجامة» (1) و بأن الصوم هو الإمساك عما يصل إلي الجوف، لا عما يخرج منه. و من أجل ذلك يتعين حمل النصوص علي الحرمة التكليفية.

لكن حمل النصوص علي الحرمة التكليفية دون المفطرية، لا يناسب الحكم فيها بالمفطرية، و وجوب القضاء. فيتعين الخروج بها عن الأصل، و عما تضمن حصر المفطر في غيره، كما ثبت الخروج عنه في غير مورد. و حمل صحيح عبد اللّه بن ميمون علي ما إذا ذرعه القي ء من دون أن يتعمده. و أما الوجه الأخير فهو اجتهاد في مقابل النص.

(1) لإطلاق النصوص المتقدمة، كإطلاق فتوي الأصحاب. و الضرورة إنما تقتضي جواز الإفطار به حينئذ، أو عدم مشروعية الصوم، نظير ما تقدم في الاحتقان.

(2) لا خلاف أجده فيه نصا و فتوي سوي ما عن ابن الجنيد. كذا في الجواهر.

و يشهد له التفصيل في النصوص المتقدمة.

قال في المختلف في بيان اختلافهم في القي ء: «و قال ابن الجنيد: إنه يوجب القضاء خاصة إذا تعمد، فإن ذرعه لم يكن عليه شي ء. إلا أن يكون القي ء من محرم، فيكون فيه إذا ذرعه القضاء، و إذا استكره القضاء و الكفارة». و لم يتضح الوجه في استثناء صورة ما إذا كان الطعام الذي يقيئه محرما، فإنه خروج عن مقتضي النصوص المتقدمة.

و ربما يوجه وجوب القضاء إذا ذرعه القي ء حينئذ بأن وجوب قي ء الطعام المحرم الأكل ينافي وجوب الصوم، الموقوف علي ترك التقيؤ، و يمنع من التقرب به، فيبطل الصوم لذلك، و يجب القضاء، و إن لم يكن التقيؤ القهري مبطلا، و لا موجبا للقضاء بنفسه.

لكنه يشكل أولا: بعدم وضوح وجوب قي ء الطعام المغصوب، لأن أكل الطعام إتلاف له عرفا، بنحو يوجب ضمانه بالمثل أو القيمة، من دون أن يجب أداؤه بنفسه، ليجب القي ء.

إلا أن يبتلع ما لا يتلف بالابتلاع، و يمكن إرجاعه بالقي ء، فيجب قيؤه- مع

ص: 135


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 11.
[(مسألة 20): إذا خرج بالتجشؤ شي ء ثم نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا]

(مسألة 20): إذا خرج بالتجشؤ شي ء ثم نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا (1)،

______________________________

القدرة عليه- و إرجاعه حينئذ. و وجوب قيئه و إن كان منافيا لوجوب الصوم. إلا أن الصوم إنما يبطل بذلك مع الالتفات لوجوب القي ء، لتعذر التقرب بالصوم عن المفطرات- التي منها القي ء- مع ذلك. أما مع الغفلة عنه فيمكن التقرب بالصوم لتمامية ملاكه و إن سقط أمره بمزاحمته لوجوب تسليم ما ابتلعه.

اللهم إلا أن يكون مراده بالحرام غير المغصوب، أو ما هو الأعم منه. و يكون وجوب القي ء لا من أجل تسليم الطعام لمالكه، بل من أجل أن حرمة الطعام كما تقتضي حرمة أكله تقتضي حرمة تركه في المعدة حتي يتحلل و يأخذ البدن منه ما يأخذ. فتأمل.

و ثانيا: بأن ذلك لا يقتضي مفطرية القي ء إذا ذرعه، بل بطلان الصوم، و إن لم يتحقق منه القي ء، لتعذر التقرب به مع وجوب القي ء.

و أشكل من ذلك حكمه بوجوب الكفارة إذا استكره نفسه علي القي ء، مع حكمه بعدمها فيما لا يحرم أكله. لوضوح وحدة الدليل في المقامين، و هي النصوص السابقة. و جعل الكفارة عقوبة لأكل المحرم من دون دليل تحكم في الدين.

بل حتي لو قيل بوجوب الكفارة مع تعمد القي ء من الصائم فقد يتجه سقوطها في المقام لو قيل بوجوب القي ء، حيث لا يكون المكلف متمردا في القي ء.

و مجرد تفريطه بابتلاع ما يجب قيؤه لا يكفي في كون التقيؤ تمردا موجبا للكفارة.

اللهم إلا أن يقال: إن تم إطلاق دليل الكفارة بنحو يشمل القي ء فالمتيقن انصرافه عما إذا لم يكن متمردا في التسبيب لما يبطل الصوم، و هو ابتلاع ما يجب قيؤه، أما مع ذلك فالمتعين الرجوع فيه للإطلاق.

(1) بلا إشكال. أما خروجه فلعدم صدق القي ء عليه. و إن لم يكن اختياريا فالأمر أظهر. و أما نزوله فلفرض عدم الاختيار الذي لا يكون الأكل معه مفطرا، فضلا عن ذلك.

هذا مضافا للنصوص الواردة في القلس و في ابتلاعه، كصحيح عبد اللّه بن

ص: 136

و إذا وصل إلي فضاء الفم فابتلعه اختيارا بطل صومه (2) و عليه الكفارة (3).

[(مسألة 21): إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه]

(مسألة 21): إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه و إن لم يقئه (3) إذا كان إخراجه منحصرا بالقي ء، و إن لم يكن منحصرا به لم

______________________________

سنان المتقدم، و صحيح محمد بن مسلم: «سئل أبو جعفر عليه السّلام عن القلس يفطر الصائم؟ قال: لا» (1)، و موثق عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتي يبلغ الحلق، ثم يرجع إلي جوفه و هو صائم؟ قال: ليس بشي ء» (2)، و غيرها.

(2) كما في العروة الوثقي، و أقره بعض شراحها و محشيها. لصدق الأكل به، فيفطر مع التعمد. لكن تقدم في المسألة الثامنة عشرة عند الكلام في ازدراد النخامة الإشكال في ذلك. مضافا إلي التصريح بعدم مفطريته في صحيح عبد اللّه بن سنان. فراجع.

(3) بناء علي وجوب الكفارة بكل مفطر. و يأتي الكلام في ذلك في الفصل الثالث إن شاء اللّه تعالي.

(1) كأنه لتعذر النية المعتبرة في الصوم مع وجوب قيئه، إذ مع عزمه علي قيئه لا يتأتي منه بنية الصوم، و بدونه لا يتأتي منه التقرب بالصوم، لما فيه من التمرد. نعم الأول موقوف علي التفاته لمفطريته، و الثاني موقوف علي فعلية وجوب قيئه، لأهميته من وجوب الصوم، و علي التفات الصائم لوجوب القي ء.

هذا و قد قرب بعض مشايخنا قدّس سرّه صحة الصوم في المقام، إذا لم يتعمد القي ء، لثبوت الأمر الترتبي بالصوم، لأن القي ء و الإمساك عنه و إن كانا ضدين لا ثالث لهما، فلا يمكن الأمر بالإمساك عند ترك القي ء و عصيان الأمر به، لأنه تحصيل للحاصل.

إلا أن الصوم ليس مطلق الإمساك، بل خصوص الإمساك التعبدي، فيكون لهما ثالث، و هو الإمساك عن القي ء لا بنحو التعبد، و حينئذ يمكن الأمر الترتبي بالصوم

ص: 137


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

يبطل إلا إذا قاءه اختيارا.

[(مسألة 22): ليس من المفطرات مص الخاتم، و مضغ الطعام للصبي، و ذوق المرق، و نحوها]

(مسألة 22): ليس من المفطرات مص الخاتم، و مضغ الطعام للصبي، و ذوق المرق، و نحوها (1)،

______________________________

و الإمساك عن القي ء بنحو التعبد عند عصيان الأمر بالقي ء و تركه.

أقول: الأمر أظهر من ذلك، فإن الواجب ليس هو القي ء بنفسه، بل ما يترتب عليه، و هو تسليم ما ابتلعه من مال الغير لصاحبه. و من الظاهر ثبوت الواسطة بينه و بين الصوم. بل لو فرض امتناع الأمر الترتبي بالصوم كفي ثبوت ملاكه في إمكان الاجتزاء به، علي ما ذكروه في مسألة الضد من الأصول.

لكن لا مجال مع ذلك لصحة الصوم في فرض الالتفات لوجوب تسليم المال إلي أهله المتوقف علي القي ء، لامتناع التقرب بالإمساك عن القي ء حينئذ، لأن ترك المقدمة المنحصرة للواجب الفعلي تمرد علي المولي مبعد، و يمتنع التقرب للمولي بما هو تمرد عليه مبعد عنه. و إنما ينفع الأمر الترتبي بالعبادة أو ثبوت الملاك فيها فيما إذا لم يكن العمل العبادي بنفسه تمردا علي المولي مبعدا عنه، كالصلاة عند ترك تطهير المسجد. و لذا كان الكلام في الأمر الترتبي عندهم بعد الفراغ عن عدم كون ترك الضد المهم مقدمة لفعل ضده الأهم. فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر، بل الظاهر أنه إجماعي، كما ادعاه صريحا في التذكرة في المضمضة مع التحفظ من الدخول للجوف. و يقتضيه- بعد ذلك و بعد السيرة القطعية، و الأصل حيث لا ريب في عدم صدق الأكل و الشرب عليه- النصوص المستفيضة (1).

نعم في صحيح سعيد الأعرج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم، أ يذوق الشي ء و لا يبلعه؟ قال: لا» (2). قال في التهذيب: «هذه الرواية محمولة علي من لا يكون به حاجة إلي ذلك. و الرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي و الطباخ الذي يخاف علي فساد طعامه، أو من عنده طائر إن لم يزقه هلك. فأما من هو مستغن عن ذلك فلا

ص: 138


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37، 38 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

مما لا يتعدي إلي الحلق (1) أو تعدي من غير قصد أو نسيانا للصوم (2).

أما ما يتعدي فمبطل و إن قلّ (3)، كالذي يستعمل في بعض البلاد المسمي عندهم بالنسوار. و كذا لا بأس بمضغ العلك (4)، و إن وجد له

______________________________

يجوز له أن يذوق الطعام». و قريب منه في الاستبصار.

و هو غريب، لا يناسب ما سبق من ظهور الإجماع و السيرة. علي أنه جمع تبرعي لا شاهد له. و مجرد كون موارد بعض النصوص المرخصة من هو مظنة الحاجة لا يكفي في الجمع المذكور بعد عدم الإشارة فيها للتقييد بالحاجة.

و من ثم كان الأقرب حمله علي الكراهة، و لو للاحتياط حذرا من وصوله للجوف. و لو فرض تعذر حمله علي ذلك تعين طرحه، ورد علمه لأهله عليه السّلام.

(1) الظاهر أن المعيار في المفطرية علي التعدي عن الحلق و الوصول للجوف، لعدم صدق الأكل و الشرب بدون ذلك.

(2) لما يأتي من اعتبار التعمد في مفطرية الأكل و الشرب. لكن في التذكرة و عن المنتهي أنه يجب القضاء إذا لم يكن إدخاله للفم لغرض صحيح. و لم يتضح وجهه. و حمله علي ما ورد في المضمضة قياس مع الفارق، فإن معيار سقوط القضاء فيها الوضوء للفريضة، علي تفصيل يأتي في محله، و لم يلتزم هو هنا بمثله. فلا مخرج عما سبق.

(3) كما يظهر مما تقدم في أوائل الكلام في مفطرية الأكل و الشرب. فراجع.

(4) كما عن الأكثر و المشهور، لعدم صدق الأكل به. نعم في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: الصائم يمضغ العلك؟ قال: لا» (1). و لعله لذا قال في النهاية: «و لا يجوز للصائم مضغ العلك». و عن الاسكافي أنه يفسد الصوم.

لكن لا بد من حمله علي الكراهة، لصحيح محمد بن مسلم: «قال أبو جعفر عليه السّلام: يا محمد إياك أن تمضغ علكا، فإني مضغت اليوم علكا و أنا صائم،

ص: 139


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

طعما في ريقه (1) ما لم يكن لتفتت أجزائه (2).

______________________________

فوجدت في نفسي منه شيئا» (1)، فإن فعله عليه السّلام لا يجتمع مع الحرمة. بل صرح في خبر أبي بصير بجوازه (2).

(1) لأن مجرد الطعم لا يصدق معه الأكل. و دعوي: أن لا يكون إلا بتحلل أجزاء ذي الطعم، لامتناع انتقال الأعراض. مدفوعة بأن ذلك لو تم فالتحلل المذكور لما لم يكن عرفيا لم يصدق به الأكل فلا يكون مفطرا. و لا سيما و أنه كالمتيقن من صحيح محمد بن مسلم المتقدم. و أظهر من ذلك ما إذا لم يكن الطعم في الريق، بل كان الاحساس به بسبب مسّ العلك لموضع الاحساس بالطعم. و قد تقدم عند الكلام في المفطر التاسع ما ينفع في المقام.

(2) إذا كان يصل إلي الجوف بابتلاع الريق. لكن لا مجال للبناء علي المفطرية حينئذ فيما إذا لم يكن للمتحلل وجود عرفي، بل كان دقيا لا يدرك إلا من طريق الطعم، حيث لا يصدق به الأكل عرفا. بل يصعب حمل النصوص و كلمات الأصحاب علي خصوص ما إذا كان الطعم بسبب المجاورة، لأنه- لو سلم وجوده- يصعب إدراكه و تمييزه.

نعم يتجه ما ذكره إذا كان للمتحلل وجود عرفي، كما لو كان تحلل العلك محسوسا، أو كان ممزوجا بما يتحلل، كالسكر- كما يتعارف في عصورنا- حيث يصدق في مثل ذلك الأكل، لأن أكل كل شي ء بحسبه.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «إلا أن تكون الأجزاء مستهلكة في الريق فالحكم بالإفطار حينئذ غير ظاهر». و كأنه لعدم صدق الأكل مع استهلاك المأكول في الريق حين الابتلاع، بحيث لا يكون له وجود عرفي.

و قد استشكل في ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه بأنه إنما يتم لو كان الواجب علي الصائم ترك الأكل و الشرب. أما حيث كان الواجب هو اجتناب الطعام و الشراب كما تضمنه صحيح محمد بن مسلم: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع]

ص: 140


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.

و لا بمص لسان الزوج و الزوجة (1) و الأحوط الاقتصار علي ما إذا لم تكن

______________________________

خصال: الطعام و الشراب … » (1)، فهو لا يتحقق مع ابتلاع الريق في الفرض.

و فيه أولا: أن المراد من اجتناب الطعام و الشراب هو اجتناب الأكل و الشرب، لأن ذلك هو المفهوم منهما عرفا. و لا سيما بضميمة ما تضمن مفطرية الأكل و الشرب، كالآية الكريمة و غيرها.

و ثانيا: أنه مع فرض استهلاك الطعام بحيث لا يصدق الأكل بابتلاع الريق لا يكون ابتلاع الريق منافيا لاجتناب الطعام المفروض وجوبه علي الصائم.

و أشكل من ذلك ما ذكره قدّس سرّه- و يظهر من جماعة من محشي العروة الوثقي، تبعا للسيد الطباطبائي قدّس سرّه فيها- من الفرق بين الامتزاج الاتفاقي بالريق و المزج العمدي به فيجوز ابتلاع الريق في الأول دون الثاني. حيث لا يظهر وجه الفرق بين الأمرين.

فالعمدة في الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه: أنه لا يبعد صدق الأكل و الشرب في الأمور التي يبتني استعمالها علي الامتزاج مهما قلّت إذا كان لها وجود عرفي قبل امتزاجها بالريق. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

(1) كما في العروة الوثقي و ظاهر الوسائل و في الحدائق و عن المحقق الأردبيلي الميل إليه. لصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل الصائم، أله أن يمصّ لسان المرأة، أو تفعل المرأة ذلك؟ قال: لا بأس» (2)، و قريب منه صحيح أبي بصير (3).

نعم قد يظهر من الأصحاب هجر الصحيحين، لعدم تنبيههم لذلك، و إنما اقتصروا علي السواك و مصّ الحصي و الخاتم و الخرز و نحوها.

بل قال في التذكرة: «قد بينا أنه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره و لا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه. و ما روي عن عائشة أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم كان يمص لسانها و هو صائم ضعيف … سلمنا. لكن يجوز أن يمصه بعد إزالة الرطوبة عنه … ». فإن تضعيفه لما

ص: 141


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3، 2.

عليه رطوبة (1).

[(مسألة 23): يكره للصائم ملامسة النساء و تقبيلها و ملاعبتها]

(مسألة 23): يكره للصائم ملامسة النساء و تقبيلها و ملاعبتها (2)

______________________________

روي من طرق العامة عن عائشة و إهمال الصحيحين لا يناسب عمل الأصحاب بهما.

و لعله لذا ذكر في الحدائق أن ظاهر الأصحاب بطلان الصوم بابتلاع ريق الغير، خلافا لظاهر هذين الصحيحين و صحيح أبي ولاد الآتي.

لكن في بلوغ ذلك حدا يسقط به الصحيحان عن الحجية إشكال، لقرب ابتناء ما يظهر من الأصحاب من عدم جواز ابتلاع ريق الغير مطلقا علي حمل الصحيحين علي صورة جفاف اللسان أو عدم ابتلاع الريق- كما في الدروس- لا علي هجرهما. كما أن عدم الإشارة في التذكرة للصحيحين لا يشهد بهجرهما، بل يناسب عدم الاطلاع عليهما.

(1) هذا بعيد عن ظاهر الصحيحين، فإنهما و إن كانا بصدد بيان جواز مصّ اللسان، من دون نظر لابتلاع الرطوبة، إلا أن غلبة رطوبة اللسان مع عدم التنبيه لتجفيفه أو التحذر من ابتلاع الريق بعد مصّه موجب لظهورهما في عدم لزوم أحد الأمرين.

نعم المتيقن من ذلك العفو عن الرطوبة التابعة للسان عادة، دون ما زاد علي ذلك مما كان له وجود عرفي ظاهر، فيشكل البناء علي جواز ابتلاعه.

نعم قد يستفاد الجواز من صحيح أبي ولاد الحناط: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إني أقبل بنتا لي صغيرة و أنا صائم، فيدخل في جوفي من ريقها شي ء. قال: فقال لي:

لا بأس، ليس عليك شي ء» (1). اللهم إلا أن يقتصر علي مورده، أو يحمل علي صورة عدم التعمد.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب المدعي عليه الإجماع في الجملة علي خلاف منهم في تحديده، فقد أطلق غير واحد، تبعا لإطلاق بعض النصوص كحديث أبي بصير- الذي لا يبعد اعتباره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و المباشرة ليس بها بأس، و لا قضاء يومه. و لا ينبغي له أن يتعرض لرمضان» (2). و صحيح علي

ص: 142


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 17.

______________________________

بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل أ يصلح أن يلمس و يقبل و هو يقضي شهر رمضان؟ قال: لا» (1)، و معتبر جراح المدائني: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا أصبحت صائما فليصم سمعك و بصرك … و إياك و المباشرة و القبلة و القهقهة بالضحك، فإن اللّه يمقت ذلك» (2)، و غيرها.

لكن صرح غير واحد باختصاصه بمن يثير ذلك شهوته حذرا من تفاقم الأمر و حصول المفطر. و هو المناسب لما في الخلاف، قال: «تكره القبلة للشاب إذا كان صائما، و لا تكره للشيخ … دليلنا إجماع الفرقة، و طريقة الاحتياط»، و ما عن المنتهي من الإجماع علي الكراهة لمن تتحرك شهوته بذلك.

و قد يستدل له بالنصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال: إني أخاف عليه فليتنزه من ذلك، إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه» (3)، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن ذلك ليكره للرجل الشاب، مخافة أن يسبقه المني» (4)، و في صحيح منصور بن حازم عنه عليه السّلام: «فقال: أما الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس. و أما الشاب الشبق فلا، لأنه لا يؤمن، و القبلة إحدي الشهوتين» (5)، و غيرها، حيث قد يدعي أن مقتضي الجمع بين الطائفتين تقييد الأولي بالثانية.

لكن لا ملزم بذلك بعد إمكان الجمع باختلاف مرتبة الكراهة، مع إبقاء الطائفة الأولي علي إطلاقها. و لا سيما مع اعتضاده بعموم التعليل في معتبر الحسن بن راشد قال في حديث: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الصائم يشم الريحان؟ قال: لا، لأنه لذة، و يكره له أن يتلذذ» (6). و نحوه معتبره الآخر(7).

نعم لا يبعد انصراف الإطلاق المذكور كإطلاق بعض الأصحاب إلي ما إذا

ص: 143


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 20.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب آداب الصائم حديث: 12.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13، 1، 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13، 1، 3.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13، 1، 3.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7، 15.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7، 15.

إذا لم يقصد الإنزال و لا كان من عادته، و إن قصد الإنزال كان من قصد المفطر (1). و إن كان من عادته فالأحوط اجتنابه (2).

و يكره الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته الحلق، كالصبر و المسك (3). و كذا دخول الحمام إذا خشي الضعف (4)، و إخراج الدم

______________________________

كانت المباشرة بتلذذ و شهوة، فإن ذلك هو الذي لا يناسب احترام الصوم، و هو الذي يقتضيه التعليل في معتبري الحسن بن راشد. و لعله إليه يرجع ما في التذكرة: «أجمع العلماء علي كراهة التقبيل الذي بالشهوة».

(1) فيبطل به الصوم مطلقا من دون كفارة، فإن أنزل وجبت به الكفارة، كما سبق في المفطر الثامن.

(2) بل ربما قيل بالحرمة، و كأنه لحجية العادة عرفا، فيكون الإقدام معها إقداما علي الأمر المتعود عليه. لكنه لا يخلو عن إشكال إذا كان احتمال التخلف معتدا به، و لو بسبب التحفظ. نعم لو أنزل فلا إشكال في المفطرية، و في وجوب الكفارة، كما يظهر مما سبق في المفطر الثامن.

(3) تقدم الكلام في ذلك في ذيل الكلام في المفطر التاسع.

(4) لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم. قال: لا بأس، ما لم يخش ضعفا» (1).

و به يخرج عن إطلاق ما عن الإمام الرضا عليه السّلام بأسانيد متعددة عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): «قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام: ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهن و هو صائم: الحمام، و الحجامة، و المرأة الحسناء» (2). اللهم إلا أن يجمع بينهما بالحمل علي شدة الكراهة إذا خشي علي نفسه الضعف، مع عموم أصل الكراهة، و لو احتياطا من الشارع الأقدس لحال الصائم.

ص: 144


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 27 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7.

المضعف (1)،

______________________________

نعم لا يبعد اختصاص أو انصراف الحمام في النصوص لما يكون الإنسان معرضا فيه للإجهاد بسبب شدة حرارته، دون غيره مما يعد للاغتسال، فيه من دون جهد، لبرودته، و إن كان ماؤه دافئا. فإن المكروه ليس هو الاغتسال، كما لا يحتمل دخل إعداد المكان له في الكراهة.

(1) كما ذكره غير واحد. للنصوص الكثيرة الواردة في الحجامة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الصائم أ يحتجم؟ فقال: إني أتخوف عليه. أ ما يتخوف [به] علي نفسه؟ قلت: ما ذا يتخوف عليه؟ قال: الغشيان [الغشي به] أو [أن] تثور به مرة. قلت: أ رأيت إن قوي علي ذلك، و لم يخش شيئا؟ قال: نعم إن شاء» (1)، و غيره.

و مقتضي عموم التعليل في صحيح الحلبي و صحيح عبد اللّه بن سنان الآتي عموم الحكم لكل دم معتد به من شأنه أن يكون مضعفا. و يناسب ذلك النهي عن قلع الضرس في موثق عمار الآتي (2).

و بقرينة التعليل أيضا يتعين حمل النهي علي كونه تكليفيا للاحتياط من الضعف، لا وضعيا راجعا لمفطرية إخراج الدم المذكور، كما هو المناسب لظهور المفروغية عن عدم مفطريته، و للنصوص المصرحة بذلك، كصحيح عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عن أبيه (عليهما السلام): «قال: ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة. و قد احتجم النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و هو صائم … » (3)، و غيره.

كما أن التعليل أيضا يناسب عدم كون النهي المذكور للحرمة، بل للكراهة احتياطا لحال الصائم، كما هو المفروغ عنه بينهم أيضا.

نعم لو فرض احتمال بلوغ الضعف حدا يلزم بالإفطار لم يبعد البناء علي الحرمة، لوجوب حفظ القدرة علي الصوم، بعد عدم كون الضعف الطارئ من سنخ المرض الرافع للتكليف بالصوم. فتأمل. و الظاهر خروجه عن مورد النصوص

ص: 145


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 11.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 11.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3، 11.

و السعوط (1) مع عدم العلم بوصوله إلي الحلق،

______________________________

و مفروض كلام الأصحاب.

هذا و قد صرح في النصوص الكثيرة- و منها صحيح الحلبي المتقدم- بنفي البأس مع الأمن من الضعف. و من ثم قد يقيد به إطلاق النهي في بعض النصوص، مثل ما تقدم عند الكلام في كراهة دخول الحمام بأسانيد عن الإمام الرضا عليه السّلام و ما سبق في موثق عمار.

لكن لا يبعد الجمع بشدة الكراهة مع الخوف، مع عموم أصل الكراهة، و لو احتياطا من الشارع الأقدس لحال الصائم، نظير ما تقدم في غير مورد.

بقي في المقام أمران:

الأول: في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يحتجم الصائم. إلا في شهر رمضان، فإني أكره أن يغرر بنفسه. إلا أن لا يخاف علي نفسه» (1)، و قد يستفاد منه شدة الكراهة في شهر رمضان. لكن لا يبعد عموم الكراهة لصوم شهر رمضان و نحوه من الصوم الواجب المعين. أما غير المعين فلا كراهة فيه، حيث يستطيع الصائم فيه الإفطار إن أحسّ بالضعف.

الثاني: ظاهر الوسائل كراهة الحجامة للحاجم أيضا إذا كان صائما. و يقتضيه موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحجام يحجم و هو صائم؟ قال: لا ينبغي.

و عن الصائم يحتجم. قال: لا بأس»(2) و إن كان من القريب حصول التصحيف فيه بتبديل جواب أحد السؤالين بجواب السؤال الآخر. و قد يناسبه إهمال الأكثر التنبيه لذلك. فتأمل.

(1) ففي الفقيه أطلق عدم جواز السعوط، و في المقنعة و المراسم أنه يجب القضاء و الكفارة به، و حكاه المرتضي في جمل العلم و العمل عن قوم من أصحابنا، و قد يستدل له بالنصوص المتضمنة لكراهة السعوط للصائم، كموثق ليث المرادي:

ص: 146


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12، 13.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12، 13.

و إلا ففيه إشكال (1)، و شم كل نبت طيب الريح (2)، و بلّ الثوب علي

______________________________

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يحتجم، و يصب في أذنه الدهن، قال: لا بأس، إلا السعوط، فإنه يكره»(1) ، و معتبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه كره السعوط للصائم (2)، و غيرهما.

لكن صرح في المقنع بنفي البأس عنه، و في الهداية و النهاية بالكراهة، و نسب للمشهور. و هو المتعين، لأن النصوص لا تنهض بأكثر من ذلك. مضافا إلي أن شيوع الابتلاء بالحكم لا يناسب خفاءه علي المشهور.

(1) ففي المبسوط و الوسيلة و ظاهر الشرائع و عن أبي الصلاح و ابن البراج و المختلف إنه مفطر، و عن أبي يعلي إنه يوجب الكفارة. و لا شاهد له من النصوص المذكورة.

نعم قد يدعي صدق الأكل عليه لو عبر الحلق و نزل للجوف، لما تقدم من تحديد موضوع المفطرية في الأكل و الشرب. لكنه يشكل بأن نزوله لما كان بالاستنشاق فهو ينزل إلي الرئة لا إلي المعدة، و في شمول المفطر المذكور له إشكال أو منع. و أشكل من ذلك ما إذا أريد الاكتفاء بوصوله إلي الحلق و إن لم ينزل للجوف، نظير ما أشرنا إليه عند الكلام في صب الدواء في الأذن.

(2) فقد صرح الأصحاب بكراهة شم الريحان، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل عن المنتهي الإجماع عليه». و يقتضيه جملة من النصوص منها معتبرا الحسن بن راشد (3) المتقدمان عند الكلام في كراهة مباشرة النساء، و حديث الحسن الصيقل الآتي في بلّ الثوب علي الجسد. و هي محمولة علي الكراهة إجماعا، و لما تضمن الترخيص فيه كصحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الصائم يشم الريحان و الطيب؟ قال: لا بأس به» (4)، و غيره.

ص: 147


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 15، 7، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 15، 7، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.

الجسد (1)،

______________________________

قال في لسان العرب: «و الريحان كل بقل طيب الريح … »، و يظهر من بعضهم أنه نبت خاص. و هو غير مهمّ بعد عموم التعليل في معتبري الحسن بن راشد المذكورين.

هذا و تتأكد الكراهة في النرجس لخبر ابن رئاب: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ينهي عن النرجس للصائم، فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ فقال: لأنه ريحان الأعاجم» (1).

(1) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. لغير واحد من النصوص، كمعتبر الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت: و الصائم يستنقع في الماء؟

قال: نعم. قلت: فيبل ثوبا علي جسده؟ قال: لا … » (2)، و خبر الحسن الصيقل عنه عليه السّلام: «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: لا، و لا يشم الريحان» (3)، و خبر عبد اللّه بن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تلزق ثوبك إلي جسدك و هو رطب و أنت صائم حتي تعصره» (4)، و غيرها.

و لا بد من حمل النهي فيها علي الكراهة، لظهور الإجماع علي عدم الحرمة.

و لكثرة الابتلاء بالمسألة، خصوصا مع شيوع كثرة العرق في البلاد الحارة، حيث لا يمكن معه خفاء الحكم فيها علي الأصحاب. و لصحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الصائم يستنقع في الماء، و يصب علي رأسه، و يتبرد بالثوب، و ينضح بالمروحة، و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء» (5) فإن التبرد بالثوب إن لم يكن ظاهرا في لبسه و هو مبلول فلا أقل من كونه المتيقن من أفراده. بنحو يصعب حمله علي غيره.

ثم إن مقتضي خبر عبد اللّه بن سنان ارتفاع النهي بعصر الثوب، لكن من القريب حمله علي خفة الكراهة، عملا بإطلاق النهي عن لبس الثوب المبلول. و لا سيما مع صعوبة حمله علي خصوص ما لو عصر لجري منه الماء.

ص: 148


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5، 10، 3، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5، 10، 3، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5، 10، 3، 2.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5، 10، 3، 2.

و جلوس المرأة في الماء (1)،

______________________________

(1) و في الغنية و إشارة السبق و عن القاضي مفطرية ذلك، فيجب مع تعمده القضاء و الكفارة، بل في الغنية الإجماع علي ذلك. و عن أبي الصلاح الحلبي وجوب القضاء به خاصة.

و كأنه لموثق حنان: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال:

لا بأس، و لكن لا ينغمس، و المرأة لا تستنقع في الماء، لأنها تحمل الماء بقبلها».(1)

لكن المشهور شهرة عظيمة- كما في الجواهر- القول بالكراهة. و قد علل في كلام غير واحد بملازمة استنجاء المرأة من البول لحمل القبل للماء، مع ما هو المعلوم من عدم مفطرية ذلك لها.

و فيه: أن من القريب أن لا يكون المراد من حمل الماء بقبلها في الموثق هو وصوله لباطن القبل القريب، الذي يصله الماء بالاستنجاء، حيث لا مجال حتي لاحتمال الكراهة فيه، بل لا بد من كون المراد هو وصوله لباطن القبل العميق، الذي يحصل الإيلاج به عن الجماع، المعروف في عصرنا بالمهبل، و هو أحد معانيه لغة.

فالعمدة في وجه حمل الموثق علي الكراهة أن شيوع الابتلاء بذلك لا يناسب خفاء حكمه علي المشهور.

مضافا إلي أن مقتضي ارتكازية التعليل في الموثق العموم للجامد، لأن الفرق بين الجامد و المائع في الاحتقان ارتكازا إنما هو بلحاظ تعارف وصول المائع للجوف العميق دون الجامد، و هو لا يجري في المقام، حيث لا يتعدي ما يدخل إلي الجوف العميق من دون فرق بين الجامد و المائع، و حينئذ لو كان التعليل مسوقا لبيان المفطرية لم يكن مناسبا لما تضمن الترخيص في استدخال الدواء و نحوه للصائم، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال: لا بأس» (2). و غيره. و من ثم كان الظاهر سوق التعليل

ص: 149


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

و الحقنة بالجامد (1)، و قلع الضرس، بل مطلق إدماء الفم (2) و السواك بالعود الرطب (3)، و المضمضة عبثا (4)، و إنشاد الشعر إلا في مراثي الأئمة عليه السّلام و مدائحهم (5)،

______________________________

المذكور للكراهة.

كما هو المناسب أيضا لما سبق من حمل ما تضمن النهي عن الارتماس في الماء علي الكراهة.

(1) كأنه لإطلاق النهي عن الاحتقان في صحيح البزنطي المتقدم عند الكلام في مفطرية الاحتقان بالمائع. لكن بعد حمله علي المائع لا ينهض بإثبات الكراهة في الجامد. إلا أن يبتني علي قاعدة التسامح في أدلة السنن، لصدق البلوغ بذلك.

و لا سيما مع الفتوي بالإطلاق من بعضهم، كما تقدم.

(2) لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصائم ينزع ضرسه؟ قال: لا، و لا يدمي فاه، و لا يستاك بعود رطب» (1)، المحمول علي الكراهة إجماعا. و قد تقدم في إخراج الدم المضعف ما قد ينفع في المقام.

(3) للنهي عنه في موثق عمار المتقدم و غيره (2)، الذي لا إشكال في حمله علي الكراهة، و لو للترخيص فيه في جملة من النصوص، كصحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال: لا بأس به» (3)، و غيره.

(4) يأتي تمام الكلام في حكمها في الأمر السادس مما يوجب القضاء دون الكفارة.

(5) هذا لا يناسب صحيح حماد بن عثمان و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا ينشد الشعر بالليل، و لا ينشد في شهر رمضان بليل و لا نهار. فقال له إسماعيل: يا أبتاه فإنه فينا. قال: و إن كان فينا» (4).

ص: 150


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب آداب الصائم حديث: 2.

و في الخبر (1): «إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، و غضّوا أبصاركم، و لا تنازعوا، و لا تحاسدوا، و لا تغتابوا، و لا تماروا، و لا تباشروا، و لا تخالفوا، و لا تغضبوا، و لا تسابّوا، و لا تشاتموا، و لا تنابزوا، و لا تجادلوا، و لا تباذوا، و لا تظلموا، و لا تسافهوا، و لا تزاجروا، و لا تغفلوا عن ذكر اللّه..

الحديث».

______________________________

نعم قد تزاحم الكراهة لو توقف عليه إقامة المآتم و المجالس- التي بها إحياء أمر أهل البيت (صلوات اللّه عليهم)، الذي به حياة هذا الدين الحنيف- و سائر الشعائر الدينية.

و لعله علي ذلك يحمل ما عن الآداب الدينية للطبرسي عن خلف بن حماد:

«قلت للرضا عليه السّلام: إن أصحابنا يروون عن آبائك (عليهم السلام) أن الشعر ليلة الجمعة و يوم الجمعة و في شهر رمضان و في الليل مكروه، و قد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السّلام، و هذا شهر رمضان. فقال لي: إرث أبا الحسن عليه السّلام ليلة الجمعة، و في شهر رمضان، و في الليل، و في سائر الأيام، فإن اللّه يكافيك علي ذلك» (1).

و إن كان الظاهر منه الرد لما يفهم من تلك، إما لعدم ورودها، أو لعدم معرفة المراد منها، لعدم إناطة الحث فيه علي قول الشعر بحال خاص يناسب التزاحم المذكور.

و لا بأس بالعمل عليه برجاء المطلوبية، لنصوص قاعدة التسامح في أدلة السنن.

(1) و هو معتبر جراح المدائني المروي في الباب الحادي عشر من أبواب آداب الصائم من الوسائل.

ص: 151


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 105 من أبواب المزار و ما يناسبه حديث: 8.

[تتميم]

اشارة

تتميم المفطرات المذكورة إنما تفسد الصوم إذا وقعت علي وجه العمد (1)

______________________________

(1) قولا واحدا و نصوصا، كما في الجواهر، و بلا ريب و لا خلاف، كما عن المستند. و يستفاد من النصوص المتضمنة التقييد بالعمد في مفطرية الكذب (1)، و في مفطرية دخول الماء للحلق بالمضمضة (2)، و مفطرية القي ء (3)، و من صحيح أبي بصير و سماعة المتضمن تعليل مفطرية الأكل لظن دخول الليل بأنه أكل متعمدا (4)، و مما تضمن عدم القضاء بالبقاء علي الجنابة من غير تعمد(5)، و اشتراط وجوب القضاء علي من طهرت من الحيض بأن تتواني عن الغسل حتي يطلع الفجر (6).

كما قد يستفاد أيضا من النصوص الواردة فيمن أكل ناسيا المتضمنة أن ذلك شي ء رزقه اللّه تعالي (7). لوضوح أن كل طعام- حتي ما يوجب الإفطار- رزق منه تعالي، فمن القريب أن يكون منشأ خصوصية النسيان في التعليل بذلك إما قصور تشريعه تعالي للصوم عن فعلية المنع من الأكل في مورد النسيان، و إما استناد الأكل للنسيان الذي هو راجع إليه تعالي من دون أن يستند للمكلف، و كلاهما يجري في سائر موارد عدم العمد في فعل المفطر.

كما قد يؤيده التقييد بالتعمد في كلام السائل في جملة من النصوص، و ما في

ص: 152


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 7، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 9، 6، 1.

______________________________

صحيح معاوية بن عمار (1) من الأمر بالقضاء في النومة الثانية عقوبة، لإشعاره بعدم اقتضاء التكليف بالصوم وجوب القضاء بدوا، لعدم تعدم البقاء معه علي الجنابة، و إنما وجب القضاء عقوبة للتسامح بالنوم.

و كذا ما تضمن تعليل مفطرية النكاح دون الاحتلام بأن النكاح فعله و الاحتلام مفعول به (2)، لوضوح أنه لا يراد به نسبة الفعل للناكح دون المحتلم، إذ لا إشكال في مفطرية النكاح للرجل و المرأة و إن استند لأحد الطرفين و كان الآخر قابلا فقط. و إنما يراد به تعمد الفعل في النكاح و عدم التعمد له في الاحتلام … إلي غير ذلك مما قد يظهر بالتأمل.

و ذلك بمجموعه كاف في فهم عموم توقف فساد الصوم علي تعمد فعل المفطر، بحيث لا بد في الخروج عنه من دليل خاص.

هذا و قد ذكر بعض مشايخنا قدّس سرّه أن ذلك يستفاد من حديث المشرقي عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟

فكتب: من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم» (3)، بناء منه علي أن جزاء الشرطية إذا اشتمل علي حكمين فالمنصرف من الشرطية ثبوت المفهوم بلحاظ كل من الحكمين بنحو الانحلال، لا بنحو المجموعية، حيث يكون مقتضي ذلك دلالة الحديث أن كلا من الكفارة و القضاء مشروط بالعمد، فمع عدمه لا كفارة و لا قضاء. لا أن مجموعهما مشروط بالعمد، فمع عدمه لا يجب الجمع بينهما و إن وجب أحدهما، و هو في المقام القضاء وحده.

غاية الأمر أن ضعف سند الحديث مانع من الاستدلال به، لعدم ثبوت وثاقة المشرقي، و هو هشام أو هاشم بن إبراهيم العباسي، بل هو مذموم.

لكن الظاهر اعتبار سند الحديث، لأن المشرقي و العباسي و إن اشتركا في

ص: 153


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 11.

و لا فرق (1) بين العالم بالحكم و الموضوع و العالم بالحكم و الجاهل

______________________________

الاسم، إلا أنهما رجلان، لا رجل واحد، و الأول وثقه حمدويه علي ما ذكره الكشي، و المذموم هو الثاني لا غير. كما ذكر قدّس سرّه ذلك في معجمه.

فالعمدة في وهن الاستدلال بالحديث أولا: أن المتيقن من مفاد الشرطية مع تضمن الجزاء لحكمين هو إناطتهما بالشرط معا بنحو المجموعية، لا بنحو الانحلال.

و ثانيا: أن الإفطار ينافي الصوم عرفا، فهو ترك الصوم مطلقا أو باستعمال المفطر، و لا يتحقق باستعمال المفطر مع نية الصوم و صحته، كما هو المدعي في المقام.

و علي ذلك يكون المراد بالإفطار لا عن عمد ما إذا ترك الصوم و لم ينوه جهلا بدخول شهر رمضان أو بوجوب الصوم فيه أو نسيانا لهما. و يجب القضاء حينئذ قطعا.

و بذلك يظهر أن قوله عليه السّلام: «و يصوم يوما بدل يوم» ليس لكون القضاء منوطا بالإفطار العمدي، بل لعله لدفع توهم أن الكفارة في الإفطار العمدي تجزي عن القضاء، و بيان أنها تجب معه، لا بدلا عنه.

و مثله ما ذكره قدّس سرّه من أن مقتضي الحصر في قوله عليه السّلام في صحيح محمد ابن مسلم: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث [أربع] خصال: الطعام و الشراب … » (1) هو عدم مفطرية المفطرات المذكورة إذا حصلت من دون تعمد لها، لعدم منافاة ذلك لاجتنابها.

إذ فيه: أنه لا يراد باجتناب الأمور المذكورة إلا تركها، لأنه المفهوم منه عرفا.

و لا سيما بملاحظة أدلة شرح الصوم الأخري، كالآية الشريفة، حيث ينصرف الحصر في الصحيح للإشارة إليها و التنبيه لمضمونها من دون أن ينفرد عنها بمضمون زائد.

و بذلك ظهر أن العمدة في الاستدلال علي الحكم ما سبق منا، و قد سبق أنه واف به.

(1) يعني في البطلان مع العمد.

ص: 154


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

بالموضوع (1)، أما الجاهل بالحكم إذا وقعت منه و هو يري أنها حلال (2) ففي إفسادها إشكال (3)، و إن كان أحوط.

______________________________

(1) حيث كان مراده بالحكم هو المفطرية، فلا بد أن يكون مراده بالموضوع هو تحقق عنوان المفطر، لاشتباه الأمر الخارجي، كما لو تخيل عدم تحقق الايلاج بفعله لتخيل الموضع بين الفخذين، و كان في الواقع قد تحقق. لكن ذلك ملازم لعدم تعمد المفطر الذي سبق منه و منا عدم المفطرية معه. فكلامه قدّس سرّه لا يخلو عن غموض.

(2) أما لو وقعت و هو متردد في المفطرية، كما لو شك في أن تعمد القي ء مفطر، و مع ذلك تعمده، فإن صومه يبطل، لإطلاق النص و الفتوي. و اختصاص ما يأتي بمن يعتقد الحلية حين الإقدام علي المفطر.

(3) فعن الأكثر، أو أكثر المتأخرين، فساد الصوم به و وجوب القضاء مع الجهل بالمفطرية لإطلاق أدلتها. و تردد فيه في الشرائع و في التذكرة، و عن المنتهي احتمال عدم وجوب القضاء حينئذ، و مال إليه في الحدائق، و حكي عن ابن إدريس، و جعله الشيخ قدّس سرّه في التهذيبين وجها للجمع بين الأخبار.

و كيف كان فيشهد لعدم وجوب القضاء موثق زرارة و أبي بصير: «سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتي أهله في شهر رمضان و أتي أهله و هو محرم، و هو لا يري إلا أن ذلك حلال له. قال: ليس عليه شي ء» (1). و مورده و إن كان هو النكاح، إلا أن إلغاء خصوصيته عرفا قريب جدا. بل لعل ذلك مقتضي الأولوية العرفية، لأهمية النكاح في الصوم بالنظر للأدلة.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أنه ظاهر في نفي أثر الفعل و هو الكفارة المترتبة علي الإفطار، دون القضاء الذي هو أثر ترك الصوم اللازم للإفطار و بطلان الصوم، لا من آثار الإفطار نفسه، و لا يصح نسبته له إلا بنحو من العناية.

ففيه: أنه لا إشعار في الموثق- لا سؤالا و لا جوابا- باختصاصه بآثار الإفطار

ص: 155


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12.

______________________________

دون آثار ترك الصوم، بل مقتضي إطلاقه السؤال عن حكم الشخص المذكور، و ما يترتب عليه، و الجواب عن ذلك.

نعم قد يدعي انصراف قوله عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» إلي نفي تبعة العمل عنه بسبب جهلة، و ذلك يختص بالكفارة، لأنها من سنخ التبعة، و أما القضاء فإنه- كالإعادة- يثبت نتيجة عدم امتثال التكليف، و ليس من سنخ التبعة.

لكنه يشكل أولا: بأنه لم يتضح الانصراف المذكور بنحو معتد به بحيث يوجب قصور الإطلاق و اختصاصه بنفي الكفارة.

و ثانيا: أن الانصراف المذكور لو تم في التعبير المذكور بنفسه، إلا أنه لا بد من رفع اليد عنه و البناء علي عمومه للقضاء، لأن حمله علي نفي خصوص الكفارة بعيد عن مساق السؤال، لانصراف السؤال المتعلق بالماهيات المركبة إلي صحتها و فسادها من أجل الاجتزاء بالعمل و عدمه.

بل من البعيد جدا مفروغية السائل عن بطلان الصوم، أو شكه فيه مع اختصاص سؤاله بالكفارة، بل لا بد إما من اختصاص سؤاله بالقضاء أو عمومه له و للكفارة. و حينئذ يكون صرف الجواب إلي نفي الكفارة، و عدم التعرض إلي صحة الصوم و بطلانه، مستلزما لعدم مطابقة الجواب للسؤال أو عدم وفائه به بإهمال ما هو المقدم رتبة و التعرض لما هو المتأخر، و كلاهما بعيد جدا.

و من ثم كان ظاهر الموثق صحة الصوم و عدم وجوب القضاء، كما جري الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) علي ذلك فيما ورد في الناسي من نظائر التعبير المذكور، كموثق عمار الآتي و غيره.

و قد يستدل أيضا بصحيح عبد الصمد الوارد فيمن لبس قميصا حال الإحرام جاهلا، و فيه: «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» (1)، فإنه و إن كان منصرفا بدوا إلي معذرية الجهل، و نفي المؤاخذة و التبعية بالعقاب الأخروي أو الكفارة، إلا أن سوقه لبيان صحة الحج و عدم وجوب الإعادة ردا علي من أفتي له بذلك من العامة

ص: 156


1- وسائل الشيعة ج: 9 باب: 45 من أبواب تروك الإحرام حديث: 3.

و إن كان ناسيا للصوم فاستعمل المفطر لم يفطر (1) و كذا إذا دخل

______________________________

موجب لظهوره فيما يعم القضاء الذي قد يصدق عليه المؤاخذة توسعا.

كما يناسبه ما تقدم في صحيح معاوية بن عمار في النومة الثانية من قوله عليه السّلام:

«فليقض ذلك اليوم عقوبة» (1)، و ما تضمنته جملة من نصوص عدم قضاء الصلاة علي المغمي عليه من قولهم عليه السّلام: «كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر» (2). و لا ينافي ذلك عدم بطلان الحج حتي مع تعمد لبس القميص حال الإحرام، لإمكان تعدد الجهة المقتضية لعدم القضاء.

اللهم إلا أن يقال: لما كان تطبيق الحديث علي القضاء مبنيا علي التوسع، بتنزيله منزلة التبعة، فاللازم الاقتصار فيه علي مورده، و هو قضاء الحج، و لا يتعدي منه لغيره. و لذا لم يعرف منهم البناء علي عدم القضاء في سائر موارد الإخلال بالجزء أو الشرط للجهل بالحكم. فالعمدة الموثق.

نعم يختص ذلك بما إذا اعتقد المكلف- و لو غفلة- عدم المفطرية، دون ما إذا كان مترددا حين الفعل، لاختصاص الموثق بالأول، و لأنه الظاهر أو المتيقن من الجهالة في صحيح عبد الصمد لو تم الاستدلال به في المقام، لظهور الباء في قوله عليه السّلام:

«بجهالة» في السببية لا محض المصاحبة و المعية، و لا يكون الجهل سببا للعمل إلا مع الغفلة أو اعتقاد الصواب، أما مع الشك و التردد فالجهل لا يقتضي الإقدام، بل التوقف، و الإقدام معه يستند إلي أمر آخر من تسامح و تفريط، أو أصل أو نحوه مما يرجع إليه عند الشك في مقام العمل.

(1) بلا إشكال ظاهر، و عن المنتهي نفي الخلاف فيه، و في الخلاف و التذكرة دعوي الإجماع عليه، و عن المستند أن عليه الإجماع المحقق.

و النصوص به مستفيضة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل

ص: 157


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات، و ج: 7 باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم، و باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان.

جوفه قهرا بدون اختياره (1).

[(مسألة 24): إذا أفطر مكرها بطل صومه]

(مسألة 24): إذا أفطر مكرها بطل صومه (2)، و كذا إذا كان لتقية،

______________________________

عن رجل نسي فأكل و شرب ثم ذكر. قال: لا يفطر، إنما هو شي ء رزقه اللّه، فليتم صومه»(1)، و موثق عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينسي و هو صائم فجامع أهله، فقال: يغتسل، و لا شي ء عليه» (2)، و غيرهما.

(1) بلا خلاف أجده، كما في الجواهر. لعدم العمد الذي تقدم اعتباره في المفطرية. مؤيدا بعموم التعليل في خبر عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، و النكاح يفطر الصائم؟ قال: لأن النكاح فعله، و الاحتلام مفعول به» (3).

بل لا يبعد قصور إطلاق مفطرية المفطرات عنه، لاختصاصها أو انصرافها إلي ما يكون فعلا للمكلف، بحيث ينسب إليه. و حينئذ يكون مقتضي الأصل عدم مفطريته.

(2) كما في المبسوط و المسالك و الحدائق. لإطلاق أدلة المفطرات، المؤيد أو المعتضد بما ورد في الإفطار تقية (4) من التصريح بالإفطار في النصوص، بل في بعضها التصريح بالقضاء (5)، و ما ورد من تحمل الزوج الكفارة عن زوجته إذا أكرهها علي الجماع (6)، فإن تحمله الكفارة عنها يناسب إفطارها.

و صرح غير واحد بعدم الإفطار بذلك، بل نسب للأكثر. للأصل بعد انصراف دليل المفطرية عنه. و لحديث رفع الإكراه.

لكن الانصراف ممنوع. و حديث رفع الإكراه ظاهر في رفع المؤاخذة و نحوها

ص: 158


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 5.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

مما هو من سنخ التبعة، و لا يقتضي صحة الفعل الناقص، و لا عدم القضاء المترتب علي ذلك. و ما تقدم في صورة الجهل بالحكم، من ظهور بعض النصوص في كونه من سنخ التبعة توسعا، لا يكفي في عموم حديث رفع الإكراه له بعد عدم ظهوره في العموم بلحاظ التوسع المذكور.

هذا و قد يستدل لعدم وجوب القضاء بما ورد في تعليل عدم قضاء الصلاة علي المغمي عليه من أن ما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر (1)، بدعوي: أن مقتضي عموم التعليل عدم وجوب القضاء في المقام.

لكنه يشكل أولا: بعدم وضوح شموله للإكراه الذي لا يرتفع به الاختيار.

و ثانيا: بأن تطبيقه علي قضاء الصلاة، بتنزيله منزلة التبعة، التي ترتفع بالعذر لما كان علي خلاف القاعدة، فلا مجال للتعدي منه لقضاء الصوم.

و ثالثا: بأن مفاده عدم وجوب القضاء في فرض ترك العمل- و هو الصلاة قهرا، و الظاهر عدم بناء الأصحاب علي ذلك في المقام، لابتناء عدم وجوب القضاء عند القائلين به علي صحة الصوم و عدم فساده باستعمال المفطر إكراها، لا عدم وجوب القضاء بعد فرض المفطرية و بطلان الصوم.

نعم لا يبعد استثناء تعمد البقاء علي الجنابة و حدث الحيض و النفاس من ذلك، فيصح الصوم، و يجزي إذا كان ترك الغسل من جهة الإكراه، كما يناسبه صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل. قال: يتم صومه و يقضي ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماء يسخن أو يستسقي فطلع الفجر فلا يقضي صومه [يومه]» (2). و موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتي أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم» (3).

ص: 159


1- راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

إذا كانت التقية في ترك الصوم (1)، كما إذا أفطر في عيدهم تقية. أما لو كانت في أداء الصوم- كالإفطار قبل الغروب، و الارتماس في نهار الصوم- فالظاهر الإجزاء و عدم وجوب القضاء (2).

[(مسألة 25): إذا غلب علي الصائم العطش و خاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجا جاز أن يشرب بمقدار الضرورة]

(مسألة 25): إذا غلب علي الصائم العطش و خاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجا جاز أن يشرب بمقدار الضرورة (3)، و يفسد بذلك صومه (4)، و يجب عليه الإمساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

______________________________

لظهور الأول في عدم مفطرية البقاء علي الجنابة لمحذور، كما لو خاف البرد علي نفسه، فانتظر تسخين الماء حتي طلع الفجر، و ذلك يجري مجري الإكراه. و ظهور الثاني في توقف فساد الصوم علي التواني في الغسل، و هو غير حاصل مع الإكراه.

(1) لعين ما سبق في الإكراه.

(2) علي ما تقدم الكلام فيه في المسألة التاسعة و العشرين من مباحث الوضوء.

(3) لعموم رفع الاضطرار و الحرج. و لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يصيبه العطش (1) حتي يخاف علي نفسه. قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتي يروي» (2). و معتبر المفضل بن عمر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن لنا فتيات و شبانا [فتيانا و بنات] لا يقدرون علي الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش.

قال: فليشربوا بقدر ما تروي به نفوسهم و ما يحذرون» (3).

(4) كما في العروة الوثقي، قال سيدنا المصنف قدّس سرّه في مستمسكه: «لاستعمال المفطر اختيارا، و أدلة رفع الاضطرار لا تصلح لتصحيح الصوم».

ص: 160


1- روي بلفظ (العطاش) في الكافي المطبوع حديثا، و في الوسائل عن الكليني. و روي بلفظ (العطش) في الفقيه منه، و في التهذيب عن الكليني، و فيه أيضا بسنده عن عمار، كما روي كذلك في المدارك و الجواهر، و هو الأظهر، لظهور قوله: «يصيبه» في عدم استحكام العارض المذكور، و العطاش مرض مستحكم. و لا أقل من كونه المروي في الفقيه و التهذيب بسندهما المعتبر عن عمار، مع سقوط رواية الكافي باختلاف النقل عنه.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2.

و أما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب (1).

______________________________

و يظهر من الوسائل صحة الصوم. و قال في الدروس بعد أن أشار للرواية:

«و فيها دلالة علي بقاء الصوم، و عدم وجوب القضاء، كما اختاره الفاضل».

و الوجه فيه: ظهور الحديثين في حلّ مشكلة الصيام في الفرض، و التخفيف عن الصائم بترخيصه برفع عطشه لحفظ نفسه، لا التضييق علي من حكمه الإفطار بمنعه عما لا يضطر إليه مع وجوب القضاء عليه من أجل إفطاره. و لذا لم يتعرض فيه للمنع عن سائر المفطرات، و لم ينبه فيه للقضاء. فهو ظاهر في بيان الصوم الاضطراري، لا تشريع إفطار للعاجز مبني علي التضييق عليه. فالمقام نظير ما إذا قال السائل: رجل لا يستطيع الوضوء من جرح في يده، فورد الجواب بغسل ما عدا موضع الجرح من اليد، حيث لا ريب في ظهوره في تشريع الوضوء الاضطراري المجزي، لا في وجوب الغسل تعبدا من دون أن يجزي عن الوضوء. و بذلك يخرج عما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من مقتضي القاعدة الأولية فساد الصوم.

كما يتعين الاقتصار علي مورد الحديثين، و هو العجز عن الصوم لخوف الضرر علي النفس. و عدم الاكتفاء بالحرج، لعدم نهوض قاعدة نفي الحرج بالإجزاء. بل مقتضاها عدم وجوب الصوم لو لا ما هو المعلوم من كثرة تعرض الصائم خصوصا في البلاد الحارة و مع طول النهار للحرج بسبب الجوع و العطش، بنحو يكشف عن قصور قاعدة نفي الحرج عن المقام من مورد عدم القدرة علي الصوم و عدم الاكتفاء بالحرج، لعدم نهوض قاعدة نفي الحرج بالإجزاء.

(1) لما كان الحكم الذي تضمنه الحديثان مخالفا للقاعدة لزم الاقتصار فيه علي مفادهما، و حيث لم يتضمن الأول فرض الصوم، و إنما استفيد من سياقه، فالمتيقن منه صوم شهر رمضان، لأنه الفرد الظاهر من الصوم الذي يشيع الابتلاء به، و لما هو المعلوم من حرمة شهر رمضان و أهمية صومه.

و أما الثاني فهو و إن تضمن عدم القدرة علي الصيام، إلا أن عدم التنبيه فيه علي وجوب الصوم عليهم قد يوجب انصرافه إلي خصوص صوم شهر رمضان الذي

ص: 161

______________________________

لا يحتاج وجوبه علي المسلم إلي تنبيه. و لا أقل من كونه المتيقن بلحاظ أهميته و ثبوت الحرمة له، و مقتضي ذلك الاقتصار في وجوب الإمساك مع بطلان الصوم عليه.

نعم بناء علي ما ذكرنا من أن مفاد الحديثين الاجتزاء بالصوم الناقص للاضطرار فالمناسب عمومه لكل واجب مضيق، و لا يختص بصوم شهر رمضان.

بل قد يدعي أن أهمية صوم شهر رمضان يقتضي العموم لغيره من الواجب المضيق بالأولوية. اللهم إلا أن تكون أهمية صوم شهر رمضان منشأ للاكتفاء بالصوم الناقص بعد تعذر التام. فتأمل جيدا.

ص: 162

[الفصل الثالث في الكفارة]

اشارة

الفصل الثالث تجب الكفارة بتعمد شي ء من المفطرات (1)، حتي القي ء علي

______________________________

(1) الظاهر عدم الإشكال فيه في الجملة. و يقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر. قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا … » (1)، و غيره.

و الإفطار لغة و إن كان هو الأكل و الشرب، و منه الفطور المقابل للسحور، إلا أنه أطلق في النصوص علي جملة من المفطرات، فإن كان الإطلاق المذكور حقيقيا كشف عن تبدل معني الإفطار شرعا، و أن المراد به إفساد الصوم، فينزل الإفطار في نصوص الكفارة علي المعني المذكور، لانصراف الاستعمال في كلام الشارع للمعني الشرعي مع وجوده. و إن كان مجازيا تنزيليا كان مقتضي التنزيل ثبوت حكم الإفطار له، و منه ثبوت الكفارة. و من ثم لا أثر مهم للكلام في ثبوت المعني الشرعي المذكور للإفطار و عدمه.

نعم قد يظهر أثره فيما لم يطلق عليه عنوان المفطر مما يفسد الصوم، فإن قيل بثبوت المعني الشرعي لزم البناء علي وجوب الكفارة بفعل الأمر المذكور، و إن قيل بعدم ثبوته تعين البناء علي عدم وجوبها به.

و دعوي: أن المعني الشرعي لو كان ثابتا فلا طريق لإثباته إلا إطلاق عنوان المفطر علي غير الأكل و الشرب من مفسدات الصوم. و حينئذ لا مجال لإحراز عمومه لكل مفسد، بل المتيقن منه ما يختص بما ثبت إطلاق المفطر عليه في كلام الشارع.

ص: 163


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

و حينئذ لا يظهر الأثر لثبوت المعني الشرعي للمفطر.

مدفوعة: بأنه حيث لا جامع عرفي بين الأمور المذكورة إلا إفساد الصوم تعين كون المستكشف من الإطلاقات المذكورة هو الوضع لكل ما يفسد الصوم، لا لخصوص ما أطلق عليه المفطر. و من هنا كان الظاهر ثبوت الثمرة المذكورة.

اللهم إلا أن يقال: إطلاق النصوص المتضمنة لثبوت الكفارة بالإفطار إن لم ينصرف لخصوص الأكل و الشرب فاللازم حمله عليهما، بقرينة معتبر الهروي الآتي في أول المسألة الثانية و الشارح لأدلة الكفارة، لقوله عليه السّلام فيه: «متي جامع الرجل حراما أو أفطر علي حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات … و إن كان نكح حلالا أو أفطر علي حلال فعليه كفارة واحدة» (1)، فإن عطف الإفطار علي الجماع و تعديته ب (علي) موجب لظهوره في عدم إرادة مطلق استعمال ما يفسد الصوم، بل خصوص الأكل و الشرب، و تعميم الحكم للجماع و نحوه لإلحاقه به، لا لدخوله في عنوان المفطر، بمعني ما يفسد الصوم.

و يؤيد ذلك حديث محمد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه عن الحجة (عجل اللّه فرجه): «فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه أن عليه ثلاث كفارات» (2). لاقتصاره في بيان موضوع الكفارة علي الطعام و الجماع، و عدم الاكتفاء فيه بعنوان المفطر، بمعني ما يفسد الصوم، غاية الأمر إلحاق الشراب بالطعام، لأنه من سنخه. فتأمل.

نعم في مضمر سليمان- الذي سبق عند الكلام في مفطرية الغبار اعتباره-: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمدا، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» (3)، فإن مقتضي تعليل وجوب الكفارة بأنه مفطر عموم وجوب الكفارة لكل مفطر.

(إن قلت): تقدم عدم العمل بالحديث المذكور في إثبات مفطرية ما تضمنه

ص: 164


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

(قلت): عدم العمل به في إثبات مفطرية ما تضمنه لا ينافي حجيته في إثبات الملازمة المذكورة بين المفطرية و وجوب الكفارة.

اللهم إلا أن يقال: لم يتضح من المضمر التعليل بمجرد المفطرية، بل لعل العلة هي المفطرية المماثلة لمفطرية الأكل و الشرب و النكاح، بأن يكون قوله: «مثل الأكل … » صفة ل (مفطر) و قيدا له، لا خبرا ثانيا ل (إن)، و لا سيما بملاحظة أن الأمور التي اشتمل عليها ملحقة بالأكل و الشرب عرفا، و من أفرادهما الخفية.

و من هنا لا مجال للبناء علي عموم وجوب الكفارة بكل مفطر، ليبتني الكلام في المقام علي ثبوت المعني الشرعي للمفطر و عدمه. و حينئذ يحتاج إثبات الكفارة في كل واحد مما يفسد الصوم للدليل، فنقول:

لا ريب في ثبوت الكفارة في الأكل و الشرب، لأنهما المتيقن من المفطر. و كذا في النكاح و ما ألحق به من تعمد البقاء علي الجنابة، و إنزال المني بفعل ما يوجب ذلك، لدلالة النصوص الكثيرة علي وجوب الكفارة فيها.

و أما البقاء علي حدث الحيض و النفاس فلا يخلو عن إشكال، لعدم ثبوت مساواتهما للجنابة علي ما أشرنا إليه في المسألة السابعة.

و ينبغي النظر في باقي المفطرات.

الأول: الكذب علي اللّه تعالي و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليه السّلام، و المعروف بين من قال بمفطريته- كما في الجواهر- وجوب الكفارة به. و لعله لإطلاق المفطر عليه في النصوص (1). بل في بعضها سوقه في ذلك في سياق الأكل و الشرب و النكاح.

لكن عرفت الإشكال في كفاية ذلك في ثبوت الكفارة. بل مقتضي معتبر الهروي عدمه. مضافا إلي موثق سماعة: «سألته عن رجل كذب في رمضان. فقال: قد أفطر، و عليه قضاؤه. فقلت: فما كذبته؟ قال: يكذب علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم» (2). إذ من الظاهر عدم سوقه لمجرد بيان المفطرية، بل للتنفير عن الكذب زائدا علي ذلك،

ص: 165


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

فالاقتصار فيه علي وجوب القضاء من دون تنبيه للكفارة مع أنها أشد في التنفير موجب لقوة ظهوره في عدمها.

الثاني: الارتماس في الماء بناء علي مفطريته، فقد صرح غير واحد بوجوب الكفارة به. بل في الغنية الإجماع عليه.

لكن يظهر من بعضهم وجود الخلاف فيه، بل في الشرائع و النافع و عن أبي الصلاح عدم وجوبها. و يقتضيه- مضافا إلي الأصل- معتبر الهروي. و مجرد الحكم بإفساد الصوم به لا ينهض بإثبات وجوب الكفارة به، لما سبق.

الثالث: إيصال الغبار الغليظ إلي الجوف بناء علي كونه مفطرا. فقد صرح غير واحد بوجوب الكفارة به، و هو المتعين للتصريح بذلك في حديث سليمان المتقدم آنفا الذي هو الدليل علي مفطريته.

الرابع: الاحتقان بالمائع. و ظاهر الشرائع عدم وجوب الكفارة به، بل عن السيد الإجماع عليه. و يقتضيه- مضافا إلي الأصل- معتبر الهروي بالتقريب المتقدم.

الخامس: تعمد القي ء. و في الشرائع و الوسيلة و غيرهما عدم وجوب الكفارة به، بل عن صريح الخلاف و ظاهر غيره الإجماع عليه، بل في الجواهر: «لم نعرف القائل بوجوبهما معا عليه منا».

و يقتضيه- مضافا إلي الأصل و معتبر الهروي- الاقتصار في جملة من نصوصه علي القضاء من دون إشارة للكفارة. بل في موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عن أبيه (عليهما السلام): «أنه قال: من تقيأ متعمدا و هو صائم فقد أفطر، و عليه الإعادة، فإن [و إن] شاء اللّه عذبه، و إن شاء غفر له» (1). فإن إناطة الخروج عن تبعة الذنب بمشيئة اللّه تعالي، من دون إشارة للكفارة التي من شأنها تكفير الذنب، ظاهر في عدم وجوبها. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 166


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 6.

الأحوط إذا كان الصوم مما تجب فيه الكفارة كشهر رمضان (1)، و قضائه بعد الزوال (2)، و الصوم المنذور المعين (3)، و لا فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به. نعم إذا كان يري أنه حلال فلا كفارة عليه (4). مقصرا كان أو قاصرا (5)، بخلاف المتردد في ذلك فإن عليه الكفارة (6).

[(مسألة 1): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة و صوم شهرين متابعين و إطعام ستين مسكينا]

(مسألة 1): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة و صوم شهرين متابعين و إطعام ستين مسكينا (7)،

______________________________

(1) و هو مورد النصوص المتقدمة أو المتيقن منها.

(2) لما كان دليل الكفارة فيه مختصا بالنكاح فغاية ما يمكن هو التعدي منه لكل ما يوجب الكفارة في شهر رمضان، دون بقية المفطرات.

(3) حيث كان دليل الكفارة فيه هو دليل الكفارة في النذر فمقتضي إطلاقه العموم لكل مبطل للصوم، و مناف للوفاء بالنذر و إن لم يكن مفطرا، كتعمد الإخلال بالنية.

(4) لموثق زرارة و أبي بصير المتقدم عند الكلام في فساد الصوم بذلك، فإن نفي الكفارة متيقن منه. و قد يدعي أن المنصرف منه الجهل بالمفطرية مع نية الصوم، و لا يعم الجهل بوجوب الصوم و حرمة الإفطار. لكنه لو تم فمن القريب جدا فهم عدم الخصوصية لذلك، خصوصا بلحاظ أن الكفارة من سنخ العقوبة و التبعة التي لا تثبت مع عدم التمرد للبناء علي الحلية.

(5) للإطلاق. و مجرد استحقاق العقاب في المقصر لا ينافيه.

(6) يظهر الوجه فيه مما تقدم في القضاء.

(7) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب و في كلام غير واحد أنه المشهور، بل في الانتصار أنه مما ظن انفراد الإمامية به.

و يشهد له جملة من النصوص، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر. قال: يعتق نسمة، أو

ص: 167

لكل مسكين مدّ (1)،

______________________________

يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا. فإن لم يقدر تصدق بما يطيق» (1)، و غيره.

و لأجلها يحمل ما اقتصر فيه علي الإطعام- كموثق سماعة الآتي- علي بيان أحد أفراد التخيير، أو أيسرها غالبا. و إلا فلا قائل بذلك. كما يحمل ما اقتصر فيه علي العتق أو تضمن الترتيب علي الاستحباب، أو بيان أطراف التخيير، بإلغاء مفهوم الشرط في الصوم و الصدقة، فإنه أقرب عرفا من حمل (أو) في النصوص الأولي علي التنويع و التقسيم، بل هو بعيد جدا لا يناسب السؤال عن الوظيفة في صحيح عبد اللّه بن سنان و غيره، إذ لا يكفي في جوابه بيان الوظيفة من دون تعرض لمحلها. و منه يظهر ضعف ما عن العماني من الترتيب، و حكي عن المرتضي في أحد قوليه، و عن محتمل الخلاف.

هذا و في موثق سماعة: «سألته عن رجل أتي أهله في رمضان متعمدا. فقال:

عليه عتق رقبة و إطعام ستين مسكينا و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم، و أني [و أين] له مثل ذلك اليوم» (2).

لكن عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي روايته هكذا: «عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم، و من أين له مثل ذلك اليوم؟» (3). بل ذكر في الوسائل أن الشيخ قدّس سرّه رواه هكذا، و إن لم أعثر عليه في التهذيبين و إنما الموجود فيهما الأول لا غير.

و كيف كان فلا مجال للتعويل علي الوجه الأول بعد ثبوت الاختلاف في رواية الحديث، و عدم ظهور القائل به. و لو ثبت فلا بد من حمله علي الاستحباب، لأنه أقرب عرفا مما في التهذيبين من حمل ال (واو) فيه علي التخيير، أو حمله علي من أتي أهله في حال يحرم إتيانها، كحال الحيض أو الظهار، كما لعله ظاهر.

(1) ففي الجواهر أنه المشهور- خصوصا بين المتأخرين- في سائر موارد

ص: 168


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 13.

______________________________

الإطعام في الكفارة. للنصوص الكثيرة الواردة في المقام، كموثق سماعة: «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: عليه إطعام ستين مسكينا مدّ لكل مسكين» (1)، و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، قال: عليه خمسة عشر صاعا، لكل مسكين مدّ بمد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أفضل» (2). و في بعض طرقه: «لكل مسكين مدّ، مثل الذي صنع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم».

و في صحيح عبد المؤمن الأنصاري الوارد في قصة الرجل الذي أتي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: «فأتي [فأتي. فقيه] النبي بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: خذ هذا [خذها. فقيه] فتصدق بها … »(3)، و ما ورد في كفارة قتل الخطأ (4)، و النصوص الكثيرة الواردة في كفارة اليمين (5)، بضميمة عدم الفصل المدعي في المقام.

نعم قد اختلفت النصوص في تحديده بالصاع، ففي صحيح جميل في قصة الرجل الذي أتي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: «فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا» (6)، و في معتبر عبد الرحمن: «يتصدق بعشرين صاعا» (7) و في صحيح محمد بن النعمان: «كفارته جريبان من طعام، و هو عشرون صاعا» (8).

إلا أن الظاهر ابتناؤه علي اختلاف قدر الصاع باختلاف الأعراف، كما يشير إليه في الجملة صحيح جميل المتقدم و غيره (9). و كيف كان فهو غير مهم في المقام بعد أن كان المأمور به في المقام هو المد.

هذا و في النهاية و التبيان و الوسيلة و مجمع البيان و عن الإصباح أنه يطعم

ص: 169


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12، 10، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12، 10، 5.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 12، 10، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 10 من أبواب الكفارات حديث: 1.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 15 باب: 20، 14، 12 من أبواب الكفارات.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 4، 6.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 4، 6.
8- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 4، 6.
9- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

و هو يساوي ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا (1).

______________________________

مدين، فإن لم يقدر فمد. بل في التبيان و مجمع البيان نسبته لأصحابنا، كما نسب للمبسوط و الخلاف أيضا مدعيا في الثاني الإجماع عليه لكن الموجود فيهما ظاهر في التردد بين الروايتين.

و كيف كان فيشهد لهم في الجملة صحيح أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام: «في كفارة الظهار قال: تصدق علي ستين مسكينا ثلاثين صاعا، لكل مسكين مدين مدين» (1)، بدعوي الجمع بينه و بين نصوص المدّ بحمله علي صورة القدرة علي المدين، و حملهما علي صورة العجز عنهما.

لكن الحمل المذكور بلا شاهد، بل هو بعيد عن نصوص المدّ الكثيرة جدا.

خصوصا مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جل [من أوسط ما تطعمون أهليكم] قال: هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ و منهم من يأكل أكثر من المدّ و منهم من يأكل أقل من المدّ. فبين ذلك … » (2).

و حينئذ فحيث كان صحيح أبي بصير واردا في كفارة الظهار- كما هو مورد كلام بعض من تقدم- فإن أمكن الاقتصار علي مورده، لعدم المعارض له فيه، فهو، و إن تعذر ذلك، لظهور عدم الفصل عند الأصحاب، تعين حمله علي الاستحباب، جمعا مع نصوص المدّ الكثيرة، نظير ما تضمن إضافة الحفنة للمدّ في صحيحي هشام و الحلبي (3). فلاحظ.

(1) تقدم في مستحبات الوضوء تسالم الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) علي أن المدّ ربع الصاع. و يقتضيه بعض النصوص المتقدمة هناك. و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع.

و المدّ رطل و نصف و الصاع ستة أرطال» (4)، و زاد المحقق قدّس سرّه فيه: «بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي» (5)، و صحيح الحلبي: «و الصاع أربعة

ص: 170


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 6، 3، 4، 10.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 6، 3، 4، 10.
3- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 6، 3، 4، 10.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 50 من أبواب الوضوء حديث: 1.
5- المعتبر ص: 268.

______________________________

أمداد» (1). و قريب منه معتبر الفضل ابن شاذان عن الرضا عليه السّلام (2)، و غيرها. و ما تضمن غير ذلك مؤول أو مطروح.

كما أن الصاع عبارة عن ستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي، فيكون المد رطلا و نصف بالمدني و رطلين و ربعا بالعراقي، كما هو المعروف بين الأصحاب المصرح به في صحيح زرارة المتقدم علي رواية المعتبر، و في حديث جعفر بن إبراهيم ابن محمد الهمداني- الذي لا يخلو عن اعتبار يلحقه بالحسان، علي ما تقدم في مبحث الكر-: «كتبت إلي أبي الحسن عليه السّلام علي يدي أبي: جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع … فكتب إلي: الصاع بستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي. قال:

و أخبرني أنه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة [درهما. عيون]» (3).

و مكاتبة إبراهيم أبيه- التي لا تخلو عن اعتبار علي ما تقدم هناك أيضا-:

«الفطرة عليك و علي الناس كلهم … تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة. و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، يكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما» (4)، و في خبر علي بن بلال: «كتبت إلي الرجل عليه السّلام أسأله عن الفطرة، و كم تدفع؟ قال: فكتب عليه السّلام:

ستة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي» (5).

و من المكاتبتين المتقدمتين يظهر أن الصاع ألف و مائة و سبعون درهما، و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف، و الرطل المدني مائة و خمسة و تسعون درهما، و الرطل العراقي مائة و ثلاثون درهما.

و قد تقدم في مباحث الكر أن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فيكون الصاع ثمانمائة و تسعة عشر مثقالا، و المد مائتين و خمسة مثاقيل إلا ربعا، و الرطل المدني مائة و ستة و ثلاثين مثقالا و نصفا، و الرطل العراقي واحدا و تسعين مثقالا.

كما تقدم أن المثقال أربع غرامات و ربع تقريبا، فيكون الرطل المدني خمسمائة و ثمانين و أقل من ربع الغرام و الرطل العراقي ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانون غراما تقريبا

ص: 171


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 12، 18.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 12، 18.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1، 4، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1، 4، 2.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1، 4، 2.

و كفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال (1) إطعام عشرة مساكين،

______________________________

و الصاع ثلاثة آلاف و أربعمائة و واحد و ثمانون غراما تقريبا. و المد ثمانمائة و سبعين غراما و ربعا تقريبا.

(1) أما حرمة الإفطار بعد الزوال فالظاهر التسالم عليه بينهم، كما يظهر من كلامهم في وجوب الكفارة به، و في المدارك أنه مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه خلافا. و النصوص به كثيرة، منها نصوص الكفارة الآتية. و منها موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، و يريد أن يقضيها، متي يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلي أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوي الصوم فليصم، و إن كان نوي الإفطار فليفطر … » (1)، و غيره.

هذا و في ذيل الموثق المذكور: «سئل فإن نوي الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: قد أساء، و ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (2)، و في موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان، فيكرهها زوجها عليا لإفطار، فقال: لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال» (3).

و ربما يدعي ظهور الأول في عدم الحرمة، كما قد يناسبه ما عن التهذيب من حمله علي نفي العقاب، و ظهور الثاني في الكراهة.

لكنه في غاية المنع، غاية الأمر عدم صراحتهما في الحرمة، لإمكان حمل الإساءة في الأول علي الكراهة، و كذا حمل: «لا ينبغي» عليها. و أما قوله في الأول: «و ليس عليه شي ء» فمن القريب حمله علي نفي الكفارة، فيعارض نصوصها، لا نفي الحرمة و العقاب، كما تقدم عن الشيخ، خصوصا بعد قوله: «قد أساء». فلاحظ.

هذا و عن ابن أبي عقيل و أبي الصلاح عدم جواز الإفطار حتي قبل الزوال.

و يدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت عن الرجل يقضي رمضان أله

ص: 172


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.

لكل مسكين مد، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام (1) و كفارة إفطار الصوم

______________________________

أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: إذا كان نوي ذلك من الليل، و كان من قضاء رمضان، فلا يفطر، و يتم صومه» (1). لكن لا مجال للخروج به عن النصوص السابقة. فليحمل علي كراهة الإفطار، أو يطرح.

و أما الكفارة فالمعروف منهم وجوبها، و جعله في الانتصار من متفردات الإمامية، و في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، للنصوص الآتية. و لم ينسب الخلاف فيه إلا للعماني. و يشهد له موثق عمار المتقدم. حيث يكون مقتضي الجمع بينه و بين نصوص الكفارة الحمل علي الاستحباب.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا من تعذر الجمع المذكور، للتناقض عرفا بين ثبوت الكفارة و نفيها. و لا سيما و أن استحباب الكفارة لا يناسب حرمة الإفطار. فهو غريب جدا، فإن حمل الأمر بالكفارة علي استحبابها غير عزيز، و لا ملازمة بين حرمة العمل و وجوب الكفارة عليه، لا عقلا، و لا عرفا. و قد التزم هو و غيره بنظير الجمع المذكور بين نصوص الكفارة في وطء الحائض المتسالم علي حرمته، و ما أكثر الموارد التي حمل فيها الأمر بالكفارة علي الاستحباب.

فالعمدة في وهن الموثق ظهور إعراض الأصحاب عنه، و شذوذ القول عندنا بمضمونه. و ربما يحمل علي التقية، لموافقته للعامة.

و أما الجمع بينه و بين نصوص الكفارة بحمله علي غير النكاح لاختصاصها به. فيشكل بظهور مفروغيتهم عن عدم الفرق بين النكاح و غيره من المفطرات.

(1) كما في النهاية، و نسب للمشهور، و في الانتصار أنه مما انفردت به الإمامية.

لصحيح هشام بن سالم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع علي أهله و هو يقضي شهر رمضان، فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام

ص: 173


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.

______________________________

ثلاثة أيام كفارة لذلك» (1)، و خبر بريد عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل أتي أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتي أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه، إلا يوم مكان يوم، و إن كان أتي أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق علي عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع» (2).

و اشتمال الأول علي التحديد بالعصر مع عدم القائل بذلك لا يمنع من الاستدلال به في تحديد الكفارة، إذ لا مانع من التفكيك في الحجية بين فقرات الحديث الواحد. و لا سيما مع قرب وقوع السهو في لفظ العصر. كما أن اشتمال الثاني علي الحارث بن محمد الذي لا نص علي توثيقه لا يقدح في الحجية بعد ظهور اعتماد الأصحاب علي الحديث، لكثرة من يفتي بمضمونه مقتصرا عليه أو بعد الجمع بينه و بين غيره من نصوص المقام.

هذا و في موثق زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان، فأتي النساء. قال: عليه من الكفارة ما علي الذي أصاب في شهر رمضان، لأن ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان» (3)، و في مرسل حفص: «عليه من الكفارة مثل ما علي الذي جامع في شهر رمضان» (4). و إطلاقهما مقيد بما تضمن اختصاص الحرمة و الكفارة بما بعد الزوال.

و الطعن في الأول بأن مبني الحكم فيه علي تنزيله اليوم منزلة شهر رمضان، و حيث لا يمكن الالتزام بذلك، لأن مقتضاه عدم الفرق بين ما قبل الزوال و بعده، فلا مجال للاستدلال به فلم يبق إلا الثاني الذي لا مجال للاستدلال به بعد إرساله.

مدفوع بإمكان حمل التنزيل المذكور في الأول علي خصوص حال وجوب الاستمرار في الصوم الذي هو بعد الزوال بقرينة بقية النصوص. و من ثم كان ظاهر الصدوق في المقنع و الفقيه العمل بالطائفتين معا الراجع للتخيير بين المضمونين، و نحوه حكي عن رسالة والده.

ص: 174


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

المنذور المعين كفارة يمين (1)، و هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مدّ، أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.

______________________________

و احتمل الشيخ في النهاية و التهذيبين حمل الثانية علي الإفطار مع الاستخفاف.

و به أفتي في الوسيلة. لكنه بلا شاهد، و لذا كان الأقرب الحمل علي التخيير مع كون الثاني أفضل، كما عن الشيخ.

هذا و في الغنية خير في الكفارة في المقام بين صيام ثلاثة أيام و إطعام عشرة مساكين. و به أفتي في الوسيلة في غير المستخف. و كأنه لحمل الطائفة الأولي علي التخيير، و هو كما تري، فإنها كالصريحة في الترتيب.

و أشكل من ذلك ما في المراسم و حكي عن جماعة من أنها كفارة يمين: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. فإنه بلا شاهد، و مخالف لجميع النصوص المتقدمة.

(1) لأن ذلك هو كفارة النذر مطلقا، كما في الشرائع- في كتاب النذر- و النافع و المسالك و حكاه عن الصدوق. كما حكي عن العلامة في التحرير و جماعة، و في الشرائع أنه الأشهر. لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن قلت: للّه علي، فكفارة يمين» (1)، و حديث حفص بن غياث أو موثقه عنه عليه السّلام: «سألته عن كفارة النذر، فقال: كفارة النذر كفارة اليمين … » (2).

و صحيح ابن مهزيار: «كتب بندار مولي إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب إليه- و قرأته-: لا تتركه إلا من علة. و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك. و إن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم علي سبعة مساكين»(3)، بناء علي أن سبعة محرفة عن عشرة، كما يناسبه ما في الفقيه من التعبير بمضمون الحديث مع إبدال سبعة بعشرة، و كذا ما في إحدي نسختي المقنع المطبوع.

ص: 175


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 1، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 1، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 4.

______________________________

بل في المسالك أنه الموجود في المقنع، قال: «هو عندي بخطه الشريف»، و حيث كان إطعام عشرة مساكين أحد أطراف التخيير في كفارة اليمين يصلح الصحيح شاهدا لها في قبال ما يأتي.

و عن الشيخين و أتباعهما و العلامة في المختلف و أكثر المتأخرين أنها كفارة إفطار شهر رمضان، و جعله في الانتصار من متفردات الإمامية، مدعيا- كالغنية إجماعهم عليه. لصحيح جميل عن عبد الملك بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

من جعل للّه عليه أن لا يركب محرما فركبه، قال: و لا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستين مسكينا» (1). و لا يقدح ضعف سنده- حيث لا نص منهم علي وثاقة عبد الملك بن عمر- بعد انجباره بعمل من عرفت.

نعم قد يشكل:

تارة: بظهور حال الراوي في عدم جزمه بجواب الإمام عليه السّلام بالوجه المذكور، بل قد تكون النصوص الأول قرينة علي خطئه في اعتقاده أن الجواب كذلك.

و أخري: بقرب الجمع بينه و بين النصوص الأول إما بالاقتصار فيه علي مورده من النذر علي ترك الحرام، لمناسبته للتغليظ في الكفارة، و إما بحمله علي أفضل فردي الكفارة.

و يظهر من الاستبصار الجمع بينها و بين هذا الحديث بحمل هذا الحديث علي القادر و حمل تلك النصوص علي العاجز، بقرينة خبر جميل ابن صالح عن أبي الحسن موسي عليه السّلام: «أنه قال: كل من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين» (2). لكنه بلا شاهد. و خبر جميل بن صالح- مع ضعفه- ظاهر في العجز عن أداء النذر المانع من انتقاده، لا العجز عن كفارته مع انعقاده و مخالفته و لا مجال للعمل به، فلا بد من حمله علي التقية أو الاستحباب.

و في النافع و ظاهر الشرائع و عن المرتضي و ابن إدريس و العلامة فيما عدا

ص: 176


1- الاستبصار ج: 4 ص: 53، و اللفظ له. التهذيب ج: 8 ص: 314. وسائل الشيعة ج: 15 باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 7.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 5.

[(مسألة 2): تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين]

(مسألة 2): تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين (1)،

______________________________

المختلف التفصيل بين نذر الصوم و نذر غيره، فكفارة الأول كفارة إفطار شهر رمضان، و كفارة الثاني كفارة اليمين، جمعا بين الطائفتين بذلك. لكنه بلا شاهد، بل هو لا يناسب صحيح ابن مهزيار المتقدم.

و استدل لهم في المسالك بما تضمن الأمر فيه بعتق رقبة، كصحيح ابن مهزيار:

«و كتب إليه يسأله يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما، فوقع ذلك اليوم علي أهله، ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه: يصوم يوما بدل يوم، و تحرير رقبة مؤمنة» (1)، و غيره (2).

و فيه: أن العتق أحد خصال كل من كفارة إفطار شهر رمضان و كفارة النذر، فلا ينهض ذكره بتعيين إحداهما.

هذا و في المراسم و عن الكراجكي أن كفارة حنث النذر كفارة ظهار، و هي مرتبة، العتق، ثم الصيام، ثم إطعام ستين مسكينا. و كأنه لظهور صحيح ابن مهزيار المتقدم و غيره مما تضمن الأمر بالعتق في وجوبه تعيينا، مع إلغاء خصوصية الصوم، و التعميم لجميع موارد حنث النذر.

لكن لا بد من رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب التعييني بقرينة النصوص الأخر الصريحة في التخيير، فليحمل الأمر به علي أنه من أجل كونه أحد الخصال الواجبة أو أفضلها.

و قد تحصل من جميع ما سبق: أنه لا خصوصية للصوم المنذور المعين، بل كفارة الإفطار فيه هي كفارة حنث النذر في سائر الموارد، و هي كفارة اليمين عملا بالنصوص السابقة من دون مخرج عنها.

(1) إجماعا حكاه غير واحد. لإطلاق أدلة الكفارة، بضميمة أصالة عدم التداخل المعول عليها، و التي تم منا الاستدلال عليها في لواحق الكلام في مفهوم الشرط من الأصول.

ص: 177


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3، 2.

لا في يوم واحد (1)،

______________________________

(1) كما عن جماعة، بل هو المشهور. لاختصاص أدلة الكفارة بما إذا كان مفطرا، إما صريحا أو انصرافا، كما يناسبه الأمر بالقضاء في جملة منها.

مضافا إلي أن النصوص علي طائفتين:

الأولي: ما تضمن عنوان الإفطار.

الثانية: ما تضمن عناوين خاصة من الأكل و الشرب و النكاح و غيرها. فإبقاء كل من الطائفتين علي ظاهره مستلزم لكون كل من العنوانين موجبا للكفارة المستلزم لتعدد الكفارة لو تحقق الإفطار بفعل واحد من تلك الأمور الخاصة، و حيث لا يمكن البناء علي ذلك تعين الجمع بينهما بتنزيل إحداهما علي الأخري، إما بإلغاء خصوصية الإفطار أو بإلغاء خصوصية العناوين الخاصة، و لا ريب في تعين الثاني.

و من هنا لا مجال لاستفادة التكرار من الإطلاق، كما عن المحقق الثاني في حواشي الشرائع، و في المسالك أنه الأصح إن لم يكن سبق بالإجماع علي خلافه.

و أشكل من ذلك ما في جامع المقاصد حيث عقب علي ما في القواعد من وجوب الإمساك علي من أفطر متعمدا تشبها بالصائمين بقوله: «ظاهره أنه حيث لا يكون الصوم مجزئا لا يعد صوما. و في عدة من الأخبار ما يدل علي أنه صوم. و من ثم تتعدد الكفارة بتعدد المفطر».

إذ فيه: أن مقتضي الجمود علي ظاهر التعبير بالصوم في النصوص المذكورة عدم بطلان الصوم و إن لم يكن مجزئا. و مرجع ذلك إلي عدم كون الأمور المذكورة مفطرات، لما هو المعلوم من التنافي بين الصوم و الإفطار، و لا يظن بأحد البناء علي ذلك.

علي أنه لو تم فإطلاق ما دل علي وجوب الكفارة بالمفطرات بعناوينها- من الأكل و الجماع و نحوهما- يقتضي تعدد الكفارة بتعددهما و إن لم يكن المكلف صائما، و لا يتوقف علي كون الإمساك صوما حقيقيا، كما يظهر من كلامه السابق. كما أن ما دل علي وجوب الكفارة بالإفطار لا بد من تنزيله حينئذ علي وجوبها بفعل هذه الأمور

ص: 178

إلا في الجماع فتكرر (1) علي الأحوط وجوبا. و من عجز عن الخصال الثلاث تخير بين صوم ثمانية عشر يوما و بين أن يتصدق بما يطيق (2) و الأحوط

______________________________

بعناوينها أيضا لا بعنوان كونها مفطرات، فيكون مقتضي إطلاقه أيضا تعدد الكفارة بتعددها و إن لم يكن المكلف صائما، خلافا لما يظهر منه. فلاحظ.

(1) كما عن السيد المرتضي و المستند. إما للإطلاقات التي عرفت الكلام فيها.

أو لرواية الفتح بن يزيد الجرجاني: «أنه كتب إلي أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات. قال: عليه عشر كفارات، لكل مرة كفارة. فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد»(1). و نحوها في تعدد الكفارة بتعدد الوطء مرسلتان أخريان (2) لعلهما عينها.

و لكن ضعفها مانع من التعويل عليها، خصوصا مع عدم إيداعها في كتب الحديث المشهورة التي عليها مدار الفتوي، و إنما ذكرت في الخصال و العيون، و مع عدم حكاية مضمونها عن الأصحاب عدا المرتضي قدّس سرّه، فإن مثل هذا الحكم المخالف للقاعدة و الذي هو مورد للابتلاء لو كان ثابتا لشاع بينهم التعرض له.

(2) كما عن المختلف و الدروس، بل نسب التعبير بذلك للأكثر. للجمع بين نصوص المسألة، فإنها طائفتان:

الأولي: ما تضمن بدلية صوم الثمانية عشر يوما، و هو معتبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فلم يقدر علي الصيام، و لم يقدر علي العتق، و لم يقدر علي الصدقة. قال: فليصم ثمانية عشر يوما، عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (3)، و رواه في الاستبصار عن أبي بصير و سماعة عنه عليه السّلام. و موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق، و لا ما يتصدق، و لا يقوي علي الصيام. قال: يصوم ثمانية عشر يوما،

ص: 179


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

______________________________

لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (1).

الثانية: ما تضمن بدلية الصدقة بما يطيق، كصحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام:

«في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر. قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا. فإن لم يقدر تصدق بما يطيق» (2)، و صحيحه الآخر عنه عليه السّلام: «في رجل وقع علي أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به علي ستين مسكينا، قال: يتصدق بقدر ما يطيق» (3).

و حينئذ يكون مقتضي الجمع بين الطائفتين رفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني، و حملهما علي بيان المجزي، بعد ظهور كل منهما في عدم وجوب ما زاد عليه، بنحو يتعذر الجمع بينهما بوجوب الجمع بين الأمرين.

لكنه- لو تم في نفسه- موقوف علي وحدة موضوع الطائفتين، و لا مجال له في المقام بعد اختصاص الثانية بكفارة إفطار شهر رمضان، و اختصاص الحديث الثاني من الأولي بكفارة الظهار، كما لا يبعد ظهور الأول منها في الكفارة المرتبة التي منها كفارة الظهار، بقرينة ما تضمنه من بدلية ثلاثة أيام عن كل عشرة مساكين، لظهوره في تعين الإطعام، و بدلية الصوم عنه، لا عن تمام خصال الكفارة المخيرة. و لو فرض فيه العموم لزم الجمع بينه و بين الطائفة الثانية بحمله علي غير كفارة شهر رمضان.

هذا و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب علي صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة، ما خلا يمين الظهار» (4).

و ظاهره بدلية الاستغفار عن الكفارة الواجبة بالأصل في عرض الأبدال المتقدمة.

و حمله علي الأعم منها و من الواجبة بدلا عن الكفارة. بعيد جدا لا يناسب ذكر خصال الكفارة الثلاث فيه. نعم قد يتجه ذلك في خبر داود بن فرقد عنه عليه السّلام أنه قال

ص: 180


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 8 من أبواب الكفارات حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
4- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 1.

اختيار الثاني. و يلزم التكفير عند التمكن (1) علي الأحوط وجوبا.

______________________________

في حديث: «و إلا استغفر اللّه و لا يعود، فإن الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلي شي ء من الكفارة» (1).

علي أنه لو أمكن في صحيح أبي بصير أيضا فلا مجال له في صحيح علي بن جعفر: «سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه» (2). لقوة ظهوره في عدم وجدان إطعام الستين، لا مطلق الإطعام. و حينئذ يكون مقتضي الجمع بينه و بين صحيحي بن سنان حملهما علي الاستحباب.

و دعوي: أن مقتضي الجمع بينها البناء علي وجوب الأمرين. ممنوعة: لقوة ظهور الطائفتين في بيان تمام الواجب المجزي عن الكفارة.

و منه يظهر ضعف الأقوال الأخر في المقام، و منها ما نسبه في التذكرة لعلمائنا من وجوب الثمانية عشر يوما، فإن لم يقدر تصدق بما وجد و صام ما استطاع، فإن لم يتمكن استغفر، و غير ذلك.

(1) كأنه لإطلاق دليل وجوب الكفارة بعد عدم كونه من الموقت، حيث يكفي في التكليف فيه القدرة عليه في تمام العمر مع حمل دليل البدلية علي خصوص العجز المستمر، كما هو الأصل في الأبدال الاضطرارية، حيث لا يتحقق موضوعها إلا بالعجز المستمر، فينكشف عدم الموضوع لها و عدم مشروعيتها بتجدد القدرة و إجزاؤها بعد فرض عدم مشروعيتها خلاف الأصل.

لكن ذلك خلاف ظاهر نصوص البدلية المتقدمة، لغلبة تعذر العلم بالعجز المستمر، فيبعد حمل النصوص المتقدمة عليه. و حملها علي العجز الظاهري

ص: 181


1- التهذيب ج: 8 ص: 321. و اللفظ له. وسائل الشيعة ج: 15 باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 9.

______________________________

للاستصحاب- بناء علي ما هو الظاهر من جريانه في الأمور الاستقبالية- بعيد جدا عن مساقها.

نعم في مصحح إسحاق: «الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه و ينوي أن لا يعود قبل أن يواقع، ثم ليواقع و قد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلي ما يكفر يوما من الأيام فليكفر» (1).

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و مورده و إن كان الظهار، لكن لا يبعد استفادة الحكم في غيره منه، كما يساعده الارتكاز العرفي. و لا سيما مع البناء علي وجوبه [يعني:

الاستغفار] مع فعل الكفارة، كما يظهر من بعض نصوص قصة الأعرابي الذي واقع أهله في شهر رمضان. و علي هذا فالمسقط للكفارة عدم الوجدان، لا فعل الاستغفار لأنه بدل».

لكن لا مجال للتعدي من الظهار لغيره بعد ما سبق في صحيح أبي بصير من خصوصية يمين الظهار في عدم كون الاستغفار كفارة له عند العجز عن كفارته، حيث يتعين حمل الاستغفار في المصحح علي قيامه مقام الكفارة في مسوغية الوطء، من دون أن يكون بدلا عنها في مقام الامتثال. و الأمر بالاستغفار مع الكفارة في صحيح جميل (2) الوارد في القصة التي أشار إليها قدّس سرّه ظاهر- بسبب الجمع فيه بين الاستغفار و التصدق- في الاستغفار اللازم من كل ذنب، لا الاستغفار الذي تضمنت النصوص بدليته عن الكفارة، الذي هو محل الكلام.

و من ثم كان الأقوي عدم وجوب الكفارة بتجدد القدرة عليها إذا كان المكلف قد استغفر عنها قبل تجدد القدرة عليها. نعم لا بد في بدلية الاستغفار من صدق العجز عن الكفارة عرفا، فلا يكفي العجز عنها مدة قليلة يعلم أو يتوقع تجدد القدرة بعدها.

ص: 182


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.

[(مسألة 3): يجب في الإفطار علي الحرام الجمع بين الخصال الثلاث المتقدمة]

(مسألة 3): يجب في الإفطار علي الحرام الجمع بين الخصال الثلاث المتقدمة (1).

______________________________

(1) كما هو صريح الفقيه و ظاهر التهذيبين و عن الجامع و جملة من كتب العلامة و الشهيدين و غيرهم. و لعله إليه يرجع ما في الوسيلة من أن من أفطر بالمحرم عليه ثلاث كفارات. لمعتبر الهروي: «قلت للرضا عليه السّلام: يا ابن رسول اللّه قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات، و روي عنهم أيضا كفارة واحدة، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال: بهما جميعا، متي جامع الرجل حراما أو أفطر علي حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم. و إن كان نكح حلالا أو أفطر علي حلال فعليه كفارة واحدة، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» (1).

و ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (يعني: عن المهدي): «فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه أن عليه ثلاث كفارات» (2).

و لا مجال للإشكال في سند الأول باشتماله علي عبد الواحد بن محمد بن عبدوس و علي بن محمد بن قتيبة اللذين لم ينص أحد علي وثاقتهما- كما ذكره بعض مشايخنا- و علي عبد السلام بن صالح الهروي الذي ذكر الشيخ أنه عامي.

لاندفاعه بأن عبد الواحد من مشايخ الصدوق المعتبرين حيث أكثر الرواية عنه مترضيا عليه. و أما علي بن محمد بن قتيبة فقد قال الشيخ في حقه: «تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوري فاضل»، و قال النجاشي في حقه: «عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال صاحب الفضل شاذان و راوية كتبه».

و دعوي: أن توصيف الشيخ له بأنه فاضل لا يدل علي الوثاقة، كاعتماد الكشي عليه، لما ذكره النجاشي من أن الكشي قد أكثر الرواية عن الضعفاء.

مدفوعة: بأن التنبيه علي فضيلة الراوي من دون قدح فيه ظاهر في مدحه بما

ص: 183


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.

______________________________

هو راو، بنحو يناسب الاعتماد عليه. و بالفرق الواضح بين رواية الكشي عن شخص و اعتماده عليه، إذ الاعتماد علي الشخص يتوقف- مع حسن النظر المناسب للفضيلة التي ذكرها الشيخ- علي الوثاقة، و إلا فكيف يعتمد علي من ليس بثقة؟!

مضافا إلي أن الصدوق قدّس سرّه روي في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام حديث محض الإسلام الذي كتب به الإمام الرضا عليه السّلام للمأمون عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السّلام، ثم رواه بطريق آخر فيه شي ء من الاختلاف، ثم قال: «و حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عندي أصح، و لا قوة إلا باللّه» (1).

و من الظاهر أنه لا منشأ لتصحيحه الحديث المذكور و ترجيحه علي الحديث الآخر إلا بلحاظ وثاقة رجال سنده، و لو لكونهم أوثق من رجال سند الآخر، مع وثاقة الكل.

و أما عبد السلام بن صالح فهو أبو الصلت الهروي الثقة العين الذي هو من خواص الإمام الرضا عليه السّلام. و لا ينبغي التأمل في خطأ الشيخ في دعوي كونه عاميا.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من الإشكال في سند الثاني بإرساله، لعدم ذكر الواسطة بين الصدوق و محمد بن جعفر الأسدي. مع عدم كونه من مشايخه، بل لعله لم يدركه.

لاندفاعه أيضا بقرب عصر الصدوق من عصر محمد بن جعفر، و لا يبعد اطلاعه علي نسبة مثل هذه الرواية لصاحبها حسا، لكونها مكاتبة غير متصرمة.

قال في الفقيه: «و أما الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا: أن عليه ثلاث كفارات، فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه، لوجودي ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي (رضوان اللّه عليه) فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس اللّه روحه») (2).

ص: 184


1- عيون أخبار الرضا ج: 2 ص: 126.
2- من لا يحضره الفقيه ج: 2 ص: 74، 73.

[(مسألة 4): إذا أكره زوجته علي الجماع في صوم رمضان كان عليه كفارتان، و تعزيران]

(مسألة 4): إذا أكره زوجته علي الجماع في صوم رمضان كان عليه كفارتان، و تعزيران: خمسون سوطا، فيتحمل عنها الكفارة و التعزير (1).

______________________________

علي أنه قدّس سرّه ذكر في مشيخة الفقيه سنده إلي أبي الحسن الأسدي المذكور، قال:

«و ما كان فيه عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي (رضوان اللّه عليه) فقد رويته عن علي بن أحمد بن موسي و محمد بن أحمد السناني و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤذن [المؤدب] عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي الكوفي (رضوان اللّه عليه)» (1).

و الرجال الثلاثة من مشايخه قدّس سرّه الذين روي عنهم مترضيا عليهم، و هو مناسب جدا لوثاقتهم. و لا أقل من الوثوق بالخبر الذي يجتمعون عليه، كهذا الخبر.

نعم قد يظهر من مكاتبة الجرجاني المتقدمة في المسألة السابقة عدم تعدد الكفارة بالإفطار علي الحرام.

لكن ضعف سندها مانع من الخروج بها عن الحديثين المتقدمين. علي أنه لو غض النظر عن ذلك فالأقرب الجمع بينهما و بينها بحملها علي وحدة الكفارة في مقابل تكررها، لا علي كونها مخيرة في مقابل كفارة الجمع، بل ذلك هو الظاهر منها بدوا. و لا مجال مع ذلك لرفع اليد بها عن ظاهر الحديثين المتقدمين، و حملهما علي الاستحباب.

(1) إجماعا كما عن جماعة. و يقتضيه حديث المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أتي امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: إن كان استكرهها فعليه كفارتان، و إن كان طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، و إن كان طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا، و ضربت خمسة و عشرين سوطا» (2).

قال في المعتبر: «الرواية في غاية الضعف. لكن علماؤنا ادعوا علي ذلك إجماع الإمامية. و مع ظهور القول بها، و نسبته للأئمة، يجب العمل بها … ».

ص: 185


1- من لا يحضره الفقيه ج: 4 ص: 76 من شرح مشيخة الفقيه.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة (1)، و لا تلحق بها الأمة (2)، كما لا تلحق بالزوج الزوجة إذا أكرهت زوجها علي ذلك (3).

[(مسألة 5): إذا علم أنه أتي بما يوجب فساد الصوم، و تردد بين ما يوجب فساد الصوم فقط أو يوجب الكفارة معه]

(مسألة 5): إذا علم أنه أتي بما يوجب فساد الصوم، و تردد بين ما يوجب فساد الصوم فقط أو يوجب الكفارة معه، لم تجب عليه (4).

و إذا علم أنه أفطر أياما و لم يدر عددها اقتصر في الكفارة علي القدر المعلوم (5)، و إذا شك في أنه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه إحدي الخصال (6)، و إذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو

______________________________

و ما ذكره من انجبار ضعف الحديث بعمل الأصحاب و إن كان صحيحا، إلا أن الظاهر صحة سند هذا الحديث، لأنه و إن رواه الكليني بسند فيه إبراهيم بن إسحاق الأحمر، الذي لم يوثق، بل ضعف، إلا أنه رواه الصدوق بسنده عن المفضل ابن عمر، و ليس في سنده إليه من يطعن فيه إلا محمد بن سنان الذي هو- كالمفضل بن عمر- ثقة علي الأظهر، علي ما تقدم مفصلا في مسألة تحديد مساحة الكر من مباحث المياه.

(1) كما نسب لنص الأصحاب. لإطلاق النص.

(2) لخروجها عن موضوع النص، لأن امرأة الرجل عرفا زوجته، لا كل من يحل له وطؤها. لكن الإنصاف أن فهم عدم الخصوصية للزوجة قريب جدا. بل قد يدعي إلحاق الأجنبية، بل الغلام. لكنه لا يخلو عن إشكال، لإمكان تداخل العقوبة و اندكاكها بعقوبة الحدّ. فلاحظ.

(3) لخروجه عن مورد النص. و لا مجال لفهم عدم الخصوصية، أو تنقيح المناط، لإمكان الفرق بضعف الزوجة أمام الزوج نوعا، دون العكس. كما يمكن أن يكون ضعفها سببا في تخفيف عقوبتها.

(4) للأصل.

(5) للأصل أيضا. و أما القضاء فيأتي الكلام فيه في المسألة الثانية من الفصل السابع.

(6) لأن في وجوب الجمع زيادة تكليف مدفوع بالأصل. مضافا إلي

ص: 186

كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة (1). و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا (2) و له الاكتفاء بعشرة مساكين (3).

______________________________

استصحاب عدم الإفطار علي الحرام، كأكل الميتة. و لا يعارض باستصحاب عدم الإفطار علي الحلال. إذ لو أريد بالاستصحاب المذكور نفي وجوب الكفارة الواحدة فهي واجبة قطعا. و لو أريد به إثبات وجوب الجمع فهو من الأصل المثبت.

(1) لأصالة البراءة من وجوب الكفارة بعد عدم العلم بها، لا تفصيلا و لا إجمالا، و إنما يعلم تفصيلا بوجوب قضاء يوم عليه، و يشك في وجوب الكفارة بدوا.

بل مقتضي استصحاب عدم إفطار يوم من شهر رمضان عدم وجوب الكفارة. و لا يعارض باستصحاب عدم إفطار يوم من القضاء، لعدم الأثر له، بعد جواز إفطاره قبل الزوال، و لا كفارة فيه.

(2) قطعا، إما لأنه تمام الواجب، أو لزيادته عليه.

(3) قال قدّس سرّه في مستمسكه: «إذ الشك المذكور يوجب العلم إجمالا بوجوب التصدق علي عشرة مساكين تعيينا، أو بوجوب الصدقة علي ستين مسكينا تخييرا بينه و بين العتق و صوم شهرين متتابعين، فالتصدق علي عشرة مساكين مما يعلم بتعلق الطلب به المردد بين التعيين و التخيير، و لأجل ذلك يعلم بتحقق الامتثال به، و يشك في وجوب الزائد عليه، فيرجع فيه إلي أصل البراءة».

لكنه يشكل بأن الشك المذكور يستلزم العلم الإجمالي بالتكليف و التضييق إما بعدم الاجتزاء بالعتق و الصيام أو بعدم الاجتزاء بإطعام العشرة. فكما لا يجتزأ بالعتق و الصيام من أجل العلم الإجمالي المذكور كذلك لا يجتزأ بالعشرة من أجله.

نعم لا مجال لذلك مع تعذر العتق و الصيام، إذ لا أثر للتضييق بالإضافة إليهما، بل يعلم حينئذ بوجوب الإطعام لا غير، و يتردد بين الأقل و الأكثر، فقد يتوجه الرجوع لأصالة البراءة في نفي الزائد.

ص: 187

[(مسألة 6): إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة]

(مسألة 6): إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة (1).

______________________________

اللهم إلا أن يقال: علي تقدير إفطار رمضان فالواجب ليس هو الإطعام مع الانحصار، لأن تعذر بقية أطراف الواجب التخييري إنما يقتضي تعين الامتثال بالمقدور منها عقلا، من دون أن يكون مكلفا به تعيينا شرعا، لعدم كون التعذر موجبا لتبدل حال التكليف في مقام الجعل، بل يبقي التكليف تخييريا. و حينئذ لا متيقن في البين، بل التكليف مردد بين وجهين من دون قدر مشترك بينهما يكون التكليف به متيقنا، و يشك في الزائد، و لا يحرز الفراغ عن التكليف المذكور إلا بإطعام الستين، فيتعين بمقتضي قاعدة الاشتغال.

(1) و كذا الحال في بقية الأعذار، كالمرض و الحيض، كما ذكره الشيخ و حكي عن ابن الجنيد، بل نسب للأكثر، و في الخلاف الإجماع عليه. و في الشرائع و التذكرة و المختلف أن هناك قولا بسقوط الكفارة، و اختاره في المختلف و القواعد و التذكرة، و نسبه في الجواهر لجملة من كتب العلامة. نعم استثني في التذكرة و المختلف السفر المقصود به إسقاط الكفارة، و في القواعد كل سفر اختياري، قال: «و لو كان اضطرارا سقطت علي رأي».

و كيف كان فمبني الكلام في المسألة أن عروض العذر مبطل للصوم من حينه، مع مشروعيته من أول الأمر، أو كاشف عن بطلانه و عدم مشروعيته من أول الأمر، نظير قيام البينة في أثناء النهار برؤية هلال العيد في الليلة الماضية.

و لا ينبغي التأمل- بعد النظر في الأدلة و الرجوع للمرتكزات- في الأول، فتشرع نية الصوم بل تجب مع العزم علي السفر في أثناء النهار و العلم به، و يصح الصوم لو اتفق عدم السفر، كما لا يجوز الإفطار بمجرد العلم بتحقق السفر، بل لا بد من الشروع في السفر و الوصول لحد الترخص. كما تضمنت النصوص أن المرأة تفطر حين تطمث (1)، لا أن الطمث كاشف عن عدم صحة صومها من أول الأمر.

ص: 188


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم.

______________________________

و دعوي: أن ذلك ليس صوما حقيقيا، بل إمساكا تأديبا، كإمساك من أبطل صومه. في غاية المنع، إذ لا موضوع للتأدب مع عدم شرعية الصوم و عدم التكليف به، كما هو الحال بعد السفر أو بعد الحيض و نحوه من موانع الصوم.

و لا ينافي ذلك كون الصوم هو الإمساك في تمام النهار بالشروط المعهودة من الحضر و الخلوّ من الحيض و نحوها- بنحو الارتباطية. إذ لا يراد بذلك إلا عدم مشروعية الصوم بعض النهار، مع كون الشروط المعهودة شروطا في البقاء علي الصوم، لا في أصل حدوثه، بحيث لا يشرع إلا بواجديتها في تمام النهار. و مع مشروعية الصوم يكون موضوعا لحرمة الإفطار، و لوجوب الكفارة به، و لا دليل علي مسقطية حدوث العذر لها بعد أن لم يكن كاشفا عن عدم مشروعية الصوم من أول الأمر، بحيث لا يتحقق معه الإفطار الذي هو موضوع للحرمة و لوجوب الكفارة.

نظير صحة الصلاة قبل عروض المبطل لها بحيث تترتب عليها الآثار، فيصح الائتمام واقعا، بحيث للمأموم نقل الائتمام لشخص آخر بعد عروض المبطل لصلاة الإمام، و تبطل صلاة الجمعة المتأخرة مع عدم تخلل المسافة المعتبرة بين الجمعتين و غير ذلك.

و يؤكد ذلك أمران:

الأول: أن طروء العذر لو كان موجبا لسقوط الكفارة لكثر السؤال عن ذلك و عن فروعه، لشيوع الابتلاء بذلك و شدة الحاجة لبيانه، خروجا عما هو المرتكز بدوا من عدم السقوط، فالسكوت عن ذلك في النصوص شاهد بجريان الأمر علي مقتضي المرتكزات القاضية بعدم السقوط.

الثاني: صحيح زرارة و محمد بن مسلم الوارد فيمن يهب المال الزكوي للتخلص من الزكاة، حيث تضمن أن من وهب المال بعد الحول لم تسقط عنه الزكاة، و قال عليه السّلام: «إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته، ثم يخرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه … و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء، بمنزلة من خرج ثم أفطر … » (1)

ص: 189


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 58 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

[(مسألة 7): إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة لم يتحمل عنها الكفارة]

(مسألة 7): إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة لم يتحمل عنها الكفارة (1)، و إن كان آثما بذلك (2).

______________________________

فإن السفر في آخر النهار و إن لم يكن عذرا مسوغا للإفطار، إلا أن مساق الكلام يناسب إلغاء خصوصية كونه في آخر النهار، و أن المقصود بيان عدم سقوط التكليف الثابت بفقد الشرط بعد ثبوته. و لعل التعبير بآخر النهار غفلة من الراوي بسبب النقل بالمعني. علي أن قوله عليه السّلام في ذيله: «بمنزلة من خرج ثم أفطر» ظاهر في انحصار التخلص من الكفارة بالإفطار بعد السفر.

هذا و أما الاستثناء المتقدم من التذكرة و المختلف و القواعد فلم يتضح وجهه.

نعم قال في التذكرة: «و إلا لزم إسقاط الكفارة عن كل مفطر باختياره، و الإقدام علي المحرمات».

و هو- كما تري- لا يرجع إلي محصل ينهض بالخروج عن دليل الإسقاط، لو تم.

(1) لقصور النص السابق عنه، و عدم وضوح إلحاقه بعد احتمال خصوصية كونه صائما في تغليظ العقوبة عليه، حيث يكون بفعله منتهكا لحرمتين. و منه يظهر الإشكال في عموم الحكم لما إذا كان مفطرا لا لعذر، لأنه لا يكون بجماعه منتهكا لحرمتين، حيث قد انتهك إحداهما قبله. نعم لو قلنا بأن الجماع من المفطر بغير عذر موجب للكفارة فقد يتجه الإلحاق. و إن لم يخل عن إشكال.

(2) لأن الإكراه لما لم يكن رافعا لملاك حرمة الإفطار، بل لفعلية الحرمة في حق المباشر لا غير، كانت حرمته مقتضي المرتكزات المتشرعية، نظير حرمة التشجيع علي الحرام المستفادة بالأولوية العرفية مما دل علي وجوب إنكار المنكر، لما فيها من انتهاك حرمة المولي ارتكازا. مضافا إلي أن ذلك مقتضي قاعدة سلطنة المرأة علي نفسها بعد قصور حق الزوج في الاستمتاع عن منعها عن أداء الواجبات الشرعية.

ص: 190

[(مسألة 8): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوما كانت أو غيره]

(مسألة 8): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوما كانت أو غيره (1)، و في جوازه عن الحي إشكال (2)، و الأحوط العدم خصوصا في الصوم، و إن كان الأقوي الجواز في غير الصوم و المنع فيه.

______________________________

(1) بلا إشكال ظاهر، و لا خلاف يعتد به. و يقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة للحث علي صلة الميت بوجوه البر من الأعمال البدنية، كالصلاة و الصوم، و المالية، كالزكاة و الصدقة و وفاء الدين (1).

(2) كأنه لظهور الأدلة في اعتبار المباشرة المستفاد من نسبة الفعل للمكلف، و لذا اعتبرت المباشرة في كثير من الواجبات، و احتاج الاجتزاء بعمل الغير للدليل.

لكن الظاهر بناء العرف علي الاجتزاء بفعل الغير إذا كان الغرض من التكليف عرفا محض تحقق الفعل في الخارج بلحاظ منفعته، سواء كان ماليا أم بدنيا، فإذا ألزم السلطان أو المولي شخصا ببذل مال أو عمل للانتفاع به، أو تعاقد جماعة بينهم علي قيام كل منهم بعمل لأجل ذلك، أمكن تبرع الغير عنه بذلك، حتي لو لم يوكله فيه و لم يستأذن إلا مع النص علي اعتبار المباشرة فيه.

و كذا إذا لم يتحقق غرض العمل بفعل الغير ارتكازا، لكون الغرض منه ترويض النفس، كما في العبادات البدنية كالصلاة و الصوم.

و من ثم يتجه التفصيل الذي في المتن، و جري عليه في الشرائع، لأن مقتضي الإطلاقات المقامية جريان الامتثال المسقط للتكليف علي ما عليه عمل العرف نبعا لمرتكزاتهم.

و لو لا ما ذكرنا أشكل الاكتفاء في الواجبات المالية- كالعتق و الصدقة في المقام و غيرهما- بالتوكيل إذا أريد به إيقاعها من مال الوكيل من دون ضمان الموكل، و بقيام

ص: 191


1- راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 28 من أبواب الاحتضار، و ج: 5 باب: 12 من ابواب قضاء الصلوات، و ج: 6 باب: 22 من أبواب المستحقين للزكاة، و ج: 8 كثير من أبواب النيابة في الحج، و ج: 9 باب: 51 من أبواب الطواف، و ج: 13 باب: 30 من أبواب الدين و القرض، و كثير من أبواب الوصايا، و غير ذلك.

[(مسألة 9): في كون وجوب الكفارة موسعا إشكال]

(مسألة 9): في كون وجوب الكفارة موسعا إشكال. و الأحوط المبادرة إليها (1).

______________________________

المكلف بها من مال الغير إذا لم يبتن علي تملكه له قبل إيقاعهما، أو ضمانه له بإيقاعها، لانصراف الخطاب بالواجبات و المستحبات المالية إلي القيام بها من مال المكلف.

و لذا يكون التكليف بها ماليا يقتضي خسارته بنظر العرف، لا بدنيا متوقفا علي المال، كالصلاة التي قد تتوقف علي بذله. كما يكون المعيار في القدرة عليها و في التكليف بها واجديته للمال، فتسقط بفقره، كما تشرع أبدالها الاضطرارية به، و لا يكفي في التكليف بها مجرد قدرته عليها، و لو بالطلب من الغير بأن يقوم بها أو يبذل المال من أجلها.

فظهور مفروغيتهم عن جواز القيام بها من مال الغير يبتني علي ما ذكرنا من مشروعية التبرع فيها.

مضافا إلي أنه المستفاد من قوله عليه السّلام في موثق أبي بصير الوارد في كفارة الظهار:

«فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: أنا أتصدق عنك، فأعطاه تمرا لإطعام ستين مسكينا، قال:

اذهب فتصدق بها» (1). لظهوره في أن من عليه الكفارة وكيل عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في التصدق عنه، تبعا لظهور قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم: «أنا أتصدق عنك» في تبرعه صلي اللّه عليه و آله و سلم عنه بالتصدق.

(1) علله قدّس سرّه بأن مقتضي كونها كفارة للذنب وجوب المبادرة إليها عقلا، نظير وجوب المبادرة إلي التوبة، حيث قد يكون ذلك منشأ لانصراف الأدلة للفورية.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من عدم كون الكفارة من التوبة في شي ء، و إن أو همه تسميتها بالكفارة، بل التوبة بالندم و العزم علي عدم العود، و لذا لا تجزي الكفارة عنها.

فهو لا يناسب عنوان الكفارة الذي شاع إطلاقه عليها في الكتاب و النصوص

ص: 192


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 2 من أبواب الكفارات حديث: 1.

[(مسألة 10): مصرف كفارة الإطعام الفقراء]

(مسألة 10): مصرف كفارة الإطعام الفقراء (1).

______________________________

و عند المتشرعة. كما لا يناسب ما تضمن أن الاستغفار كفارة، أو أفضل الكفارة (1).

مضافا إلي أن صريح جملة من النصوص أنها متممة للتوبة و الخلاص من تبعة الذنب أو شرط فيها، حيث ذكرت جوابا عن السؤال عن التوبة.

ففي مكاتبة محمد بن الحسن: «رجل حلف بالبراءة من اللّه و رسوله فحنث ما توبته و كفارته؟ فوقع عليه السّلام: يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ، و يستغفر اللّه عز و جل»(2)، و قريب منه صحيح عبد اللّه بن سنان (3)، و حديث الحضرمي 4.

و في صحيح ابن سنان الوارد في قتل العمد: «فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين، و أطعم ستين مسكينا، توبة إلي اللّه عز و جل» (4)، و في صحيح الحلبي فيمن قتل مملوكه: «يعجبني أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا، ثم تكون التوبة بعد ذلك» (5).

نعم قد لا يناسب ذلك ثبوت الكفارة في غير مورد الذنب، كقتل الخطأ، و صيد المحرم خطأ. إلا أنه لا بد من حمل إطلاق الكفارة عليه علي المجاز للمشاكلة، أو لأنها ترفع الحزازة الحاصلة من الفعل و إن لم تكن من سنخ التبعة و العقاب، من دون أن يخرج بذلك عما ذكرنا في كفارة الذنب. فلاحظ.

(1) بلا خلاف معتد به، بل ظاهر جملة من كلماتهم المفروغية عنه. فإن الكتاب المجيد و السنة الشريفة و إن اشتملت علي عنوان المسكين، إلا أن الظاهر المفروغية عن أنه مع إفراد أحد العنوانين- من الفقير و المسكين- يدخل فيه الآخر.

و هو المدعي عليه الإجماع صريحا و ظاهرا فيما عثرنا عليه، و حكي عن جماعة.

و هو المناسب لاتفاق النص و الفتوي علي صرف سهم المساكين من الخمس في فقراء

ص: 193


1- راجع وسائل الشيعة ج: 15 باب: 6، 12 من أبواب الكفارات.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 20 من أبواب الكفارات حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 28 من أبواب الكفارات حديث: 3، 4، 1.
4- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 28 من أبواب الكفارات حديث: 3، 4، 1.
5- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 29 من أبواب الكفارات حديث: 1.

إما بإشباعهم (1) و إما بالتسليم إليهم كل واحد مدّ، و الأحوط مدان (2).

______________________________

بني هاشم. و يناسبه في المقام صحيح إسحاق: «قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال: نعم» (1)

فما عن القواعد من الإشكال في إجزاء الإعطاء للفقير في غير محله. علي أنه محجوج بالأصل، لإجمال المسكين بنحو يحتمل كونه أسوأ حالا من الفقير، و يحتمل كونه أحسن منه، و يحتمل مساواته له، و مقتضي الأصل عدم اعتبار ما زاد علي الفقر.

بل مقتضاه- بناء علي ذلك- الاجتزاء بما دون الفقر، لو لا ما سبق.

(1) الظاهر عدم الإشكال و لا الخلاف فيه، كما يظهر من الجواهر. و المشهور- كما في الجواهر- الاكتفاء بالمرة، كما هو ظاهر الإطلاق في المتن و غيره. و يقتضيه صحيح أبي بصير: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن [أوسط ما تطعمون أهليكم] قال عليه السّلام: نعم ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك. قلت: و ما أوسط ذلك؟ فقال: الخل و الزيت و التمر و الخبز، يشبعهم به مرة واحدة … » (2)

و في المقنعة- في كفارة اليمين- و عن جماعة اعتبار الإشباع في تمام اليوم. و يشهد له مرسل العياشي عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير الآية المتقدمة، قال عليه السّلام:

«ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوما» (3). لكنه- مع ضعفه- محمول علي الاستحباب جمعا.

و في المراسم أن أدني ما يطعم الواحد في اليوم مدّ. و كأنه للجمع بين دليلي الإشباع و المدّ بالتقييد. لكن الظاهر الجمع بالتخيير. و لذا لا إشكال ظاهرا في الاجتزاء بدفع المدّ.

و عن ابن الجنيد أنه يشبعهم في غدائهم و عشائهم. و لم نعثر علي دليله.

(2) علي ما تقدم الكلام فيه في المسألة الأولي من هذا الفصل عند الكلام في كفارة إفطار شهر رمضان.

ص: 194


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 18 من أبواب الكفارات حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 5.
3- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 1.

و يجزي مطلق الطعام من التمر و الحنطة و الدقيق و الأرز و الماش و غيرها مما يسمي طعاما (1).

______________________________

(1) كما ذكره غير واحد، و ادعي في الخلاف الإجماع عليه لإطلاق الإطعام الذي يراد به دفع الطعام.

لكن اعتبر غير واحد أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله، أو ما يغلب علي قوت البلد أو ما يغلب علي قوته، أو غير ذلك. و عن ابن إدريس و العلامة في التحرير التفصيل بين كفارة اليمين و غيرها، فيجزي في غيرها كل طعام، و أما فيها فلا يجزي إلا ما يطعم أهله.

و الأول هو المناسب للإطلاق في آية الظهار و في نصوص الكفارات، حيث لا إشارة فيها للتقييد المذكور و حملها علي كفارة اليمين خال عن الدليل.

و أما في كفارة اليمين فالآية الكريمة و إن تضمنت التقييد بأوسط ما تطعمون أهليكم، إلا أن النصوص قد اختلفت في الجهة الملحوظ فيها الوسطية. ففي صحيح أبي بصير المتقدم دليلا علي الإشباع أنها الوسطية من حيثية الجنس، و أنه الخلّ و الزيت و التمر و الخبز، يشبعهم مرة واحدة، و نحوه في الجملة غيره. و في غيرهما أنها الوسطية في المقدار، و أنه المدّ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جل مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قال: هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ، و منهم من يأكل أكثر من المدّ، و منهم من يأكل أقل من المدّ، فبين ذلك. و إن شئت جعلت لهم أدما، و الأدم أدناه ملح، و أوسطه الخل و الزيت، و أرفعه اللحم» (1)، و نحوه صحيح عبد اللّه بن سنان المروي في نوادر أحمد بن محمد بن عيسي، علي ما في هامش الوسائل في تعقيب صحيح الحلبي. فلاحظه.

أما الثاني فلا ينافي الإطلاق المتقدم. و كذا الأول، لاختصاصه بالإشباع، دون التصدق بالمدّ الذي هو محل الكلام. كما أنه في الإشباع قد حدد بالخلّ و الزيت

ص: 195


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 3.

______________________________

و الخبز و التمر. و المنصرف منه التحديد للأدني، فيجوز الإشباع بالأفضل. و الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم. غاية الأمر أنه لا يجزي الإدام الأدني، و هو الملح، كما تقدم في صحيح الحلبي. و لا مانع من الالتزام بذلك. بل لا يبعد التعدي لبقية الكفارات إذا اختير الإشباع، لفهم عدم الخصوصية بعد تعارف الإدام في الإشباع.

و مما تقدم يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من لزوم حمل التقييد بالأوسط من حيثية نوع الطعام علي الاستحباب، بقرينة قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «و إن شئت» الظاهر في نفي الوجوب. وجه الإشكال: أن صحيح الحلبي ظاهر في استحباب دفع الإدام مع المدّ في الصدقة، من دون تقييد له بالأوسط، بل مع التصريح بكفاية الأدني، و هو الملح. و هو لا ينافي وجوب الأوسط في الإشباع الذي تضمنه صحيحا أبي بصير و عبد اللّه بن سنان.

هذا و قد قال في الجواهر: «قد يقوي في النظر الاجتزاء بكل ما يؤكل و يسمي طعاما لو كان الامتثال بالإشباع، لإطلاق النصوص الاكتفاء بإشباعهم بما يسمي طعاما، الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل، فضلا عن الإطعام، الذي هو في العرف كذلك أيضا، فيصدق حينئذ بالإشباع من الفواكه و المربيات و غيرها مما هو أعلي منها أو أدني».

لكن الرجوع للعرف و اللغة يشهد باختلاف معني كل من الإطعام و الطعام، بنحو لا يمكن الجزم بأن مقتضي الإطلاق ما ذكره.

و مثله ما يظهر من بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن الإطعام لغة هو الإشباع، إذ يصعب إثبات ذلك من العرف و اللغة، بل لا يبعد كون الإشباع هو الإطعام الأكمل الذي قد يراد من الإطعام في بعض الاستعمالات و لو مجازا.

هذا مضافا إلي أمرين:

الأول: أن المفهوم عرفا رجوع الإشباع و التصدق لقدر جامع واحد، قد أريد في أدلة الكفارة، و ذلك يقتضي حمل الإشباع علي الإشباع بالطعام بالمعني الخاص المقابل للإدام، لأن ذلك هو المراد بالتصدق، كما اختاره هو قدّس سرّه تبعا للأصحاب، و هو

ص: 196

نعم، الأحوط في كفارة اليمين الاقتصار علي الحنطة و دقيقها و خبزها (1).

______________________________

المناسب لقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم: «و إن شئت جعلت لهم أدما».

الثاني: أن دليل الإشباع ينحصر بصحيح أبي بصير المتقدم، و هو قد تضمن الخبز و التمر. غاية الأمر التعدي عرفا لغيرهما من أنواع الطعام، و لا مجال للتعدي إلي مطلق المطعوم.

(1) للتقييد في نصوصها، فإن جملة من نصوصها و إن أطلق فيها المدّ، إلا أن جملة أخري منها قد اشتملت علي التقييد، ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في كفارة اليمين مدّ مدّ من حنطة و حفنة، لتكون الحفنة في طحنه و حطبه» (1)، و في صحيح البزنطي عن أبي جميلة عنه عليه السّلام فيها: «و الصدقة مدّ [مدّ] من حنطة لكل مسكين» (2)، و في خبر ابن سنان عنه عليه السّلام فيها: «مدّ من حنطة … » (3)، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام فيها: «لكل مسكين مدّ من حنطة أو مدّ من دقيق و حفنة» (4)، و في صحيح أبي حمزة الثمالي عنه عليه السّلام فيها: «كفارته إطعام عشرة مساكين مدّا مدّا دقيق أو حنطة … » (5).

و حملها علي التمثيل مع إلغاء خصوصية ما تضمنته خال عن الشاهد، بل الظاهر الجمع بينها و بين المطلقات بالتقييد. و لا سيما و أن غالب المطلقات قد أطلق فيه المدّ أو إطعام المدّ، و من القريب جدّا صرفه بقرينة نصوص التقييد إلي التحديد من حيثية الكم من دون نظر للنوع.

نعم عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في كفارة اليمين: «قال: أطعم رسول اللّه عليه السّلام عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ من طعام في أمر مارية» (6)، حيث أطلق فيه الطعام. لكنه وارد في قضية

ص: 197


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 4، 2، 8.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 4، 2، 8.
3- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 4، 2، 8.
4- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 1، 4.
5- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 1، 4.
6- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 3.

______________________________

خارجية لا إطلاق لها، و في التكفير عن اليمين قبل مخالفته حيث يجوز مخالفته، لا في كفارة حنث اليمين حيث تحرم مخالفته التي هي محل الكلام.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل في لزوم العمل بالتقييد المذكور، و الخروج به في كفارة اليمين عن إطلاق الإطعام و التصدق بالمدّ في بقية الكفارات.

بل عن المختلف التقييد بالحنطة و الدقيق في جميع الكفارات، و عن نهاية المرام و الكفاية أن الأولي الاقتصار عليهما. و كأنه لعدم الفصل عند الأصحاب بين جميع الكفارات. أو لإلغاء خصوصية كفارة اليمين في النصوص المذكورة، و حمل بقية الكفارات عليها.

لكن مجرد عدم ظهور الفصل بين من تصدي لتحرير الفتاوي بغير ألسنة النصوص لا يستلزم الإجماع الحجة علي عدم الفصل. و لا سيما مع اضطراب كلماتهم في الكفارات كثيرا. كما أن إلغاء خصوصية كفارة اليمين عرفا ممنوع جدا. و لا سيما مع اشتمال جملة من النصوص الواردة في إفطار شهر رمضان (1)، و صحيح أبي بصير الوارد في كفارة الظهار (2) علي التصدق بالتمر.

بقي في المقام أمران: الأول: أن نصوص التقييد السابقة بين ما اقتصر فيه علي الحنطة، و ما جمع فيها بينها و بين الدقيق. و الظاهر الجمع بينها بحمل الأولي علي إرادة جنس الحنطة، و حمل الدقيق في الثانية علي خصوص دقيق الحنطة، لأنه أقرب عرفا من رفع اليد عن ظهور الأولي في تعين الحنطة مع إبقاء الدقيق علي إطلاقه، بنحو يشمل دقيق غيرها. و عليه يجزي غير الدقيق مما أصله حنطة، كالخبز و البرغل، و نحو ذلك.

الثاني: أن التقييد في كفارة اليمين إنما يتم في التصدق و الإعطاء، دون الإشباع.

لاختصاص نصوص التقييد بالإعطاء. و لما تقدم في صحيح أبي بصير من ذكر التمر مع الخبز في الإشباع.

ص: 198


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 5، 7، 8.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 2 من أبواب الكفارات حديث: 1.

(مسألة 11): لا يجزي في الكفارة إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر، أو إعطائه مدين أو أكثر، بل لا بد من ستين نفسا (1). إلا مع تعذر العدد فيجزي التكرار (2).

(مسألة 12): إذا كان للفقير عيال فقراء جاز اعطاؤهم بعددهم إذا كان وليا عليهم أو وكيلا عنهم في القبض (3)، فإذا قبض شيئا من ذلك كان ملكا لهم، و لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كبارا، و إذا كانوا صغارا صرفه في مصالحهم كسائر أموالهم.

______________________________

(1) بلا إشكال ظاهر، و ظاهر الجواهر الإجماع عليه. و يقتضيه ظاهر ذكر العدد في الأدلة، و صريح صحيح إسحاق: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال: لا، و لكن يعطي إنسانا إنسانا، كما قال اللّه تعالي … » (1).

(2) في المشهور، بل لم أقف فيه علي مخالف صريح معتد به. كذا في الجواهر.

لموثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل و الرجلين فيكرر عليهم حتي يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم، ثم يعطيهم غدا» (2). و هو و إن ورد في كفارة اليمين. إلا أن خصوصيتها ملغية عرفا.

نعم ظاهره لزوم التفريق علي الأيام، فيلزم العمل علي ذلك، وقوفا علي مفاد النص في الخروج عن ظاهر الأدلة الأولية. من دون فرق بين الإعطاء و الإشباع.

و حمل الموثق علي الإشباع لا شاهد له. بل مورده الإعطاء، و حمل الإشباع عليه إنما هو لإلغاء خصوصيته.

(3) عملا بمقتضي الولاية و الوكالة.

ص: 199


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 16 من أبواب الكفارات حديث: 2، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 16 من أبواب الكفارات حديث: 2، 1.

[(مسألة 13): زوجة الفقير إذا كان باذلا لنفقتها علي النحو المتعارف لا تكون فقيرة]

(مسألة 13): زوجة الفقير إذا كان باذلا لنفقتها علي النحو المتعارف لا تكون فقيرة (1)، و لا يجوز اعطاؤها من الكفارة، إلا إذا كانت محتاجة إلي نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين و نحوه.

[(مسألة 14): تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين]

(مسألة 14): تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين (2)، و لا تتوقف البراءة علي أكله الطعام، فيجوز له بيعه عليه، و علي غيره (3).

[(مسألة 15): تجزي حقة النجف التي هي ثلاث حقق إسلامبول و ثلث عن ستة أمداد]

(مسألة 15): تجزي حقة النجف التي هي ثلاث حقق إسلامبول و ثلث عن ستة أمداد (4).

[(مسألة 16): في التكفير بنحو التمليك يعطي الصغير و الكبير سواء]

(مسألة 16): في التكفير بنحو التمليك يعطي الصغير و الكبير سواء، كل واحد مدّ (5).

______________________________

(1) لأنها تملك نفقتها علي الزوج، فتكون غنية بملكها. غاية الأمر أنه لا بد من بذل الزوج للنفقة أو قدرتها علي تحصيلها منه من دون حرج. لأن مجرد الملك لا يكفي في الغني و عدم الفقر، الذي هو موضوع الأدلة، بل لا بد من القدرة معه بالنحو الرافع للحاجة. و مثلها في ذلك زوجة الغني.

(2) هذا في الإعطاء للإطلاق. و لا مجال لذلك في الإشباع. بل تشكل مشروعية تمليكهم و تملكهم له، لعدم وضوح نسبة الإشباع معه للدافع. اللهم إلا أن يكون الأكل و الشبع شرطا في التمليك. فتأمل.

(3) لعموم سلطنته أو سلطنة وليه علي ملكه.

(4) تقدم في المسألة الأولي من هذا الفصل تحديد المدّ بثمانمائة و سبعين غراما تقريبا، فتكون الستة أمداد خمسة كيلوات و مائتين و عشرين غراما تقريبا، و هي أكثر من حقة النجف الأشرف بكثير.

(5) للإطلاق، و خصوص صحيح يونس عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء، و النساء و الرجال، أو تفضل الكبار علي الصغار، و الرجال علي النساء؟ فقال: كلهم

ص: 200

[(مسألة 17): يجب القضاء دون الكفارة في موارد]

اشارة

(مسألة 17): يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

[أحدها: ما مرّ من النوم الثاني و الثالث.]

أحدها: ما مرّ من النوم الثاني و الثالث.

[الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية]

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية (1) من دون استعمال

______________________________

سواء» (1)، هذا في الإعطاء.

و أما في الإشباع ففي موثق السكوني عن جعفر عن أبيه: «أن عليا عليه السّلام قال:

من أطعم في كفارة اليمين صغارا و كبارا، فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير» (2)، و في موثق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين، و لكن صغيرين بكبير» (3).

و لا يبعد حمل الأول علي ما إذا علم بقدر أكل كل من الصغير و الكبير، و الثاني علي ما إذا جهل مقدار أكلهما أو أكل أحدهما. و هما و إن اختصا بكفارة اليمين و ما ألحق بها، إلا أن التعدي عنها لبقية الكفارات قريب جدا.

(1) أما بناء علي ما سبق منا من اختصاص الكفارة ببعض المفطرات فظاهر.

و أما بناء علي عمومها لكل مفطر فلعدم وضوح صدق الإفطار بمجرد الإخلال بالنية.

بل كما كان ظاهر بعض النصوص صدقه بمجرد عدم نية الصوم أو نية عدمه، كقوله عليه السّلام في موثق عمار الوارد في النية: «فإذا زالت الشمس فإن كان نوي الصوم فليصم، و إن كان نوي الإفطار فليفطر» (4)، و قوله عليه السّلام في حديث عيسي: «و من أصبح و لم ينو الصيام من الليل فهو بالخيار إلي أن تزول الشمس إن شاء صام و إن شاء أفطر» (5).

كذلك ظاهر بعضها أن الإفطار إنما يكون باستعمال المفطر، كقوله عليه السّلام في صحيح محمد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل علي نفسه صياما، ثم ذكر الصيام قبل

ص: 201


1- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3، 2، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3، 2، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3، 2، 1.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 12.

المفطر (1).

[الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أكثر]

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أكثر (2).

______________________________

أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار … » (1). و لا سيما مع ظهور بعض نصوص الكفارة في ترتبها علي نفس مقارفة المفطر، لا علي النية السابقة عليه. و أظهر من ذلك ما إذا كان الإخلال بشروط النية، كالتقرب، و كما لو تحقق الرياء، حيث لا إشكال في عدم صدق الإفطار حينئذ، بل الصوم و إن كان باطلا.

بل ذكر ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه فيمن لم ينو الصوم و لم يستعمل المفطر، فادعي أنه يصدق في حقه أنه صائم و إن بطل صومه.

لكنه إنما يتم بناء علي صدق الصوم بمجرد ترك المفطر من دون حاجة للنية، و هو لا يناسب ما سبق منه عند الكلام في أول وقت النية من توقف صدق عنوان العمل علي نيته حتي في التوصليات، و ما سبق منا هناك من تقوم عنوان الصوم بالنية، لا بترك المفطر. فراجع. فالعمدة ما سبق.

(1) أما لو استعمله فلا إشكال في صدق الإفطار حينئذ، و لا يمنع من صدقه عدم نية الصوم. بل لعله متيقن من نصوص الكفارة، لملازمة تعمد استعمال المفطرات لعدم نية الصوم قبله.

(2) فقد تقدم في المسألة السابعة من فصل المفطرات وجود القول بين الأصحاب ببطلان الصوم و وجوب القضاء بذلك، للنصوص الخاصة، و إن تقدم منا الإشكال في ذلك، لوجود المعارض لتلك النصوص.

و كيف كان فالنصوص المذكورة قد اقتصر فيها علي القضاء، و قد يستظهر من ذلك نفي الكفارة مؤيدا بما في حديث المشرقي المتقدم عند الكلام في اعتبار العمد في المفطرية من إناطة وجوب القضاء و الكفارة معا بالعمد. و بانصراف نصوص الكفارة إلي كونها من سنخ العقوبة التي تناسب معذرية النسيان. و لا أقل من كون نفي الكفارة مقتضي أصالة البراءة. و من ثم كان الظاهر عدم الخلاف في ذلك.

ص: 202


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 5.
[الرابع: من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة و لا حجة علي طلوعه]
اشارة

الرابع: من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة (2) و لا حجة علي طلوعه. أما إذا قامت حجة علي طلوعه وجب القضاء

______________________________

(2) أما وجوب القضاء فهو المعروف بين الأصحاب، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه»، و في الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

و هو الذي تقتضيه القاعدة الأولية من عدم إجزاء العمل مع انكشاف الخلل فيه، لأن الصوم هو الإمساك عن المفطرات في تمام النهار، فمع انكشاف حصول بعضها في جزء منه يتعين بطلانه.

اللهم إلا أن يخرج عن ذلك بما يستفاد من بعض النصوص من صحة الصوم مع استعمال المفطر قبل العلم بالفجر، كمعتبر إسحاق بن عمار (1): «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: آكل في شهر رمضان بالليل حتي أشك. قال: كل حتي لا تشك» (2)، فإنه و إن ورد لبيان الحكم الظاهري غير المستلزم للإجزاء. إلا أنه يستفاد منه الإجزاء تبعا، لاهتمام السائل بالإجزاء، و غفلته عن التفريق بين جواز استعمال المفطر ظاهرا و الإجزاء لو انكشف الخلاف، فعدم التنبيه لعدم الإجزاء لو انكشف وقوع الأكل نهارا موجب لظهوره في الإجزاء.

مؤيدا ذلك أو معتضدا بتعليل القضاء في صورة عدم المراعاة في موثق سماعة المتقدم بأنه بدأ بالأكل قبل النظر، حيث يستفاد منه أن علة القضاء هو التفريط و التسامح في ترك النظر، لا أن أكله قد صادف النهار واقعا، كما علل بذلك في صوم القضاء(3).

فالعمدة في وجوب القضاء النصوص الخاصة الواردة في المسألة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن رجل تسحر، ثم خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبين. فقال: يتم صومه ذلك، ثم ليقضه» (4)، المحمول علي صورة عدم

ص: 203


1- بناء علي ما هو الظاهر من وثاقة كل من روي عنه محمد بن علي بن محبوب ممن اسمه أحمد. (منه عفي عنه).
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 49 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

المراعاة، جمعا مع مثل موثق سماعة: «سألته عن رجل أكل و شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان. قال: إن كان قام فنظر فلم ير الفجر، فأكل ثم عاد فرأي الفجر، فليتم صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و شرب ثم نظر إلي الفجر فرأي أنه قد طلع الفجر فليتم صومه، و يقضي يوما آخر، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» (1).

نعم يستثني من ذلك استعمال المفطر في أوائل طلوع الفجر بالمقدار اللازم عند الاستمرار في الأكل حتي يؤذن المؤذن العارف، الذي صرح بجوازه في موثق زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أذن ابن أم مكتوم لصلاة الغداة، و مرّ رجل برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و هو يتسحر، فدعاه أن يأكل معه. فقال: يا رسول اللّه قد أذن المؤذن للفجر. فقال: إن هذا ابن أم مكتوم، و هو يؤذن بليل، فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك» (2)، و نحوه في ذلك صحيح الحلبي (3) و غيره.

كما يدل عليه صحيح عيص بن القاسم الآتي في جماعة يتسحرون أخبرهم شخص بطلوع الفجر، فكف بعضهم، و ظن بعضهم أنه يسخر فأكل، لظهوره في عدم وجوب القضاء علي من كفّ عن الأكل، مع أنه قد استمر في الأكل حتي أخبر بطلوع الفجر، بنحو يستلزم وقوع شي ء من أكله بعد الفجر.

و عليه جرت السيرة، كما رتب الفقهاء عليه أن من فجأه الفجر لم يجز له ابتلاع الطعام الذي في فمه، كما يجب عليه النزع إذا كان مجامعا. فإن مقتضي ذلك وقوع شي ء من المفطر في أول طلوع الفجر لوضوح أن المؤذن العارف لا يؤذن حتي يتضح له الفجر، و لا يمسك من يريد الصوم حتي يلتفت إلي أذانه، و هو يكون بعد الفجر قليلا، فلو كان ذلك مبطلا للصوم لوقع الهرج و المرج، و احتيج للسؤال و ظهر الحال.

بل ذلك هو الظاهر من صحيح العيص بن القاسم الآتي، للاقتصار فيه في الحكم بوجوب القضاء علي من استمر في الأكل بعد الإخبار بطلوع الفجر دون من أمسك.

هذا و لا موضوع للمراعاة مع تعذر الاطلاع علی الفجر کما فی اللیالي القمرة

ص: 204


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 49 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 42 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

و الكفارة (1) و إذا كان مع المراعاة فلا قضاء و لا كفارة. سواء أخبر (2)

______________________________

و نحوها، و حينئذ قد يدعي لزوم البناء علي المفطرية لو صادف طلوع الفجر، عملا بإطلاق مثل صحيح الحلبي الشامل لصورة عدم المراعاة، لعدم الموضوع. و كذا مع تعذر المراعاة لحبس و نحوه، كما مال إليه في الجواهر، و عن المستند أنه الأقوي.

و يشكل بأن ظاهر التعليل في ذيل موثق سماعة أن وجوب القضاء بسبب التفريط في ترك المراعاة و التسامح في النظر، فيقصر عن الصورتين المذكورتين. علي أن ثبوت الإطلاق لمثل صحيح الحلبي بنحو يشمل الصورتين في غاية الإشكال، كما يظهر بالتأمل.

نعم يتجه الإطلاق في خبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «و سألته عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم في شهر رمضان، قال: يصوم يومه ذلك، و يقضي يوما آخر … » (1).

لكنه- لو كان حجة في نفسه- لا ينهض في قبال التعليل المذكور، بل يتعين حمله علي صورة التفريط بترك المراعاة. و لعله لذا كان المعروف بين الأصحاب عدم وجوب القضاء علي العاجز، بل في الرياض و الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه.

هذا و أما عدم وجوب الكفارة فالظاهر الاتفاق عليه. و يقتضيه الأصل. بل لا يبعد استفادته من الأدلة، لنظير ما تقدم في سابقه.

(1) إذ بعد إحراز النهار بقيام الحجة يكون من تعمد الإفطار في النهار. نعم لو انكشف خطأ الحجة فلا قضاء و لا كفارة، لعدم الموضوع. غاية الأمر استحقاق العقاب بسبب التجري.

(2) هذا راجع إلي قوله: «من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة».

فهو لبيان عموم وجوب القضاء مع عدم المراعاة للصور الآتية.

ص: 205


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

مخبر ببقاء الليل (1)، أو أخبر بطلوع الفجر و اعتقد سخريته (2) أم لا.

هذا إذا كان صوم رمضان، و في إلحاق الواجب المعين به (3) إشكال (4)،

______________________________

(1) كما هو مورد صحيح معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: آمر الجارية تنظر الفجر، فتقول: لم يطلع بعد، فآكل، ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت. قال: اقضه، أما إنك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء» (1).

من دون فرق في ذلك بين حجية الخبر و عدمه، لأن حجية الخبر- كاستصحاب بقاء الليل- إنما تقتضي المعذرية في تناول المفطر، من دون أن ينافي وجوب القضاء لو انكشف طلوع الفجر، الذي هو مقتضي النصوص المحمولة علي صورة عدم المراعاة أو المختصة بها.

و منه يظهر ضعف ما في جامع المقاصد و المسالك و المدارك من عدم القضاء مع قيام الحجة- كالبينة- علي عدم طلوع الفجر.

و أضعف منه ما عن غيرها من الاكتفاء في سقوط القضاء بخبر العدل الواحد، لاختصاص صحيح إسحاق بالجارية. إذ فيه: أن ظاهر الجواب فيه أن المدار في نفي القضاء علي المراعاة، و هو مقتضي إطلاق بقية النصوص في المقام. و لو لا ذلك لكان المناسب الاكتفاء بخبر الرجل الواحد و إن لم يكن عادلا، لقصور صحيح إسحاق عنه أيضا.

(2) كما هو مورد صحيح عيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحرون في بيت، فنظر إلي الفجر فناداهم أنه قد طلع الفجر، فكفّ بعض و ظن بعض أنه يسخر فأكل، فقال: يتم [صومه] و يقضي» (2).

(3) يعني: في صحة الصوم مع المراعاة.

(4) و الأظهر عدم الإلحاق، فيبطل الصوم حتي مع المراعاة، كما عن العلامة و غيره. لإطلاق قوله عليه السّلام في ذيل صحيح الحلبي المتقدم: «فإن تسحر في غير شهر

ص: 206


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

______________________________

رمضان بعد الفجر أفطر» (1). بعد قصور دليل الصحة مع المراعاة عن غير شهر رمضان.

أما موثق سماعة فظاهر. و أما صحيح معاوية فيمن أخبرته الجارية ببقاء الليل فلأنه و إن رواه في الفقيه كما سبق: «أقضه. أما لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء»، إلا أنه رواه في الكافي هكذا: «تتم يومك، ثم تقضيه. أما لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه».

فإن ترجح الثاني لأن الكافي أضبط- كما قيل- فهو مختص بشهر رمضان، للأمر فيه بإتمام الصوم، و إلا فلا طريق لإحراز صحة الأول، كي يتجه التمسك بإطلاقه.

و دعوي: أن الأمر بإتمام الصوم لا يقتضي الاختصاص بصوم شهر رمضان، بل يجري في مطلق الواجب المعين. مدفوعة: بأنه لا منشأ لاحتمال وجوب الإتمام في غير صوم شهر رمضان الذي ثبت حرمته في نفسه، و تظافرت النصوص بوجوب الاتمام فيه مع إبطال الصوم عمدا أو خطأ. و لا أقل من كون ذلك موجبا لكون شهر رمضان هو المتيقن من الموثق، و مانعا من انعقاد الإطلاق له بنحو يشمل غير صوم شهر رمضان من الواجب المعين.

علي أن الأمر فيه- علي كلتا الروايتين- بالقضاء من دون تقييد للصوم بما يجب قضاؤه قد يوجب انصرافه لشهر رمضان، لأنه الصوم المعهود وجوب قضائه، و المنذور المعين و إن ورد وجوب قضائه إلا أنه مغفول عنه.

هذا مضافا إلي إطلاق ما ورد في قضاء شهر رمضان، كمعتبر إسحاق بن عمار: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا، أفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك يوما آخر، أو أتم علي صوم ذلك اليوم و أقضي يوما آخر؟ فقال: لا، بل تفطر ذلك اليوم، لأنك أكلت مصبحا و تقضي يوما آخر» (2)، و غيره. فإن إطلاقها شامل لما إذا تعين القضاء بضيق الوقت. و لا إشكال في أن ظهوره في الإطلاق أقوي من ظهور صحيح معاوية بن عمار فيه. و لا سيما بلحاظ عموم التعليل في معتبر إسحاق. و من ذلك يظهر ضعف ما في المدارك من إلحاق

ص: 207


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 3.

و الأحوط فيه الإتمام (1) و القضاء إن كان مما فيه القضاء. و الأقوي في الواجب غير المعين و المندوب البطلان (2).

الخامس: الإفطار قبل دخول الليل لظلمة ظن منها دخوله و لم يكن في السماء غيم، بل الأحوط إن لم يكن أقوي وجوب الكفارة (3).

______________________________

الصوم الواجب المعين بصوم شهر رمضان.

(1) بنية الصوم رجاء، لاحتمال صحة الصوم، تحقيقا للاحتياط المناسب للإشكال المتقدم منه قدّس سرّه. و ليس مراده الإتمام تأدبا، كما في صوم شهر رمضان إذا بطل، لعدم مناسبته للإشكال المذكور.

(2) لإطلاق صحيح الحلبي المتقدم، و خصوص ما تقدم في قضاء شهر رمضان (1)، مع قصور ما تضمن صحة الصوم مع المراعاة عن الواجب غير المعين و عن المندوب، كما يظهر مما سبق.

(3) لعدم حجية الظن، و حيث كان مقتضي الاستصحاب بقاء الليل يكون فعل المفطر من تعمد الإفطار في النهار تعبدا، فيدخل في عموم دليل الكفارة.

نعم في صحيح زرارة أو موثقه عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر، ثم أبصر الشمس بعد ذلك. قال: ليس عليه قضاء» (2)، و في حديث الكناني: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت و في السماء غيم، فأفطر، ثم إن السحاب انجلي فإذا الشمس لم تغب. فقال: قد تم صومه و لا يقضيه» (3)، و قريب منه خبر زيد الشحام (4) و هي قد تنافي ما سبق.

لكن الظاهر انصرافها إلي الظن الذي يترتب عليه العمل بطبع الإنسان غفلة عن كونه ظنا ليس بحجة، لظهوره في المفروغية عن ترتب العمل علي الظن في المقام، من دون تحديد لمسوغ العمل. بل ذلك في الحقيقة قطع بدوي، بسبب ذهول الإنسان

ص: 208


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 3، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 3، 4.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 2، 3، 4.

______________________________

عن الاحتمالات الأخر. و لا ينافيه التعبير عنه بالظن، لشيوع إطلاقه في اللغة و العرف علي كل بناء و رأي بدوي لا يستند لدليل.

و حينئذ يناسب النصوص المذكورة إطلاق صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام:

وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة، و مضي صومك. و تكفّ عن الطعام، إن كنت [قد] أصبت منه شيئا» (1)، فإن عدم التعرض فيه لمسوغ العمل ظاهر في إرادة كل ما يسوغ معه العمل من قطع بدوي، أو برهاني، أو دليل شرعي. و من هنا يتعين البناء في جميع ذلك علي عدم القضاء- فضلا عن الكفارة- و لو مع عدم الغيم. لإطلاق حديثي زرارة.

و أما مع الالتفات لحال الظن و التردد حين العمل فالنصوص قاصرة عن إثبات جواز الإفطار ظاهرا، فضلا عن صحة الصوم حينئذ لو صادف بقاء النهار حتي مع الغيم، لما ذكرنا من الانصراف، فإنه يجري حتي في النصوص المتضمنة لذكر الغيم لو تم سندها.

هذا و في صحيح أبي بصير و سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنه الليل، فأفطر بعضهم، ثم إن السحاب انجلي فإذا الشمس. فقال: علي الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن اللّه عز و جل يقول: و أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَي اللَّيْلِ. فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا» (2)، و مقتضاه بطلان الصوم و وجوب القضاء حتي مع القطع بدخول الليل، فيعارض النصوص السابقة.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من حمله علي وجوب إتمام الصوم في بقية اليوم بعد ظهور الشمس. فهو بعيد جدا، بل ذيله كالصريح فيما ذكرنا. و مثله حمله علي استحباب القضاء، لعدم مناسبته للاستدلال فيه بالآية الشريفة و للتعليل بأنه أكل متعمدا فالظاهر استحكام التعارض.

نعم تترجح النصوص الأول بالشهرة في الرواية، لأنها أكثر عددا، و بمخالفة

ص: 209


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

نعم إذا كان غيم فلا قضاء و لا كفارة (1). و الأحوط اعتبار المراعاة مع الغيم أيضا في ذلك (2). و أما العلة التي تكون في السماء غير الغيم ففي

______________________________

العامة، حيث نسب لهم في التذكرة وجوب القضاء.

(1) مما سبق يظهر عدم الفرق بين وجود الغيم و عدمه سواء حمل الظن في النصوص علي أقوائية احتمال دخول الليل من احتمال عدمه

كما يظهر منهم- أم حمل علي القطع البدوي، كما سبق منا. لأن اشتمال بعض النصوص علي الغيم- لو تم سنده- لا يمنع من العمل بإطلاق غيره مما هو معتبر السند. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

(2) غاية ما يستفاد منه قدّس سرّه في وجهه أن عطف الإفطار في صحيح زرارة و غيره علي الظن ب (الفاء) الدالة علي الترتيب يصلح أن يكون قرينة علي إرادة خصوص الظن الذي يجوز التعويل عليه، و لا سيما بملاحظة أصالة الصحة في فعل المسلم، و حيث لم يثبت حجية مطلق الظن عند تعذر العلم فلا يبعد تخصيصه بما يحصل من المراعاة مع وجود علة في السماء، قال قدّس سرّه: «فإن جواز العمل به حينئذ إن لم يكن متيقنا من الفتاوي فلا أقل من كونه متيقنا من المصحح و غيره. و عليه فإطلاق أدلة المفطرية في غيره محكم».

لكنه يشكل بأنه لا إشعار في الصحيح و غيره بفرض تعذر العلم بدخول الوقت، و لو بالرجوع إلي أهل المعرفة. و الترتب بين الظن و الإفطار خارجا هو المصحح للعطف ب (الفاء). و قاعدة الصحة في فعل المسلم لا تصلح للقرينية علي التقييد بالوجه المذكور الذي يصعب إقامة الدليل عليه، كما لا يلتفت له عامة من يطلع علي النصوص، ليستحصل الوظيفة منها. بل حيث كان المرتكز حينئذ الاحتياط بالانتظار قليلا حتي يعلم بدخول الوقت. فإن لم يكن هذا الارتكاز قرينة علي ما ذكرنا من حمل الظن علي العلم البدوي الذي لا موضوع معه للاحتياط المذكور- فالمتعين إبقاء الظن علي إطلاقه، من دون تقييد له بصورة وجود الغيم، فضلا عن المراعاة.

و لا سيما و أن للمراعاة دخل في المعذرية ارتكازا، فالمناسب التنبيه لها في نصوص

ص: 210

إلحاقها بالغيم في ذلك إشكال (1) و الأحوط وجوبا عدمه.

[(مسألة 18): إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار]

(مسألة 18): إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار (2)، و إذا أفطر أثم و عليه القضاء (3)، و الكفارة (4). إلا أن يتبين أنه بعد دخول الليل (5)، و كذا الحكم إذا قامت حجة علي عدم دخوله فأفطر فتبين دخوله (6). أما إذا قامت حجة علي دخوله أو قطع بدخوله فأفطر، فلا إثم و لا كفارة. و في وجوب القضاء إذا تبين عدم دخوله إشكال (7).

______________________________

المقام، كما نبه في بعضها للظن و الغيم.

(1) لم يتضح وجه الإشكال بعد ما سبق من إطلاق بعض النصوص، مع عدم الفرق في الوجه الذي ذكره لاعتبار المراعاة بين الغيم و غيره من العلل.

(2) بلا إشكال ظاهر، بل الظاهر عدم الخلاف فيه. لاستصحاب النهار و عدم الليل.

(3) بلا إشكال ظاهر، و في الخلاف و الغنية الإجماع عليه. إذ بضميمة الاستصحاب المذكور يحرز تعمد الإفطار في النهار.

(4) لعين ما سبق في القضاء. لكن صريح غير واحد و ظاهر آخرين عدم وجوبها، بل هو داخل في معقد إجماع الغنية. و كأنه لعدم تعمد الإفطار مع الشك.

لكنه و إن لم يتعمده وجدانا، إلا أنه متعمد له تعبدا بضميمة الاستصحاب المذكور، و هو كاف في التمرد المناسب لثبوت الكفارة، تبعا لإطلاق أدلتها.

(5) لانكشاف عدم الموضوع لوجوب القضاء و الكفارة حينئذ. و احتمال وجوب الكفارة بتعمد الإفطار في نهار شهر رمضان و إن لم يتحقق- كما لو صادف العيد- خال عن الدليل.

(6) لعين ما سبق. و مثله ما إذا قطع بعدم دخول الليل، فتناول المفطر، ثم انكشف أنه كان قد دخل.

(7) كأن وجه الإشكال و عدم الجزم بسقوط القضاء قصور النصوص السابقة

ص: 211

و إذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهرا (1)، و إذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه.

[السادس: إدخال الماء إلي الفم بمضمضة و غيرها، فيسبق و يدخل الجوف]
اشارة

السادس: إدخال الماء إلي الفم بمضمضة و غيرها، فيسبق و يدخل الجوف، فإنه يوجب القضاء (2)

______________________________

عنه، لظهور الاقتصار علي الظن فيها في عدم قيام حجة غيره، و عدم حصول القطع. كما أن وجه عدم الجزم بثبوت القضاء قوة احتمال استفادته من النصوص السابقة بالأولوية.

لكن الظاهر دخوله في إطلاق صحيح زرارة الأخير، لعدم التعرض فيه للظن، و إنما اقتصر فيه علي فرض القيام بوظيفة الليل في فرض عدم غياب القرص.

و من القريب انصرافه للقيام بها بوجه يعذر فيه من قطع بدوي أو برهاني أو قيام حجة شرعية- كما سبق منا حمله عليه- فيشمل ما نحن فيه.

بل لا ينبغي الإشكال في شمول بقية النصوص لصورة مقارنة الحجة للظن و الغيم، مع المراعاة، أو بدونها، علي الكلام السابق. إلا أن تكون خارجة عن مفروض المتن. كما لا ينبغي التأمل في استفادة حكم القطع من النصوص بالأولوية العرفية. بل سبق منا حملها عليه، دون الظن بمعني أقوائية احتمال دخول الليل من احتمال عدمه، فتكون نصا فيه. و يبقي حكم قيام الحجة من دون قطع مستفادا من صحيح زرارة الأخير، لا غير. فلاحظ.

(1) للاستصحاب، و ظاهر ذكر التبين في الآية الشريفة، و لمعتبر إسحاق ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: آكل في شهر رمضان بالليل حتي أشك؟ قال: كل حتي لا تشك» (1)، و غيره. و منه يظهر ضعف ما في الخلاف من الحكم بحرمة استعمال المفطر مع الشك في طلوع الفجر.

(2) بلا إشكال فيه في الجملة و لا خلاف، بل ادعي الإجماع عليه جماعة.

للنصوص، كموثق سماعة: «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش،

ص: 212


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 49 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1.

دون الكفارة (1). و إن نسي فابتلعه فلا قضاء (2). و كذا إذا كان في مضمضة وضوء الفريضة (3)، و التعدي إلي النافلة مشكل (4).

______________________________

فدخل حلقه. قال: عليه قضاؤه. و إن كان في وضوء فلا بأس به» (1)، و غيره.

نعم في موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم. قال: ليس عليه شي ء إذا لم يتعمد ذلك. قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: ليس عليه شي ء. قلت: فإن تمضمض الثالثة. قال:

فقال: قد أساء ليس عليه شي ء، و لا قضاء» (2).

لكن لا بد من حمله علي المضمضة للوضوء، جمعا مع بقية نصوص المسألة.

خصوصا مع مناسبة الاقتصار فيه علي الثلاث لذلك.

(1) لأصالة البراءة. بل قد يستفاد من الاقتصار في النصوص المتقدمة علي القضاء، كما تقدم في نظائره. و لا سيما مع ما سبق غير مرة من مناسبة عدم التعمد لعدم الكفارة.

(2) لما سبق من عدم بطلان الصوم مع النسيان، و لا ينافيه الحكم بالقضاء في النصوص السابقة، لظهورها في دخول الماء صدفة بسبب المضمضة، و لا تشمل تعمد ابتلاعه نسيانا أو عصيانا.

(3) بلا إشكال، و هو المتيقن من دعوي الإجماع و نفي الخلاف في كلام جماعة علي عدم وجوبه في الوضوء أو الطهارة. و يشهد به إطلاق موثق سماعة المتقدم، و خصوص الصحيح الآتي.

(4) فإنه و إن كان مقتضي إطلاق معقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدمين علي عدم القضاء، إلا أن في صحيح حماد أو الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، فقال: إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (3)، و يناسبه أيضا التفصيل في حديث يونس بين المضمضة في وقت الفريضة و في غير وقتها: «قال: الصائم في شهر رمضان

ص: 213


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 5، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 5، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4، 5، 1.

______________________________

يستاك متي شاء. و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فليس عليه شي ء، و قد تم صومه. و إن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة.

و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض»(1).

و دعوي: هجرها عند الأصحاب غير ثابتة. و لا سيما مع ظهور حال الكليني في الفتوي بذلك، بل قد يظهر من التهذيبين ذلك، بل في الجواهر أنه حكي عن جماعة القول به أو الميل إليه.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الصحيح دخول الماء بنفس الوضوء، لا بالمضمضة الخارجة عنه. و حمله علي المضمضة- كما يظهر من الكليني- لعدم ظهور القول بين الأصحاب بوجوب القضاء مع دخوله بنفس الوضوء، ليس عملا به في الحقيقة، بل هو راجع للإعراض عنه.

و دعوي: أنه إنما يحمل علي ذلك لبعد دخول الماء بنفس الوضوء، حيث يكون ذلك قرينة علي صرفه للمضمضة.

ممنوعة، فإن غسل الوجه كثيرا ما يتعرض به الإنسان لدخول الماء للجوف و ابتلاعه ذهولا، خصوصا مع كثرة الماء.

و مثلها دعوي: لزوم العمل به فيما هو ظاهر فيه و إن لم يظهر القول به من الأصحاب، مع استفادة حكم المضمضة منه بالأولوية، لأن دخول الماء للحلق بسبب المضمضة التي هي من مستحبات الوضوء غير الضرورية أولي بعدم العفو من دخوله بنفس الوضوء.

لاندفاعها أولا: بما حقق في محله من سقوط الخبر عن الحجية بإعراض الأصحاب عنه.

و ثانيا: بأنه لا مجال لاستفادة حكم المضمضة منه بالأولوية، لأن دخول الماء للحلق بالوضوء يتوقف علي مزيد من الإهمال و عدم التحفظ، بخلافه في المضمضة، فلا مانع من وجوب القضاء في الأول عقوبة، لمزيد الإهمال فيه، دون الثاني.

ص: 214


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 3.

______________________________

و أما حديث يونس فهو و إن كان معتبرا سندا- بناء علي ما سبق منا في المسألة الواحدة و العشرين من مباحث المياه من التعويل علي حديث سهل بن زياد- إلا أنه لم يتضح أنه مضمر من يونس يروي فيه عن غيره، ليكون الظاهر حكايته عن أحد الأئمة عليه السّلام حيث يكاد يقطع بعدم نقل مثله فتوي غيرهم عليه السّلام، بل ظاهره أنه فتوي من يونس نفسه، كما يظهر من الدروس و استظهره في الجواهر، و هو غير مستكثر عليه.

و ذكر الكليني له و استدلال الشيخ به في التهذيبين لا يكفي في الخروج عن ظاهره، لاحتمال خطئهما في فهم كلام يونس، أو ذكرهما له استئناسا بفتوي يونس بما يناسب النص.

فالعمدة في المقام حديث الجعفريات- بناء علي ما ذكرناه في آخر حديث مباحث المكاسب المحرمة عند الكلام في حرمة حلق اللحية من اعتبار سنده- عن الإمام الباقر عليه السّلام: «قال: من تمضمض و هو صائم فذهب الماء في بطنه فلا قضاء عليه إذا كان وضوؤه واجبا، و إذا كان تطوعا عليه القضاء» (1). و دلالته وافية بالمطلوب فالمتعين العمل عليه. و يؤيده مرسل دعائم الإسلام عن الإمام الصادق عليه السّلام: «أنه سئل عن الصائم يتوضأ للصلاة فيتمضمض، فيسبق الماء إلي حلقه. قال: إذا كان وضوؤه للصلاة المكتوبة فلا شي ء عليه، و إن كان لغير ذلك قضي ذلك اليوم» (2)

هذا و حيث كان الدليل هو حديث الجعفريات فالمعيار علي ما تضمنه من إطلاق كون الوضوء واجبا و إن لم يكن لصلاة الفريضة، كما لو نذر الكون علي الطهارة. كما أن الظاهر الاكتفاء في كون الوضوء واجبا الاتيان به لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها، لتعارف ذلك في العصور السابقة من أجل شيوع الاهتمام بصلاة الجماعة. فلاحظ.

بقي في المقام أمور: الأول: أن الظاهر إلحاق غير المضمضة من وجوه إدخال الماء للفم بالمضمضة في

ص: 215


1- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
2- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 1، 2.
[(مسألة 19): الظاهر عموم الحكم المذكور لرمضان و غيره]

(مسألة 19): الظاهر عموم الحكم المذكور لرمضان و غيره (1).

______________________________

وجوب القضاء، لفهم عدم خصوصيتها عرفا.

الثاني: أن الظاهر عدم وجوب القضاء إذا كانت المضمضة أو غيرها من وجوه إدخال الماء لغرض عقلائي مهم، كقطع الدم، كما في الجواهر لقصور النصوص عنه.

و دعوي: منافاته للشرطية في ذيل موثق سماعة. مدفوعة بعدم ظهور الشرطية في المفهوم، بل في مجرد الاستدراك من الحكم المبين في الصدر و منه يظهر عدم وجوب القضاء إذا كانت المضمضة للغسل، كما يظهر من إطلاق جماعة عدم القضاء في المضمضة للطهارة.

نعم حيث تضمنت النصوص وجوب القضاء في مضمضة الوضوء المستحب فمن الصعب جدا البناء علي عدم وجوبه في مضمضة الغسل المستحب.

الثالث: من الظاهر قصور النصوص عن دخول الماء للجوف من غير طريق الفم، كما في الاستنشاق.

و دعوي: عموم صحيح الحلبي أو حماد، بناء علي كونه دليلا في المقام. ممنوعة، لظهور أن الجمود علي مفاده يقتضي الاختصاص بالوضوء. غاية الأمر أن يستفاد حكم المضمضة منه، إما بحمله عليها، لأنها السبب المعهود لدخول الماء للجوف دون الوضوء نفسه، أو بالأولوية لو تمت. و كلاهما لا مجال له في الاستنشاق بعد عدم كونه معرضا عرفا لدخول الماء بسببه للجوف كالمضمضة.

و منه يظهر أنه لا مجال لإلحاقه بالمضمضة لفهم عموم نصوصها لها و إلغاء خصوصيتها عرفا. و علي ذلك لا مجال للبناء علي وجوب القضاء به، سواء كان للوضوء، أم للغسل، أم لغيرهما من موارد الأمر به، أو من دون أمر به.

(1) لأن النصوص و إن كانت مختصة أو منصرفة إلي صوم شهر رمضان، لأنه الصوم المعهود عند المتشرعة وجوب القضاء له، إلا أن الظاهر إلحاق غيره به، لإلغاء خصوصيته عرفا.

ص: 216

[السابع: سبق المني بالملاعبة و نحوها إذا لم يكن قاصدا و لا من عادته]

السابع: سبق المني بالملاعبة و نحوها إذا لم يكن قاصدا و لا من عادته، سواء أ كان يحتمل ذلك احتمالا معتدا به أم لا، فإن الأحوط وجوبا القضاء، كما تقدم. و لا كفارة فيه (1).

______________________________

(1) بل الظاهر وجوب القضاء في جميع موارد قصد التلذذ بالعمل. و أما الكفارة فهي تجب أيضا إلا مع الوثوق بعدم الإنزال، كما سبق عند الكلام في المفطر الثامن. فراجع.

ص: 217

ص: 218

[الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم]

اشارة

الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم و هي أمور..

الإيمان (1)،

______________________________

(1) للإجماع المحقق المدعي في كلام جماعة من الأصحاب علي اعتبار الإيمان في العبادات، و كفي به دليلا في المقام.

و أما الاستدلال عليه بالنصوص الكثيرة الدالة علي عدم قبول العمل بدون الولاية، أو عدم نفعه، أو عدم الأجر عليه (1). فهو لا يخلو عن إشكال، لأن عدم القبول و عدم النفع و الأجر أعم من البطلان و عدم الإجزاء.

كما أن نفي العمل بدون ولايتهم عليهم السّلام في مثل قولهم عليهم السّلام: «الناس سواد و أنتم الحاج» (2)، و قولهم عليهم السّلام: «لا و اللّه ما الحج إلا لكم … » (3)، ظاهر في نفي قبوله و ترتب الثواب عليه.

نعم قد يستفاد ذلك من بعض النصوص (منها): صحيح محمد بن مسلم:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كل من دان اللّه عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه، و لا إمام له من اللّه، فسعيه غير مقبول، و هو ضال متحير، و اللّه شانئ لأعماله» (4)، فإن بغض اللّه تعالي للعمل لا يناسب عموم أدلة التشريع له.

(و منها): معتبر عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:

«و اللّه لو أن إبليس سجد للّه بعد المعصية و التكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك، و لا قبله اللّه عز و جل، ما لم يسجد لآدم كما أمره اللّه عز و جل أن يسجد له. و كذلك هذه الأمة

ص: 219


1- راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات.
2- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7، 9، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7، 9، 1.
4- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 7، 9، 1.

______________________________

العاصية المفتونة بعد نبيها صلي اللّه عليه و آله و سلم و بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم صلي اللّه عليه و آله و سلم لهم، فلن يقبل اللّه لهم عملا و لن يرفع لهم حسنة، حتي يأتوا اللّه من حيث أمرهم، و يتولوا الإمام الذي أمر بولايته، و يدخلوا من الباب الذي فتحه اللّه و رسوله لهم» (1)، فإن تشبيهه عليه السّلام حالهم بحال إبليس يناسب خروج أعمالهم عن عموم أدلة التشريع، كخروج سجود إبليس لغير آدم عنه.

(و منها): حديث جابر: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنما يعرف اللّه عز و جل و يعبده من عرف اللّه و عرف إمامه منا أهل البيت، و من لا يعرف اللّه عز و جل و [لا] يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف و يعبد غير اللّه هكذا و اللّه ضلالا» (2)، فإن مقتضي الحكم عليه بأنه يعبد غير اللّه تعالي بطلان عبادته و خروجها عن عموم أدلة التشريع.

و قريب منه في ذلك حديث أبي حمزة: «قال لي أبو جعفر عليه السّلام إنما يعبد اللّه من يعرف اللّه، فأما من لا يعرف اللّه فإنما يعبده هكذا ضلالا، قلت: جعلت فداك فما معرفة اللّه؟ قال: تصديق اللّه عز و جل، و تصديق رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و موالاة علي عليه السّلام و الائتمام به و بأئمة الهدي عليه السّلام و البراءة إلي اللّه عز و جل من عدوهم. هكذا يعرف اللّه عز و جل» (3).

(و منها): خبر الكلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: أما و اللّه ما يحج أحد للّه غيركم» (4)، حيث لا يبعد كون اللام في (للّه) للغاية و بيان الداعي، فيدل علي عدم صحة النية المقربة من غير المؤمن.

(و منها): خبر الحسين بن زيد عن الإمام الصادق عليه السّلام عن آبائه، قال: «إن اللّه افترض خمسا، و لم يفترض إلا حسنا جميلا: الصلاة و الزكاة و الحج و الصيام و ولايتنا أهل البيت، فعمل الناس بأربع و استخفوا بالخامسة، و اللّه لا يستكملوا الأربع حتي

ص: 220


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5.
2- الكافي ج: 1 ص: 181 باب: معرفة الإمام و الرد إليه حديث: 4، و ذكر ذيله في وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.
3- الكافي ج: 1 ص: 181 باب: معرفة الإمام و الرد إليه حديث: 1.
4- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

______________________________

يستكملوها بالخامسة» (1). فإنه كالصريح في بطلان العمل و عدم تماميته مع عدم الولاية.

و ربما توجد هذه المضامين أو ما يقرب منها في نصوص أخر، و لا يسعنا الاستقصاء.

هذا و يستفاد من الإجماع و النصوص المتقدمة بمفادها اللفظي أو بالأولوية اعتبار الإسلام في صحة العمل. و أما الاستدلال عليه بما دل علي إحباط الشرك أو الكفر للعمل و عدم قبوله معه، فيظهر ضعفه مما سبق، لأن الإحباط راجع إلي عدم قبول العمل و عدم ترتب الثواب عليه، و قد عرفت أنه أعم من بطلانه و عدم إجزائه.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من وضوح ذلك بناء علي مختاره من عدم تكليف الكفار بالفروع و خروجهم عن عمومات أدلة تشريعها، حيث لا أمر في حقهم بالصوم ليمتثل.

إذ فيه: أنه لو تم عدم تكليف الكفار بالفروع و عدم الأمر في حقهم بالعبادات فهو لا ينافي صحة العبادات منهم و لو نيابة عن الغير، أو لإحراز ملاكه في حقهم، لو تم.

بقي شي ء، و هو إن ما دل علي بطلان صوم غير المؤمن يقتضي اعتبار الإسلام و الإيمان في تمام النهار، فلو أسلم الكافر أو استبصر المخالف في أثناء النهار لم يصح منه تجديد نية الصوم، إذا لم يكن قد تناول المفطر، كما يبطل صومه بالارتداد أو الخروج بفتنة عن الإيمان في أثناء النهار، و لو عاد لم يصح صومه بتجديد النية، كما صرح بذلك في الارتداد جماعة.

لكن في المبسوط أنه لو أسلم الكافر قبل الزوال وجب عليه تجديد النية. كما حكي عنه و عن المحقق و الحلي و يحيي بن سعيد أن المرتد في أثناء النهار يصح منه الصوم إذا عاد للإسلام في يومه.

و يشكل بأن مقتضي شرطية الإسلام و الإيمان في صحة العمل اعتبارهما في تمام نهار الصوم و الاجتزاء بتجديد النية يحتاج إلي دليل. و مجرد ثبوته في بعض الموارد- كالمسافر إذا قدم قبل الزوال- لا يكفي في عموم الاجتزاء به و صحة العمل معه.

مضافا في الأول إلي إطلاق صحيح العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

ص: 221


1- بحار الأنوار ج: 23 ص: 105 كتاب الإمامة باب: 7 حديث: 4.

و العقل (1)،

______________________________

عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضي منه أيام، هل عليهم أن يصوموا ما مضي منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء، و لا يومهم الذي أسلموا فيه. إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (1). فإن مقتضي إطلاق ذيله عدم وجوب قضاء اليوم الذي أسلموا فيه حتي إذا كان إسلامهم قبل تناول المفطر.

نعم إذا كان الصوم مما يشرع فيه تجديد النية في أثناء النهار- كصوم القضاء و الصوم المندوب- اتجه إمكان تجديد النية فيه إذا حصل الإسلام و الإيمان قبل فوت محلها.

كما أنه حيث يأتي في آخر المسألة الأولي من الفصل السابع الاجتزاء بعمل المخالف و عدم وجوب القضاء عليه- تفضلا من اللّه تعالي- فمن القريب الاجتزاء منه بصوم بعض اليوم الذي يستبصر فيه، و وجوب إكماله عليه، حتي لو كان استبصاره بعد الزوال. فلاحظ.

(1) بالمقدار الذي تتوقف عليه النية المعتبرة في العبادات. و عدم قادحية النوم لا تستلزم عدم قادحية الجنون و إن اشتركا في عدم تحقق النية معهما فعلا، للفرق بين النوم و الجنون ارتكازا.

و أما حديث رفع القلم (2) فهو إنما يقتضي رفع المؤاخذة و التبعة علي العمل، و هو أعم من بطلان العمل، علي ما ذكرناه في كتاب الخمس عند الكلام في اعتبار البلوغ في وجوبه، و في كتاب البيع عند الكلام في معاملات الصبي.

و لذا يصح الصوم من النائم و الصبي مع رفع القلم عنهما. إلا أن يدعي أن صحته منهما للأدلة الخاصة، تخصيصا لحديث رفع القلم. لكنه بعيد جدا. و يأتي إن شاء اللّه تعالي في المسألة العاشرة عند الكلام في صوم الصبي ما ينفع في المقام. و كيف كان فالعمدة ما سبق من فقد النية.

هذا و في المبسوط و الخلاف الصحة مع نية الصوم قبلا فيه و في الإغماء، و زاد في

ص: 222


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12، 11، و غيرها.

و الخلو من الحيض و النفاس (1). فلا يصح من غير المؤمن و لا من المجنون و لا من الحائض و النفساء.

______________________________

الخلاف الحكم بالصحة مع تجديد النية لو أفاق في أثناء النهار. بل دعوي الإجماع علي ذلك. و هو في غاية الإشكال في الجنون، لما ذكرنا.

نعم إذا كان الصوم مما يكفي فيه تجديد النية في أثناء النهار اختيارا اتجه فيه التجديد الذي ذكره حتي من المجنون، لإطلاق أدلته.

(1) للإجماع القطعي و النصوص المستفيضة أو المتواترة المستفاد منها لزوم الخلو منهما في تمام النهار، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة أصبحت صائمة، فلما ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أ تفطر؟ قال: نعم و إن كان وقت المغرب فلتفطر. قال: و سألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغتسل [لم تغتسل] و لم تطعم، فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم، فإنما فطرها من الدم» (1)، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تلد بعد العصر، أ تتم ذلك اليوم أو تفطر؟ قال: تفطر و تقضي ذلك اليوم» (2)، و غيرهما.

نعم في موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل و تشرب، و إن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل، و لتعتد بصوم ذلك اليوم، ما لم تأكل و تشرب» (3). و ظاهره صحة صومها لو عرض لها الحيض بعد الزوال.

لكن لا مجال للخروج به عما سبق. و لا سيما مع تعليق الاعتداد بالصوم فيه علي ما إذا لم تأكل و تشرب حيث قد يظهر في جواز الأكل و الشرب لها. و مرجع ذلك إلي تخييرها بين الصوم و الإفطار، و هو- مع عدم معهوديته في الصوم- لا يناسب قوله عليه السّلام في صدره: «فهي سعة أن تأكل و تشرب»، لأن مقتضي مفهومه أنها ليست في سعة من

ص: 223


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

فإذا أسلم أو استبصر أو عقل قبل الزوال و جدد النية لم يجز (1). و كذا إذا طهرت الحائض و النفساء، و إذا حدث الكفر أو الخلاف أو الجنون أو الحيض أو النفاس قبل الغروب بطل الصوم.

[(مسألة 1): يصح الصوم من النائم إذا سبقت منه النية في الليل]

(مسألة 1): يصح الصوم من النائم إذا سبقت (2) منه النية في الليل و إن استوعب تمام النهار. و في إلحاق السكران (3) و المغمي عليه به وجه (4).

______________________________

الأكل و الشرب إن عرض لها بعد الزوال، و هو راجع إلي نحو اضطراب في متنه.

و كيف كان فلا بد من طرحه أو حمله علي استحباب الإمساك لها تأدبا، و يكون ذلك هو معني الاعتداد بالصوم. مع وجوب القضاء عليها، كما تضمنه موثق محمد ابن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة تري الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال. قال: تفطر، و إذا كان ذلك بعد العصر أو بعد الزوال، فلتمض علي صومها، و لتقض ذلك اليوم» (1).

(1) يظهر الحال فيه و في ما بعده مما تقدم.

(2) بلا إشكال، حيث لا ريب بملاحظة النصوص و الفتاوي و السيرة في عدم منافاة النوم للصوم.

(3) يعني: إذا كان سكره بحدّ لا تتحقق معه نية الصوم. أما إذا لم يبلغ ذلك فلا إشكال في صحة الصوم منه.

(4) فقد تقدم من الخلاف الإجماع علي صحته من المغمي عليه مع تحقق النية المعتبرة قبل الإغماء أو بعده. كما يظهر من غيره أيضا البناء علي الصحة حينئذ. و هو في غاية الإشكال بعد ما سبق من أن مقتضي الأدلة اعتبار النية في تمام النهار. و الخروج عن ذلك في النوم لا يكفي في الخروج عنه في السكر و الإغماء.

اللهم إلا أن يقال: عدم مبطلية النوم و الغفلة في أثناء النهار للصوم لا يرجع عرفا إلي تخصيص عموم اعتبار النية في تمام النهار في الصوم، ليقتصر فيه عليهما، و لا

ص: 224


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

(و منها): عدم الإصباح جنبا أو علي حدث الحيض و النفاس كما تقدم.

(و منها): أن لا يكون مسافرا (1) سفرا يوجب قصر الصلاة (2) مع

______________________________

يتعدي لما يشبههما، اقتصارا في الخروج عن العموم المذكور علي المتيقن، بل إلي تفسير النية المعتبرة في الصوم بما لا يخل بها النوم و الغفلة. و ذلك حاصل في كل ما هو من سنخهما، و منه السكر و الإغماء.

و دعوي: أنه يظهر من نصوص عدم قضاء المغمي عليه للصوم (1)، المفروغية عن منافاة الإغماء للصوم، و لا سيما مع شمول إطلاقها للإغماء في بعض اليوم.

مدفوعة: بأنه يكفي في المفروغية المذكورة مانعية الإغماء في كثير من الموارد من حصول النية بالعزم علي الصوم، و لا ينهض إطلاق النصوص المذكورة ببيان مانعية الإغماء من الصوم حتي مع سبق النية. و من ثم يشكل البناء علي بطلان الصوم مع ذلك.

(1) إجماعا في الجملة، بل هو من ضروريات المذهب. و النصوص به مستفيضة، بل متواترة، بل تزيد علي التواتر.

(منها): ما ورد في مطلق الصوم مثل قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «لا صيام في السفر قد صام ناس علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فسماهم العصاة، فلا صيام في السفر إلا الثلاثة أيام التي قال اللّه عز و جل في الحج» (2). و في موثق عمار: «إذا سافر فليفطر، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية» (3).

(و منها): ما ورد في صوم شهر رمضان و في قضائه، و في صوم النذر و الكفارة (4). و منه يظهر ضعف ما عن المفيد من إطلاق جواز الصوم الواجب غير صوم شهر رمضان في السفر. علي إشكال في النسبة، لأن كلامه في المقنعة صريح في خلاف ذلك.

(2) لإطلاق ما دل علي التلازم بين الإفطار و التقصير، ففي صحيح معاوية

ص: 225


1- راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8، 9، 10 من أبواب من يصح منه الصوم.

العلم بالحكم (1) في الصوم الواجب إلا في ثلاثة مواضع:

أحدها: الثلاثة أيام التي هي بعض العشرة (2) التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه.

الثاني: صوم الثمانية عشر يوما التي هي بدل البدنة كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب (3).

______________________________

بن وهب: «إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت» (1)، و في موثق سماعة: «و ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصر فليفطر» (2).

(1) علي ما يأتي في المسألة الثالثة إن شاء اللّه تعالي.

(2) للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل. كذا في الجواهر. و يشهد له قوله تعالي: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (3)، بضميمة المفروغية عن عدم وجوب نية إقامة عشرة أيام في أثناء الحج من أجل الصوم المذكور. مضافا إلي النصوص، و منها موثق سماعة المتقدم. و تمام الكلام فيها في محله من كتاب الحج.

(3) كما في الشرائع و المختلف و القواعد و الدروس و غيرها. لصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال:

عليه بدنة ينحرها يوم النحر. فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله» (4).

لكن يظهر عدم مشروعية ذلك من الاقتصار في الاستثناء علي غيره في الجمل و الاقتصاد و النافع و عن سلار و الراوندي و ابني حمزة و زهرة. و كذا الشيخ قدّس سرّه في المبسوط و النهاية. نعم نبه في كتاب الحج منهما علي أن من عجز عن البدنة المذكورة

ص: 226


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
3- سورة البقرة الآية: 196.
4- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة حديث: 3.

______________________________

يصوم ثمانية عشر يوما في الطريق أو عند أهله. و ربما كان للجري علي عبارة الصحيح، من دون أن يتضح حمله علي ترخيص الصوم في السفر. بل قد يظهر ذلك أيضا من الصدوق في المقنع و الهداية و الفقيه حيث نبه للصوم بدل هدي التمتع دون ذلك.

بل صرح في المقنع- كما يأتي- بعدم جواز الصوم في السفر إلا في صوم كفارات خاصة ليس هذا منها. و من هنا لا يبعد انعقاد الشهرة علي عدم مشروعية الصوم المذكور.

و أما الصحيح فربما يحمل- بقرينة ظهور المفروغية عن عدم جواز الصوم في السفر- علي التنبيه لعدم وجوب المبادرة للصوم المذكور كلا أو بعضا في الحج، كما تجب في الصوم بدل الهدي، من دون نظر إلي جواز إيقاعه حال السفر الموجب للقصر، فلا ينافي كونه مشروطا بتيسر نية الإقامة المسقطة لحكم السفر. و لا سيما بملاحظة الاقتصار في نصوص كثيرة في الاستثناء من عدم الصوم في السفر علي صوم الثلاثة أيام بدل الهدي.

بل في صحيح رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال:

يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: فإنه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق … قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟! إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ يقول في ذي الحجة» (1)، لظهوره في خصوصية الثلاثة المذكورة في الاستثناء من عدم الصوم في السفر، تبعا لنص اللّه تعالي عليها في كتابه. و لعل هذا هو المنشأ لإهماله في كلام من عرفت.

اللهم إلا أن يقال: التنبيه علي جواز إيقاعه في مكة و في الطريق ظاهر- بلحاظ معهودية إرادة الصوم في السفر من ذلك في الصوم بدل الهدي- في المفروغية عن جواز إيقاع الصوم المذكور في السفر و إن لم يكن واجبا، كما في الصوم بدل الهدي.

و لا سيما مع ندرة تحقق الإقامة الموجبة للتمام في سفر الحج و إن كان في بلوغ ذلك حدا يوجب وضوح الحكم إشكال. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 227


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 46 من أبواب الذبح حديث: 1.

الثالث: صوم النذر (1) المشروط إيقاعه في السفر و لو مع الحضر.

______________________________

و أشكل من ذلك ما أطلقه في المقنعة من جواز صوم السفر لمن كان عليه كفارة يخرج عنها بالصيام. لعدم الدليل علي الإطلاق المذكور. و حمله علي مورد صحيح ضريس- لو تم فيه ذلك- يحتاج إلي دليل. و لا سيما مع قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق محمد بن مسلم: «و إن ظاهر و هو مسافر أفطر حتي يقدم … » (1). و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيحه: «و إن ظاهر و هو مسافر انتظر حتي يقدم … »(2).

و أشكل منه ما في المقنع قال: «فلا تصومن في السفر شيئا من فرض و لا سنة و لا تطوع إلا الصوم الذي ذكرته في أول الباب، من صوم كفارة صيد المحرم، و صوم كفارة الإحلال من الإحرام إن كان به أذي من رأسه، و صوم ثلاثة أيام لطلب حاجة عند قبر النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم- و هو يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة- و صوم الاعتكاف في المسجد الحرام و في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أو في مسجد الكوفة أو مسجد المدائن»، حيث أهمل صوم الثلاثة أيام بدل الهدي و صوم كفارة النفر قبل الغروب من عرفة، و ذكر صوم كفارتي الإحرام و صوم الاعتكاف مع عدم ظهور نص بهما. فلاحظ.

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا، كما في الجواهر. بل نفاه في محكي المنتهي، و في الحدائق دعوي الاتفاق عليه، و أما ما في الشرائع و النافع من نسبته للمشهور فليس هو لوجود المخالف فيه، بل لضعف الرواية به عنده، كما صرح به في المعتبر.

و كيف كان فيدل عليه صحيح علي بن مهزيار: «كتب بندار مولي إدريس:

يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟

فكتب عليه السّلام و قرأته: لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك. و إن كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم علي سبعة مساكين … » (3). و به يخرج عن إطلاق النصوص الكثيرة المانعة من صوم النذر في

ص: 228


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 4 من أبواب الكفارات حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

______________________________

السفر، كموثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه (عليهم السلام): «في الرجل يجعل علي نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر، ثم يسافر، فتمر به الشهور، إنه لا يصوم في السفر، و لا يقضيها إذا شهد» (1)، و غيره.

و ما سبق من المعتبر من ضعف حديث ابن مهزيار إن كان مراده به ضعف سنده، فلا مجال له بعد اعتبار طريقه إلي ابن مهزيار الذي هو من الأعيان. و لا يقدح فيه جهالة بندار مولي إدريس بعد حكاية ابن مهزيار نفسه للمكتابة من دون توسط بندار، إذ لعله اطلع عليها، و أخبر بها عن حسّ.

و إن كان مراده به ضعف مضمونه، كما استظهره في الحدائق، لظهوره في جواز الصوم حال المرض مع نيته في النذر. فهو يندفع بأنه لو تم الإجماع علي عدم جواز ذلك، فالخروج عن الصحيح فيه لا يستلزم الخروج عنه في السفر. علي أنه قد يكون الإجماع المذكور قرينة علي حمل قوله عليه السّلام: «إلا أن تكون نويت ذلك». علي خصوص الصوم في السفر.

و مثله الإشكال فيما تضمنه من أن كفارة حنث النذر إطعام سبعة مساكين.

و لا سيما مع احتمال كونه تصحيف عشرة، كما سبق عند الكلام في كفارة حنث النذر.

و بالجملة: لا ينبغي التوقف في العمل بالحديث بعد تماميته دلالة و سندا.

هذا و في صحيح إبراهيم بن عبد الحميد عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمي. قال: يصوم أبدا في السفر و الحضر» (2)، و مقتضاه مشروعية الصوم المنذور في السفر مطلقا و إن لم ينوه. و لعله لذا أطلق في المراسم مشروعية صوم النذر إذا علقه بوقت صادف السفر، و ربما حكي عن المفيد و المرتضي.

لكن الصحيح المذكور معارض بالنصوص الكثيرة المانعة منه مطلقا، فإن أمكن جمعه معها بحمله علي خصوص ما نوي فيه السفر بقرينة صحيح ابن مهزيار- كما ذكره غير واحد- فهو، و إلا تعين طرحه، لشذوذه في قبالها. و لا سيما و أن مضمونه أنسب بمذاهب العامة.

ص: 229


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 10، 7.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 10، 7.

[(مسألة 2): الأقوي عدم جواز الصوم المندوب في السفر]

(مسألة 2): الأقوي عدم جواز الصوم المندوب في السفر (1).

______________________________

(1) كما عن الصدوقين و ابني البراج و إدريس و في المقنعة- بعد الحكم بعدم جواز الصوم في السفر تطوعا و لا فرضا، و استثناء صوم ثلاثة أيام بدل الهدي، و صوم الكفارة، و صوم النذر المتقدم، و صوم الثلاثة أيام للحاجة الذي يأتي- قال: «و قد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام، و جاءت أخبار بكراهية ذلك، و أنه ليس من البر الصوم في السفر، و هي أكثر، و عليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع، و من عمل علي أكثر الروايات و اعتمد علي المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر علي كل وجه سوي ما عددناه كان أولي بالحق».

و كأن مراده بالروايات المشهورة المطلقات الناهية عن الصوم في السفر المتقدم بعضها، و منها حسن محمد بن حكيم أو صحيحه: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه» (1)، و المصرحة بالعموم للفريضة و غيره، المتقدم بعضها أيضا، و المتضمن أن الصوم في السفر معصية، و ما اختص بالتطوع، كصحيح أحمد بن محمد: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر. قال: أ فريضة؟ فقلت: لا، و لكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. قال:

فقال: تقول اليوم و غدا؟ قلت: نعم. فقال: لا تصم» (2).

و أما الروايات المرخصة فهي صحيح سليمان الجعفري: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: كان أبي يصوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه [من] الحر» (3). و مرسل إسماعيل بن سهل: «خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان، فكان يصوم، ثم دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان، و تفطر شهر رمضان، فقال:

ص: 230


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3

إلا الثلاثة أيام للحاجة (1)

______________________________

نعم شعبان إلي إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه عز و جل عليّ الإفطار» (1)، و قريب منه مرسل الحسن بن بسام (2)، و لعله لأجلها حكي عن الأكثر الحكم بالكراهة.

و قد يرجع إليه ما في الوسيلة من أنه جائز من دون ندب و لا كراهة، لما هو المعروف بينهم من أن الكراهة عندهم بمعني قلة الثواب. فتأمل.

لكن الحمل علي الكراهة بمعني قلة الثواب لا يناسب النصوص المتضمنة أنه معصية، و بمعني الاشتمال علي حزازة أهم من مصلحة الاستحباب- بناء علي ما هو الظاهر من إمكان ذلك في العبادات- لا يناسب فعلهم عليه السّلام له الذي تضمنته النصوص المتقدمة، خصوصا الأول. و من ثم كان الجمع المذكور بعيدا جدا.

نعم صحيح سليمان حيث كان واردا في واقعة خاصة أمكن حمله علي كون الصوم المذكور منذورا به السفر بالخصوص، و لا سيما مع عدم وروده لبيان مشروعية الصوم في السفر، بل لبيان مشروعية صوم عرفة و أهميته.

و أما المرسلان فضعفهما مانع من رفع اليد بهما عن النصوص الأول، و لا سيما مع كونهما أنسب بمذاهب العامة. نعم لا بأس بالعمل عليهما برجاء المطلوبية، لنصوص من بلغه ثواب علي عمل (3). و لعله عليه يحمل ما تقدم من المقنعة.

(1) بلا خلاف أجده كما في الجواهر. لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، و تصلي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة … و تصوم يوم الخميس، ثم تأتي الاسطوانة التي يلي مقام النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و مصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها ليلتك و يومك، و تصوم يوم الجمعة … » (4)، و نحوه أو عينه مرسل ابن قولويه (5). و في

ص: 231


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 4، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 4، 5.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 18 من أبواب مقدمة العبادات.
4- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 11 من أبواب المزار و ما يناسبه حديث: 1، 5.
5- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 11 من أبواب المزار و ما يناسبه حديث: 1، 5.

في المدينة (1).

[(مسألة 3): يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم]

(مسألة 3): يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم (2) و إن علم في

______________________________

صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «قال: إذا دخلت المسجد فإن استطعت أن تقيم ثلاثة أيام الأربعاء و الخميس و الجمعة، فتصلي بين القبر و المنبر … و تصوم تلك الثلاثة الأيام» (1). و هي- كما تري- مختصة بالأيام المذكورة في عمل خاص، و لا إطلاق لها يناسب إطلاق ما في المتن و غيره.

نعم في حديث مرازم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الصيام بالمدينة و القيام عند الأساطين ليس بمفروض، و لكن من شاء فليصم، فإنه خير له … » (2). لكنه وارد لبيان عدم وجوب الصيام المذكور بعد الفراغ من مشروعيته، من دون أن يكون له إطلاق في ذلك.

اللهم إلا أن يكون مراد من أطلق أو بعضهم الإشارة إلي ذلك أيضا من دون أن يريدوا الإطلاق، لأنهم بصدد استثناء الصوم المذكور من حرمة الصوم في السفر من دون أن يكونوا بصدد شرحه.

(1) كما هو موضوع كلام الأصحاب. لكن ألحق في المقنعة بذلك مشاهد الأئمة عليه السّلام. و لم يتضح وجهه بعد اختصاص النصوص بالمدينة المنورة. و لا سيما مع اشتمالها علي المقام عند الاسطوانات الخاصة، حيث لا مجال مع ذلك لدعوي إلغاء خصوصية المدينة عرفا.

(2) إجماعا محققا، كما قيل. لغير واحد من النصوص، كصحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام في السفر، فقال: إن كان بلغه أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه … » (3)، و صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (4)، و غيرهما.

ص: 232


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 11 من أبواب المزار و ما يناسبه حديث: 3، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 11 من أبواب المزار و ما يناسبه حديث: 3، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 5.

الأثناء بطل (1)، و لا يصح من الناسي (2).

[(مسألة 4): يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام]

(مسألة 4): يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام (3) كناوي الإقامة و المسافر سفر معصية و نحوهما.

[(مسألة 5): لا يصح الصوم من المريض]

(مسألة 5): لا يصح الصوم من المريض (4)- و منه الأرمد- إذا

______________________________

و هي و ان اختصت بصوم شهر رمضان، أو بالصوم الذي يقضي، إلا أن إلغاء خصوصيته عرفا قريب جدا، لأن المستفاد منها أن ملاك الإجزاء معذرية الجهل.

(1) لقصور النصوص المتقدمة عنه، فيرجع فيه للقاعدة القاضية بالبطلان.

(2) لقصور النصوص المتقدمة عنه أيضا. و مجرد مشاركة النسيان للجهل في المعذرية لا يكفي في إلحاقه به- كما عن بعضهم- بعد مخالفة الإجزاء للقاعدة.

(3) لما تقدم من اختصاص السفر المانع من الصوم بما يوجب قصر الصلاة.

(4) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر، و قد يستدل عليه بقوله تعالي: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).

لكن لما كان المرض من سنخ الأعذار عرفا نظير العجز، و لذا كان المنصرف منه ما يضر به الصوم، فالمنصرف من الآية بدوا رفع الإلزام بالصوم من دون أن تنافي مشروعيته في نفسه، نظير ما ذكرناه في الابدال الاضطرارية. و بذلك يخرج عن قرينة سياقه مع السفر الذي كان عدمه قيدا في موضوع الصوم، بحيث لا يشرع الصوم معه.

بل ربما كانت قرينة السياق ملزمة بحمل السفر علي ما يشق معه الصوم، ليكون عذرا كالمرض. نظير ما قد يقال في عدم وجوب الطهارة المائية علي المسافر، الذي استفيد من آيتي التيمم من حمله علي من لا يتيسر له تحصيل الماء.

نعم تضمنت النصوص المستفيضة أن سقوط الصوم مع المرض و السفر عزيمة لا رخصة، كصحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: إن اللّه عز و جل تصدق علي مرضي أمتي و مسافريها

ص: 233


1- سورة البقرة الآية: 184.

______________________________

بالتقصير و الإفطار. أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه؟!» (1)، و قريب منه معتبر الجعفريات (2).

و موثق السكوني عنه عن أبيه (عليهما السلام): «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: إن اللّه عز و جل أهدي إليّ و إلي أمتي هدية لم يهدها إلي أحد من الأمم، كرامة من اللّه لنا، قالوا:

و ما ذلك يا رسول اللّه؟ قال: الإفطار في السفر و التقصير في الصلاة. فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ علي اللّه عز و جل هديته» (3).

و في موثق سماعة: «سألته ما حدّ المرض الذي يجب علي صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر [من كان مريضا أو علي سفر]؟ قال: هو مؤتمن عليه مفوض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصمه، كان المرض ما كان» (4)، و غيرها.

و قد تقدم بعضها عند الكلام في مانعية السفر من الصوم.

و هي كما تدل علي عدم مشروعية الصوم مع المرض، الملازم لبطلانه، تدل علي أن ذلك هو المراد بالآية الشريفة فتصلح لتفسيرها، و الخروج عما قد تحمل عليه بدوا.

هذا و في معتبر عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل صام شهر رمضان و هو مريض، قال: يتم صومه و لا يعيد، يجزيه» (5). و هو ينافي ما سبق. و ما في التهذيب من حمله علي المرض الذي لا يضره الصوم، مخالف لظاهره من دون شاهد عليه. و مثله الجمع بينه و بين ما تضمن سقوط الصوم عن المريض علي الرخصة، فإنه لا يناسب النصوص السابقة جدا.

نعم قد يحمل علي من صامه جهلا بسقوط الصوم عن المريض، بقرينة ما هو المعروف عند الطائفة- تبعا للأدلة المتقدمة- من أن سقوط الصوم عن المسافر و المريض عزيمة لا رخصة. فإن تم ذلك، و إلا تعين طرحه ورد علمه لقائله عليه السّلام، أو

ص: 234


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
2- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

كان يتضرر به (1)، لإيجابه شدته، أو طول برئه، أو شدة ألمه، كل ذلك بالمقدار المعتد به (2). و لا فرق بين حصول اليقين بذلك و الظن، و الاحتمال

______________________________

حمله علي التقية، لموافقته للمحكي عن العامة.

هذا و أما الاستدلال علي بطلان الصوم من المريض بتعذر نية القربة منه، لحرمة الإضرار بالنفس. فهو مختص بالضرر اللازم الدفع، دون مطلق الضرر الحاصل مع المرض، و بما إذا التفت حين الصوم لذلك. فلاحظ.

ثم إن المتيقن من الأدلة و إن كان هو صوم رمضان، إلا أنه لا يبعد عموم بعضها لغيره. و لا أقل من نهوض قاعدة الإلحاق بذلك، بل الظاهر مفروغيتهم عنه.

(1) لأنه هو المنصرف من الإطلاقات، و لخصوص بعض النصوص، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن حدّ ما يجب علي المريض ترك الصوم، قال:

كل شي ء من المرض أضر به الصوم فهو يسعه ترك الصوم»(1).

(2) كما يناسبه ما في صحيح ابن أذنية: «كتبت إلي أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام، قال:

بل الإنسان علي نفسه بصيرة. و قال: ذلك إليه هو أعلم بنفسه» (2)، فإن السؤال لما لم يكن عن طريق معرفة المرض في مقام الإثبات، بل عن المرض المسوغ للإفطار في مقام الثبوت، فإيكال المكلف فيه إلي نفسه ظاهر في أن المعيار علي ما يعتد به عرفا.

و أما ما تقدم في موثق سماعة من إيكال الأمر إلي قوته علي الصوم و ضعفه عنه، فلا مجال لحمله علي وجود الطاقة للصوم و عدمها، كيف و لا إشكال في مشروعية الإفطار مع المرض الذي يطاق معه الصوم كالرمد و غيره. بل لا بد من حمله علي التحديد في خصوص المرض الذي من شأنه إضعاف الطاقة عن الصوم، لا مطلق المرض المانع من مشروعية الصوم، أو حمل الطاقة فيه علي الطاقة من حيثية المرض، و مرجعه إلي أن المرض الذي يشرع معه الإفطار هو الذي يضر به الصوم، فيناسب ما

ص: 235


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9، 5.

الموجب لصدق الخوف (1)، و كذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث

______________________________

تقدم في صحيح ابن جعفر، الذي ينصرف الإضرار فيه إلي ما يعتد به عرفا.

كما أنه المناسب للاكتفاء فيه بالخوف- علي ما يأتي- لأن الخوف إنما يكون من محذور، لا من كل شي ء. اللهم إلا أن يقال: لا إطلاق يقتضي الاكتفاء بالخوف من الصوم، بل الدليل عليه يختص بالخوف من الرمد، و التعدي منه لغير الرمد إنما يقتضي عموم الاكتفاء بالخوف في مقام الإثبات، لا عموم المانعية من الصوم لكل محذور يصدق معه الخوف في مقام الثبوت. فالعمدة ما ذكرناه أولا.

هذا و في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد هل يجوز له الإفطار؟ قال: إذا صدع صداعا شديدا، و إذا حمّ حمي شديدة، و إذا رمدت عيناه رمدا شديدا، فقد حلّ له الإفطار» (1). و قد يظهر منه اعتبار الشدة في المرض، لقرب سوق الوصف فيه للمفهوم.

اللهم إلا أن يقال: الأمراض المذكورة في الموثق متقومة عرفا- خصوصا في العصور السابقة- بأثر ظاهر محسوس مجهد، و مع عدم الشدة في أثرها لا يعتد بها عرفا، لعدم إجهادها، بل قد لا تعدّ مرضا عرفا، و ذلك لا يستلزم اعتبار الشدة في كل مرض حتي ما كان محذورا في نفسه من دون أن يتقوم بالأثر المجهد حين الصوم، كمرض القلب و الكلي و غيرهما. مما قد تظهر آثاره علي الأمد البعيد.

كيف و في صحيح بكر بن محمد الأزدي عنه عليه السّلام: «سأله أبي و أنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم، قال: إذا لم يستطع أن يتسحر» (2)، و من الظاهر أنه عبارة عن ضعف المعدة بنحو لا يهضم طعام الإفطار معه عند السحر، و هو ليس مرضا شديدا عرفا. بل ما تقدم من إيكال الأمر للمكلف، و أنه أعلم بنفسه، لا يناسب جدا اعتبار شدة المرض. فلاحظ.

(1) كما عن الأكثر. و يقتضيه صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

ص: 236


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 2.

______________________________

الصائم إذا خاف علي عينه من الرمد أفطر» (1)، بإلغاء خصوصية مورده. كما قد يناسبه ما في موثق عمار من جواز التبلغ بالماء لمن يصيبه العطش حتي يخاف علي نفسه (2).

بل اهتمام الشارع و العقلاء بتجنب الضرر يقتضي عرفا الاحتياط بدفعه مع الخوف، حيث يكثر الجهل بترتبه قبل التعرض لما قد يسببه، فلو لم يكف الخوف لزم الوقوع فيه كثيرا، و هو لا يناسب الاهتمام بدفعه بحيث تسقط لأجله الفريضة، و لذا اكتفي بالخوف في كثير من الموارد.

هذا و حيث كان المستفاد من أدلة تشريع الإفطار مع المرض خصوصا صحيح علي بن جعفر المتقدم أن موضوع الإفطار و هو المرض الذي يضر به الصوم. فيقع الكلام في مقتضي الجمع بينه و بين ما تضمن الاكتفاء بالخوف.

و المحتمل بدوا في ذلك وجوه..

الأول: أن يكون الخوف قيدا في الضرر الذي هو موضوع سقوط الصوم.

فالمسقط للصوم واقعا هو الضرر المخوف، دون غيره. و هو الذي يظهر من الجواهر.

و يشكل بأن الخوف لما لم يكن في نفسه طريقا للأمر المخوف و محرز له عرفا، و لم يدل من الخارج دليل علي طريقيته له شرعا، فما دل علي مشروعية الإفطار لخوف الضرر إن حمل علي بيان طريقيته و إحرازه للضرر شرعا فلا مجال لاستفادة كونه قيدا في موضوع مشروعية الإفطار واقعا، بحيث لا يكفي الضرر غير المخوف في مشروعيته واقعا.

و إن حمل علي بيان كونه قيدا في موضوع مشروعية الإفطار واقعا، لزم عدم جواز الإفطار مع خوف الضرر، لعدم إحراز الضرر الذي هو جزء الموضوع. و لا مجال لاستفادة الأمرين معا من الدليل المذكور، لتباينهما من دون أن يكون بينهما جامع عرفي، يكون هو المراد من ذلك الدليل.

مضافا إلي أن لازم ذلك وجوب الكفارة علي من يضره الصوم إذا أفطر و هو جاهل بالضرر غير خائف منه. و كذا القضاء حتي لو استمر به طوال السنة.

ص: 237


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

______________________________

و هو بعيد جدا.

الثاني: أن يكون الخوف طريقا ظاهريا لإحراز الضرر و مشروعية الإفطار، مع كون الموضوع الواقعي له هو الضرر الواقعي لا غير، فمع خوف الضرر من دون ضرر واقعي يشرع الإفطار ظاهرا لا واقعا، و الأمر بالعكس مع وجود الضرر واقعا من دون أن يكون مخوفا.

و يشكل بأن الجمع المذكور ليس عرفيا، فإن الخوف ليس كالظن و الخبر و نحوهما مما يبتني علي نحو من الكشف عن الأمر المخوف، لينصرف الدليل المذكور إلي بيان طريقيته له و حجيته عليه شرعا تأسيسا، أو إمضاء لما عليه العرف.

الثالث: أن يكون الموضوع الحقيقي الأولي هو الضرر الواقعي، و يكون تشريع الإفطار مع الخوف لمجرد الاحتياط في دفع الضرر، فهو من سنخ العنوان الثانوي الرافع لوجوب الصوم علي تقدير عدم الضرر واقعا بملاك الاحتياط. و مرجع ذلك إلي أن موضوع مشروعية الإفطار في الواقع هو كل من الضرر الواقعي و خوف الضرر، إلا أن الأول هو الموضوع بالأصل، و الثاني هو الموضوع بالتبع تحفظا من الضرر الواقعي و احتياطا في دفعه.

و دعوي: أنه يكفي في الاحتياط رفع الخوف للتكليف بالصوم ظاهرا بملاك دفع الضرر المحتمل، مع كون رفعه واقعا تابعا للضرر الواقعي لا غير. مدفوعة بأن لازم ذلك وجوب القضاء مع استمرار الخوف طول السنة، لما سبق من عدم كون الخوف محرزا ارتكازا للأمر المخوف، فلا محرز للضرر ليحرز به سقوط التكليف بالصوم. و الترخيص ظاهرا في ترك الصوم عند احتمال الضرر بملاك الاحتياط لا ينافي وجوب القضاء اعتمادا علي أصالة عدم الضرر المحرزة لوجوبه. و حيث لا يجب القضاء حينئذ قطعا فلا بد من كون رفع وجوب الصوم مع الخوف واقعيا بملاك الاحتياط، لا ظاهريا بالملاك المذكور. فلاحظ.

و هذا الوجه قريب جدا، و قد تقدم منا نظيره في المسألة الحادية عشرة من مباحث التيمم من كتاب الطهارة. و يأتي في المسألة السابعة إن شاء اللّه تعالي ما يتعلق بالمقام.

ص: 238

المرض (1)، فضلا عما إذا علم ذلك، أما المريض الذي لا يتضرر من الصوم فيجب عليه و يصح منه.

[(مسألة 6): لا يكفي الضعف في جواز الإفطار و لو كان مفرطا]

(مسألة 6): لا يكفي الضعف في جواز الإفطار و لو كان مفرطا (2)،

______________________________

(1) فإنه و إن خرج عن مفاد أكثر الأدلة لو بني علي الجمود علي مواردها، إلا أن المناسبات الارتكازية تقضي بحملها علي ما يعمه، لفهم عدم خصوصيتها عرفا، بلحاظ أن اهتمام الشارع بتجنب ضرر المرض كما يقتضي مشروعية الإفطار حال المرض، تجنبا لزيادته، يقتضي مشروعيته حال عدم المرض، تجنبا لحدوثه.

مضافا إلي صحيح حريز المتقدم، لظهوره في أن المسوغ للإفطار هو الخوف من حصول الرمد بسبب الصوم، لا من إضراره بالعين مع فرض حصوله قبل الصوم.

علي أن حدوث المرض بسبب الصوم كثيرا ما يرجع إلي نقص في البدن، لا يظهر أثره إلا بالصوم و نحوه، و هو نحو من المرض الخفي الذي لا يدركه إلا أهل المعرفة.

(2) لإطلاق أدلة وجوب الصوم و مشروعيته بعد عدم صدق المرض به.

و لا سيما مع كثرة حصوله من الصوم، خصوصا لمن صادف أن لم يتسحر، كما كان هو الغالب في أول تشريع الصوم حين كان النوم ليلا.

موجبا لتحريم الطعام و الشراب علي الصائم، علي ما تضمنته النصوص الواردة في تفسير قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ …(1). بل تضمنت هذه النصوص أن بعض الصحابة كان يغشي عليه من الجوع نتيجة لذلك، و مع ذلك لم يأمره النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم بالإفطار.

و أما قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصمه … ». فهو وارد لتحديد المرض، لا لتحديد مسوغ الإفطار و إن لم يكن مرض في البين، لينفع فيما نحن فيه. و لو فرض عمومه تعين الخروج عنه بما سبق، و حمله علي ما ذكرنا من تحديد المرض.

ص: 239


1- سورة البقرة الآية: 187. راجع النصوص المذكورة في وسائل الشيعة ج: 7 باب: 43 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.

إلا أن يكون حرجا، فيجوز الإفطار (1)، و كذا إذا أدي الضعف إلي

______________________________

و مثله صحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المرض إذا نقه في الصيام؟ فقال: ذلك إليه، هو أعلم بنفسه إذا قوي فليصم» (1)، حيث لا بد من حمله علي القوة من حيثية المرض، بمعني أن لا يخشي من الصوم أن يمرض. و لو فرض تعذر الحمل المذكور تعين قصره علي مورده، و هو الناقة من المرض. فلاحظ.

هذا إذا كان الضعف مؤقتا، أما إذا كان مستحكما لا يزول بعد مضي الصوم، فالظاهر أنه نحو من المرض أو ملحق به عرفا، لأنه نقص في البدن كالمرض، بل قد يكون أهم.

(1) لقاعدة نفي الحرج. و أما قوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (2). فهو مفسر في النصوص بالشيخ و الشيخة و ذي العطاش (3)، فلا مجال للاستدلال به في غيرهم ممن يكون الصوم حرجا عليه. فالعمدة القاعدة المذكورة.

اللهم إلا أن يقال: لا بد من الخروج عن عموم القاعدة في الضعف الموقت الناشئ من الصوم للنصوص المشار إليها آنفا، الواردة في تفسير قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ. فإن تحمل الجوع الذي يصل بصاحبه لأن يغشي عليه حرجي عادة، و مع ذلك لم يرخص له النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم بالإفطار. و من ثم يشكل الاكتفاء بالحرج من هذه الجهة.

و أشكل من ذلك ما إذا كان الضعف بالوجه المتعارف، إلا أن الشخص بسبب ترفه يصعب عليه تحمله و يضيق به بحيث يصير حرجيا في حقه، لأن الغرض من التكليف بالصوم هو ترويض النفس علي تحمل الجهد، فيكون عموم التكليف بالصوم هو المخصص للقاعدة، بلا حاجة للنصوص المذكورة. فلاحظ.

ص: 240


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- سورة البقرة الآية: 184.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم.

العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكن من غيره (1)، فإنه يجوز الإفطار. و الأحوط فيهما الاقتصار في الأكل و الشرب علي مقدار الضرورة (2) و الإمساك عن الزائد، ثم القضاء (3).

______________________________

(1) بحيث لا يمكن تهيئة المعاش بدونه- و لو بالاستدانة أو الاستيهاب أو نحوهما بوجه غير حرجي- حيث يكون الصوم حرجيا حينئذ، فيسقط وجوبه بمقتضي القاعدة المذكورة، بعد عدم المخرج عنها في ذلك.

(2) كأنه لاحتمال إلحاقه بالصائم الذي يغلبه العطش، حيث تقدم في المسألة الخامسة و العشرين من الفصل الثاني لزوم اقتصاره علي شرب الماء بمقدار الضرورة، خصوصا بناء علي ما سبق منه قدّس سرّه من فساد صومه و لزوم القضاء عليه، حيث يكون الوجه في اقتصاره علي الضرورة حرمة شهر رمضان، و يبعد خصوصية العطش في ذلك جدا.

لكن تقدم منا تقريب عدم فساد صومه بذلك، و عدم وجوب القضاء عليه اكتفاء من الشارع الأقدس بالميسور، و حيث كان ذلك مخالفا للقاعدة تعين الاقتصار علي مورده، و البناء علي سقوط وجوب الصوم في المقام- لقاعدة نفي الحرج- و وجوب القضاء.

و حينئذ لا وجه لاقتصاره علي مقدار الضرورة، لعدم البناء علي ذلك في سائر موارد سقوط وجوب الصوم، و إنما ثبت ذلك في موارد عدم سقوطه لو تحقق الإفطار جهلا أو عمدا.

نعم لو كان اللازم خصوص العطش بمقدار يخشي منه علي النفس دخل في المسألة المذكورة التي عرفت صحة الصوم و عدم وجوب القضاء فيها.

(3) الظاهر أن الأمر بالقضاء ليس تتمة للاحتياط السابق، بل هو واجب بنحو الفتوي، لأنه المتعين في فرض الإفطار الحاصل في المقام بعد ما سبق من عدم الدليل علي اكتفاء الشارع فيه بالصوم الناقص الميسور.

ص: 241

و إذا كان العامل لا يتمكن من الاستمرار علي الصوم لغلبة العطش و نحوه تعين عليه الاقتصار علي ما تندفع به الضرورة (1) و الاستمرار علي الإمساك علي الأحوط و القضاء بعد ذلك.

[(مسألة 7): إذا صام لاعتقاد عدم الضرر، فبان الخلاف]

(مسألة 7): إذا صام لاعتقاد عدم الضرر، فبان الخلاف، صح (2)،

______________________________

(1) عرفت الفرق بين العطش الذي يخشي منه علي النفس و غيره، و أن اللازم الاقتصار علي مقدار الضرورة في الأول من دون قضاء، و في الثاني العكس.

(2) إما لأن موضوع الإفطار مقيد بالخوف غير الحاصل في المقام، فيجب الصوم واقعا، و لا يشرع الإفطار، كما يظهر من الجواهر، علي ما تقدم في المسألة الخامسة. و إما لأن موضوعه و إن كان هو مطلق الضرر الواقعي إلا أن تشريع الإفطار معه ليس لارتفاع موضوع الصوم و فقده الملاك مع الضرر، بل لمجرد مزاحمة حفظ النفس لوجوب الصوم، و رفعه له مع بقاء ملاكه، فيصح الصوم لواجديته للملاك، كما قربه سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن يظهر ضعف الأول مما تقدم في المسألة الخامسة من أن تشريع الإفطار مع خوف الضرر ليس لكون الخوف قيدا في الضرر الذي هو موضوع مشروعية الإفطار. بل لمجرد الاحتياط للضرر مع كون الموضوع هو الضرر الواقعي علي إطلاقه موضوعا لمشروعية الإفطار، فمع تبين وجوده ينكشف مشروعيته واقعا و عدم وجوب الصوم.

و أما الثاني فهو و إن كان مقتضي الظهور الأولي لدليل مشروعية الإفطار مع المرض كسائر أدلة الرفع الامتناني، بملاك تحقق العذر، من حرج و ضرر و نحوهما، إلا أنه تقدم ظهور جملة من نصوص المقام في أن سقوط الصوم عزيمة، كسقوطه مع السفر، فيكون عدم المرض قيدا في الموضوع، و لا موضوع له معه، ليحرز ملاكه. و من ثم كان عدم الإجزاء أنسب بالقواعد.

نعم حيث كان إضرار الصوم بالبدن جهلا به- بحيث لا يظهر إلا بعد الصوم-

ص: 242

و إذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل، و إن بان الخلاف (1).

______________________________

مما يكثر الابتلاء به، فلو كان البناء علي بطلان الصوم حينئذ لوقع الهرج و المرج، و كثر السؤال عن ذلك، و عن فروعه، و حيث لا أثر لذلك في النصوص كشف عن إجزاء الصوم المذكور.

هذا مضافا إلي ما قد يقال من أن ظاهر جملة من النصوص- و منها مرسل ابن أبي عمير المتقدم- أن تشريع الإفطار مع المرض ليس لعدم تحقق ملاك الصوم فيه، بل هو تفضل منه تعالي هدية لهذه الأمة أو صدقة عليها، و أن عدم مشروعية الصوم حينئذ لكونه ردا لهديته تعالي و صدقته، و ذلك يناسب اختصاص عدم مشروعية الصوم بصورة العلم بالمرض، و قصوره عن صورة الجهل به، لعدم ابتناء الصوم حينئذ علي ردّ هديته تعالي و صدقته.

لكن مقتضي ذلك صحة الصوم في كل مورد لا يبتني علي الرد عليه تعالي للجهل بالموضوع أو الحكم أو نسيانهما. بل مقتضي ذلك صحة الصوم و الاتمام في السفر إذا كان كذلك، لتضمن النصوص لذلك فيهما أيضا، و منها موثق السكوني المتقدم. و هو و إن دلت عليه النصوص و أفتي به الأصحاب في بعض الموارد، إلا أن البناء عليه عموما لا يخلو عن إشكال. و لا بد من التأمل و النظر.

(1) أما مع وجود الضرر واقعا، فلخروجه عن موضوع الأمر بالصوم بعد ما سبق من أن سقوط الصوم عن المريض ليس رخصة، بل عزيمة. و يؤيده حديث الزهري عن الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: «فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فإن اللّه عز و جل يقول: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).

نعم لو فرض غفلته عن عدم مشروعية الصوم حينئذ فقد يتجه الإجزاء لو تم ما سبق من أن مقتضي تعليل عدم مشروعية الصوم مع السفر و المرض بأنه ردّ لهدية اللّه تعالي و صدقته علي الأمة الإجزاء إذا لم يبتن الصوم علي الردّ المذكور. فلاحظه، و قد سبق في المسألة الخامسة احتمال حمل حديث عقبة بن خالد عليه. فراجع.

ص: 243


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

[(مسألة 8): قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الإفطار]

(مسألة 8): قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الإفطار، و إلا فلا يجوز (1). و إذا قال الطبيب لا ضرر في

______________________________

و أما مع عدم الضرر واقعا فينحصر الوجه في البطلان بأنه مع اعتقاد الضرر يري المكلف عدم مشروعية الصوم فيكون إتيانه به بقصد التقرب و المشروعية تشريعا محرما فيمتنع التقرب به و يبطل.

مضافا إلي أنه حيث كان إيقاع النفس في الضرر محرما فيمتنع التقرب من غير جهة التشريع أيضا. و منه يظهر الوجه في البطلان مع خوف الضرر، لمنجزية الخوف للضرر، و لاحتمال حرمة إيقاع النفس فيه، فيمتنع التقرب بالصوم حتي احتمالا و برجاء المطلوبية.

نعم يختص التشريع بما إذا التفت المكلف لعدم مشروعية الصوم مع الضرر.

كما يختص حرمة إيقاع النفس بالضرر بالضرر البالغ مرتبة الهلكة أو تعطيل إحدي القوي التي أنعم اللّه بها علي الإنسان كالبصر، علي إشكال في الثاني. و لا يعمّ كل ضرر مسوغ للإفطار. و من ثم يشكل إطلاق ما في المتن، بل يتعين صحة الصوم لو تأتي للمكلف قصد التقرب به. فلاحظ.

(1) قد يشكل بأنه سبق أن موضوع الإفطار هو مطلق الضرر الواقعي الناشئ من المرض، دون المقيد بالخوف، فمن القريب البناء علي حجية قول الطبيب العارف فيه بملاك حجية قول أهل الخبرة و إن لم يحصل منه الخوف. إلا أن يسقط عن الحجية بالتهمة. و كذا مع العلم أو الاطمئنان بخطئه، لقصور دليل حجية قول أهل الخبرة عن ذلك.

و أما ما دل علي إيكال الأمر للمكلف، و أن الإنسان علي نفسه بصيرة (1)، مما تقدم بعضه، فالظاهر ورود أكثره لبيان الحدّ الواقعي للمرض المسقط للصوم، لا لبيان الضابط في إحراز المرض المذكور، فهو ناظر لمقام الثبوت لا الإثبات.

ص: 244


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم.

الصوم و كان المكلف خائفا وجب الإفطار (1).

[(مسألة 9): إذا برئ المريض قبل الزوال و لم يتناول المفطر جدد النية]

(مسألة 9): إذا برئ المريض قبل الزوال و لم يتناول المفطر جدد النية و صح صومه (2)،

______________________________

و أما ما كان واردا في مقام الإثبات فهو لا ينهض بالردع عن حجية قول أهل الخبرة لعدم ظهوره في حصر الأمر بتشخيص المكلف نفسه للمرض، بل البصيرة كما تكون بتشخيصه هو له تكون باعتماده علي قيام الحجة عليه، و منه قول أهل الخبرة.

(1) لإطلاق دليل العمل علي الخوف. إلا أن يكون الخوف حينئذ من سنخ الوسواس أو الهلع، لعدم المنشأ له عرفا، فيشكل شمول أدلة الخوف له. فلاحظ.

(2) كما في المبسوط و النهاية و الشرائع و التذكرة و غيرها. بل قيل إنه المشهور، و عن المفاتيح نفي الخلاف فيه. و نسبه في التذكرة لعلمائنا، و في المدارك أنه قول علمائنا أجمع.

و استدل عليه في المدارك بفحوي ما دل علي ثبوت ذلك في المسافر، فإن المريض أعذر منه. و هو كما تري لأن أعذرية المريض- لو تمت- إنما تقتضي أولويته بعدم العقاب، لا صحة الصوم منه، و وجوب الاستمرار عليه إذا ارتفع المانع قبل الزوال.

و لعله لذا حكي عن ابني زهرة و حمزة استحباب الإمساك أو الصوم.

و لا يخفي أن محل الكلام إن كان فيمن انكشف عدم إضرار الصوم له من أول الأمر، لتحقق البرء مع سبق الإمساك- كما هو ظاهر فرض الكلام- فلا ينبغي قياسه بالمسافر، لانكشاف وجوب الصوم عليه من الأول، بل بمن لم ينو الصوم لتخيل عدم دخول شهر رمضان ثم انكشف دخوله، حيث يشاركه في التكليف بالصوم واقعا، و في تأخير النية عن الفجر، فيبتني علي عموم دليل الاجتزاء فيه بالنية قبل الزوال له و عدمه. و الظاهر عدم العموم فيه، كما يظهر مما تقدم في المسألة التاسعة من الفصل الأول في نية الصوم.

و إن كان في غيره ممن كان الصوم مضرا به، ثم ارتفع إضراره، إما لبلوغ الضرر حدا لا يقبل الزيادة- كما لو كان مضرا بعينه فعميت قبل الزوال- أو لارتفاع ضرر

ص: 245

إذا لم يكن عاصيا بإمساكه (1).

[(مسألة 10): يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات.]

(مسألة 10): يصح الصوم من الصبي (2) كغيره من العبادات.

______________________________

الصوم و المرض بدعاء و شفاعة و نحوهما، كان نظير المسافر، و أشكل الاكتفاء بتجديد النية، لعدم الدليل علي تشريع الصوم الناقص في حقه، و ثبوته في المسافر غير كاف في الإلحاق.

نعم لو فرض نيته للصوم من أول النهار جهلا بالضرر، ثم انكشف الضرر بعد انتهاء أمده قبل الزوال دخل في المسألة السابعة التي سبق تقريب الإجزاء فيها.

فلاحظ.

(1) كما لو كان أقدم علي الإمساك و هو يعتقد أنه مضر ضررا يحرم الوقوع فيه، حيث يقصر دليل الاجتزاء بتجديد النية- لو تم- عن صورة سبق العصيان بالإمساك.

لكن ذلك إنما يتم فيما إذا انكشف عدم إضرار الصوم من أول الأمر، لأن مبني صحة الصوم منه- كما سبق- إلحاقه بمن أخر النية جهلا بثبوت الصوم في حقه، و هو لو تم فدليل الصحة فيه يقصر عمن كان عاصيا في إمساكه، كما لو صام يوم الشك بنية شهر رمضان، ثم تبين قبل الزوال أنه من شهر رمضان، حيث لا دليل علي الاكتفاء بتجديد النية منه و الاجتزاء بالصوم.

و أما فيما إذا لم ينكشف ذلك، بل كان الصوم مضرا من أول الأمر، فلا يتم فيه ذلك، لأن مبني صحة الصوم منه- كما سبق- إلحاقه بالمسافر، و لو تم ذلك فمن الظاهر أن المسافر إذا نوي الصوم عصيانا حال سفره، ثم دخل بلده قبل الزوال أجزأه تجديد النية، و لا يمنع منه عصيانه السابق. فلاحظ.

(2) كما في المبسوط و الشرائع و التذكرة و الدروس و اللمعة، و عن جماعة.

و يقتضيه أمور..

الأول: إطلاق أدلة التشريع في الصوم و في غيره من العبادات و غيرها.

ص: 246

______________________________

و حديث رفع القلم (1)، إنما يقتضي رفع المؤاخذة و التبعة علي ترك الصوم، من دون أن ينافي صحته و مشروعيته، كما أشرنا إلي ذلك في أوائل هذا الفصل عند الكلام في اعتبار العقل في صحة الصوم.

الثاني: النصوص الكثيرة الواردة في صلاة الصبي و صومه، كصحيح محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في الصبي متي يصلي؟ قال: إذا عقل الصلاة.

قلت: متي يعقل الصلاة و تجب عليه؟ قال: لست سنين» (2)، و موثق سماعة: «سألته عن الصبي متي يصوم؟ قال: إذا قوي علي الصيام» (3)، و موثق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صوم شهر رمضان» (4). فإن مقتضي الجمع بينها و بين ما تضمن اعتبار البلوغ في وجوب الصوم حملها علي الاستحباب. كما يتعين حمل الاختلاف بينها علي اختلاف مراتب الفضل.

الثالث: ما تضمن أمر الأهل بأن يأمروا صبيانهم بالصلاة و الصيام، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث الأربعمائة: «علموا صبيانكم الصلاة، و خذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين» (5)، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عن أبيه (عليهما السلام):

«قال: إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين. و نحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم … فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا» (6)، و غيرهما.

و الأمر بالأمر في مثل ذلك و إن لم يكن أمرا من الآمر الأول للمأمور الثاني،

ص: 247


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12، 11، و غيرها.
2- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.
5- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 8.
6- الكافي ج: 3 ص: 409 باب: صلاة الصبيان و متي يؤخذون بها. و ذكره في وسائل الشيعة فذكر صدره في ج: 3 باب: 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 5، و ذيله في ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

______________________________

علي ما أوضحناه في الأصول، إلا أنه يمكن استفادة مشروعية العبادة في حق الصبيان من الأوامر المذكورة من جهة ظهور نسبة العبادة لهم في أنهم يؤمرون بها علي ما هي عليه بحقائقها المعهودة، المستلزم للقدرة عليها كذلك، لا أن المأمور به صورها لمحض التمرين، و ذلك مستلزم لمشروعيتها و ثبوت الأمر بها في حقهم، لتعذر التقرب بها بدون ذلك. غايته أن صوم بعض النهار تمريني لا غير، لأنه غير الصوم المعهود.

و من جميع ما سبق يظهر ضعف ما في المختلف و المسالك و الروضة من أن صوم الصبي تمريني، من دون أن يكون مأمورا به شرعا في حقه، لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين.

نعم حكم في الأخيرين بصحة نيته و صومه و إن لم يكن مشروعا، لأن الصحة حكم وضعي لا يتوقف علي التكليف. لكن حيث كانت نية الصوم عندهم هي القصد إليه علي وجه التقرب، و كان التقرب بالعمل فرع مشروعيته و ثبوت الأمر به، فالمتعين عدم صحة النية من الصبي مع فرض عدم ثبوت الأمر في حقه و عدم مشروعية العمل منه، لامتناع التقرب منه حينئذ.

نعم قد يتجه صحة نفس الصوم منه و إن كان فاقدا للنية، بلحاظ تماميته و مطابقته لما أمر الشارع الأقدس بتمرينه عليه، لا بلحاظ مطابقته لما أمره الشارع به.

لكنه صوم خاص غير الصوم المعهود. فلاحظ.

بقي شي ء. و هو أنه قد أطال في الجواهر الكلام في أن الصبي هل ينوي بصومه الوجوب، بلحاظ أن الغرض من فعله تمرينه علي الفعل الواجب، أو الندب بلحاظ عدم وجوب الفعل عليه، أو التخيير بين الوجهين، كما حكاه عن البيان و الذكري.

و لا ينبغي التأمل في أنه بناء علي شرعية عباداته فالمتعين منه نية الندب، كما تقتضيه الأدلة المتقدمة بعد المفروغية عن عدم وجوبها عليه. و مجرد كون الغرض تمرينه علي الواجب لا يقتضي الخروج عن مقتضاها، بل لا بد من كون المراد بها تمرينه علي ذات الواجب، لا علي وجهه.

أما بناء علي عدم شرعية عباداته فالمتعين تعذر النية المعهودة في حقه، بل يكون

ص: 248

[(مسألة 11): لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان]

(مسألة 11): لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان (1)، و في إلحاق مطلق الصوم الواجب به إشكال (2). كالإشكال في

______________________________

عمله صوريا يريد به التمرن علي الواجب، أو متابعة من يأمره تمرينا من أهله.

و ما في الجواهر من أنه ينوي حينئذ القربة. غريب جدا، إذ لا معني للتقرب بما لم يخاطبه به الشارع الأقدس و لم يشرعه في حقه لا وجوبا و لا ندبا.

إلا أن يدعي ثبوت الملاك في حقه و إن لم يخاطب علي طبقه، فيكون التقرب منه بقصد موافقة الملاك لا بقصد موافقة الأمر. لكنه من الغرابة بمكان، إذ بعد تمامية الملاك، و قابلية الشخص للخطاب- لفرض تمييزه، و تيسر النية منه- فلما ذا لا يخاطب؟!

(1) كما نسب للأكثر في المدارك، و استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه إلا ما يفهم من كلام السيد المرتضي قدّس سرّه في أجوبة المسائل الرسية. لكن صرح في القواعد و جامع المقاصد بعدم مانعية ذلك في صوم التطوع، و قد يظهر من كل من لم يتعرض له، كالمحقق في الشرائع.

و يشهد للمشهور صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوع؟ فقال: لا حتي يقضي ما عليه من شهر رمضان» (1)، و نحوه حديث الكناني (2)، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال: قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل … أ تريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فأبدأ بالفريضة» (3)، و بها يخرج عن الأصل الذي استدل به للمرتضي، و كذا عن إطلاق دليل الخطاب بالصوم المستحب.

(2) فعن المشهور إلحاقه به و هو المصرح به في المقنعة. و استدل لهم بما رواه

ص: 249


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 50 من أبواب المواقيت حديث: 3.

______________________________

الصدوق في الفقيه، قال: «وردت الأخبار و الآثار عن الأئمة عليهم السّلام: أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض. و ممن روي ذلك الحلبي و أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام» (1).

لكن الظاهر أن مراده حديثا الحلبي و الكناني المتقدمان المقتصر فيهما علي صوم شهر رمضان، و أنه لم ينقل الحديثين بلفظهما بل بالمعني، بل ربما يكون مراده بالفرض خصوص رمضان، لأنه المعهود المشهور، المنصوص عليه في الكتاب المجيد، و المعدود من فرائض الإسلام.

بل هو كالصريح من المقنع، حيث قال: «باب الرجل يتطوع بالصيام و عليه شي ء من شهر رمضان. اعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل و عليه شي ء من الفرض.

كذلك وجدته في كل الأحاديث». و لعله لذا نسب له في الحدائق الاقتصار علي قضاء شهر رمضان.

و إلا فمن البعيد جدا تعدد أحاديث الرجلين، و اقتصار الكليني و الشيخ علي ما لم يذكره الصدوق، و اقتصار الصدوق علي ما لم يذكراه. و إن كان ذلك هو ظاهر ما فهمه في الوسائل منهم.

و من ثم استظهر في المدارك و الحدائق الاقتصار علي قضاء شهر رمضان، كما اقتصر عليه في النهاية، بل نسبه في المدارك و الحدائق لظاهر الكليني، لاقتصاره عليه في عنوان الباب و نصوصه.

هذا و قد استبعد ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه، لأن الصدوق قدّس سرّه ذكر الأخبار و الآثار بصيغة الجمع، فكيف يريد به خصوص حديثي الحلبي و الكناني؟! بل ذكر أن اختلاف طريقه للحلبي مع طريق الكليني له في جميع رجال السند قرينة قطعية علي أن مراده بما رواه الحلبي غير الرواية المتقدمة من الكليني عنه.

لكنه كما تري، فإن اختلاف الطريقين لراو واحد لا يستلزم اختلاف الروايتين عنه. كما أن التسامح بإطلاق لفظ الجمع علي الاثنين غير عزيز. بل لا يبعد كونه إطلاقا

ص: 250


1- الفقيه ج: 2 ص: 87.

صحة التطوع إذا نسي أن عليه قضاء (1)، و الظاهر جواز التطوع لمن عليه

______________________________

حقيقيا. علي أن النصوص في المقام ثلاثة، ثالثها صحيح زرارة.

نعم قد يستفاد العموم من صحيح زرارة، فإنه و إن اختص بقضاء شهر رمضان، إلا أن صحة القياس فيه تتوقف علي إلغاء خصوصيته، و عموم المنع فيه لكل صوم مفروض، بل لكل مفروض مع ما هو من سنخه من المندوب و إن لم يكن صوما، لتشمل الكبري المذكورة المقيس، و هو الصلاة.

اللهم إلا أن يقال: لا مجال للبناء علي كون القياس حقيقيا منتجا بعد عدم الإشكال في جواز إيقاع نافلة الفجر بعد الفجر و دخول وقت الفريضة، و في جواز إيقاع غيرها من المستحبات حال التكليف بالواجبات في الصلاة- كما في نافلتي الظهرين- و في غيرها كالصدقات، و سائر موارد النذور. و لأجل ذلك لا بد من حمله علي محض التشبيه و الاستدلال بالنظير علي النظير و إن كان عقيما، لعدم دخولهما في كبري واحدة. و حينئذ لا قرينة علي إلغاء خصوصية قضاء شهر رمضان في الصحيح و التعدي لكل صوم واجب.

(1) فإن مقتضي الإطلاق البطلان. و قد توجه الصحة بانصراف الإطلاق المذكور إلي ما إذا تمكن من أداء الواجب، لارتكاز أن منشأ الاشتراط أهمية الواجب، بنحو يقتضي ترجيحه و تقديمه في مقام الامتثال، و لا موضوع للترجيح مع تعذره.

و من ثم خصّ المنع في المدارك و محكي الدروس بما إذا كان قادرا علي أداء الواجب، و مع النسيان لا قدرة علي الواجب.

و يشكل بأن النسيان لا يقتضي العجز عن فعل الواجب، و لذا كان التحقيق أن الرفع معه ظاهري، خصوصا مع الالتفات و حصول الشك، حيث يتمكن من الإتيان به احتياطا.

نعم إذا تمت الجهة المتقدمة المقتضية للانصراف- كما هو غير بعيد- فمن القريب أنها كما تقتضي قصور النصوص عن حال التعذر تقتضي قصورها عن حال النسيان و الجهل و نحوهما من موارد وجود العذر عن امتثال الواجب.

ص: 251

صوم واجب استيجاري (1)، كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم الواجب إذا كان عليه قضاء رمضان (2)، و لا يجوز إيجار نفسه للصوم المستحب عن غيره إذا كان عليه قضاء رمضان (3).

______________________________

(1) سواء كان قضاء شهر رمضان أم غيره- بناء علي التعدي لكل صوم واجب- لانصراف النصوص المتقدمة عما كان ثابتا علي المكلف بنفسه لا بسبب الإجارة. و إن شئت قلت: المانع من الصوم المندوب هو التكليف بقضاء صوم شهر رمضان أو بمطلق الصوم، لا التكليف بالوفاء بالإجارة. فلاحظ.

(2) لقصور النصوص عنه، لأن موضوعها التطوع، و الصوم المذكور ليس تطوعا لا بذاته، و لا بلحاظ ثبوته عليه، لفرض وجوبه عليه بالإجارة.

(3) اعترف قدّس سرّه بخروجه عن المتيقن من النصوص، و أن استفادته منها تبعا، بلحاظ أن المستفاد منها عدم مشروعية أداء التطوع ممن عليه واجب، و لو كان التطوع عن غيره، قال: «فإن أداء التطوع و لو عن الغير لا يصح لمن عليه الفرض».

لكنه كما تري، حيث لا يستفاد من النصوص الترتب بين ذاتي الصومين، بل بينهما بعنوان كونهما فرضا و تطوعا، و من الظاهر خروج التطوع في حق الأجير عن كونه تطوعا، و صيرورته فرضا بالإجارة.

نعم قد يتجه ذلك في أداء التطوع تبرعا الذي هو تطوع في التطوع، حيث يبعد جدا عدم مشروعية أداء التطوع عن نفسه و مشروعية التطوع به تبرعا عن غيره. بل قد يتجه عدم مشروعية التطوع بأداء الواجب تبرعا عن الغير، لعدم خروجه عن التطوع في حق المؤدي الذي عليه صوم شهر رمضان أو مطلق الواجب. و ربما جري ذلك في أداء الواجب و المستحب عن الغير بأجر بنحو الجعالة لا الإجارة. و إن لم يخل عن إشكال.

علي أن ما ذكره قدّس سرّه- لو تم- إنما يقتضي عدم مشروعية أداء الصوم الاستئجاري المذكور، لا عدم جواز الإجارة عليه، حيث لا مانع من البناء علي صحة الإجارة، و لزوم تأخير أداء الصوم الاستئجاري عن أداء ما عليه من صوم شهر

ص: 252

[(مسألة 12): يشترط في وجوب الصوم البلوغ و العقل و الحضر]

(مسألة 12): يشترط في وجوب الصوم البلوغ (1) و العقل (2) و الحضر (3)،

______________________________

رمضان أو مطلق الواجب. و لعل مراده قدّس سرّه ذلك بأن يريد الاستئجار بنحو يقتضي التعجيل بالأداء.

(1) لما تضمن رفع القلم عنه (1). و للنصوص الكثيرة الواردة في الصوم، كصحيح معاوية بن وهب في حديث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة … » (2)، فإنه كالصريح في عدم وجوب الصوم علي ابن أربع عشرة سنة و ما دونها. و حديث أبي بصير عنه عليه السّلام: «أنه قال: علي الصبي إذا احتلم الصيام، و علي الجارية إذا حاضت الصيام … » (3)، و في الزهري عن الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: «و أما صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا، و ليس بفرض» (4)، و غيرها.

(2) لما تضمن رفع القلم عنه (5)، و ما تضمن إناطة التكليف بالعقل، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لما خلق اللّه العقل استنطقه، ثم قال له:

أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحب إليّ منك، و لا أكملتك إلا فيمن أحب. أما إني إياك آمر، و إياك أنهي، و إياك أعاقب، و إياك أثيب» (6)، و غيره.

(3) لا لعدم صحة الصوم من المسافر، فإن ذلك إنما يقتضي شرطية الحضر في الصوم، لا في وجوبه، بل لأمرين:

ص: 253


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11، 12، و ج: 2 باب: 14 من أبواب صلاة الجنائز حديث: 5، و ج: 19 باب: 36 من أبواب القصاص في النفس حديث: 2، و غيرها.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 7، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 7، 4.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 7، 4.
5- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11، و ج: 19 باب: 36 من أبواب القصاص في النفس حديث: 2.
6- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 3 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

______________________________

الأول: قوله تعالي: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1)، و قوله سبحانه: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2).

لظهورهما في استثناء حال المرض و السفر من الخطاب بالصوم. و علي ذلك جرت النصوص الكثيرة الظاهرة في أن سقوط الصوم في السفر و المرض عزيمة، و قد تقدم بعضها عند الكلام في عدم صحة الصوم من المريض و المسافر.

الثاني: ما دل علي جواز السفر في شهر رمضان، علي ما يأتي في المسألة السادسة عشرة، إذ لو لم يكن الحضر من شروط الوجوب لوجب تحصيله بترك السفر، كسائر شروط الواجب.

و لا ينافي ذلك صدق الفوت و وجوب القضاء مع السفر. إذ يمكن صدق الفوت بلحاظ فوت الملاك الاقتضائي، نظير صدقه و وجوب القضاء مع التعذر و الحرج.

هذا كله في صوم شهر رمضان و أما غيره- كصوم الكفارة لو ضاق وقته، و النذر كذلك- فمقتضي إطلاق دليلهما عدم شرطيته. إلا أن تستفاد شرطيته في النذر من جملة من النصوص المتضمنة عدم صوم النذر في السفر (3)، فإن عدم التنبيه فيها لعدم جواز السفر، و لزوم الاقتصار فيه علي الضرورة الرافعة للتكليف، موجب لظهورها في المفروغية عن جواز السفر.

و هو المصرح به في معتبر عبد اللّه بن جندب: «سمعت من رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه سئل عن رجل جعل علي نفسه نذرا صوما فحضرته نيته في زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام. قال: يخرج، و لا يصوم في الطريق … » (4).

بل قد يظهر من بعضها مانعية السفر عن وجوب كل صوم، ففي موثق زرارة:

«قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إن أمي كانت جعلت عليها نذرا إن اللّه ردّ [إن يردّ اللّه] عليها

ص: 254


1- سورة البقرة الآية: 184.
2- سورة البقرة الآية: 185.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم.
4- الكافي ج: 7 ص: 457، التهذيب ج: 8 ص: 306، و ذكره باختلاف في وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.

______________________________

بعض ولدها من شي ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلي مكة فأشكل علينا لمكان النذر أ تصوم أو تفطر؟ فقال: لا تصوم، قد وضع اللّه عنها حقه، و تصوم هي ما جعلت علي نفسها؟! … » (1)، لظهور وضع الصوم عنها في السفر في عدم تكليفها به، لا مجرد عدم صحته منها. كما أن مقتضي إطلاقه سقوط كل صوم هو حق للّه تعالي، لا خصوص صوم شهر رمضان، و أن ذلك مستلزم لسقوط الصوم الذي يجعله الإنسان علي نفسه بالنذر و غيره.

اللهم إلا أن يقال: لما لم يكن الحديث واردا لبيان عدم مانعية وجوب الصوم من السفر، بل لبيان مانعية السفر من وجوب الصوم حاله، مع المفروغية عن جواز السفر، فلا إطلاق له يقتضي مانعية السفر من وجوب الصوم في غير مورد المفروغية عن جوازه. و من ثم لا مجال للاستدلال به في غير النذر مما لم يثبت فيه جواز السفر، و إن جري علي ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه.

بل لا إشكال في عدم البناء علي جواز السفر في الصوم الاستئجاري المعين، مع أن مقتضي الوجه المذكور العموم له، لأنه كالمنذور مما يجعله المكلف علي نفسه، و كما أمكن مانعية السفر من وجوب الوفاء بالنذر أمكن مانعيته من وجوب الوفاء بالإجارة.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره قدّس سرّه من الفرق بين الإجارة و النذر بامتناع شمول الحديث للإجارة، لأنه بعد ملكية المستأجر الصوم علي الأجير بمقتضي العقد كيف يرخص الشارع في تضييع هذا الحق و عدم تسليم المال إلي مالكه؟!.

وجه الإشكال: أن مرجع هذا الوجه ليس إلي جواز عدم الوفاء بالإجارة بعد نفوذها، و لا إلي جواز عدم الوفاء بالنذر بعد نفوذه، بل إلي قصور عموم وجوب الوفاء بالنذر و الإجارة و نفوذهما عن المنع من السفر، و كما يمكن ذلك في النذر يمكن في الإجارة، لأنهما من سنخ واحد.

فالعمدة ما ذکرنا من عدم ورود الحدیث لبیان عدم مانعیة وجوب الصوم من

ص: 255


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

______________________________

السفر، ليعم الوجوب بالإجارة، بل لبيان مانعية السفر من وجوب الصوم بعد الفراغ عن جواز السفر، لدليل خارج، فمع عدم ثبوت جوازه لا ينهض الحديث بإثبات مانعية السفر من وجوب الصوم، بل مقتضي إطلاق دليل الوجوب- لو تم- عدم مانعية السفر منه، و إن كان مانعا من صحة الصوم، فيجب الحضر مقدمة له، و يحرم السفر. و حيث لم يثبت ذلك في الإجارة فالمتعين حرمة السفر مع مانعيته من الوفاء بها، لعموم دليل نفوذها و وجوب الوفاء بها.

و مثله استدلال بعض مشايخنا قدّس سرّه للعموم المذكور بصحيح علي بن مهزيار:

«كتبت إليه- يعني إلي أبي الحسن عليه السّلام-: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه:

قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الأيام كلها و يصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه» (1).

و كأنه لدعوي: أن مقتضي إطلاق قوله عليه السّلام: «قد وضع اللّه عنه الصيام … »

سقوط التكليف في الموارد المذكورة بكل صوم و إن لم يكن منذورا. لكنه يندفع بعدم وضوح الإطلاق المذكور، و المتيقن منه الصوم النذري المسئول عنه، و لا سيما بملاحظة الأمر بالقضاء المحمول علي الوجوب أو الاستحباب، حيث لا إشكال ظاهرا في عدم استفادة العموم فيه لكل صوم. علي أنه لما كان واردا لبيان الوظيفة عند تحقق هذه العناوين المذكورة لا لبيان حكم تحقيق العناوين فمن المحتمل أن يكون المراد من وضع الصوم عدم وجوبه فعلا بملاك التعذر، لا عدم مشروعيته ذاتا لأخذ عدمها شرطا في وجوبه. فلاحظ.

أما سيدنا المصنف قدّس سرّه فقد استدل علي ذلك بأن الحضر من شرائط الصوم الواجب في شهر رمضان، و إنما لا يجب تحصيله و يجوز السفر لأن الشرط هو حصوله من باب الاتفاق، و يمتنع مع ذلك وجوبه تبعا لوجوب الصوم، كما هو الحال في سائر شروط الواجب المأخوذة كذلك. و حينئذ يكون مقتضي قاعدة الإلحاق كون شرطية

ص: 256


1- وسائل الشيعة ج: 16 باب: 10 من أبواب كتاب النذر و العهد حديث: 1.

______________________________

الحضر كذلك في سائر أقسام الصوم.

و هو يبتني علي ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه و جماعة في توجيه شرطية بعض الأمور للواجب مع عدم وجوب تحصيلها مقدمة له، بأن الشرط منها ليس مطلق الوجود، بل خصوص ما كان وجوده اتفاقيا.

لكن ذكرنا في مبحث الواجب المشروط من الأصول ضعف المبني المذكور، و أنه لا بد من البناء علي كون الأمور المذكورة شروطا للوجوب، لا للواجب فقط.

و هو ظاهر الآيتين الكريمتين و النصوص الشريفة في المقام، كما يظهر مما سبق. و إنما استفيد شرطية الحضر للصوم في شهر رمضان و غيره من ظهور الأدلة في أن رفع التكليف بالصوم في السفر عزيمة لا رخصة، و مع عدم مشروعيته لا مجال للتقرب به. و مما تضمن النهي عن الصوم في السفر و عدم إجزائه و نحو ذلك.

و حينئذ فكون وجوب الصوم في شهر رمضان مشروطا بالحضر لا يستلزم كون وجوب بقية أفراد الصوم كذلك، بل مقتضي إطلاق أدلتها عدم الاشتراط، فيجب تحصيل الحضر مقدمة لتحصيل الواجب المطلق. إلا أن يثبت جواز تفويته بالسفر، كما ثبت في الصوم المنذور. و قاعدة الإلحاق إنما تنفع في تحديد الصوم الواجب، لا تحديد شرط وجوبه، بل هو تابع لدليل ذلك الواجب.

نعم قد يقال: المستفاد من أدلة مانعية السفر من الصوم- و لو بضميمة المرتكزات المتشرعية- أخذ السفر في جميع أفراد الصوم المشروع علي غرار أخذه في صوم رمضان، و أن الأصل في ذلك هو أخذه في صوم شهر رمضان في الآيتين الكريمتين و نحوهما، مع إلغاء خصوصية المورد فيها.

و حيث كان ظاهر الآيتين كونه شرطا للوجوب كما هو مقتضي الاستدراك في الآية الأولي، و التفصيل بين من شهد الشهر و من كان مريضا أو علي سفر في الثانية، كان اللازم البناء علي كونه شرطا للوجوب في بقية أفراد الصوم المشروع.

نعم الصوم الذي يجعله المكلف علي نفسه بنذر أو إجارة أو نحوهما ليس تابعا للجعل الشرعي، بل لكيفية جعل المكلف الصوم علي نفسه، فإن كان مجعولا

ص: 257

و عدم الإغماء (1)، و عدم المرض (2)،

______________________________

بنحو يقتضي الحضر من أجل تحقيق الصوم منع من السفر، و إن كان مجعولا بنحو لا يقتضيه، بل بنحو يقتضي الصوم في ظرف تمامية شروطه الشرعية لم يمنع من السفر.

و الظاهر أن النذر غالبا علي النحو الثاني، و لذا كان مقتضي المرتكزات و ظاهر جملة من النصوص- و منها ما تقدم- المفروغية عن جواز السفر معه، و أن الإشكال إنما هو في وجوب الإفطار حال السفر، أو في وجوب القضاء علي تقدير الإفطار.

فلو فرض خروج الناذر عن ذلك، و كان قصده بنذره تحقيق الصوم بتحقيق شرط مشروعيته امتنع السفر، و خرج عن موضوع النصوص المتقدمة.

كما أن الإجارة غالبا علي النحو الأول، لأن غرض المستأجر حصول الصوم بالفعل لنيل فائدته، لا حصوله معلقا علي تحقق شرط مشروعيته، و لذا كان ظاهرهم المفروغية عن وجوب الحضر مقدمة للوفاء بالإجارة، و لو فرض خروجه عن ذلك و ابتناؤه علي الوجه الثاني تعين جواز السفر المانع منه، و خرج عن موضوع كلامهم. فتأمل جيدا.

(1) لا إشكال في مانعية الإغماء من الصوم في الجملة و كونه من شرائط صحة الصوم، و إنما الإشكال في عموم المانعية بحيث يشمل الإغماء مع سبق النية، علي ما تقدم الكلام فيه في المسألة الأولي.

إلا أن ذلك لا يستلزم كونه من شرائط وجوب الصوم، حيث يظهر الأثر في جواز إيقاع الإغماء بتهيئة أسبابه و عدم وجوب منعه مع القدرة علي ذلك، بل لا بد من إثبات ذلك بدليل آخر مخرج عن إطلاق دليل وجوب الصوم و مطلوبيته، من دون فرق بين ما يجب بالذات، كصوم شهر رمضان و صوم الكفارة، و ما يجب بالجعل، كالصوم المنذور و الاستئجاري، و لا يتضح لنا الدليل المذكور.

(2) تقدم مانعية المرض من صحة الصوم مطلقا. أما شرطية عدمه في وجوبه بنحو يسوغ إحداث المرض اختيارا، و لا يجب منعه أو العلاج منه مع القدرة عليه، فهو غير بعيد، لعدم ثبوت إطلاق وجوب الصوم بالنحو المذكور بعد ظهور الآيتين الكريمتين في استثناء المريض من وجوب الصوم.

ص: 258

و الخلو من الحيض و النفاس (1).

[(مسألة 13): لو صام الصبي تطوعا و بلغ في الأثناء و لو بعد الزوال]

(مسألة 13): لو صام الصبي تطوعا و بلغ في الأثناء و لو بعد الزوال فلا يبعد وجوب الإتمام (2).

______________________________

هذا في صوم شهر رمضان، و أما في قضائه فإطلاق قوله تعالي: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ و إن كان يقتضي وجوب القضاء بتحصيل مقدمته إلا أن ظاهر النصوص المتضمنة عدم وجوب القضاء علي من استمر به المرض إلي شهر رمضان الآخر كون وجوب القضاء مشروطا بعدم استمرار المرض. و كذا ما تضمن سقوط صوم الكفارة بالمرض، و سقوط صوم النذر به. بل لا يبعد قيام السيرة علي ذلك، إذ لو وجب العلاج لظهر و بان لشيوع الابتلاء بذلك.

نعم يشكل البناء علي ذلك في الصوم الاستئجاري المضيق، لعموم وجوب الوفاء بالإجارة المطابق في المقام للمرتكزات جدا.

هذا كله مع غض النظر عما تقدم في السفر، أما بلحاظه فالأمر أظهر، لأن لسان الأدلة في السفر و المرض علي نهج واحد.

(1) يظهر مما سبق أن شرطيته في صحة الصوم لا تستلزم شرطيته في وجوبه، بحيث لا يجب تحصيله مقدمة له.

و حينئذ لا يبعد شرطيته في وجوب صوم شهر رمضان، بمعني عدم كون وجوبه بنحو يقتضي وجوب منع الحيض و النفاس و حرمة إيقاعهما مع القدرة، لاحتياج ذلك إلي عناية مغفول عنها.

أما في غيره من الصوم الواجب فلا شاهد عليه، و مقتضي إطلاق دليل وجوبه عدمه، لقلة الابتلاء بالصوم المذكور. خصوصا غير قضاء شهر رمضان، لكن مرتكزات المتشرعة قاضية بعدم وجوب منعهما و لا رفعهما في غير الصوم الاستئجاري. بل حتي فيه، إلا أن تبتني الإجارة علي عناية. فلاحظ.

(2) قال قدّس سرّه: «فإن تفويت المصلحة الملزمة لو لا الصبا حرام، و هو يترتب

ص: 259

[(مسألة 14): إذا سافر قبل الزوال وجب عليه الإفطار]

(مسألة 14): إذا سافر قبل الزوال وجب عليه الإفطار، و إن كان بعده وجب إتمام الصيام (1). و إذا كان مسافرا، فدخل بلده أو بلدا نوي

______________________________

علي الإفطار حين البلوغ في الأثناء. و نظير المقام ما لو صلي في آخر الوقت و قد بلغ في الأثناء، فإنه يجب عليه إتمام صلاته».

و يشكل بأن كون المصلحة ملزمة في حقه مشروط بدخوله في عموم الخطاب بالصوم الواجب، و هو غير ثابت في المقام بعد كون الواجب هو الصوم التام، و هو عاجز عنه، لا ما يعم إتمام الصوم القادر عليه. و كذا الحال في الصلاة.

نعم لو بلغ في وقت يسع ركعة من الصلاة فالظاهر وجوب الإتمام عليه، لأنه مكلف بالصلاة حينئذ كسائر المكلفين لقدرته عليها، و حيث كان للصلاة فردان اختياري، و هو الصلاة في أثناء الوقت، و اضطراري، و هو الصلاة التي تقع ركعة منها فقط في الوقت، و كان قادرا علي الأول بإتمام الصلاة التي بلغ في أثنائها، تعين وجوب ذلك عليه، و لا يجوز له التفريط به بقطع الصلاة التي بلغ في أثنائها، و استئناف صلاة أخري لا يقع منها في الوقت إلا ركعة. فلاحظ.

(1) كما في المقنعة و ظاهر الفقيه و عن غيرهما. للنصوص الكثيرة كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم، قال: فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه» (1)، و غيره.

و عن جماعة- منهم الشيخ في جملة من كتبه و ابن حمزة و القاضي و المحقق- أن المعيار علي تبييت النية و عدمه، فمع الأول يجب الإفطار، و مع الثاني يتم صومه. لجملة من النصوص، منها موثق علي بن يقطين عن أبي الحسن موسي عليه السّلام: «في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه» (2)، و غيره.

ص: 260


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2، 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2، 10.

______________________________

و قد صرح غير واحد باستحكام التعارض بين الطائفتين، إذ يمكن الجمع بينهما بأحد وجهين:

الأول: حمل التفصيل الثاني علي الخروج قبل الزوال، فيكون المحصل من النصوص أنه لا بد في الإفطار من الخروج قبل الزوال و تبييت النية معا، و مع عدمهما أو عدم أحدهما يتعين الصوم، و بذلك صرح به في المبسوط.

الثاني: حمل التفصيل الأول علي من بيّت النية، فيكون المحصل من النصوص أنه لا بد في البقاء علي الصوم من الخروج بعد الزوال و عدم تبييت النية، و مع عدمهما أو عدم أحدهما يتعين الإفطار، كما صرح به في الوسائل.

و حيث لا قرينة علي أحد الوجهين تعين استحكام التعارض بين الطائفتين.

نظير استحكام التعارض بين العامين من وجه، و لزم الرجوع إلي أحكام التعارض.

و من هنا رجح سيدنا المصنف قدّس سرّه الطائفة الأولي علي الثانية لصحة السند و مخالفتها للمحكي عن جماعة من العامة.

لكن المراد بذلك إن كان هو عدم اعتبار سند الطائفة الأولي فلا إشكال في وجود ما هو المعتبر فيها. و إن كان المراد أن المعتبر سندا فيها أكثر مما هو معتبر سندا في الطائفة الثانية، فلم يتضح كون ذلك مرجحا شرعا. و لا سيما مع تأيد ما هو المعتبر في الطائفة الثانية بنصوص أخر غير معتبرة السند.

و أما العامة فهم مختلفون معنا في وجوب الإفطار في السفر، فكيف يوافقون الطائفة الثانية؟! إلا أن يراد أنها أقرب إلي أقوالهم في الجملة. و لا يتضح كفاية ذلك في الترجيح.

هذا مع أن الظاهر عدم استحكام التعارض بين الطائفتين، بل يتعين في الجمع بينهما عرفا الوجه الأول بقرينة صحيح رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح. قال: يتم صومه [يومه] ذلك … » (1)،

فإنه ظاهر أو صريح في عدم تبييت النية، و في السفر أول النهار قبل الزوال، فالحكم

ص: 261


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.

______________________________

فيه بوجوب الصوم لا يناسب الجمع الثاني، بل يعين الجمع الأول، و يكون مرجعه إلي تقييد الصحيح المذكور لإطلاق ما تضمنته الطائفة الأولي من الإفطار مع الخروج قبل الزوال. و يبقي إطلاق ما تضمنته من وجوب الصوم مع الخروج بعد الزوال علي حاله، إذ لو قيد أيضا بما إذا بيت النية لزم إلغاء التفصيل الذي تضمنته تلك الطائفة بالمرة، و هو خروج عن صريحها، فيتعين لأجل ذلك حمل إطلاق التفصيل في الثانية علي خصوص ما قبل الزوال، الراجع إلي الجمع الأول.

كما أن ذلك هو المناسب أيضا لخبر أبي بصير- الذي لا خدش في سنده إلا إرسال صفوان الذي قيل أنه لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة-: «قال: إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل، فأتم الصوم، و اعتد به من شهر رمضان» (1)، فإنه و إن كان مطلقا من حيثية وقت السفر إلا أن المتيقن منه الخروج أول النهار، فيطابق صحيح رفاعة، و يجري فيه ما سبق. و لا مجال لما في الوسائل من حمله علي خصوص من خرج بعد الزوال، ليناسب الجمع الثاني الذي اختاره، فإنه بعيد جدا.

و كذا خبره الآخر: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا أردت السفر في شهر رمضان، فنويت الخروج من الليل، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده، فأنت مفطر، و عليك قضاء ذلك اليوم» (2).

نعم قد يشكل الاستدلال بهما، لاشتمال سند الثاني علي الإرسال ممن لم يثبت عنه أنه لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة. و لعدم ظهور الأول في نسبة أبي بصير الكلام للإمام، بل قد يكون ذلك فتوي لأبي بصير نفسه، و إن كان هو مخالفا لظاهر تدوينه في كتب الحديث. فالعمدة صحيح رفاعة، و ليكن خبرا أبي بصير مؤيدين له.

و كيف كان فالمتعين بالنظر لمجموع الأدلة اختصاص التفصيل بين تبييت النية و عدمه بمن سافر قبل الزوال، أما من سافر بعده فيتم صومه مطلقا، كما تقدم من المبسوط، بل لعله مراد غيره ممن ذكر التفصيل المذكور، كما صرح به بعضهم، و إن اختلفوا في وجوب الصوم و التخيير بينه و بين الإفطار، و في وجوب القضاء مع

ص: 262


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12، 202.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12، 202.

______________________________

الصوم و عدمه. بل في الخلاف الإجماع علي أن من تلبس بالصوم أول النهار ثم سافر آخر النهار لا يفطر. كل ذلك لاضطراب النصوص، و اضطرابهم في الجمع بينها.

و المتعين ما ذكرنا.

هذا و عن الصدوق الأول و المرتضي وجوب الإفطار مطلقا، و اختاره في السرائر، مستدلا عليه بإطلاق الآية، و لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح إطلاقها بنحو يشمل السفر في أثناء النهار. فتأمل جيدا.

نعم يشهد له- مضافا إلي إطلاق ما تضمن وجوب الإفطار علي المسافر (1)، و إطلاق ما تضمن التلازم بين التقصير و الإفطار (2) - معتبر عبد الأعلي مولي آل سام:

«في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال: يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» (3).

لكن الإطلاق مقيد بما سبق. و أما حديث عبد الأعلي فهو مخالف لجميع النصوص السابقة الكثيرة العدد، المعتبرة السند، المعول عليها عند الأصحاب، فلا بد من طرحه.

(إن قلت): يمكن حمله علي من بيت النية، فيناسب الجمع الثاني بين الطائفتين الأوليين الذي تقدم من صاحب الوسائل، و يكون مانعا من الجمع الأول، كما كان صحيح رفاعة مانعا من الجمع الثاني، و يتعين استحكام التعارض بين الطائفتين الأوليين.

(قلت): لا يظهر من الأصحاب التعويل علي حديث عبد الأعلي في البناء علي التفصيل المذكور. بل حتي من قال بعموم الإفطار لا يبعد أن يكون دليله الإطلاقات كما صرح به في السرائر- دون الحديث المذكور.

و من هنا يشكل التعويل عليه في نفسه. و لا سيما مع إضماره. مع أن حمله علي خصوص من بيت النية خال عن الشاهد، بل لا يخلو عن بعد، لأن الشائع ممن يسافر آخر النهار عدم تبييت النية، فحمله علي خصوص من بيت النية من دون تنبيه فيه

ص: 263


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب من يصح منه الصوم.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 14.

فيه الإقامة، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر وجب عليه الصيام (1)

______________________________

لذلك بعيد جدا، و ليس هو كصحيح رفاعة الصريح فيمن لم يبيت النية و يخرج أول النهار. و من ثم لا ينهض الحديث برفع اليد عما سبق. و في المقام أقوال أخر للأصحاب تقدم بعضها لا يتضح مأخذها.

كما أن في المقام نصوصا أخر تضمنت إطلاق وجوب الصيام علي من أصبح في بلده (1)، كمعتبر سليمان الجعفري: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان، فيخرج من أهله بعد ما يصبح، فقال: إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم، إلا أن يدلج دلجة» (2). و حيث يصعب حمل بعضها- كالحديث السابق- علي خصوص من لم يبيت النية، كانت معارضة لجميع النصوص السابقة، فيتعين طرحها أو حملها علي استحباب الإمساك له و إن لم يعتد بصومه أو علي التقية، حيث نسب الكحلاني في سبل السلام ذلك لجمهور العامة.

و كذا ما تضمن إطلاق التخيير بين الصيام أو الإفطار، كصحيح رفاعة:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يريد السفر في رمضان، قال: إذا أصبح في بلده ثم خرج فإن شاء صام و إن شاء أفطر» (3).

علي أنه لا يظهر منهم العمل بأحد المضمونين علي إطلاقه. و حملهما علي خصوص ما بعد الزوال- كما صرح بعضهم بذلك، علي ما أشرنا إليه آنفا- بلا شاهد.

بل لعله غير ممكن في جميع النصوص المذكورة، و منها ما تقدم.

و أغرب من الجميع ما في معتبر الجعفريات بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

«من خرج من منزله مسافرا في شهر رمضان قبل انشقاق الفجر فهو في صيام ذلك اليوم بالخيار، و إذا هو خرج بعد انشقاق الفجر فعليه صيامه، و لا يفطر» (4).

(1) من غير خلاف يعتد به بينهم. كذا في الجواهر. و يقتضيه غير واحد من

ص: 264


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 8، 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 7.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 7.
4- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

و إن كان بعد الزوال أو تناول المفطر في السفر بقي علي الإفطار (1). نعم

______________________________

النصوص، كموثق أبي بصير: «سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فقال: إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتد به» (1)، و صحيح يونس عن أبي الحسن موسي عليه السّلام في حديث: «في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال، و لم يكن أكل، فعليه أن يتم صومه، و لا قضاء عليه. يعني: إذا كان جنابته من احتلام» (2)، و غيرهما.

هذا و في صحيح رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتي يري أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار. قال: إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر» (3)، و قريب منه غيره.

لكن لا بد من حملها علي التخيير له قبل أن يدخل بين استعمال المفطر و البقاء علي الإمساك حتي يدخل بلده، فيجب عليه الصوم.

نعم يصعب ذلك في صحيح محمد بن مسلم عنه عليه السّلام أنه قال في حديث: «فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، و إن شاء صام» (4).

لكن لا بد من حمله علي ذلك جمعا و إن صعب، أو طرحه، لعدم ظهور عامل به، عدا ما عن ابن زهرة من إطلاق استحباب الإمساك للصائم إذا دخل أهله.

و لا يبعد حمله علي المسافر الذي لا يجب عليه الصوم، مثل من تناول المفطر، أو قدم بعد الزوال، لأن المذكور في كلامه استحباب الإمساك، لا استحباب الصوم، فيظهر منه عدم مشروعية الصوم، فلو أراد عدم مشروعيته مطلقا كان مخالفا لجميع النصوص المتقدمة لا عاملا بنصوص التخيير.

(1) أما مع تناول المفطر فظاهر. و يقتضيه بعض ما تقدم من النصوص. و أما

ص: 265


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 5، 2، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 5، 2، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 5، 2، 1.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6، 5، 2، 1.

يستحب له الإمساك إلي الغروب (1).

______________________________

مع الدخول بعد الزوال فهو المعروف من مذهب الأصحاب، و في الجواهر أنه لا ريب فيه. للنصوص، كقوله عليه السّلام في معتبر سماعة: «إن قدم بعد زوال الشمس أفطر، و لا يأكل ظاهرا» (1)، و مفهوم موثق أبي بصير المتقدم و غيرهما.

لكن أطلق الشيخ في النهاية أنه يتم علي صومه، و لا قضاء عليه. و لعل مراده ما إذا دخل قبل الزوال، كما صرح بذلك في المبسوط، و إلا كان مخالفا للإجماع، كما عن السرائر.

(1) أما مع تناول المفطر و الدخول قبل الزوال فيقتضيه معتبر سماعة: «سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس، و قد أكل. قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا، و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل»(2)، و إطلاق صحيح يونس، قال: «قال: في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال:

يكف عن الأكل بقية يومه، و عليه القضاء … » (3). و قوله عليه السّلام في حديث الزهري:

«و كذلك المسافر إذا أكل أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه، و ليس بفرض» (4).

و مقتضي إطلاق الأخيرين العموم لما إذا دخل بعد الزوال، بل قد يستفاد من الأول، بإلغاء خصوصية الدخول قبل الزوال. و لا سيما و أنه أولي باستحباب الإمساك، لقصر المدة.

بل في معتبر الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «في مسافر يقدم بلده و قد كان مفطرا أول النهار، فيدخل عند الظهر، قال: يكف عن الطعام أحب إليّ» (5)، و يصعب جدا تقييده بما قبل الزوال.

و من هنا يتعين حمل موثق محمد بن مسلم أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

ص: 266


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 3.
5- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

[(مسألة 15): الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال و بعده]

(مسألة 15): الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال و بعده و كذا في الرجوع منه هو البلد (1)، لا حدّ الترخص، نعم لا يجوز الإفطار للمسافر إلا بعد الوصول إلي حدّ الترخص (2)، فلو أفطر قبله وجبت الكفارة.

______________________________

عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أ يواقعها؟ قال: لا بأس به» (1) علي نفي الحرمة، فإنه أولي عرفا من حمله علي نفي الكراهة و رفع اليد به عما تقدم.

هذا و قد أطلق في المبسوط الأمر بالإمساك بقية النهار. و من القريب حمله علي الاستحباب، بل لعله مفروغ عنه بينهم. و إلا كان محجوجا بما سبق.

بقي شي ء، و هو أنه تقدم في حديث سماعة قوله عليه السّلام: «إن قدم بعد زوال الشمس أفطر، و لا يأكل ظاهرا … » (2)، و لا يبعد لأجله البناء علي حرمة التظاهر بالإفطار، بل من القريب التعدي عن مورده لكل من حكمه الإفطار. لكنه لا يناسب إهمال الأصحاب لذلك. و من ثم قد يحمل بضميمة المرتكزات علي ما لو استلزم هتك حرمة الشهر الشريف، لعدم ظهور حاله لعامة الناس، أو علي كراهة التظاهر بالأكل.

(1) لأن السفر عرفا يبدأ بالخروج من البلد، و ينتهي بدخوله، و لا يظهر من أدلة حدّ الترخص تحديد السفر به شرعا خروجا عن المفهوم العرفي، ليكون حاكما علي جميع أحكام السفر، و منها المقام، بل ليس مفادها إلا تقييد جواز التقصير به لا غير، و به يلحق جواز الإفطار، للتلازم بينهما شرعا. و لا مجال للتعدي لغيرهما، و منه المقام.

بل يتعين كون المدار في الإفطار علي صدق السفر عرفا بالخروج من البلد، و في الصيام علي عدم صدق السفر بالدخول للبلد.

(2) لما أشرنا إليه من الملازمة بين التقصير و الإفطار التي تقدم دليلها في المسألة الأولي من هذا الفصل.

ص: 267


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.

[(مسألة 16): يجوز السفر في شهر رمضان اختيارا]

(مسألة 16): يجوز السفر في شهر رمضان اختيارا (1) و لو للفرار

______________________________

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا عن أبي الصلاح الحلبي.

و لا يخفي أن مقتضي قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ … (1)، كون عدم السفر شرطا لوجوب الصوم، لأن مقتضي الاستدراك في ذيل الآية الشريفة كون حال السفر مستثني من إطلاق وجوب الصوم في صدرها، و مرجعه إلي تقييد الإطلاق المذكور بعدم السفر، و من الظاهر أن التكليف لا يقتضي حفظ موضوعه و شروطه، فلا تنهض الآية بالمنع من السفر مقدمة للصوم.

و دعوي: أن الحكم في الذيل لا يبتني علي كون عدم السفر شرطا لوجوب الصوم، بل علي كونه شرطا لصحته، من دون أن ينافي إطلاق وجوبه، بنحو يقتضي وجوب حفظ شرطه، و هو عدم السفر.

مدفوعة: بأن ذلك إنما يتجه لو تضمن الذيل خطاب المسافر بالرجوع لبلده من أجل الصوم، نظير خطاب الجنب بالطهارة من أجل الصلاة في قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (2)، أما حيث تضمن خطاب المسافر بالقضاء فهو ظاهر في عدم وجوب أداء الصوم عليه حال السفر استثناء من إطلاق الخطاب به في الصدر، كما ذكرنا.

و مثله في ذلك قوله سبحانه في الآية الثانية: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُديً لِلنّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (3). فإن شهادة الشهر إن أريد بها وجود الإنسان في الشهر و إدراكه له، كان الصدر مطلقا، و الذيل مقيدا له، كما في الآية الأولي.

و إن أريد بها حضور الإنسان بلده في الشهر- كما يظهر من النصوص و المفسرين- كان

ص: 268


1- سورة البقرة الآية: 183- 184.
2- سورة المائدة الآية: 6.
3- سورة البقرة الآية: 185.

______________________________

الصدر مختصا بالحاضر، و تكون مقتضي المقابلة بينه و بين الذيل التقسيم و اختلاف التكليف تبعا له، فيرجع للأول.

كما أنه علي ذلك فمقتضي المقابلة بين الصدر و الذيل إرادة الانحلال بلحاظ أيام الشهر، فإذا حضر في بعضه و سافر في بعضه وجب عليه الصوم فيما حضر فيه دون ما سافر فيه، كما يناسبه الآية الأولي، و سياق السفر في سياق المرض الذي يراد به ذلك، و بعض النصوص كمعتبر عبيد بن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قوله عز و جل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ قال: ما أبينها من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه» (1). لظهور أن المراد به السفر و لو في أثناء الشهر ردا علي العامة، لا السفر قبل الشهر، و إلا لقال عليه السّلام: و من كان مسافرا فلا يصمه.

هذا و لكن في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «ليس للعبد أن يخرج إلي سفر إذا دخل شهر رمضان، لقول اللّه عز و جل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (2)، و في مرسل علي بن أسباط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط، قال اللّه تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج، إلا في حج أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه. و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء» (3)، و نحوهما غيرهما (4) مما يظهر منه حمل الآية الشريفة علي كون شهود الشهر شرطا في فعلية الخطاب بالصوم بنحو يقتضي تحقيق شرطه، و هو الحضر و عدم السفر.

غاية الأمر أنها تختلف في أن المراد به خصوص شهود أول الشهر، كما هو مقتضي مرسل علي بن أسباط و غيره، أو مطلق شهود شي ء من الشهر، كما هو مقتضي

ص: 269


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 6.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7، مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

______________________________

إطلاق حديث الأربعمائة. و حيث كان حديث الأربعمائة هو المعتبر سندا، دون غيره من هذه النصوص، فالمهم الحديث عنه.

و مقتضاه أن المراد بالآية الشريفة أن من كان حاضرا في بعض الشهر وجب عليه صيام ما بقي منه. و هو لا يخلو عن تكلف في مرجع الضمير في قوله: [فليصمه].

مع أن لازمه كون المراد بمن كان علي سفر في ذيل الآية الكريمة هو من كان علي سفر في تمام الشهر، لتتم المقابلة بينه و بين الصدر.

و هو لا يناسب سياق السفر في سياق المرض، لوضوح أن المراد به المرض و لو في بعض الشهر. كما أنه يقتضي عدم نهوض الآية الكريمة ببيان عدم صحة الصوم في السفر، لأن مجرد كون الحضر في بعض الشهر شرطا في وجوب الصوم في تمامه لا ينافي صحة الصوم في السفر، و هو لا يناسب سياق الآية الأولي، كما لا يناسب معتبر عبيد بن زرارة المتقدم.

و من هنا لا مجال للخروج به عما سبق من ظهور الآية الشريفة في شرطية الحضر لوجوب أداء الصوم، من دون أن تنهض بوجوب تحصيل الشرط المذكور.

و يتعين البناء علي إجمال وجه الاستشهاد بالآية الكريمة في النصوص المتقدمة.

نعم ذلك لا يمنع من ظهور النصوص المذكورة في المنع عن السفر في شهر رمضان لمن يستطيع الصيام فيه، كما هو ظاهر نصوص أخر، كحديث أبي بصير:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان. فقال: لا، إلا فيما أخبرك به، خروج إلي مكة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه أو أخ تخاف هلاكه، و إنه ليس أخا من الأب و الأم» (1)، و في بعض طرقه بدل: «أو أخ تخاف هلاكه»: «أو أخ تريد وداعه»، و غيره.

لكن لا بد من الخروج عنها بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت، فسألته غير مرة، فقال: يقيم أفضل، إلا أن تكون له حاجة

ص: 270


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

من الصوم و لكنه مكروه (1)، إلا في حج أو عمرة (2) أو في غزو في سبيل اللّه (3)، أو مال يخاف تلفه (4)،

______________________________

لا بد له من الخروج فيها، أو يتخوف علي ماله» (1)، و صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضي منه أيام، فقال: لا بأس بأن يسافر، و يفطر، و لا يصوم» (2).

و من هنا يتعين حمل النصوص الأول علي الكراهة. و هو المناسب جدا لبعض الاستثناءات المتقدمة و الآتية في النصوص و كلمات الأصحاب، فإنها لا تناسب الحرمة جدا. بل شيوع الابتلاء بالمسألة لا يناسب خفاء حكمها علي المشهور.

هذا مضافا إلي أن ظاهر النصوص المتقدمة كون النهي عن السفر بملاك تفويت الصوم الواجب، مع أنه لو كان للتحريم لكان السفر سفر معصية لا يمنع من الصوم. إلا أن يكون السفر المذكور مستثني من عموم عدم مانعية سفر المعصية من الصوم، و لعل حمل النهي علي الكراهة أهون من ذلك. فلاحظ.

و منه يظهر ضعف ما سبق عن الحلبي، و ربما يحمل كلامه لأجل ذلك علي الكراهة.

(1) للنصوص الكثيرة المتقدم بعضها. و الظاهر الاتفاق عليه في الجملة.

(2) كما تضمنهما حديث أبي بصير و مرسل علي بن أسباط المتقدمان و غيرهما.

(3) كما تضمنه حديث أبي بصير المتقدم، بل من المعلوم أن فتح مكة كان في شهر رمضان، و أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أفطر و أمر من معه بالإفطار كما تضمنت ذلك علي بعض النصوص (3).

(4) كما سبق في صحيح الحلبي و حديث أبي بصير و مرسل علي بن أسباط المتقدمين. و في حديث الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تخرج في

ص: 271


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.

أو أخ يخاف هلاكه (1) أو يكون بعد مضي ثلاث و عشرين ليلة (2).

و إذا كان علي المكلف صوم واجب معين جاز له السفر و إن فات

______________________________

رمضان إلا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده» (1).

(1) كما سبق في مرسل علي بن أسباط و حديث أبي بصير علي إحدي الروايتين.

و أما ما في روايته الأخري من ذكر وداع المؤمن فقد تضمنته نصوص كثيرة منها صحيح محمد عن أحدهما عليه السّلام: «قال: إذا شيع الرجل أخاه فليقصر، قلت: أيهما أفضل يصوم، أو يشيعه و يفطر؟ قال: يشيعه، لأن اللّه قد وضعه عنه إذا شيعه» (2).

و موثق زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت: الرجل يشيع أخاه في شهر رمضان اليوم و اليومين، قال: يفطر و يقضي. قيل له: فذلك أفضل، أو يقيم و لا يشيعه؟ قال: يشيعه و يفطر، فإن ذلك حق عليه» (3).

كما تضمنت بعض النصوص استقبال المؤمن، كصحيح حماد بن عثمان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل من أصحابي قد جاءني خبره من الأعوص، و ذلك في شهر رمضان، أ نلقاه؟ قال: نعم، قال: قلت: أ نلقاه و أفطر، قال: نعم. قلت: أ نلقاه و أفطر، أو أقيم و أصوم؟ قال: تلقاه و أفطر» (4).

هذا و قد سبق في صحيح الحلبي الترخيص في السفر لحاجة لا بد منها. و لا يبعد كون المراد به اللابدية العرفية. نعم المناسبات الارتكازية قاضية بكون الترخيص المذكور بلحاظ صلوح الحاجة المذكورة لمزاحمة الكراهة، لا لرفعها.

(2) كما تضمنه مرسل علي بن أسباط المتقدم. لكنه- مع غض النظر عن ضعف سنده- لا ينهض بتقييد إطلاق بقية النصوص بعد إمكان الجمع بينه و بينها بالبناء علي خفة الكراهة.

ص: 272


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
2- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 10 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6، 8، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 10 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6، 8، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 10 من أبواب صلاة المسافر حديث: 6، 8، 2.

الواجب (1)، و إن كان في السفر لم تجب عليه الإقامة لأدائه.

[(مسألة 17): يجوز للمسافر التملي من الطعام و الشراب]

(مسألة 17): يجوز للمسافر التملي من الطعام و الشراب، و كذا الجماع في النهار، علي كراهة في الجميع (2)، و الأحوط استحبابا

______________________________

(1) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية عشرة.

(2) ففي المدارك أنه قد قطع به الأصحاب، و عن المسالك نفي الخلاف فيه. و يشهد له صحيح عبد اللّه بن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له، أ فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: سبحان اللّه أ ما يعرف هذا حرمة شهر رمضان، إن له في الليل سبحا طويلا. قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصر؟ قال: إن اللّه تبارك و تعالي قد رخص للمسافر في الإفطار و التقصير رحمة و تخفيفا لموضع التعب و النصب و وعث السفر، و لم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، و أوجب عليه قضاء الصيام، و لم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: و السنة لا تقاس. و إني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت، و ما أشرب كل الري» (1).

و في معتبر محمد بن مسلم عنه عليه السّلام: «قال: إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان، فإن ذلك محرم عليه» (2). و في معتبر الجعفريات بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال في حديث: «و إن هي اغتسلت من حيضتها، و جاء زوجها من سفر فليكف عن مجامعتها، فهو أحب إلي إذا جاء في شهر رمضان» (3).

و من الأخير يظهر حمل النصوص المذكورة علي الكراهة. مضافا إلي النصوص الكثيرة المتضمنة للترخيص في الجماع، كصحيح عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان أله أن يصيب من النساء؟ قال: نعم» (4)، و غيره، و منها صحيح محمد بن مسلم المتقدم في آخر المسألة الرابعة عشرة، و المتضمن

ص: 273


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5، 8.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5، 8.
3- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

الترك (1) و لا سيما في الجماع (2).

______________________________

الترخيص فيه لمن يقدم من سفره بعد العصر. و مقتضي التعليل في صحيح ابن سنان المتقدم بحرمة شهر رمضان عموم الحكم لغير المسافر ممن يحل له الإفطار، كما هو موضوع كلام من عرفت و غيره. كما أن مقتضاه العموم لبقية المفطرات. فتأمل.

(1) لما عن أبي الصلاح من حرمة التملي من الطعام و الشراب مطلقا. و كأنه لما قيل من حرمة شهر رمضان، و الاقتصار في الرخصة علي مقدار الضرورة، و لصحيح ابن سنان السابق.

و الكل كما تري. لعدم منافاة ذلك للحرمة بعد فرض عدم مشروعية الصوم، و الاقتصار في الرخصة علي مقدار الضرورة إنما يتجه لو ثبت وجوب الإمساك لولاها، و هو محل الكلام بعد فرض عدم مشروعية الصوم. و أما الصحيح فهو لا ينهض بإثبات الحرمة، لأن فعله عليه السّلام أعم منها.

نعم حيث كان ظاهرا في أن فعله عليه السّلام متفرع علي ما تضمنه صدره من حرمة شهر رمضان فقد يظهر بدوا في الحرمة. إلا أنه لا بد من رفع اليد عنه، لما دل علي جواز الجماع، المستلزم لحمل الحرمة علي مجرد الاحترام بالوجه الأكمل غير اللازم. مضافا إلي أن كثرة الابتلاء بالمسألة تمنع عادة من خفاء حكمها علي المشهور و من ثم قد يحمل كلامه علي شدة الكراهة.

هذا و في جامع المقاصد و عن غيره الحرمة في خصوص ذي العطاش، فإن أريد به من يصيبه العطش اتفاقا من دون مرض مستحكم، فهو متجه، لما سبق في المسألة الخامسة و العشرين من الفصل الثاني. لكن تقدم أنه لا يفطر بشرب ما يرفع ضرورته.

و إن أريد به من به داء العطاش فلا وجه له بعد ما يأتي من أن حكمه الإفطار.

نعم تقدم في المسألة المذكورة التعرض لموثق عمار المتضمن للعطاش في بعض طرقه، و تقدم عدم ثبوت ذلك و أن سياق الموثق يناسب إرادة العطش. و يأتي في آخر الفصل الخامس ما ينفع في المقام إن شاء اللّه تعالي.

(2) ففي النهاية أنه لا يجوز للمسافر إلا عند الحاجة الشديدة، و عن أبي

ص: 274

[الفصل الخامس وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص..]

اشارة

الفصل الخامس وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص..

(منهم): الشيخ و الشيخة و ذو العطاش (1) إذا تعذر عليهم

______________________________

الصلاح أنه لا يجوز لمن يسوغ له الإفطار ما لم يخف فسادا في الدين. و وجههما غير ظاهر بعد ما تقدم مما يشهد بحمل النهي عنه علي الكراهة. مضافا إلي أن كثيرة الابتلاء بالمسألة تمنع عادة من خفاء حكمها علي المشهور. و من ثم قد يحمل كلامهما علي الكراهة الشديدة، نظير ما تقدم في التملي من الطعام و الشراب.

(1) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين عجزهم عنه و بين كونه شاقا عليهم مشقة لا تتحمل. كذا في الجواهر.

و قد يستدل عليه بقوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (1)، بدعوي: أن المراد بمن يطيق من يلحقه من الصوم الإطاقة، و هي الكلفة و المشقة، كالشيخ و الشيخة. و قد أصر علي ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه، مدعيا أن الإطاقة غير الطاقة، و معناها المكنة مع المشقة، و هي عبارة عن إعمال الجهد بآخر مرتبة من القدرة، بحيث تتعقب بالعجز، و هي المعبر عنها بالحرج و المشقة. و قد نسب ذلك للغويين، كصاحب لسان العرب و غيره.

و كأن مراده بذلك ما في لسان العرب و مفردات الراغب، ففي الأول في تعقيب شعر ذكره: «و رواه الليث: كل امرئ مجاهد بطوقه. قال: و الطوق الطاقة، أي: أقصي غايته، و هو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه»، و في الثاني: «و الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة، و ذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشي ء، فقوله: وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أي ما يصعب علينا مزاولته، و ليس معناه لا

ص: 275


1- سورة البقرة الآية: 184.

______________________________

تحملنا ما لا قدرة لنا به، و ذلك لأنه تعالي قد يحمل الإنسان ما يصعب عليه».

لكن ما ذكراه- مع أنه في الطاقة، لا الإطاقة- لا يخلو عن إشكال، لوضوح أن قوله: «كل امرئ مجاهد بطوقه» لا ظهور له في اختصاص الجهاد بحال المشقة، بل في عموم الجهاد لها، فالمراد بالطوق فيه ما تسعه القدرة حتي تبلغ المشقة، لا خصوص القدرة حال المشقة. كما أن ذلك هو المراد بالطاقة في قوله تعالي: وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. و لو كان المراد بها خصوص القدرة مع المشقة كان مرجعه إلي طلب عدم تحميل ما لا مشقة فيه، مع أنه غير مراد قطعا.

علي أن ما ذكرنا هو المناسب للاستعمالات الكثيرة في النصوص الشريفة، كحديث الرفع المشهور، و النصوص الواردة في صوم الصبي من أنه يصوم إذا أطاق، و أنه يمرن علي الصوم بقدر ما يطيق من النهار و في بعضها: «حتي يتعودوا الصوم و يطيقوه» (1)، و ما ورد في صوم شهر رمضان من أنهم كلفوا صوم شهر من السنة و هم يطيقون أكثر من ذلك (2).

و ما يأتي في الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن من أنهما لا يطيقان الصوم، و ما ورد في صلاة المريض من أنه يكلف بما يطيق (3)، و في الحج من أنه فرض مرة واحدة و الناس يطيقون أكثر من ذلك، ثم رغبهم بقدر طاقتهم (4)، و أنه يحرم ترك الحج إلا من حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج (5)، و أنه يجب علي من أطاق المشي (6)، و أن من لم يطق الحج عليه أن يحج عنه (7) … إلي غير ذلك.

و لعله لذا قيل ان مفاد الآية الشريفة الترخيص في الإفطار للقادر علي الصيام

ص: 276


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 18.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 4 باب: 1 من أبواب القيام من كتاب الصلاة.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 8 باب: 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.
5- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 7 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.
6- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 11 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.
7- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6، 1.

______________________________

مع الفدية، و أنها منسوخة بقوله تعالي في الآية اللاحقة: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ … (1).

كما ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أنها واردة في تعقيب وجوب القضاء علي المريض، و أن المراد بها أنه إذا صح بين الرمضانين- بحيث يقدر علي القضاء- و لم يقض ما فاته فعليه الفدية. بل يظهر منه نسبته للرواية.

و إن كان الأول لا يناسب قوله تعالي في الآية السابقة عليه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ … و لا ظهوره في أن وجوب الفدية حكم يختص ببعض المخاطبين بالصيام لا جميعهم، كما لا يناسب ما قيل- بل قد يظهر من علي بن إبراهيم أنه مروي- من أن قوله تعالي: شَهْرُ رَمَضانَ … ناسخ لإطلاق الصوم من حيثية الزمان، لا للتخيير بينه و بين الفدية (2).

و أما الثاني فلا شاهد له من الآية الشريفة. بل هي ظاهرة في خلافه، و أن مرجع الضمير هو الصيام المكتوب، لا قضاؤه. و أما النص به فهو- لو كان موجودا- مرسل لا ينهض بتفسير الآية و الخروج بها عن ظاهرها.

غاية الأمر أن ذكرهم لهذين الوجهين مؤيد لما ذكرنا في معني الإطاقة، و لا يناسب ما سبق من بعض مشايخنا قدّس سرّه و غيره. و لأجل ذلك يتعين عدم نهوض الآية الشريفة في نفسها بالاستدلال علي المدعي.

نعم تضمن غير واحد من النصوص تفسيرها بالشيخ و الشيخة و نحوهما.

إما بتأويل، كموثق ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أو عن بعض أصحابنا عنه عليه السّلام:

«في قول اللّه عز و جل: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، قال: الذين كانوا يطيقون الصوم و أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مدّ» (3). أو بدونه، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في قول اللّه عز و جل: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، قال: الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش.

ص: 277


1- سورة البقرة الآية: 185.
2- تفسير القمي ج: 1 ص: 65.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

______________________________

و عن قوله عز و جل: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً قال: من مرض أو عطاش»(1)، و قريب منه مرسل العياشي في تفسيره (2). و من ثم فالاستدلال بها إنما يتم بضميمة هذه النصوص.

كما يدل عليه أيضا نصوص أخر لم تتعرض للآية الشريفة، كصحيح محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان … » (3)، و غيره مما يأتي بعضه إن شاء اللّه تعالي. و من ثم لا إشكال في الحكم المذكور.

و إنما الإشكال في أن رفع الصوم عنهم رخصة أو عزيمة. فظاهر جماعة الأول، و هو صريح الحدائق. و يناسبه إطلاق أدلة وجوب الصوم، كقوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ … (4)، و قوله سبحانه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (5)، و غيرهما. و لا ينافيه قوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ …، بناء علي ما سبق من دلالة النصوص علي أن المراد به ما نحن فيه. فإنه و إن كان بمنزلة الاستثناء، إلا أن وروده في مورد الترخيص الاضطراري مانع من ظهوره في الإلزام، بل المتيقن منه رفع الحرج، نظير ما تقدم في المرض من أنه لو لا النصوص لأشكل استفادة عدم مشروعية الصوم معه من الآية الشريفة.

و لا سيما مع التعبير عن الطعام بالفدية، لظهور الفدية في تدارك النقص بفوت ما هو المشروع ذاتا و التام الملاك، فيكون ظاهره أن الإطعام إنما هو لتدارك النقص الحاصل بترك الصوم، من دون أن ينهض ببيان عدم مشروعيته لمن أراده.

و لا ينافي ذلك ظهوره في الإلزام بالفدية، لقرب حمله علي الإلزام في ظرف ترك الصوم، لا مطلقا، ليستلزم عدم مشروعية الصوم.

و منه يظهر حال النصوص المتضمنة أن الشيخ الذي يضعف عن الصوم

ص: 278


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 7، 8، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 7، 8، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3، 7، 8، 1.
4- سورة البقرة الآية: 184.
5- سورة البقرة الآية: 185.

______________________________

عليه الفدية (1)، و كذا النصوص المتعرضة للآية الشريفة. فإنها ظاهرة في الجري علي مفاد الآية بالنحو المتقدم، لا في تشريع الحكم في مقابلها. و يناسب ما ذكرنا صحيح محمد بن مسلم المتقدم، و نحوه صحيحه الآخر (2)، فإن الاقتصار فيهما علي نفي الحرج يناسب ما ذكرنا جدا.

و كذا قوله عليه السّلام في حديث إبراهيم الكرخي الآتي: «إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه» (3)، لأن مناسبة الاضطرار و الامتنان تقتضي الاقتصار علي رفع التكليف و الحرج، لا رفع المشروعية.

هذا مضافا إلي أن عدم سهولة تحديد الموضوع و مرتبة الضعف المسقطة للصوم، خصوصا قبل التجربة، لا يناسب رفع المشروعية، بحيث يبطل الصوم لو وقع للجهل بالضعف المسقط للصوم بنحو الشبهة الموضوعية أو الحكمية، بل المناسب لذلك رفع الحرج لا غير، و إن كان الصوم صحيحا مشروعا لو وقع.

بل يظهر من الحدائق أن الصوم أفضل لقوله تعالي: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، بدعوي كونه تعقيبا علي قوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ، كما هو الظاهر من التبيان و مجمع البيان في تفسير الآية.

و إن استشكل فيه في الجواهر باحتمال كون الفقرة المذكورة مستقلة عن قوله وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يراد بها أن الصوم خير من السفر المقتضي للإفطار، أو أنه خير في نفسه، و لم يشرعه اللّه تعالي إلا لأن صلاح الناس به.

بل أصر علي الثاني بعض مشايخنا قدّس سرّه، بدعوي: أن العدول فيه عن ضمير الغائب إلي ضمير الخطاب كاشف عن رجوعه إلي المخاطبين بالصوم أولا في قوله:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، لا إلي من بعدهم ممن كان التعرض لحكمهم بلسان الغيبة.

لكن الأول أظهر، لأن قرينة السياق تقتضي رجوع الفقرة الأخيرة إلي ما أتصل بها وحده أو مع ما قبله، لا إلي ما قبله دونه. و لا سيما و أن المضمون المذكور

ص: 279


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 5، 9، 2، 10.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 5، 9، 2، 10.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 5، 9، 2، 10.

الصوم (1) أو كان حرجا و مشقة (2) و عليهم الفدية (3) عن كل يوم

______________________________

أنسب بالتعقيب علي التخفيف و السعة منه بالتعقيب علي الفرض و الإلزام. كما أنه ببيان قضية تشريعية أنسب منه ببيان قضية تكوينية. و لا ينهض العدول من الغيبة للخطاب برفع اليد عن جميع ذلك بعد شيوع الالتفات في القرآن الكريم، و في كلام العرب عامة.

و من بعض ما تقدم يظهر ما ذكره في الجواهر أولا من احتمال وروده لبيان أفضلية الصوم من السفر المقتضي للإفطار، لا غير. و من ثم كان الظاهر مشروعية الصوم، بل لا يبعد أفضليته مع القدرة. إلا أن يلزم الضرر، فلا يشرع.

(1) كما هو المتيقن من الأدلة المتقدمة.

(2) كما هو مقتضي إطلاق النصوص المتقدمة و كثير من الفتاوي، و ما قد يظهر مما سبق من الجواهر من اعتبار كون المشقة بحيث لا تتحمل عادة غير ظاهر الوجه.

(3) علي المشهور شهرة عظيمة، كما قيل. بل قد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه، لتعرضهم للخلاف في مقدار الفدية من دون إشارة للخلاف في أصل وجوبها. و يقتضيه الآية الشريفة، و النصوص الكثيرة الآتي بعضها.

و عن أبي الصلاح الاستحباب، و يشهد له الصحيح عن إبراهيم الكرخي:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلي الخلاء، لضعفه، و لا يمكنه الركوع و السجود. فقال: ليؤم برأسه إيماء … قلت: فالصيام؟ قال: إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كل يوم أحب إليّ، و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه» (1). لظهور قوله عليه السّلام: «أحب إليّ» في عدم وجوب ذلك شرعا، و إنكار صاحب الحدائق لذلك غريب.

لكن يشكل لأجله حمل الآية و النصوص الكثيرة علي الاستحباب، مع قوة ظهورها بمجموعها في الوجوب، و أن الفداء واجب بدلا عن الواجب. و لا سيما مع

ص: 280


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 10.

بمد (1)، لكن في وجوبها في صورة التعذر في الأولين إشكال (2). و الأفضل

______________________________

ظهور وهن الحديث بإعراض الأصحاب عنه، و مع عدم خلو سنده عن الضعف، لعدم ثبوت وثاقة إبراهيم الكرخي. و من هنا يتعين الخروج به عن ظاهره و حمله علي الوجوب. فتأمل.

(1) كما عن جماعة كثيرة. لقول أبي جعفر عليه السّلام في تتمة صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما. و إن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» (1)، و نحوه غيره مما يأتي بعضه. لكن في صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام … » (2).

و قد جمع الشيخ بينهما في التهذيب بحمل الثاني علي من يقدر علي المدين و الأول علي من لا يقدر إلا علي المدّ. و علي ذلك جري في المبسوط و النهاية. لكنه بلا شاهد. و الأظهر ما عن الاستبصار من الجمع بينهما بالحمل علي استحباب المدين.

هذا و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان. قال: يتصدق بما يجزي عنه طعام مسكين لكل يوم» (3)، و نحوه صحيح عبد اللّه بن سنان (4)، و كأنهما يشيران إلي مقدار معروف. و كأن معروفيته بسبب اشتهار أن فدية الصوم مدّ. و لا أقل من لزوم حمله علي ذلك. بقرينة النصوص الأخر الواردة في المقام.

(2) فعن المشهور وجوبها. لإطلاق جملة من النصوص، منها ما تقدم، و لخصوص حديث أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيما رجل كان كبيرا لا يستطيع الصيام، أو مرض من رمضان إلي رمضان ثم صح، فإنما عليه لكل يوم أفطر فيه فدية إطعام، و هو مدّ لكل مسكين» (5)، و غيره.

و في المقنعة و الانتصار و الغنية و المراسم و السرائر و المختلف و جامع المقاصد

ص: 281


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 12، 9، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 12، 9، 5.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 12، 9، 5.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 12، 9، 5.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 2، 12، 9، 5.

______________________________

و المسالك و الروضة عدم الوجوب، و نسبه في التذكرة لأكثر علمائنا، و نفي الخلاف فيه في الغنية، و ادعي الإجماع عليه في الانتصار. و عن غير واحد عموم ذلك لذي العطاش.

لمناسبة الفدية لكون المفدي مقدورا عليه في الجملة. و لاختصاص الآية و بعض النصوص المفسرة لها بمن يطيق. كما قد يستفاد مما تضمن أخذ الضعف عن الصوم أو عبر فيه بنفي الحرج.

و الكل كما تري. لأن الفدية قد تكون لتدارك النقص بترك الواجب و لو مع تعذره، كما ثبت ذلك في الصوم مع المرض. و الآية الشريفة لا ظهور لها في إرادة ما نحن فيه في نفسها، و إنما استفيد ذلك من النصوص المتعرضة لها، و هي تقتضي الإطلاق. و الضعف عن الصوم إن لم يكن مختصا بالعجز عنه فلا إشكال في شموله له.

و أما التعبير برفع الحرج فهو و إن كان قد لا يحسن في مورد يختص بالتعذر، إلا أنه يحسن بالإضافة إلي العنوان الشامل له، فلو قيل مثلا: لا حرج علي من بلغ ستين سنة أن لا يصوم لكنه يفدي عن كل يوم بمدّ، لا مجال لدعوي اختصاصه بالقادر علي الصيام، و بالجملة: الوجوه المذكورة لا تنهض بالخروج عما سبق.

نعم ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن حديث الكرخي المتقدم مختص بالعاجز عن الصوم- كما يظهر من الحدائق ذلك أيضا- فيحمل لأجله ما ظاهره الوجوب مطلقا علي من يشق عليه الصوم مع قدرته عليه، و ما ظاهره الوجوب في خصوص العاجز علي الاستحباب.

لكنه خال عن الشاهد، فإن الضعف عن الصلاة الاختيارية لا يستلزم العجز عن الصيام. بل قد يكون قوله عليه السّلام: «فقد وضع اللّه عنه» شاهدا بالعموم له و للمشقة مع القدرة، نظير ما سبق في رفع الحرج، لظهوره في الامتنان بوضع وجوب الصوم، و العاجز يمتنع تكليفه بالصوم، فهو موضوع عنه عقلا بلا منة. علي أنه سبق الخدش في سند الحديث.

و من ثم كان الأقوي ما عليه المشهور من العموم للعاجز.

ص: 282

______________________________

بقي شي ء، و هو أن في معتبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم، فقال: يصوم عنه بعض ولده، قلت: فإن لم يكن له ولد؟

قال: فأدني قرابته. قلت: فإن لم يكن قرابة؟ قال: يتصدق بمدّ في كل يوم. فإن لم يكن عنده شي ء فليس عليه» (1). و بقرينة وجوب الصوم عينا في شهر رمضان علي جميع المكلفين لا بد من حمل صوم الولد و القرابة عنه علي قضائهما عنه بعد شهر رمضان ما فاته من صومه.

إذا عرفت هذا فقد قال في الاستبصار: «فالوجه فيما تضمنته هذه الرواية من صوم الولد و ذي القرابة عنه محمول علي ضرب من الاستحباب، دون الفرض و الإيجاب»، و نحوه في الدروس.

فإن كان المراد استحباب صومهما عنه مع الفدية، فهو خلاف ظاهر الحديث جدا، لتعليق الفدية فيه علي فقد الولد و القرابة. كما أنه مخالف لظاهر بقية أدلة المسألة، بل صريح بعضها، من كون الصدقة فداء عن الصوم، حيث لا موضوع للفدية مع قضاء الصوم عنه.

و إن كان المراد استحباب صومهما عنه في رتبة سابقة علي الفدية، و أن الفدية إنما تجب مع عدم صومهما، كما هو ظاهر الحديث. فهو خلاف ظاهر الأصحاب، لظهور كلماتهم في تعين الفدية بتركه الصوم، و أنه لا واسطة بينها، كما هو الظاهر من الآية الشريفة و النصوص الكثيرة الواردة في المقام.

و لو بني علي غض النظر عن ذلك كله من أجل هذا الحديث، فالمتعين العمل بظاهره من وجوب الصوم عنه علي الولد و ذي القرابة، لعدم القرينة حينئذ علي حمله علي الاستحباب.

و من ثم يشكل العمل بالحديث، و لا سيما مع عدم معهودية النيابة عن الحي في أداء الواجبات البدنية إلا في الحج، بل يكون الحديث من المشكل الذي يرد علمه لأهله عليه السّلام. نعم لا بأس بالصوم عنه برجاء المطلوبية من دون أن تسقط عنه الفدية.

ص: 283


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 11.

كونها من الحنطة (1)، بل كونها مدين (2) بل هو أحوط استحبابا (3).

و الظاهر عدم وجوب القضاء عليهم (4) و إن كان أحوط.

______________________________

(1) للنص عليه في الصحيح عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان، قال: تصدق في كل يوم بمدّ حنطة» (1)، و لا بد من حمله علي الاستحباب، جمعا مع إطلاق الطعام في كثير من النصوص، لأنه أقرب عرفا من تقييد الآية الشريفة و النصوص الكثيرة. و لا سيما مع عدم ظهور عامل بظاهره، و عدم ثبوت وثاقة عبد الملك راويه.

(2) لما تقدم من كون ذلك مقتضي الجمع بين صحيح محمد بن مسلم المشتمل علي المدين (2)، و غيره مما اشتمل علي المدّ. فراجع.

(3) خروجا عما تقدم من التهذيب و النهاية و المبسوط من وجوب المدين علي القادر، حملا لصحيح محمد بن مسلم المذكور عليه.

(4) كما عن علي بن بابويه و جماعة. لظهور المقابلة في الآية بالمريض و المسافر في عدم وجوب القضاء عليهم، كما لا تجب الفدية عليهما، و لإهماله في نصوص المسألة كلها. و كذا ما تضمن بدلية الفداء عن الصيام، كحديث الكرخي المتقدم لو أمكن حمله علي الوجوب. كما أن ظاهر ما تضمن كون الصدقة فداء عن الصوم- كالآية الشريفة و غيرها- ذلك أيضا.

بل هو صريح صحيحي محمد بن مسلم المتقدمين (3). و دعوي: انصرافهما إلي صورة عدم القدرة علي القضاء. ممنوعة، بل قد لا يحسن الحكم بعدم القضاء إلا مع احتمال القدرة عليه.

و يؤيده صحيح داود بن فرقد عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن ترك صوم

ص: 284


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2، 1.

(و منهم): الحامل المقرب (1) التي يضرّ بها الصوم أو يضر حملها (2)،

______________________________

ثلاثة أيام من كل شهر ندبا و فيه: «إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مدّ» (1)، و نحوه أو عينه صحيحه الآخر عن أخيه عنه عليه السّلام (2). فإنه كالصريح في عدم وجوب القضاء.

هذا و في الشرائع و القواعد و جامع المقاصد و غيرها وجوب القضاء إن أمكن، و نسبه في جامع المقاصد للأكثر، و عن غيره نسبته للمشهور. لعموم وجوب قضاء ما فات.

لكن العموم و إن تم في آية الصوم الثانية، كما يأتي تقريبه في أوائل الفصل السابع إن شاء اللّه تعالي، إلا أن شموله للمقام بعد المقابلة بينه و بين المريض و المسافر في الآية الأولي لا يخلو عن إشكال. و لو تم تعين الخروج عنه بما سبق.

و دعوي: أن ذا العطاش من أفراد المريض- لو تمت- لا تقتضي وجوب القضاء بعد ما تقدم. علي أنها لا تخلو من إشكال، لأن المراد بالمريض الذي يجب عليه القضاء هو الذي يضره الإفطار بحدوث مرض أو زيادته أو تأخر شفائه، و هو قد لا يلزم لذي العطاش، بل قد يكون الصوم مجهدا له لا غير، نظير الضعف الذي تقدم عدم جواز الإفطار معه.

(1) فيسوغ لها الإفطار بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر.

لصحيح محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنهما لا تطيقان الصوم. و عليهما أن تتصدق كل واحد منهما في كل يوم تفطر فيه بمدّ من طعام. و عليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد» (3).

(2) كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب. و يقتضيه في الأولي عموم نفي الضرر، و خصوص ما يستفاد من أدلة وجوب الإفطار للمرض من أن المعيار في الإفطار

ص: 285


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب الصوم المندوب حديث: 8.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

و المرضعة القليلة اللبن (1) إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد. و عليهما الفدية

______________________________

خوف الضرر من الصوم و لو لتجدد مرض لم يكن.

و في الثانية مزاحمة وجوب الصوم لوجوب حفظ الحمل من الضرر و إن لم يكن تلفا، لأنه مقتضي استئمانها عليه شرعا بسبب كونه تحت يدها، فلا يجوز لها التفريط به، كما لا يجوز التفريط بالطفل الذي هو تحت اليد.

هذا مضافا إلي إطلاق الصحيح المتقدم الشامل للصورتين معا.

اللهم إلا أن يقال: التعبير في الصحيح بنفي الحرج ظاهر في الامتنان بتشريع الإفطار و التخفيف بذلك، و هو لا يناسب العموم للصورتين المذكورتين اللتين يجب الإفطار فيهما بمقتضي الأدلة و القاعدة. و لا سيما مع أن في الجمع فيهما بين القضاء و الفدية كلفة زائدة علي ما تقتضيه القاعدة، و هو لا يناسب لسان الصحيح، حيث يأبي أن يكون متمحضا في التكليف و التضييق.

و من هنا كان الظاهر عدم النظر في الصحيح للصورتين المذكورتين، بل للحرج الحاصل للمقرب في الصوم، لغلبة ضيقها به و إن لم يلزم الضرر بها أو بحملها، لأنها تخرج نوعا عن الوضع الطبيعي في مأكلها و مشربها و في وضعها النفسي، فيصعب عليها كثرة الأكل و الشرب، و يضيق صدرها بكل قيد. كما هو المناسب لتقييدها في الصحيح بالمقرب. و إلا فالضرر بها أو بحملها لا يختص بها، بل تتعرض له كل حامل.

و عليه إنما يتعين عليها الجمع بين الفدية و القضاء في غير صورة حرمة الصوم عليها و وجوب الإفطار، للزوم الضرر عليها أو علي حملها، أما في الصورة المذكورة فاللازم البناء علي مقتضي القاعدة من لزوم الإفطار و الاقتصار علي القضاء من دون فداء، خلافا لما عن الأصحاب من وجوبه في الصورتين معا، أو في الثانية خاصة. إلا أن تفرط في القضاء في أثناء السنة، كما هو الحال في سائر موارد الإفطار لعذر.

(1) فيسوغ لها الإفطار بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر.

و يقتضيه صحيح محمد بن مسلم المتقدم.

ص: 286

______________________________

و ربما يستدل عليه بمكاتبة علي بن مهزيار المروية في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال: «كتبت إليه [يعني: علي بن محمد عليه السّلام] أسأله عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان، فيشتد عليها الصوم و هي ترضع حتي يغشي عليها، و لا تقدر علي الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم؟ فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟

فكتب: إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متي ما أمكنها» (1).

و لا يضر فيها عدم ذكر سند ابن إدريس للكتاب المذكور، لإمكان وضوح الكتاب عنده بتواتر و نحوه، بحيث يكون نقله عنه عن حسّ أو حدس ملحق به، كما هو الأصل في الخبر.

لكن الظاهر اختلاف موضوع الحديثين، فموضوع المكاتبة مطلق المرضعة التي يجهدها الجمع بين الصوم و الرضاع. و الحكم فيها مطابق للقاعدة، المقتضية للزوم التخلص من الرضاع و صرف الطاقة للصوم، و مع تعذر ذلك فحيث كان حفظ الولد أهم يتعين ترك الصوم و الاقتصار علي القضاء.

أما الصحيح فموضوعة قليلة اللبن، من دون نظر إلي إجهاد الصوم لها، و لا إلي انحصار حفظ الولد بها. و من القريب ابتناؤه علي أن قليلة اللبن يجف لبنها بالصوم حتي ينقطع، و لا تستطيع مواصلة الرضاع حتي بعد الإفطار، و هو أمر مرغوب عنه و إن لم يبلغ مرتبة الحرج، و لا الضرر لنفسها و لا للولد، لإمكان استغنائه عن رضاعها. و لعله لذا اقتصر في الصحيح علي رفع الحرج عنها في الإفطار من دون أن يجب عليها، و جعل عليها الفداء مع القضاء حينئذ.

و بالجملة: موضوع المكاتبة الإضرار بالمرضعة أو بالولد. و موضوع الصحيح الإضرار باللبن لا غير. و بذلك يتجه عدم التنافي بينهما، بلحاظ الاقتصار في المكاتبة علي القضاء بنحو يظهر منه عدم وجوب الفدية، و الجمع بينهما في الصحيح،

ص: 287


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

مدّ (1). و الأفضل مدان (2)، بل الأحوط. و عليهما القضاء بعد ذلك (3).

______________________________

لاختلاف الموضوع فيهما.

و علي ذلك ينبغي العمل بالحديثين معا، و يكون المحصل منهما و من القاعدة:

أن المرضعة إذا وجب عليها الإفطار لإضرار الصوم بها أو بالولد- و لو لانحصار الأمر بها- لم يجب عليها إلا القضاء، عملا بالقاعدة و المكاتبة. و إن لم يجب عليها الإفطار، لإمكان استغناء الولد عنها، فإن كانت قليلة اللبن، و كان الصوم موجبا لنقص لبنها- بحيث لا يبقي منه شي ء معتد به- أو انقطاعه، جاز لها الإفطار، حفاظا علي اللبن، و وجب عليها الجمع بين الفدية و القضاء، عملا بالصحيح.

بل لا يبعد التعدي عنها لكثيرة اللبن إذا كان الصوم يضر بلبنها بحيث ينقطع أو يبقي منه قليل لا يعتد به. فلاحظ.

(1) بلا خلاف أجده فيه، كذا في الجواهر. لما تقدم في صحيح محمد بن مسلم من التصريح بذلك. نعم يختص ذلك بمورد الصحيح دون موضوع المتن و نحوه علي ما تقدم توضيحه.

(2) لم يتضح الوجه فيه بعد عدم ورود رواية بالمدين هنا، و إنما تقدم في الشيخ و الشيخة و ذي العطاش. إلا أن يدعي القطع بعدم الفرق. و لعله الوجه فيما قد يظهر من المبسوط و النهاية من كون الصدقة هنا علي نحو الصدقة في الشيخ و الشيخة و ذي العطاش. لكنه غير ظاهر، خصوصا بعد وجوب الجمع بين الفدية و القضاء هنا، دون الشيخ و الشيخة و ذي العطاش.

(3) كما نسب للمعظم و يقتضيه- مضافا إلي عموم وجوب قضاء الصوم الفائت علي ما يأتي تقريبه في أول الفصل السابع- الصحيح و المكاتبة المتقدمان اللذان هما دليل المسألة عندهم.

نعم في مرسل رفاعة المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في قوله عز و جل: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ قال: المرأة تخاف علي ولدها

ص: 288

و لا يجزي الإشباع عن المدّ في الفدية (1) من غير فرق بين مواردها.

[(مسألة 18): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها و أن يكون لغيرها]

(مسألة 18): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها و أن يكون لغيرها (2). و الأقوي الاقتصار علي صورة عدم التمكن (3) من إرضاع غيرها للولد.

______________________________

و الشيخ الكبير» (1). و حيث كان ظاهر الآية الشريفة عدم وجوب القضاء- كما سبق في الشيخ و الشيخة و ذي العطاش- فإرادة المرأة التي تخاف علي ولدها منها أيضا يقضي بعدم وجوب القضاء عليها، فتنفع فيما نحن فيه، بناء علي أن المعيار في الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن علي الخوف علي الولد، كما يظهر من بعضهم.

لكن لا مجال للتعويل عليه في نفسه، فضلا عن رفع اليد به عن الصحيح و المكاتبة، و لا سيما مع كونهما أقوي دلالة، لاستفاد وجوب القضاء منهما بالنص عليه، و استفادة نفيه منه بالسكوت عنه.

و منه يظهر ضعف ما في المراسم و عن الصدوق الأول من عدم وجوب القضاء.

و قد يظهر من الصدوق في المقنع، حيث ساقهما في مساق الشيخ و الشيخة و ذي العطاش، مقتصرا علي الفدية. كما حكي عن المرتضي عدم ذكر القضاء فيهما أيضا.

(1) لاختصاص دليله بالكفارة، كما يظهر مما سبق في المسألة العاشرة من الفصل الثالث.

(2) لإطلاق الصحيح، و صريح المكاتبة، بناء علي أنها من أدلة المسألة.

(3) كما هو صريح المكاتبة. لكن سبق أن موردها غير مورد الصحيح، و أن العمل بكل منهما في مورده متعين. و مقتضي إطلاق الصحيح العموم لصورة التمكن من إرضاع غيرها للولد.

و دعوي: أن التعليل فيه بعدم الطاقة ملزم بالحمل علي صورة الانحصار.

مدفوعة: بأن ظاهر عدم الإطاقة هو العجز البدني، و حيث لا يمكن البناء علي كونه

ص: 289


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.

______________________________

معيارا يتعين حمله علي عدم الإطاقة الإضافي، بمعني العجز عن الصوم مع تجنب المحذور، و مقتضي مناسبة العنوان كون المحذور هو الإضرار باللبن بالوجه المتقدم، و هو بنفسه محذور تتجنبه النساء نوعا. و تقييده بخصوص ما إذا لزم الإضرار بالولد، لانحصار الإرضاع بهما لا شاهد له، فيتعين العمل بالإطلاق.

بقي شي ء، و هو أن الشيخ في النهاية بعد أن ذكر جواز الإفطار للشيخ و الشيخة و ذي العطاش و الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن، قال: «و كل هؤلاء الذين ذكرنا أنه يجوز لهم الإفطار فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، و لا أن يشربوا ريا من الشراب و لا يجوز لهم أن يواقعوا النساء». و ظاهره الحرمة في ذلك. و لم يتضح الوجه فيه بعد عدم الإشارة في النصوص السابقة له.

و دعوي: أن ورودها مورد الاضطرار ملزم بالاقتصار فيها علي مقدار الضرورة. ممنوعة بعد كون السائغ بالاضطرار هو الإفطار، لا تناول الطعام و الشراب مع الصوم، لوضوح أنه إنما وجب ترك المفطرات بنحو الارتباطية من أجل الصوم، فمع فرض جواز الإفطار لا يبقي موضوع لوجوب ذلك. و وجوبه بنحو الانحلال معه يحتاج إلي دليل.

و من ثم قد يحمل ذلك منه علي الكراهة، كما هو ظاهر غيره، بل قد يظهر منه في المبسوط. و قد تقدم في المسألة السابعة عشرة من الفصل الرابع ما ينفع في المقام.

فراجع.

ص: 290

[الفصل السادس ثبوت الهلال]

اشارة

الفصل السادس يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر أو الشياع أو مضي ثلاثين يوما من هلال شهر شعبان فيثبت هلال شهر رمضان أو ثلاثين يوما من شهر رمضان فيثبت هلال شوال، و بشهادة عدلين (1)

______________________________

(1) كما هو المشهور، علي ما في الجواهر. و يقتضيه- مضافا إلي عموم حجية البينة، الذي تقدم منا الاستدلال عليه بتفصيل في المسألة التاسعة عشرة من مباحث الاجتهاد و التقليد- النصوص المستفيضة الواردة في المقام، كموثق منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال: صم لرؤية الهلال، و أفطر لرؤيته. فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه» (1)، و صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «قال: قال علي عليه السّلام: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، إلا شهادة رجلين عدلين» (2)، و غيرهما.

لكن في صحيح أبي أيوب إبراهيم الخزاز عنه عليه السّلام: «قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه، فلا تؤدوا بالتظني، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد قد رأيته، و يقول الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف. و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (3). و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا، و ليس بالرأي و لا بالتظني، و لكن بالرؤية [قال]:

و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا، فيقول واحد: هو ذا هو، و ينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف»، و في بعض طرقه: «إذا رآه واحد رآه ألف»، و زاد في بعضها: «و ليس أن يقول رجل: هو ذا. لا أعلم إلا قال: و لا خمسون» (4). و في

ص: 291


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 7، 10، 11.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 7، 10، 11.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 7، 10، 11.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 7، 10، 11.

______________________________

موثق أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الصوم للرؤية و الفطر للرؤية. و ليس رؤية أن يراه واحد، و لا اثنان و لا خمسون» (1)، و في موثق ابن بكير عنه عليه السّلام: «قال:

صم للرؤية و أفطر للرؤية، و ليس الرؤية الهلال أن يجي ء الرجل و الرجلان فيقولان:

رأينا، إنما الرؤية أن يقول القائل: رأيت، فيقول القوم: صدق»(2)، و في حديث حبيب:

«لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و إنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر، و كان بالمصر علة، فأخبرا أنهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية» (3).

و لعله لذا اقتصر في المقنع و النهاية و المبسوط و محكي غيرها في حجية البينة علي ما إذا كان في السماء علة مطلقا أو إذا كانت البينة من خارج البلد، و أنه في غير ذلك إنما تقبل شهادة القسامة خمسين رجلا.

و هو و إن طابق بعض النصوص المتقدمة، إلا أنه لا يطابق بعضها، للتصريح في موثق أبي العباس و غيره بعدم الاكتفاء بالخمسين.

علي أن الجمود علي النصوص المذكورة و إن اقتضي ذلك في الجملة، إلا أن التأمل في مجموعها لا يناسبه، لأنها و إن تضمنت عدم قبول البينة، بل لزوم الخمسين، أو الشياع المفيد للعلم، مطلقا أو إذا لم يكن في السماء علة، إلا أنه قد مهد فيها لذلك بكبري أن شهر رمضان فريضة لا يؤدي بالتظني، و من الظاهر أن ارتكازية الكبري المذكورة لا تناسب التفصيل بين في حجية البينة ما إذا كان في السماء علة و ما إذا لم يكن، كما لا يناسب التفصيل فيها بين كون الشاهدين من البلد و كونهما من غير البلد.

و لعله لذا قيل بعدم حجية البينة مطلقا، كما حكاه في الشرائع، و إن لم يعرف القائل به.

كما أن الملازمة بين رؤية الواحد و الأكثر- المشار إليها في الصحيحين، و مهد بها في أولهما للتفصيل المذكور- إنما هي فيما إذا كان الهلال المدعي رؤيته ممتلئا بالنور جليا، قد تصدي لرؤيته كثيرون لا مطلقا. و من ثم لا يخلو مضمون النصوص المذكورة عن الاضطراب.

ص: 292


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12، 14، 13.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12، 14، 13.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12، 14، 13.

______________________________

نعم لا مجال لذلك في حديث حبيب، للاقتصار فيه علي التفصيل المذكور من دون مقدمة و لا تمهيد. إلا أنه لا مجال للتعويل عليه مع الإشكال في سنده- لعدم وضوح حال حبيب- و معارضة موثق أبي العباس له في القبول بالخمسين، و قرب نهوض بقية النصوص للقرينية علي ابتناء التفصيل فيه علي ما تضمنته من الكبري و الملازمة المذكورتين.

علي أنه لا ينهض بإثبات عموم حجية البينة إذا كانت من خارج المصر، و كان بالمصر علة، بل الظاهر منه ما إذا شهدت البينة بالرؤية في ضمن قوم صاموا للرؤية و أفطروا، لها الظاهرة في الرؤية العامة، بأن يشهد الرجلان بأنهما رأيا الهلال و أن القوم رأوه أيضا.

و لا يستفاد العموم المذكور إلا من صحيح الخزاز، الذي يبتني التفصيل فيه علي الكبري و الملازمة المذكورتين، و قد سبق أن ذلك موجب لاضطراب النصوص.

و من ثم يقرب حمل النصوص المذكورة علي الردع عن التعويل علي دعوي الرؤية من الواحد أو الآحاد في مورد الملازمة المذكورة الذي عرفته، و هو ما إذا أكثر المستهلون، بحيث يكون من شأن الهلال أن تشيع رؤيته لو كان قابلا للرؤية، حيث يكون صدق الدعوي حينئذ موردا للريب عرفا. و لا يتضح بناء العقلاء علي التعويل علي الدعوي في مثل ذلك. بل الظاهر توقفهم حينئذ.

و كثيرا ما حصل ذلك مع الاطمئنان بخطإ الدعوي، بل القطع بذلك، بالنظر لوضع الهلال فلكيا و ما يحيط به من قرائن. و لا ينحصر منشؤه بتعمد المدعي الكذب، بل قد يكون لخطئه و تخيل الهلال له بسبب تركيزه عليه و اهتمامه برؤيته.

و لو غض النظر عن جميع ذلك فمن الظاهر أن النصوص المذكورة معارضة لنصوص حجية البينة في الهلال، و لا مجال للجمع بينها بحملها علي خصوص ما إذا كان في السماء علة، و كان الشاهدان من خارج البلد، بقرينة صحيح الخزاز، لأنه حمل علي الفرد البعيد المغفول عنه، فلا يكون جمعا عرفيا.

و حينئذ إن لم يكن الترجيح لنصوص الحجية ذاتا، لشهرتها، فلا أقل من

ص: 293

و بحكم الحاكم (1)

______________________________

ترجحها بعموم حجية البينة، أو كونه مرجعا بعد تساقط الطائفتين من نصوص المقام.

(1) كما صرح به غير واحد، و قيل انه المشهور، و في الحدائق أنه ظاهر الأصحاب. و ظاهر القواعد و الدروس و المدارك المفروغية عنه.

و قد يستدل له تارة: بأن ذلك من مناصب الإمام. كما هو المعلوم من سيرة المسلمين، و تشهد به بعض النصوص، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام:

«إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم، و أخر الصلاة إلي الغد فصلي بهم» (1)، و غيره (2). و حينئذ يقوم الحاكم مقامه.

و أخري: بأن قضاة الجور في عصور الأئمة عليه السّلام كانوا يتولون أمر الهلال، فيثبت ذلك للحاكم، لما تضمن جعل منصب القضاء له، كمقبولة ابن حنظلة (3)، و معتبر أبي خديجة (4).

لكن يشكل الأول بعدم ثبوت عموم قيام الحاكم مقام الإمام، بل الظاهر عدمه، كما سبق منا الكلام في ذلك مفصلا في المسألة الرابعة و العشرين من مباحث الاجتهاد و التقليد.

و يشكل الثاني بعدم ثبوت كون قيام قضاة الجور بذلك لكونه من مناصب القضاء شرعا، بل لعله لكونه موكولا إليهم من قبل ولاة الجور زائدا علي منصب القضاء، فلا ينهض نصب الحاكم للقضاء بتوليه لذلك، علي ما تقدم بعض الكلام فيه في المسألة المذكورة.

ص: 294


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
3- وسائل الشيعة ج: 18 باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
4- وسائل الشيعة ج: 18 باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 5، و باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 6.

______________________________

و لا سيما و أن ذلك لو ثبت لكان المناسب تولي من له منصب القضاء منا لذلك في عصورهم عليه السّلام، لشدة الحاجة لذلك، و توفر الدواعي له، خصوصا في أشهر الفرائض، كشهر رمضان، و شهر شوال، و شهر ذي الحجة. و لا سيما في البلاد التي يكثر فيها الشيعة، كالكوفة و بغداد و قم و نحوها. و لو كان ذلك لظهر و بان، و لوقع السؤال عن فروعه التي يشيع الابتلاء بها بسبب الاختلاف في تعيين من له هذا المنصب من جهة الشبهة الموضوعية، و بسبب اختلاف المتصدين في الحكم. كما وقع في عصورنا و ليس هو كالرجوع في فضّ الخصومة الذي يكون المعيار في تشخيصه قناعة المتخاصمين لا غير. و حينئذ فحيث لم ينقل ذلك كشف عن عدم بناء الشيعة عليه، و عدم فهمه من الأدلة المذكورة.

و دعوي: أن الضغط علي الشيعة في عصور الأئمة عليه السّلام يمنع من تصديهم لذلك تقية، و إن كان ذلك ثابتا لهم و معلوما شرعا عندهم.

مدفوعة بأن الضغط علي الشيعة مهما بلغ ليس بحدّ يجعلهم يقتنعون بضرورة الامتناع عن ذلك و لو علي نطاق ضيق في جميع تلك العصور الطويلة، علي اختلاف بلدانهم و أذواقهم و مداركهم. و ما أكثر ما خالفوا التقية في أمورهم،- بما فيها ما هو أخطر من ذلك- سواء استطاعوا فرض ما يريدون، و حمل الآخرين علي غض النظر عنه و تركهم و شأنهم، خضوعا للأمر الواقع، أم تعرضوا بسبب تصرفهم لردود الفعل علي اختلافها شدة و ضعفا، و لم تحملهم التقية علي تجنب ما يخالفها مما يقتنعون به بنحو مطلق، و لو لسوء تقديرهم للظروف و خطئهم في تشخيص الموقف المناسب.

نعم قد تكون التقية سببا في سدّ الباب تشريعا و عدم جعل الحكم المخالف لها، رفقا بالمؤمنين و احتياطا لهم، كما صرح بذلك في بعض الموارد. و ربما كان هذا منها.

و من هنا كان الظاهر عدم نفوذ حكم الحاكم في أمر الهلال.

نعم له الحكم في ذلك في مورد الخصومة، كما لو تنازع المؤجر و المستأجر أو الدائن و المدين في أول الشهر، لإطلاق دليل نصبه للقضاء. إلا أن المتيقن من الدليل المذكور نفوذ حكمه من حيثية الخصومة في حق المتخاصمين و من يترتب في حقه الأثر

ص: 295

الذي لا يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده (1). و لا يثبت بشهادة النساء (2)

______________________________

علي حكمهما، لا مطلقا، حتي من حيثية امتثال التكليف بالصوم و الإفطار و الحج و نحوها.

(1) لقصور دليل حجية الحكم- لو تم- عن ذلك، علي ما تقدم توضيحه في المسألة الخامسة و العشرين من مباحث الاجتهاد و التقليد.

(2) إجماعا بقسميه. كذا في الجواهر. للنصوص المستفيضة المتضمنة لزوم شهادة رجلين، و في غير واحد منها و من غيرها التصريح بعدم قبول شهادة النساء، كصحيح الحلبي المتقدم، عند الكلام في حجية البينة، و صحيح محمد بن مسلم: «قال:

لا تجوز شهادة النساء في الهلال» (1)، و غيرهما.

نعم في موثق داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين. و لا بأس في الصوم بشهادة النساء، و لو امرأة واحدة» (2). لكن مقتضي المقابلة بين صدره و ذيله و إن كان هو حمل الذيل علي لزوم التعبد بالصوم بسبب حجية الشهادة، إلا أنه لا يناسب التعبير فيه بنفي البأس، لا بما يدل علي الإلزام.

و من ثم لا يبعد حمله علي نفي البأس بالصوم احتياطا من أجل شهادتها من دون أن تكون حجة ملزمة. و لعله إليه يرجع ما عن الشيخ قدّس سرّه من حمله علي الاستحباب.

و لا أقل من لزوم حمله علي ذلك جمعا مع نصوص عدم ثبوت الهلال إلا بالبينة، و عدم ثبوته بشهادة النساء، حيث يبعد جدا حمل تلك النصوص الكثيرة علي ما عدا هلال شهر رمضان. و لا سيما مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:

«قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا، إلا أن يشهد لك بينة عدول … » (3).

ص: 296


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 15.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 15.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9.

و لا بشهادة العدل الواحد (1) و لو مع اليمين (2)،

______________________________

خصوصا مع عدم ظهور القائل بحجية شهادة النساء في الصوم، فضلا عن امرأة واحدة، و عدم مناسبته للنصوص الواردة في بيان ما تقبل فيه شهادة النساء (1).

(1) كما هو المعروف، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من سلار، حيث اجتزأ بالعدل الواحد في ثبوت شهر رمضان، دون شوال. و في الجواهر أنه يمكن دعوي استقرار دعوي الإجماع بعده، بل و قبله، علي خلافه. مع أنه خال عن الدليل.

نعم في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين» (2).

لكنه- مع عدم القائل به في مورده- لا ينهض بالخروج عن النصوص الكثيرة المتضمنة للزوم البينة، فليطرح، أو يجمع بينه و بينها بالتقييد، لأن العدل يطلق علي الواحد و الكثير.

و لا سيما و أنه و إن روي كذلك في الفقيه (3)، و موضع من التهذيب (4)، و الاستبصار (5)، إلا أنه روي في موضع آخر من التهذيب بنسختين إحداهما كما سبق، و الأخري هكذا: «و اشهدوا عليه عدولا من المسلمين» (6)، و في موضع آخر من الاستبصار هكذا: «أو تشهد عليه بينة عدول من المسلمين» (7).

(2) بلا خلاف ظاهر، لعدم الدليل علي دخله في الحجية. و ما دل من النصوص علي الاكتفاء به مع العدل الواحد مختص بحقوق الناس، كما يظهر بمراجعته، خصوصا مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان

ص: 297


1- راجع وسائل الشيعة ج: 18 باب: 24 من أبواب الشهادات.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- الفقيه ج: 2 ص: 77.
4- التهذيب ج: 4 ص: 158.
5- الاستبصار ج: 2 ص: 73.
6- التهذيب ج: 4 ص: 177.
7- الاستبصار ج: 2 ص: 64.

و لا بقول المنجمين (1).

______________________________

رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين، و لم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل» (1). علي أن المراد بالنصوص المذكورة يمين المدعي، لا يمين الشاهد، الذي هو مورد الكلام هنا.

(1) لعدم الدليل عليه بعد عدم إفادته العلم.

و دعوي: دخوله في عموم لزوم الرجوع لأهل الخبرة، و رجوع الجاهل للعالم.

مدفوعة أولا: باختصاص ذلك بالحدسيات التي لا مجال للحسّ فيها، دون مثل الهلال مما يمكن رؤيته. و لا سيما مع حصر الطريق فيه بالرؤية في النصوص الكثيرة (2)، مع أن الحساب الشائع في عصر صدورها.

بل في صحيح محمد بن عيسي: «كتب إليه أبو عمر: أخبرني يا مولاي إنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان … و يقول قوم من الحساب قبلنا: إنه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقية و الأندلس … فوقع: لا صوم من الشك. أفطر لرؤيته، و صم لرؤيته» (3).

و ثانيا: أن أدلة العمل علي الرؤية- من بناء العقلاء و النصوص- تدل علي أن المعيار في دخول الشهر ثبوتا ليس علي تولده بخروجه عن مقارنة الشمس و تأخره عنها، لأن ذلك يسبق الرؤية كثيرا، حتي أنه في كثير من الشهور يولد في يوم و لا يري إلا في اليوم الثاني، و ذلك يكشف عن أن المعيار في دخول الشهر ثبوتا علي صيرورة الهلال- بسبب تأخره عن الشمس- بحيث يري بالعين الطبيعية المجردة.

و حينئذ فالمهم من قول المنجمين و الفلكيين هو تحديد الوقت و المكان الذي يكون فيه الهلال صالحا للرؤية. و يبدو أنهم يختلفون في ذلك، و أن ضبطه ليس بهذه السهولة، كما اعترف به بعضهم، لأنه ليس كتولد الهلال تابعا لنواميس يمكن ضبطها

ص: 298


1- وسائل الشيعة ج: 18 باب: 14 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي حديث: 1.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

و لا بتطوق الهلال (1)،

______________________________

و استحصال النتيجة منها بقوانين رياضية لا تقبل الخطأ أو يكون الخطأ فيها طفيفا لا أثر له عملا. بل يخضع أيضا لأمور يصعب ضبطها، كصفاء الجو، و ارتفاع مكان الرؤية و غيرها، و اعتمادهم في ذلك علي الاستقراء الذي غالبا ما يكون ناقصا.

نعم هذا إنما يمنع من الركون إليهم فيما إذا كان الهلال عندهم علي الحافّة، بحيث يدور الأمر بين رؤيته بالعين المجردة و رؤيته بالعدسات المقربة و نحو ذلك.

و هو المهم في المقام، حيث يحتمل حينئذ وجود الهلال و عدم تيسر رؤيته و لو لقلة المستهلين، و عدم وجوده و خطأ المدعين للرؤية أو كذبهم. أما في غير ذلك بأن كان عندهم دون حدود الرؤية، أو يري واضحا فكثيرا ما يطمئن بصدقهم، بل يعلم، بحيث يعلم بوجود الهلال بالمرتبة المطلوبة شرعا من دون حاجة للرؤية، أو بعدم وجوده و كذب مدعي الرؤية أو خطئه. و لا سيما في هذه العصور التي تقدم فيها علم الفلك و ابتني علي قوانين مضبوطة ملحقة بالحسّ.

(1) هذا مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا. كذا في المدارك. لكن يظهر الخلاف فيه من الكليني و الصدوق حيث أورد الأول الصحيح الآتي في باب الأهلة و الشهادة عليها، مع تعهده بصحة روايات كتابه، و ظهور حاله في العمل بها. و أورده الثاني في الفقيه في باب الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، مع تعهده بأنه لا يروي في كتابه إلا ما هو حجة بينه و بين اللّه تعالي.

و عن الذخيرة الميل إليه، لصحة الخبر الدال عليه، و هو صحيح مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا تطوق الهلال فهو لليلتين، و إذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث» (1). و قد يظهر من المقنع التردد فيه، لفتواه بمضمون ذيله، و اقتصاره علي نسبة صدره للرواية. بل يظهر من الهداية العدول عنه، لاقتصاره علي ذكر ذيله، من دون إشارة لصدره.

و حمله في التهذيبين علي ما إذا كان في السماء علة، فرارا عن محذور ردّ الخبر.

ص: 299


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

______________________________

و هو كما تري، إذ لا محذور في ردّ الخبر عملا إذا اقتضته القاعدة، بل المحذور في حمله علي خلاف ظاهره بلا شاهد.

و من هنا قد يتعين العمل بالصحيح و عدم ظهور الإعراض عنه بنحو يسقطه عن الحجية. غايته أنه مخالف لظاهر نصوص إناطة الصوم و الإفطار بالرؤية. و هو ليس محذورا، لإمكان حمله علي كون الحصر إضافيا في قبال العمل بالظن، أو علي أن ذكر الرؤية لأنها الطريق الشائع لليقين، فلا ينافي العمل علي التطويق، لملازمته تكوينا لسبق الهلال، كما هو مقتضي الصحيح، فيكون موجبا لليقين أيضا.

نعم قد يشكل الأمر بلحاظ النصوص الكثيرة- و فيها المعتبرة- المتضمنة عدم القضاء مع عدم الرؤية إلا مع البينة بسبق الرؤية، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث: «قلت له: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا، إلا أن يشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (1)، و غيره(2).

لظهور هذه النصوص أو صراحتها في انحصار وجوب القضاء بذلك، و حينئذ فالاقتصار فيها في وجوب القضاء عليه، و إهمال التطويق، مع شيوع الابتلاء به، و سهولة الاطلاع عليه، و أسبقية حصوله غالبا، خصوصا في عصور الأئمة عليه السّلام، موجب لقوة ظهورها في عدم التعويل عليه، بنحو تكون معارضة لصحيح مرازم المتقدم.

و لا ريب في تقديمها عليه- لو استحكم التعارض- بكثرة العدد، الراجع لشهرة الرواية. و لا سيما مع ظهور اعتماد الأصحاب عليها دونه. و لذا جعل في الحدائق هذه النصوص هي المانعة من التعويل علي الصحيح المذكور.

علي أن شيوع الابتلاء بالتطويق عند الشك في حال الهلال لا يناسب انفراد الصحيح ببيان حكمه، بل يناسب كثرة النصوص فيه و في فروعه، كشهادة الغير به، و حصوله في بعض البلاد دون بعض، و في زمن قصير أو طويل و نحو ذلك مما تقتضيه

ص: 300


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 21، 20، 19، 17، 13، 4، و باب: 11 حديث: 5، 4، و باب: 12 حديث: 2، 1.

و لا بغيبوبته بعد الشفق (1) ليدل علي أنه لليلة السابقة، و لا بشهادة العدلين

______________________________

طبيعة الابتلاء بذلك. كما لا يناسب ذلك أيضا خفاء حكمه علي المشهور، بحيث ينفرد به من عرفت. مضافا إلي ما يأتي في آخر الكلام في العلامات المذكورة للهلال إن شاء اللّه تعالي.

فإن ذلك كله إن لم يوجب اليقين بعدم التعويل علي التطويق فلا أقل من أن يوجب الريب في الصحيح السابق، بنحو يسقطه عن الحجية، و يكون من المشكل الذي يرد علمه لأهله.

و من ذلك يظهر الحال في رؤية ظلّ الرأس فيه الذي تضمن الصحيح ملازمته لكونه ابن ثلاث ليال، و الذي سبق القول به ممن عرفت. حيث لا مجال للبناء عليه مع ذلك.

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب. خلافا للمقنع و الهداية و ظاهر الكليني و الفقيه. لحديث إسماعيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» (1)، و رواه الكليني أيضا بسنده عن الصلت الخزاز عنه عليه السّلام. و حمله في التهذيبين علي ما إذا كان في السماء علة، نظير ما تقدم منه في سابقه.

و قد استشكل فيه غير واحد بضعف السند لعدم ثبوت وثاقة الراوي عن الإمام عليه السّلام في كلا الطريقين. و لو فرض انجباره بظهور اعتماد من عرفت عليه أشكل التعويل عليه بعد معارضته بصحيح أبي علي بن راشد: «كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السّلام كتابا، و أرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك في سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شك، فصام أهل بغداد يوم الخميس، و أخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، و لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل، قال:

فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس، و أن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء.

قال: فكتب إلي: زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا، قال: ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب إليك؟!. إنما صمت الخميس، و لا تصم

ص: 301


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

إذا لم يشهدا بالرؤية (1)،

______________________________

إلا للرؤية» (1)

مضافا إلي ما سبق في التطويق، فإنه يجري هنا أيضا، كما لا يخفي. و إلي ما يأتي في آخر العلامات المذكورة للهلال إن شاء اللّه تعالي.

(1) بلا إشكال ظاهر. لانصراف عموم دليل حجية البينة- مطلقا أو في الهلال إلي الجري علي ما عليه العقلاء من اختصاص حجية الخبر في الأمور الحسية بالإخبار عن حس، و عدم قبول الخبر عن حدس إلا فيما لا يتيسر الاطلاع عليه نوعا عن طريق الحس، بملاك الرجوع إلي أهل الخبرة المختص بالجاهل الذي لا يتيسر له المعرفة الحدسية، لفقده لمقدماتها، لا بملاك حجية الخبر و الشهادة و نحوها.

هذا مضافا إلي التقييد بذلك في جملة من النصوص، كصحيح أبي الصباح و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت: أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا إلا أن يشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (2)، و غيره.

نعم إذا كان الإخبار حسيا عن منشأ بناء الشاهد علي الهلال- كالتطويق- كان اعتماد من بلغه الخبر عليه في إثبات الهلال أو الشهر موقوفا علي ثبوت الملازمة عنده تكوينا أو شرعا بين الأمر المشهود به عن حس و الهلال أو الشهر، لما تقرر في محله من حجية الأمارة في لازم مؤداها في موارد بناء العرف علي ذلك، و منه الشهادة و سائر موارد حجية الخبر.

بقي شي ء، و هو أنه صرح في المسالك بحجية الشهادة علي الشهادة في الهلال، و تبعه علي ذلك في المدارك و الجواهر و غيرهما. و هو الظاهر.

خلافا لما في التذكرة قال: «لا يثبت الهلال بالشهادة علي الشهادة عند علمائنا.

لأصالة البراءة، و اختصاص ورود القبول بالأموال و حقوق الآدميين».

ص: 302


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9.

______________________________

لكن لا دليل علي الاختصاص المذكور، كما يظهر مما يأتي. و الإجماع الذي ادعاه غير ثابت بنحو ينهض بنفسه بالحجية، لعدم شيوع تحرير المسألة. و لا سيما بعد عدم منع دعواه له من خلاف من عرفت.

هذا و قد يستدل لحجية الشهادة علي الشهادة في المقام بإطلاق ما ورد في الشهادة علي الشهادة، كمعتبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام): «أن عليا عليه السّلام كان لا يجيز شهادة رجل علي شهادة رجل، إلا شهادة رجلين علي شهادة رجل» (1)، و نحوه معتبر طلحة بن زيد (2).

لكن الظاهر عدم الإطلاق فيهما، لعدم ورودهما لبيان حجية الشهادة علي الشهادة، بل لبيان اشتراط الحجية بتمامية البينة علي شهادة كل من الشاهدين مع المفروغية عن حجية الشهادة علي الشهادة في الجملة، من دون أن ينهضا بعموم حجيتها.

و بعبارة أخري: الاستثناء من السالبة الكلية ظاهر في الإثبات في الجملة، لا في عموم الإثبات، لأن نقيض السالبة الكلية موجبة مهملة في قوة الجزئية، لا كلية. فهو في المقام يدل علي أنه مع شهادة الرجلين علي شهادة الرجل الواحد تقبل الشهادة في الجملة، لا مطلقا.

و أضعف منه الاستدلال في كلام غير واحد بأن الشهادة حق لازم الأداء، فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق.

إذ فيه: أن المراد بكونه حقا لازم الأداء، إن كان هو أن الهلال من حقوق الناس فالشهادة عليه شهادة في حقوق الناس، فتكون الشهادة عليها حجة، بناء علي ما سبق من التذكرة من اختصاص قبول الشهادة بالشهادة بالأموال و الحقوق. فهو ممنوع جدا، إذ مجرد ترتب تكليف الناس علي الهلال لا يجعله حقا لهم.

نعم قد يكون حقا لهم فيما لو أخذ قيدا في موضوع حقهم، كما لو أخذ أول الشهر قيدا في أجل الدين، فقامت البينة علي الشهادة بالهلال من أجل إثبات حضور الأجل.

ص: 303


1- وسائل الشيعة ج: 18 باب: 44 من أبواب الشهادات حديث: 4، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 18 باب: 44 من أبواب الشهادات حديث: 4، 2.

و لا برؤيته قبل الزوال (1)،

______________________________

لكن ذلك إنما يقتضي قبول الشهادة علي الشهادة بالهلال في مثل ذلك، لا مطلقا.

و إن كان المراد بكونه حقا لازم الأداء هو وجوب أداء الشهادة بالهلال تكليفا. فهو ممنوع كبرويا، لعدم الدليل علي عموم حجية الشهادة علي كل شهادة يجب أداؤها، و صغرويا لعدم وجوب أداء الشهادة بالهلال، لأن الظاهر اختصاص وجوب أداء الشهادة بحقوق الآدميين، بقرينة اختصاص حرمة كتمان الشهادة بما إذا كان قد دعي لتحمل الشهادة، و هو إنما يكون فيما إذا كان المشهود به حقا للناس، حيث يدعو صاحب الحق للإشهاد عليه من أجل حفظ حقه.

فالعمدة في وجه قبول الشهادة في المقام عموم حجية البينة الذي تقدم منا الاستدلال عليه بتفصيل في المسألة التاسعة عشرة من مباحث الاجتهاد و التقليد، حيث إن مقتضاه عدم الفرق في حجيتها بين كون المشهود به موضوعا للأثر ثبوتا كالدين و الهلال، و كونه موضوعا له إثباتا، كالأمارة القائمة علي موضوع الأثر، مثل اليد التي هي دليل علي الملكية، و الإقرار الذي هو دليل علي الأمر المقر به و غيرهما، و منه البينة علي رؤية الهلال التي هي دليل علي دخول الشهر.

(1) قال في الجواهر: «علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن تحصيل الإجماع معها، و لذا نسبه في المنتهي إلي أكثر علمائنا إلا من شذ منهم، بل في الغنية دعواه علي ذلك، معللا له بأن من خالف من أصحابنا لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع. بل نسبه في التذكرة إلي علمائنا أجمع، من دون إشارة إلي شذوذ المخالف، و في الخلاف نسبته إلي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام و ابن عمر و أنس، ثم قال: و لا مخالف لهم، فدل علي أنه إجماع الصحابة».

لكن السيد المرتضي في الناصريات بعد أن ذكر حكم جده الناصر بأن الهلال إن رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية، قال: «هذا صحيح، و هو مذهبنا …

دليلنا: الإجماع المتقدم ذكره. و أيضا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام و ابن عمر و ابن عباس (رض) و ابن مسعود و أنس أنهم قالوا: إذا رأي الهلال قبل الزوال فهو لليلة

ص: 304

______________________________

الماضية، و لا مخالف لهم». و قد نسبه إلي قوم من أصحابنا في الخلاف، و هو ظاهر الكليني و الصدوق في المقنع، لذكرهما الرواية المتضمنة لذلك.

بل هو صريح الصدوق في الفقيه في باب ما يجب علي الناس إذا صحّ عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين، كما حكي عن السبزواري و الكاشاني و السيد الطباطبائي في الكفاية و الذخيرة و الوافي و المفاتيح و المصابيح. و تردد في النافع و المعتبر، كما استشكل في المسألة سيد المدارك و سيدنا المصنف قدّس سرّه في مستمسكه.

و الوجه فيما ذكره السيد المرتضي قدّس سرّه النصوص، كصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة» (1)، و موثق عبيد بن زرارة و عبد اللّه بن بكير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، و إذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان» (2). و قريب منهما غيرهما.

و بها يخرج عن نصوص الحصر بالرؤية الظاهرة في الجري علي ما عليه العرف من كون الرؤية في النهار دليلا علي كون مبدأ الشهر الليلة اللاحقة له، لا السابقة عليه. بل لا يبعد قصور النصوص المذكورة رأسا عما إذا كانت الرؤية قبل الزوال، بل حتي بعده مع تعالي النهار، لعدم تعارف ذلك، ليعلم بناء العرف فيه، و إنما المتعارف رؤيته من آخر النهار إلي الليل.

و مثله إطلاق ما تضمن عدم كون نهار الرؤية من الشهر اللاحق، كمعتبر جراح المدائني: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من رأي هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه [صومه]» (3)، حيث يسهل جدا حمله بقرينة النصوص السابقة علي الرؤية بعد الزوال.

نعم قد ينافي ذلك بعض النصوص:

(منها): ما تضمن أنه مع الرؤية في وسط النهار فذلك النهار من الشهر السابق، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

ص: 305


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6، 5، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6، 5، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6، 5، 2.

______________________________

إذا رأيتم الهلال فأفطروا … و إن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلي الليل … » [1]، فإن وسط النهار قبل الزوال بناء علي ما هو المشهور المنصور من دخول النهار بطلوع الفجر، لا بطلوع الشمس [2].

______________________________

[1] وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

[2] يحسن منا بهذه المناسبة أن نتعرض لوجه ذلك، و لا سيما بعد إصرار بعض مشايخنا قدّس سرّه علي خلافه، و أن النهار لا يدخل إلا بطلوع الشمس، و يظهر من لسان العرب وجود القول بذلك لغة حيث نسبه للقيل بعد ذكر القول الأول، و يظهر من القاموس التردد بين الأمرين.

و قد استدل بعض مشايخنا قدّس سرّه علي ذلك بوجوه:

الأول: أن ذلك هو المفهوم منه عرفا، لأن نصف النهار عندهم منتصف ما بين طلوع الشمس و غروبها، و ذلك لا يكون إلا بأن يكون مبدأ النهار طلوع الشمس، و قد شاع التمثيل للقضية الشرطية بقولهم: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، و إذا كان النهار موجودا فالشمس طالعة.

الثاني: أن المصطلح عليه عند علماء الهيئة و المنجمين إطلاق اليوم علي ما بين طلوع الشمس و غروبها، و هو أمر شايع في كلامهم.

الثالث: قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ (1)، بضميمة ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل قال عليه السّلام في تفسير الآية الشريفة: و طرفاه المغرب و الغداة (2)، و حيث لا إشكال في أن المغرب ليس من النهار، فلا بد من كون المراد بطرف النهار في الآية الكريمة ما خرج عنه و اتصل به، لا أوله و آخره، و ذلك يقتضي كون وقت صلاة الغداة قبل النهار، لا أوله.

الرابع: ما تضمن أن الزوال وسط النهار كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة المتقدم: و قال تعالي: حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي و هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، و هي وسط النهار … و كذا ما تضمن أنه نصف النهار، كصحيح الحلبي عنه عليه السّلام: أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته، و هو يريد السفر و هو صائم. قال: فقال: إن خرج من قبل أن ينتصف النهار، فليفطر، و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه (3). و صحيح محمد بن مسلم عنه عليه السّلام: قال: إذا

ص: 306


1- سورة هود الآية: 114.
2- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 2 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

______________________________

سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم … (1)،

و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: من أصبح و هو يريد الصيام ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه و بين نصف النهار، ثم يقضي ذلك اليوم … (2)، و غيره، بضميمة ما تضمن أن آخر وقت نية صوم القضاء هو الزوال، كصحيح جميل بن دراج عنه عليه السّلام:

أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان إنه بالخيار إلي زوال الشمس … (3)، و غيرها.

لكن الأول في غاية المنع، فإن وضوح بناء العرف علي دخول النهار بطلوع الفجر يغني عن إطالة الكلام في الاستدلال عليه، و لا يخطر ببال أحد يصبح بعد الفجر أن الليل باق بعد و النهار لم يدخل.

و كأن منشأ بناء العرف علي ذلك أن الليل ارتكازا متقوم بالظلام، لا بعدم الشمس، كما أن النهار متقوم بالنور لا بالشمس، و إنما هي سبب له، كما يناسبه قوله تعالي:

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (4)، و قولهم: ليل أليل، يعني شديد الظلام. إلا أنه لما لم يكن تبدل الحال تكوينا- من الليل بظلمته إلي النهار بنوره، و من النهار بنوره إلي الليل بظلمته- دفعيا، بحيث يتبدل الحال رأسا من ليل مطبق إلي نهار مطبق، و بالعكس، بل تدريجيا، فيبدأ النور من جانب المشرق تدريجا حتي يستوعب السماء، و تزول ظلمة الليل، كما يبدأ الظلام من جانب المشرق تدريجا حتي يستوعب السماء و يزول ضياء النهار، كان مبدأ كل من الليل و النهار عرفا بأول ظهور الظلام و النور من جانب المشرق، لا باستيعابهما للجو، كما يشير إلي ذلك مثل قوله تعالي: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (5). حيث عبر عن الظلام و النور البادئين من جانب المشرق قبل تطبيقهما بالليل و النهار، و من ثم أمكن أن يلج أحدهما في الآخر. فكما بني العرف علي أن مبدأ الليل بمغيب الشمس الذي به يبدأ الظلام من دون أن يستوعب السماء، كذلك بنوا علي أن مبدأ النهار طلوع الفجر الذي به يبدأ النور من دون أن يستوعب السماء.

و كيف كان فسواء تم ما ذكرناه في منشأ بناء العرف علي دخول النهار بطلوع الفجر و توجيهه، أم لم يتم، لا مجال للإشكال في أصل بنائهم علي ذلك. و لا سيما مع ما يأتي من

ص: 307


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7، 4.
4- سورة الإسراء الآية: 12.
5- سورة الحج الآية: 61.

______________________________

الشواهد عليه.

و أما ما استشهد به قدّس سرّه من قولهم: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، و كلما كان النهار موجودا فالشمس طالعة. فالشرطية الأولي فيه لا تنافي المدعي، لأن الجزاء جملة اسمية، تتضمن الثبوت و الوضوح لا مجرد الحدوث، و لا محذور في الإخبار عن ثبوت الشي ء و وضوحه بعد زمان حدوثه.

نعم لو كان التعبير هكذا: إن كانت الشمس طالعة وجد النهار، أو أن طلعت الشمس وجد النهار كان منافيا للمدعي. كما تنافيه الشرطية الثانية.

لكنها- لو تم التمثيل بها- ليست قضية عرفية، بل تختص بجماعة خاصة قد تخرج عن المفهوم العرفي في بعض قضاياها، لشوب أذهانها بأوهام أو مصطلحات خاصة، خصوصا إذا سيقت تلك القضايا لمجرد التمثيل من دون تبن لها و التزام بها.

و منه يظهر الحال في الوجه الثاني، فإن المصطلح المذكور- لو تم- يبتني علي نكات فلكية متعلقة بسير الشمس و نحوها، مخرجة عن المفهوم العرفي، فلا تنفع في تحديده.

و أما الوجه الثالث فيندفع بأن إطلاق طرفي النهار في الآية الشريفة قد يبتني علي التوسع و التسامح في تطبيق الطرف بالإضافة إلي صلاة المغرب، لأن وقتها حيث كان متصلا بالنهار، و فيه بقية من نوره، صار كأنه آخر النهار، كما كان وقت الفجر أوله حقيقة، أو علي الخروج عن السياق في معني الطرف، فيراد منه في الفجر أول النهار، و في المغرب ما يجاوره آخره، أو علي التغليب في إطلاق الطرف، كل ذلك من أجل وضوح المفهوم العرفي للنهار، بالنحو الذي ذكرنا.

بل لا ينبغي الإشكال في لزوم توجيهه بأحد الوجوه المذكورة بلحاظ نفس الصحيح المفسر للآية الشريفة، فإنه كما تضمن تفسير الطرفين بالمغرب و الغداة تضمن أن صلاة الظهر بين صلاتين نهاريتين، حيث قال عليه السّلام: و هي أول صلاة صلاها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، و هي وسط النهار، و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر.

و أما ما ذكره قدّس سرّه من أن الفقرة المذكورة لما لم تكن مناسبة للتصريح فيه بأن وقت صلاة الظهر وسط النهار- الملازم لكون مبدئه طلوع الشمس، لا طلوع الفجر- تعين تأويلها بابتناء وصف صلاة الغداة بأنها نهارية علي التسامح بلحاظ امتداد وقتها حتي يتصل بالنهار الحاصل بطلوع الشمس، لا لكونها نهارية حقيقة.

ففيه: أن التأويل المذكور بعيد جدا، و أقرب منه حمل توصيف الزوال بأنه وسط النهار أو نصفه في الصحيح و غيره علي الجري عما عليه الناس من إطلاق نصف النهار

ص: 308

______________________________

علي الزوال بلحاظ النكتة الفلكية، و هي توسط الشمس في قوس طلوعها و غاية اشتداد نورها الذي هو منشأ نور النهار، كما أشرنا إليه في المتن. و لا سيما و أن النصف المذكور يسهل إدراكه ببلوغ الشمس غاية ارتفاعها، بخلاف النصف الحقيقي للنهار الذي بين طلوع الفجر و غروب الشمس، حيث أوجب ذلك تسامحهم في إطلاق نصف النهار علي الزوال.

و من ذلك يظهر الجواب عن الوجه الرابع، حيث يصلح الصحيح المذكور لتوجيه إطلاق نصف النهار علي الزوال مع كون مبدأ النهار حقيقة و عرفا طلوع الفجر. و لا سيما و أن بعض النصوص قد تضمن إطلاق نصف النهار علي ما قبل الزوال، كحديث سليمان بن جعفر الجعفري: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس، لأنها تطلع بقرني الشيطان فإذا ارتفعت و صفت فارقها … فإذا انتصف النهار قارنها، فلا ينبغي لأحد أن يصلي … فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها (1).

علي أن غاية ما يقتضيه الوجهان المذكوران- الثالث و الرابع- ظهور بدوي للنصوص لا بد من رفع اليد عنه بالمفهوم العرفي القطعي للنهار، و أنه يبدأ بطلوع الفجر. و لا سيما مع اعتضاده بأمور..

الأول: النصوص الظاهرة أو المصرحة بذلك، كصحيح زرارة المتقدم المتضمن أن صلاة الظهر هي الوسطي بين نهاريتين، و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام: قال:

أدني ما يجزي من الأذان أن تفتح الليل بأذان و إقامة، و تفتح النهار بأذان و إقامة.

و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان (2)، فإن المراد بافتتاح النهار بالأذان الأذان لصلاة الصبح، كما يظهر من نصوص كثيرة (3). بل لا إشكال في ذلك، لأن صلاة الظهر وسط النهار، لا افتتاحه، كما صرحوا به.

و معتبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السّلام: قال: فأمرهم أول النهار أن يبدءوا بعبادته، ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرمة [مئونة] دنياهم، فأوجب صلاة الغداة عليهم … (4)، و خبر يحيي بن أكثم: أنه سأل أبا الحسن الأول عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة، و هي من صلوات النهار، و إنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال: لأن النبي صلّي اللّه عليه و آله

ص: 309


1- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 38 من أبواب المواقيت حديث: 9.
2- وسائل الشيعة ج: 4 باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 4 باب: 6 من أبواب الأذان و الإقامة.
4- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 10 من أبواب المواقيت حديث: 11.

______________________________

كان يغلس بها، فقر بها من الليل (1).

و مرسل الديلمي في إرشاد القلوب عن الإمام الكاظم عليه السّلام قال في حديث: ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام في بيان فضل أمة نبينا صلّي اللّه عليه و آله: إن اللّه عز و جل فرض عليهم في الليل و النهار خمس صلوات في خمسة أوقات، اثنتان بالليل و ثلاث بالنهار (2)، و مرسل العلل لمحمد بن إبراهيم: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن علة مواقيت الصلاة … فقال: فرض اللّه صلاة الغداة لأول ساعة من النهار (3)، و مرسل العياشي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: الصلاة الوسطي هي الوسطي من صلاة النهار، و هي الظهر (4).

و في حديث عبد اللّه بن سليمان عن الإمام الباقر عليه السّلام: سألته عن زيارة القبور، قال:

نعم. إذا كان يوم الجمعة فزرهم، فإنه من كان منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس، يعلمون بمن أتاهم في كل يوم، فإذا طلعت الشمس كانوا سدي … (5)، فإنه كالصريح في دخول اليوم بالفجر.

بل ملاحظة النصوص الواردة في مقابلة الليل بالنهار و اليوم، و بيان أحكام النهار و اليوم، توجب وضوح ذلك، و منها ما ورد في الصوم في النهار و اليوم، خصوصا مع المقابلة بين قيام الليل و صيام النهار في جملة منها.

الثاني: ما يستفاد من النصوص الظاهرة في أن الفجر بعد الليل، و ليس منه. كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: في رجل صلي الغداة بليل غرّه من ذلك القمر، و نام حتي طلعت الشمس، فأخبر أنه صلي بليل. قال: يعيد صلاته (6)، و صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: سألته عن الرجل يكون في بيته و هو يصلي، و هو يري أن عليه ليلا، ثم يدخل عليه الآخر من الباب، فقال: قد أصبحت هل يصلي الوتر أم لا أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال: يعيد إن صلاها مصبحا (7)، و غيرهما (8).

و نحوها النصوص الظاهرة أو الصريحة في أن أفضل وقت صلاة الليل آخره، ففي

ص: 310


1- وسائل الشيعة ج: 4 باب: 25 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- مستدرك الوسائل ج: 3 باب: 2 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 4.
3- بحار الأنوار ج: 82 ص: 275.
4- تفسير العياشي ج: 1 ص: 127.
5- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 57 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها حديث: 1.
6- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 59 من أبواب المواقيت حديث: 1.
7- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 46 من أبواب المواقيت حديث: 7.
8- راجع وسائل الشيعة ج: 4 باب: 30 من أبواب الدعاء.

______________________________

حديث مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قلت له: متي أصلي صلاة الليل؟! فقال: صلها آخر الليل … (1)، و نحوه غيره (2).

الثالث: ما هو المعلوم لغة و عرفا و شاع الجري عليه في النصوص من إطلاق الغداة علي وقت الفجر، فإن الغداة هي أول النهار، عرفا و لغة كما صرحوا به. و لا ينافيه تعريفها في بعض كلمات اللغويين بأنها بين طلوع الفجر و طلوع الشمس، إذ لا يراد به ما ينافي التحديد الأول، ليبتني كونها من النهار علي الخلاف في محل الكلام، بل تقييده و تحديد مقدار الغداة من أول النهار. و إلا فمن الظاهر أن الغداة من الغد، و هو اليوم اللاحق، فهي قطعة من اليوم اللاحق في أوله.

الرابع: ما شاع عند المتشرعة و تضمنته نصوص كثيرة من إطلاق الصبح علي وقت صلاة الفجر، إما بتسميته أو تسمية ضوء الفجر صبحا، أو بتسمية صلاته صلاة الصبح، أو بإطلاق الإصباح علي الكون فيه، أو نحو ذلك (3)، و منه قوله تعالي: فالِقُ الْإِصْباحِ (4)، حيث يقرب كون المراد به بزوغ ضوء الفجر في ظلام الليل. لوضوح أن الصبح أول النهار، و ليس من الليل.

ثم هل يمكن البناء علي أن ما ورد من أعمال الصباح و أذكاره الكثيرة لا يؤدي إلا بعد طلوع الشمس؟! أو يلتزم بأن الصباح من الليل؟!

الخامس: ما في جملة من كلمات اللغويين و ارتكز في أذهان العرف من أن السحر آخر الليل، مع وضوح أن الفجر بعد السحر، لا منه.

السادس: ما ورد في استحباب التغليس بصلاة الفجر، كي تشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار، كمعتبر إسحاق بن عمار: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن أفضل

ص: 311


1- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 45 من أبواب المواقيت حديث: 6.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 3 باب: 44، 46، 54 من أبواب المواقيت، و ج: 5 باب: 39، 42 من أبواب بقية الصلوات المندوبة. و غيرها.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 8 من أبواب الوضوء، و ج: 3 باب: 14، 17، 33 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، و باب: 10، 26، 27، 28، 44، 46، 48، 53، 54، 61، 62 من أبواب المواقيت، و ج: 4 باب: 43 من أبواب الأذان و الإقامة، و باب: 25، 32 من أبواب التعقيب، و ج: 5 باب: 27 من أبواب صلاة العيد، و باب: 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، و ج: 7 باب: 4، 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته، و باب: 13، 14، 15، 16، 20، 21، 42، 44، 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، و باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم، و ج: 10 باب: 11 من أبواب الوقوف بالمشعر، و باب: 1 من أبواب العود إلي مني و رمي الحجار و المبيت و النفر. و غيرها.
4- سورة الأنعام الآية: 96.

______________________________

المواقيت في صلاة الفجر. قال: مع طلوع الفجر. إن اللّه تعالي يقول: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني: صلاة الفجر. تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار. فإذا صلي العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرتين، تثبته ملائكة الليل و ملائكة النهار (1)، و نحوه غيره(2).

فإن تعليل الاستحباب بذلك يدل علي أن ملائكة الليل تعرج بعد الغلس عند إسفار الصبح، و ذلك لا يناسب بقاء الليل إلي طلوع الشمس.

و بذلك يظهر اندفاع ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن اجتماع ملائكة الليل و ملائكة النهار في وقت واحد في الأرض كما يمكن أن يكون لتأخر ملائكة الليل إلي أمد من النهار يمكن أن يكون لتقدم ملائكة النهار في أمد من الليل، فلا يدل اجتماع الطائفتين علي حال الوقت الذي تجتمعان فيه.

وجه الاندفاع: أن الاستدلال ليس بلحاظ اجتماع الطائفتين، بل بمبادرة عروج ملائكة الليل بعد الغلس و انفراد ملائكة النهار حين الإسفار، المستلزمين لكونه نهارا لا ليلا، كما لعله ظاهر.

و يناسب ذلك ما في حديث جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: إن إبليس إنما يبث جنود الليل من حين تغيب الشمس إلي مغيب الشفق، و يبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلي مطلع الشمس (3).

هذا و باستطراد كلمات أهل اللغة و العرف و النصوص المتفرقة و الاستعمالات المختلفة يتضح المدعي، بنحو يلحق بالبديهيات، و يكون ما خرج عن ذلك مما يوهم خلافه شبهات أو استعمالات تبتني علي العناية و التسامح لا تقف في قبال ذلك. و لا يسعنا الاستقصاء التام، و إنما اقتصرنا في أكثر ما ذكرنا علي استقصاء ما ورد في كتاب الوسائل بوجه عاجل.

و قد أطال المجلسي و صاحب الجواهر (قدّس سرهما) الكلام في هذه المسألة، و في ذكر الشواهد علي ما عليه المشهور، يحسن الاطلاع عليها، و إن لم يخل بعضها عن إشكال. فراجع المجلد الثالث و الثمانين من البحار في تعقيب الكلام في مواقيت الصلاة

ص: 312


1- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 28 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 28 من أبواب المواقيت حديث: 3. و باب: 13 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 19.
3- الفقيه ج: 1 ص: 318.

______________________________

و مثله في ذلك موثق إسحاق بن عمار أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان. فقال: لا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه. و إذا رأيته من وسط النهار، فأتم صومه إلي الليل» (1). فإن صدره و إن ورد في هلال شهر رمضان. لكن لا بد من حمل ذيله علي هلال شهر شوال، إذا رئي في آخر شهر رمضان، لفرض الصوم فيه و الأمر بإتمامه.

اللهم إلا أن يقال: يصعب التفكيك بين صدره و ذيله في ذلك. و ليس هو بأولي من حمل إتمام الصوم فيه علي الإمساك لحرمة شهر رمضان، أو علي وجوب إتمام الصوم إن كانت صامه استحبابا أو رجاء علي أنه يوم الشك، فيكون موافقا للنصوص السابقة. و هو المناسب لما ذكره الشيخ في التهذيبين من حمله علي صومه علي أنه من

______________________________

و المجلد السابع من الجواهر في آخر الكلام في وقت صلاة الليل.

و ينبغي مع ذلك الالتفات إلي أن استفادة المعني العرفي من الحديث لا يتوقف علي اعتباره سندا، فإن الكاذب يستعمل في المعني العرفي أيضا. غاية الأمر أن اليقين بحدود المعني العرفي يتوقف علي كثرة الاستعمالات و شيوعها، و هو أمر حاصل في المقام، كما يظهر بالاستقصاء، و إن كان فيما ذكرناه كفاية.

و مما ذكرنا يظهر أن كون مبدأ النهار بطلوع الفجر لا يبتني علي اصطلاح شرعي، بلحاظ ترتب أحكام النهار- من الصوم و غيره- من طلوع الفجر، بل هو أمر عرفي لغوي، لظهور أن كثيرا من الوجوه المتقدمة تبتني علي تحديد المدلول العرفي و اللغوي.

بل كثير من الاستعمالات الشرعية يبتني علي الجري علي المعني العرفي، من دون تكلف.

بل لم نعثر علي ما يشهد بتبدل معني النهار في العرف الشرعي عما عليه لغة و عرفا.

و بذلك يظهر وهن ما في مفردات الراغب، حيث قال: و النهار الوقت الذي ينتشر فيه الضوء، و هو في الشرع ما بين طلوع الفجر إلي وقت غروب الشمس، و في الأصل ما بين طلوع الشمس إلي غروبها.

إلا أن يريد بالأصل ما يقتضيه أصل الاشتقاق، لا مقتضي المدلول العرفي و اللغوي.

و إن كان هو لا يناسب تخصيص المعني الأول بالشرع. علي أنه لا يخلو عن إشكال أيضا، لعدم وضوح منشئه. و الأمر سهل. فإن اضطراب اللغويين في تحديد المعاني غير عزيز. (منه عفي عنه).

ص: 313


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

______________________________

شعبان، و لا أقل من اضطرابه بنحو لا ينهض بالاستدلال في قبال النصوص السابقة.

و أما صحيح محمد بن مسلم فيتعين الجمع بينه و بين النصوص السابقة، إما بحمل وسط النهار فيه علي الزوال، توسعا بلحاظ توسط الشمس في قوس طلوعها و غاية اشتداد نورها الذي هو منشأ نور النهار، كما تضمن ذلك بعض النصوص الواردة في مواقيت الصلاة (1)، نظير ما شاع عند العرف و تضمنته جملة من النصوص من التعبير عن الزوال بنصف النهار، و إما بحمله علي الوسط العرفي بما له من سعة، الذي هو عبارة عن الوقت الذي يشتد فيه نور النهار، فيكون مطلقا يقبل التقييد بالنصوص السابقة.

و بالجملة: الصحيح و إن كان منافيا للنصوص السابقة بدوا، إلا أن تنزيله عليها و جمعه معها عرفا بأحد الوجهين المذكورين قريب جدا، فلا مجال لرفع اليد عنها به.

(و منها): حديث محمد بن عيسي: «كتبت إليه عليه السّلام: جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنري من الغد الهلال قبل الزوال، و ربما رأيناه بعد الزوال، فتري أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب: تتم إلي الليل، فإنه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال» (2).

بناء علي أن مورد السؤال فيها هلال العيد، كما يحتمله ما في الاستبصار من روايته هكذا: «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان»، و يناسبه قول السائل: «فتري أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه … »، و أمر الإمام عليه السّلام فيه بإتمام الصوم، و تعليله بأنه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال. فإن ذلك كله لا يناسب إرادة هلال شهر رمضان إلا بتكلف. و إن كان هو مقتضي روايته في التهذيب و الوسائل بالوجه المذكور أولا. و لذا فهم منه في التهذيبين و الوسائل عدم العبرة برؤيته قبل الزوال.

لكن الإنصاف أن ذلك لا يبلغ في وضوح الدلالة حدا يصلح لمعارضة النصوص الأول، فضلا عن رفع اليد عنها لأجله. مضافا إلي ضعف سنده، لرواية

ص: 314


1- راجع وسائل الشيعة ج: 3 باب: 2 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

و لا بغير ذلك (1).

______________________________

الشيخ له بسنده عن علي بن حاتم عن محمد بن جعفر، و طريق الشيخ إلي علي بن حاتم لا يخلو عن ضعف، كما أن محمد بن جعفر هو ابن بطة الضعيف.

(و منها): مرسل دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطر أو حتي تغرب الشمس، كان ذلك في أول النهار أو في آخره» (1)، بناء علي أن الذيل فيه من تتمة الحديث.

لكن لا مجال للتعويل عليه مع ضعفه، خصوصا مع احتمال كون الذيل فيه من صاحب الدعائم.

و من ثم يقوي العمل بالنصوص الأول مع صحة سندها، و عدم ظهور الإعراض عنها بعد ما عرفت.

و لا مجال للإشكال فيها بما تقدم في التطويق من عدم مناسبته للنصوص المتضمنة عدم القضاء إلا بقيام البينة علي رؤيته، لأن رؤية الهلال قبل الزوال ليست من الشيوع بحد يكون عدم التنبيه لها دليلا علي عدم العبرة بها، بل غاية الأمر دلالتها علي عدم العبرة بها بالإطلاق الذي يسهل رفع اليد عنه بالنصوص السابقة.

(1) فقد تضمنت النصوص الشريفة أمورا غير ما تقدم..

(منها): عدّ أربعة أيام من يوم الصوم في السنة الماضية و صوم اليوم الخامس فقد تضمنته جملة من النصوص، كخبر عمران الزعفراني: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة، فأي يوم نصوم؟ قال: أنظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية [فعد منه خمسة أيام] و صم اليوم الخامس» (2)، و نحوه غيره.

و يظهر من الفقيه و الهداية العمل علي ذلك، بل قد يظهر من الكليني، بل صرح في المبسوط بجواز العمل علي ذلك. و في الجواهر: «في المحكي عن عجائب

ص: 315


1- عن دعائم الإسلام ج: 1 ص: 333 راجع الجواهر ج: 16 ص: 367.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

______________________________

المخلوقات للقزويني: قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا».

لكن في حديث السياري: «كتب محمد بن الفرج إلي العسكري عليه السّلام يسأله عما روي من الحساب في الصوم عن آبائك (عليهم السلام) في عدّ خمسة أيام بين أول السنة الماضية و السنة الثانية الذي يأتي، فكتب: صحيح، و لكن عدّ في كل أربع سنين خمسا و في السنة الخامسة ستا فيما بين الأولي و الحادث، و ما سوي ذلك فإنما هو خمسة خمسة». قال السياري: و هذه من جهة الكبيسة. قال: و قد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحا. قال: و كتب إليه محمد بن الفرج في سنة ثمان و ثلاثين و مائتين: هذا الحساب لا يتهيأ لكل إنسان أن يعمل عليه، إنما هذا لمن يعرف السنين، و من يعلم متي كانت سنة الكبيسة، ثم يصح له هلال شهر رمضان أول ليلة؟! فإذا صح الهلال لليلته و عرف السنين صح له ذلك إن شاء اللّه» (1).

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن مضمون هذه المكاتبة غير قابل للتصديق، لاختلاف مبدأ حساب باختلاف الناس، حيث يكون مبدأ صوم بعضهم مخالفا لمبدإ صوم الآخر، فإذا عدّ كل منهم أربع سنين من مبدأ صومه لزم اختلاف الشهر باختلاف الناس. فهو غريب جدا. لظهور المكاتبة، بل صراحة ذيل الحديث في أن مبدأ العدّ في حق الكل واحد، و هو السنة الكبيسة، و لذا لا يتهيأ العد لكل أحد.

فالعمدة في المقام: أن ضعف هذه النصوص مانع من التعويل عليها، فإن تعددها، و روايتها في كتب الحديث المعتبرة، و ظهور بعض شيوخ الأصحاب في العمل عليها، قد يوجب الوثوق بصدور بعضها، إلا أن عدم صحة أسانيدها قد توجب الريب في مضامينها و احتمال اختفاء بعض القرائن المحتفة بها، المقتضية لحملها علي خلاف ما يظهر منها بدوا، حيث لا طارد لذلك إلا اعتبار السند، بضميمة ظهور حال الراوي في التعهد بنقل مضمون الحديث، أو اليقين بعدم التحريف، لكثرة النصوص أو غيرها من القرائن و كلاهما غير حاصل هنا.

هذا مضافا إلي منافاة ذلك للنصوص الكثيرة المتضمنة إناطة أمر الهلال

ص: 316


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

______________________________

بالرؤية. و إلي أن مثل هذا الأمر لما كان قابلا للضبط- و لو بالرجوع للأئمة عليه السّلام في تعيين مبدأ الحساب، ثم تحديد السنين علي ضوء ذلك- فلو كان معولا عليه لشاع الاعتماد عليه و ظهر، و ارتفعت مشاكل الشك في هلال شهر رمضان، بل كل شهر، لبعد خصوصية شهر رمضان في ذلك جدا، بل هو كالمقطوع بعدمه، لظهور كون ذلك من شئون دورة الفلك المشتركة بين جميع الشهور. فإن ذلك بمجموعه يوجب الريب في هذه النصوص، حتي لو غض عن ضعف أسانيدها.

و من ثم لا يبعد حملها علي استحباب الصوم احتياطا يوم الشك، كما قد يظهر من المقنع، حيث ذكر ذلك في أحكام يوم الشك، و خصوصا مع وجود العلة، كما هو مورد الحديث المتقدم.

(و منها): عد تسعة و خمسين يوما من أول رجب، و صوم يوم الستين، ففي مرفوع محمد بن الحسن بن أبي خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا صح هلال شهر رجب فعد تسعة و خمسين يوما، و صم يوم الستين» (1)، و نحوه غيره (2). و يظهر من الصدوق في الفقيه و الهداية العمل علي ذلك. كما يظهر من الكليني أيضا.

لكن جميع ما تقدم في سابقه جار هنا. بل لعل الأمر هنا أظهر لأن سهولة الاطلاع علي ذلك لكل أحد مستلزم لظهور الحال فيه، و لو كان بناء المتشرعة علي العمل عليه لشاع و اتضح بنحو لا يقع الخلاف فيه. و من هنا قد تحمل النصوص علي استحباب الصوم احتياطا، كما قد يظهر من المقنع.

(و منها): الاكتفاء بعدم رؤية الهلال صباحا في جانب المشرق في البناء علي دخول الشهر في الليلة اللاحقة. ففي خبر داود الرقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هاهنا هلال جديد رؤي أو لم ير» (3).

ص: 317


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7، 5. و باب: 16 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5. مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 7 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

______________________________

لكنه- مع ضعفه و عدم ظهور العامل به- يكاد يقطع بعدم اطراده.

(و منها): ما تضمنه صحيح العيص: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعا فاتفقوا أنه لليلتين أ يجوز ذلك؟ قال: نعم» (1). و ظاهر الوسائل حمله علي شيوع رؤية الهلال. و هو مخالف لظاهره جدا، بل ظاهره حجية اجتهاد القوم في أن الهلال ابن ليلتين.

نعم يظهر من الأصحاب الإعراض عنه، و هو كاف في وهنه. بل يكاد يقطع ببطلان ما هو ظاهر فيه. علي أنه مخالف لنصوص الرؤية جدا.

بل الظاهر أن ذلك يجري في جميع ما تقدم، فإنها بمجموعها لا تناسب نصوص حصر الأمر بالرؤية، و الأمر بعدّ ثلاثين يوما مع عدمها مع وجود العلة في السماء فضلا عن عدمها. فإن الناظر في النصوص المذكورة يكاد يقطع بأنها واردة للردع عن هذه الأمور و نحوها مما يشيع الابتلاء به.

و من ثم لا مجال للتعويل علي شي ء منها، و لعله لذا أعرض عنها مشهور الأصحاب. و من هنا يتعين طرحها، أو حملها علي استحباب الصوم. و ربما كان ذلك مراد من يظهر منه العمل بها. نعم قد لا يجري ذلك في رؤية الهلال قبل الزوال، لما تقدم.

و أشكل من ذلك ما تضمنته جملة من النصوص من أن شهر رمضان لا ينقص أبدا، و أن شهر شعبان لا يتم أبدا، و أن الشهور علي هذا شهر تام و شهر ناقص (2)، فإنه و إن ذهب إلي ذلك الصدوق في الفقيه، و انتصر له المفيد فيما حكي عنه في كتاب لمح البرهان، و حكاه عن جماعة من أعلام عصره، إلا أنه لا مجال للبناء عليه بعد استحكام التعارض بين النصوص المذكورة و نصوص الرؤية. و كذا النصوص المصرحة بأن شهر رمضان يصيبه ما يصيب سائر الشهور من الزيادة و النقصان (3).

ص: 318


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 4 من أبواب أحكام شهر رمضان.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14، 6، 5 من أبواب أحكام شهر رمضان. و مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 4 من أبواب أحكام شهر رمضان.

[(مسألة 19): لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم بل كل من علم بشهادتها عول عليها]

(مسألة 19): لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم بل كل من علم بشهادتها عول عليها (1)، و لا تختص حجية حكم الحاكم بمقلديه بل ينفذ علي غيره (2)، حتي علي المجتهدين و إن كانوا أعلم منه.

[(مسألة 20): إذا رؤي الهلال في بلد كفي في الثبوت في غيره]

(مسألة 20): إذا رؤي الهلال في بلد كفي في الثبوت في غيره مع

______________________________

حيث لا مجال لرفع اليد عن تلك النصوص الكثيرة و ما يناسبها مما ورد في الشهادة علي الهلال و الشك في الشهور و نحو ذلك. و لا سيما مع القطع بالعمل علي ذلك في الجملة بلحاظ سيرة النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليه السّلام و المسلمين، بنحو يلحق بالضروريات.

بل يكاد يقطع بعدم تمامية العدد بعد النظر في وضع الهلال، خصوصا بملاحظة كلام أهل الخبرة. و من ثم طعنت هذه النصوص بالشذوذ، و كانت من المشكل الذي يرد علمه لأهله.

و لذا أعرض عنها الأصحاب من عصر المفيد فمن بعده. كما عدل عن العمل بها الصدوق و المفيد، فقد صرح في المقنع بأن شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان، كما حكي عن المفيد أنه ألف رسالة في ذلك. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما هو ظاهر الأصحاب. و يقتضيه إطلاق دليل حجيتها. بل هو كالصريح من جملة منها، كصحيح أبي الصباح و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت:

أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال: لا، إلا أن يشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (1)، و صحيح عبد اللّه بن سنان (2)، و غيرهما.

(2) لإطلاق دليل حجيته لو تم. و تمام الكلام في محله.

ص: 319


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9، 19.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9، 19.

اشتراكهما في الآفاق (1) بحيث إذا رؤي في بلد الرؤية رؤي فيه (2) أما مع اختلافها فيها ففيه إشكال (3).

______________________________

(1) بحيث يقطع بملازمة ظهوره في بلد الرؤية لوجوده في البلد الآخر بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة. و هو المتيقن من النصوص الآتية.

(2) و لو لكون بلد الرؤية شرقيا بالإضافة إليه مع تقاربهما بالإضافة إلي جهتي الشمال و الجنوب.

(3) لا ينبغي الإشكال في ذلك فيما لو كان الهلال المرئي في البلد المتأخر بنحو من قوة النور و الارتفاع لا يمكن معهما تولده بعد غيبوبته عن البلد المتقدم، بل لا بد فيه من تولده قبل ذلك. و إنما الإشكال في غير ذلك، مما يحتمل فيه وجود الهلال في البلد المتقدم بنحو غير صالح للرؤية بالعين المجردة، أو يعلم بعدم وجوده فيه كذلك.

و قد أطال بعض مشايخنا قدّس سرّه في تقريب أن مقتضي القاعدة الاكتفاء بتولده مقارنا لبقعة من الأرض في دخول الشهر بالإضافة إلي تمام ما يشارك تلك البقعة في جزء من أجزاء الليل.

و حاصل ما ذكره: أن مبدأ الشهر إنما يكون بخروج القمر من المحاق بظهور نور الشمس علي جانبه المقابل للأرض بالنحو الذي يصدق به الهلال بسبب تأخره عن الشمس، و هو أمر واحد آنيّ لا يختلف باختلاف بقاع الأرض، و مقتضي ذلك دخول الشهر دفعة واحدة في تمام بقاع الأرض. غاية الأمر أنه لا بد من اشتراك بقاع الأرض التي يحكم بدخول الشهر فيها مع البقعة التي ظهر الهلال فيها في جزء من الليل، لوقوعها جميعا في نصف الكرة الأرضية، كي يحكم علي ليلها أنه ليلة الشهر، أما ما لا يشترك معها في ذلك، بل يكون الوقت فيه نهارا عند ظهور الهلال فلا مجال للحكم بدخول الشهر بالإضافة إليه، إذ لا ليل فيه، ليكون له أول ليلة من الشهر، كما لا معني للحكم علي نهاره بأنه أول يوم من الشهر من دون أن يسبق بالليلة الأولي منه.

و قد أكد ذلك بما ورد في ليلة القدر من أنها خير من ألف شهر، و فيها يفرق كل أمر حكيم، و تكتب فيها المنايا و البلايا و الأرزاق، و بما ورد في دعاء صلاة العيد

ص: 320

______________________________

كقولهم عليه السّلام: «أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا» (1)، بدعوي ظهور الأول في وحدة الليل لجميع أهل الأرض يكتب فيها مناياهم و بلاياهم و أرزاقهم، و يفرق فيها كل أمر حكيم، و ظهور الثاني في وحدة اليوم الذي يكون عيدا لجميع المسلمين، لا أن المراد بذلك كل ما ينطبق عليه أنه ليلة قدر أو يوم عيد علي اختلاف البقاع في تولد الهلال و خروجه عن المحاق في أول ليلها.

لكنه يشكل أولا: بأنه كما يتعين قصر الحكم بدخول الشهر علي نصف الكرة الأرضية الذي يشترك مع موضع تولد الهلال و خروجه عن المحاق في جزء من ليلة واحدة، دون تمام الكرة، لامتناع الحكم عرفا بدخول الشهر يوما في بقعة من دون أن يكون مسبوقا بالليلة الأولي من الشهر، كذلك يتعين قصره علي الموضع الذي يظهر فيه الهلال و ما بعده غربا دون ما قبله شرقا، لامتناع الحكم عرفا علي بعض الليلة في تلك البقاع بأنه من الليلة الأولي للشهر دون أولها، لعدم تولد الهلال و خروجه عن المحاق في أولها.

و لا سيما بملاحظة ما ورد في أعمال أول ليلة من شهر رمضان، و في زكاة الفطرة، كموثق عمار: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فقل: اللهم رب شهر رمضان و منزل القرآن هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن … » (2)، و صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا» (3)، و نحوهما غيرهما.

لقوة ظهور الأول في أن الليلة الأولي من شهر رمضان بتمامها منه، و الثاني في أن ليلة يوم الفطر بتمامها خارجة عنه. و قد يستفاد نحو ذلك من نصوص أخر تحتاج إلي استقصاء لا يسعنا فعلا.

و لو أمكن الحكم علي تمام الليل في تلك البقاع بأنه من الشهر، لحصول بعضه

ص: 321


1- وسائل الشيعة باب: 26 من أبواب صلاة العيد حديث: 6، 5، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 20 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 6 باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

______________________________

بعد تولد الهلال و خروجه عن المحاق، أمكن الحكم علي تمام الليلة و اليوم في تمام البقاع بأنه من الشهر، لحصول بعض اليوم أو تمامه بعد تولد الهلال، و التفريق بلا فارق.

و من هنا كان المفهوم من توقيت الشهر بظهور الهلال عرفا، هو الحكم بدخوله بالإضافة إلي كل بقعة يبدأ ليلها بعد تولد الهلال و خروجه عن المحاق، دون ما يبدأ ليله قبل تولده.

و كذا الحال بالإضافة إلي ليلة القدر و يوم العيد و نحوهما فإنه كما يمكن البناء علي تعددها بالإضافة إلي نصفي الكرة، يمكن البناء علي تعددها بالإضافة إلي تمام بقاع الأرض تبعا لاختلافها في تولد الهلال بالنحو المتقدم.

و ثانيا: بأن ما ذكره لا يرجع إلي اتفاق البلدان في الشهر- بالنحو المدعي، و الذي تضمنته في الجملة النصوص الآتية التي اعتمد قدّس سرّه عليها أيضا في الحكم- بل مقتضاه اختلافها فيه لو اختلفت في الدخول في النصف الذي ظهر فيه الهلال.

فيختلف العراق عن الهند لو ظهر الهلال في آخر النصف الذي أوله العراق، و تختلف إيران عن مصر لو ظهر الهلال في آخر النصف الذي أوله مصر، و هكذا، و إن كان الجميع من أمصار المسلمين، و في النصف الشرقي من الكرة الأرضية. و من ثم لا يتم ما ذكره في تقريب أن مقتضي القاعدة عدم الفرق بين البلدان.

و مثله ما ذكره من الاستدلال بنصوص حجية البينة في الهلال بدعوي: أن مقتضي إطلاقها عدم الفرق بين كون الرؤية في بلد المكلف و غيره مما اتحد معه في الأفق أو اختلف.

لاندفاعه بظهور نصوص البينة- و غيرها مما يقتضي حجية الخبر- في تصديق المخبر عما أخبر به بعد الفراغ عن ترتب الأثر علي ما أخبر به، من دون أن ينهض ببيان موضوع الأثر، فإذا كان موضوع الأثر بمقتضي القاعدة- كما سبق- هو ظهور الهلال في مكان المكلف لم ينهض إطلاق أدلة البينة بحجيتها فيما إذا أخبرت برؤية الهلال في مكان لا يستلزم ظهوره في مكانه. و لذا التزم قدّس سرّه بقصورها عن إثبات حجية البينة فيما لو أخبرت برؤية الهلال في نصف الكرة الأرضية الغربي بالإضافة للنصف الذي فيه المكلف.

فالعمدة في المقام النصوص الكثيرة التي تضمنت الاكتفاء بالرؤية في بعض

ص: 322

______________________________

الأمصار، كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال فيمن صام تسعة و عشرين، قال: إن كانت له بينة عادلة علي أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين علي رؤيته قضي يوما» (1)، و موثق إسحاق بن عمار أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان. فقال: لا تصمه إلا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه … » (2)، و غيرهما (3).

و قد حملها سيدنا المصنف قدّس سرّه علي ما إذا لم يعلم بعدم وجود الهلال في بلد المكلف، قال: «إذ لا مجال حينئذ للحكم الظاهري».

و يشكل بأن دليل حجية البينة و لزوم العمل عليها ظاهرا إنما يقتضي حجيتها في إثبات ما أخبرت به، فإن كان ما أخبرت به عين موضوع الحكم الشرعي أو ملازما له تعين العمل عليها، و إلا لم ينهض دليل حجيتها بلزوم العمل عليها. و حينئذ إن كان موضوع العمل مطلق ظهور الهلال و لو في غير مكان المكلف تعين العمل بها في المقام و لو مع العلم بعدم ظهوره في مكان المكلف. و إن كان موضوعه خصوص ظهوره في مكان المكلف لم ينهض دليل حجية البينة بترتب العمل إلا أن تخبر برؤيته في مكان المكلف أو في مكان آخر يلازم ظهوره في مكانه، و لا ينفع مع الشك في ذلك لعدم نهوضها بإثبات موضوع العمل.

نعم لو ثبت أن وجود الهلال في بقعة من الأرض أمارة شرعا علي وجوده في تمام بقاعها اتجه العمل علي البينة مع الشك، لحجيتها في إثبات الأمارة علي موضوع العمل، نظير الشهادة علي الشهادة، و عدم العمل عليها مع العلم بعدم وجود الهلال في مكان المكلف، لأنها و إن كانت حجة في إثبات مؤداها، إلا أنه يمتنع حجية مؤداها علي موضوع العمل مع العلم بعدم ثبوته، نظير ما لو شهدت البينة علي الشهادة بالهلال و علم بعدم وجود الهلال. لكن الأمارية المذكورة تحتاج إلي دليل آخر غير

ص: 323


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9. و باب: 12 من الأبواب المذكورة حديث: 7، 3، 1.

______________________________

دليل حجية البينة، و هو مفقود.

و من ثم يتعين إما البناء علي عدم العمل بالبينة مع احتمال عدم ظهور الهلال في مكان المكلف، كما في المبسوط و الشرائع و التذكرة، و لعله المشهور، أو البناء علي العمل بها مطلقا و لو مع العلم بعدم ظهور الهلال في مكان المكلف، كما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا.

و الظاهر الثاني لإطلاق النصوص المتقدمة، لظهور تيسر الاطلاع في عصر صدور تلك النصوص علي دعوي الرؤية في أمصار المسلمين المتباعدة من أجل قضاء الصوم، حيث لا مجال مع ذلك لحملها علي خصوص صورة العلم بوجود الهلال في مكان المكلف، لقربه من موضع الرؤية، من دون قرينة علي الحمل المذكور.

و من هنا كان المتعين العمل بمقتضي الإطلاق، المؤيد أو المعتضد بصحيح محمد بن عيسي: «كتب إليه أبو عمر: أخبرني يا مولاي إنه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان، و لا نراه، و نري السماء ليست فيها علة، و يفطر الناس و نفطر معهم. و يقول قوم من الحساب قبلنا: إنه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقية و الأندلس.

هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب، حتي يختلف الفرض علي أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: لا صوم من الشك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» (1)، فإن العدول في الجواب فيه من مقام الثبوت لمقام الإثبات مع أولوية مقام الثبوت بالبيان، لأسبقيته رتبة، مشعر أو ظاهر في اتحاد حكم الأمصار مع اختلاف آفاقها، و إلا كان الأنسب أن يقول: فرض كل بلد تابع لظهور الهلال فيه.

ثم إنه حيث كان الظاهر اتحاد حكم البلاد مع اختلاف آفاقها، تبعا للنصوص المذكورة، فالمتعين الاقتصار علي رقعة الأرض المكتشفة حين صدور تلك النصوص، و هي التي تبدأ بالشرق الأقصي من بلاد الصين و ما حاذاها مما يقارب بعض أمصار المسلمين، و تنتهي غربا بالمحيط الأطلسي المحاذي المحاد لبعض أمصار المسلمين

ص: 324


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

______________________________

حينئذ في غرب إفريقية و الأندلس.

أما ما اكتشف بعد ذلك من بلاد أمريكا و نيوزلندة فهو خارج عن مفاد النصوص المتقدمة. و أما إلحاق أمريكا في تاريخ اليوم بشرق المحيط الأطلسي حتي صارت أقصي غرب الأرض، و عدم بدء تاريخ اليوم بها لتكون أقصي شرقها، فهو محض اصطلاح عالمي متأخر عن اكتشاف البلاد المذكورة لا مجال لاستفادة إمضائه من نصوص المقام، بل مقتضي القاعدة المتقدمة عدم إلحاق بلاد شرق المحيط الأطلسي به لو بدأ ظهور الهلال من المحيط المذكور فما دونه، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي شي ء، و هو الكلام في حكم البلاد الواقعة في أقصي الشمال أو الجنوب من الكرة الأرضية، التي تمر بفترة لا تغيب عنها الشمس في تمام دورتها، التي بها يتحقق الليل و النهار في غالب بقاع الأرض، أو لا تطلع فيها كذلك، حيث قد لا يتحقق فيها مواقيت الصلاة أو الصيام المعهودة عدة أيام قد تكثر حتي تبلغ شهورا.

و قد شاع الابتلاء بها بذلك هذه الأيام بسبب موجة الاغتراب التي مني بها المسلمون، حيث لا بد من معرفة حكمها لهم، أو لمن يوفق للدخول في الإسلام من أهل البلاد الأصليين بسبب الاحتكاك بالمسلمين و التعرف علي حقيقة دينهم و صدقه و مزاياه.

قال في العروة الوثقي: «فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته علي البلدان المتعارفة المتوسطة مخيرا بين أفراد المتوسط». و أقره علي ذلك بعض محشيها.

لكنه غير ظاهر الوجه بعد عدم تحقق عناوين الأوقات الشرعية بذلك في حق المكلف حين مكثه هناك.

و لا سيما مع أن لازمه اختلاف العمل في حق الأفراد باختلاف ما يختارونه من البلاد المتوسطة، حيث تختلف المواقيت فيها باختلاف موقعها من الكرة الأرضية شرقا و غربا، و هو بعيد جدا، بل يكاد يقطع ببطلانه.

إلا أن يقال بأن أهل كل بقعة من هذه البلاد ملزمون بالعمل علي ما يناسب مواقيت البلاد المتوسطة الواقعة في الخط المار بهم باتجاه الشمال و الجنوب. و لا موقع

ص: 325

______________________________

للتخيير إلا في المركز الذي تنتهي إليه جميع الخطوط. و لعله غير قابل للسكن عادة.

لكنه مع ذلك يبقي غير ظاهر الوجه، لما ذكرناه أولا.

و مثله ما ذكره قدّس سرّه من احتمال كون المدار في حق كل مكلف علي بلده الذي كان متوطنا فيه سابقا إن كان له بلد سابق.

إذ فيه: أولا: أنه كسابقه غير ظاهر الوجه بعد عدم تحقق عناوين الأوقات الشرعية بذلك حين مكثه هناك. و لا سيما مع ما يلزمه من اختلاف الأفراد باختلاف مواطنهم الأصلية، نظير ما سبق. و مع أنه كثيرا ما يتبدل تكليفه، بمروره ببقاع أخري قبل أن يصل إلي البقعة التي هي محل الكلام، و ترجيح موطنه الأصلي بلا مرجح.

و ثانيا: أن من لم يكن له موطن أصلي إن أمكن تنظيم المواقيت له أمكن تنظيمها علي نهجه في حق من له موطن سابق، و إن لم يمكن بحيث يلتزم بعدم وجوب الفرائض عليه فليلتزم بذلك في حق من له موطن سابق أيضا، لعدم الفرق بينهما بالنظر للمرتكزات و مفاد الأدلة.

و مما ذكرنا أولا يتضح أنه لا مجال للبناء علي رجوع أهل تلك البلاد في التوقيت إلي أقرب بلد منهم يتحقق فيه الليل و النهار بدورة الشمس.

و ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أن الفرض المذكور و إن كان خارجا عن موضوع الأدلة، إلا أن الأوفق بها هو عدم وجوب الصوم، لعدم تحقق شهر رمضان و لا غيره من الشهور في مثل هذه البلاد، و وجوب صلاة العشاءين عند غروب الشمس، ثم صلاة الفجر قبل طلوعها، كل ذلك مرة واحدة في مدة غروب الشمس مهما طالت.

و وجوب صلاة الظهرين مرة واحدة بعد الزوال، و هو الذي يكون في آخر دورة الشمس حال طلوعها، و ذلك قبل ساعات من غروبها الطويل.

و يشكل أولا: بأن الظاهر تحقق شهر رمضان و غيره من الشهور في تلك البلاد و غيرها بانفصال الهلال عن الشمس و تولده بعد المحاق في ضمن دورته الشهرية حول الأرض، و مجرد طول مدة طلوع الشمس أو غروبها في تلك البلاد لا يمنع من صدق الشهر، غاية الأمر هو الإشكال في صدق خصوصيات أيامه و لياليه. و من ثم لا

ص: 326

______________________________

ينبغي الإشكال في تحقق موضوع وجوب الصوم من حيثية الشهر.

و ثانيا: بأن الظاهر أن معيار مواقيت الصلاة من غروب الشمس و شروقها عرفا هو الغروب و الشروق الذي يتحقق به الليل و النهار في ضمن دورة الأرض التامة، دون مثل هذا الغروب و الشروق اللذين يستغرق كل منهما دورات متعددة للأرض.

و من ثم يشكل تحقق وقت صلاة العشاءين بالغروب المذكور.

و أشكل منه تحقق وقت صلاة الصبح، لعدم كون وقتها قبل طلوع الشمس، بل طلوع الفجر الذي يكون بعد إطباق الليل بانبثاق نور الشمس السابق علي طلوعها. و هو كثيرا ما لا يتحقق في هذه البلاد بعد غيبوبة الشمس فيها، لأن الشمس لا تبعد عن الأفق في نزولها، بل تدور حوله دور الرحي، بنحو يبقي نورها في تمام مدة غيابها، نظير وقت ما بعد الغروب و ما قبل الشروق قليلا، و لا يطبق الظلام، ليعقبه نور الفجر، الذي هو وقت صلاتها.

و ثالثا: بأن المراد بالزوال في هذه البلاد إن كان هو نصف المدة من طلوع الشمس إلي غروبها كان هناك زوال واحد في المدة الطويلة لطلوع الشمس كما ذكره قدّس سرّه. لكنه يبعد عن زمان غروبها بأمد طويل، لا بساعات قليلة.

و إن كان هو مبدأ انحدارها بعد منتهي ارتفاعها في دورتها الرحوية المائلة تعدد الزوال في مدة طلوع الشمس في هذه البلاد تبعا لتعدد دوراتها التي يتحقق بها الليل و النهار في البلاد المتعارفة، و تعين تعدد صلوات الزوال الواجبة، لا وحدتها.

و من هنا كان ما ذكره قدّس سرّه- مع اضطرابه- في غاية الإشكال. و لا سيما مع أن الالتزام بالاكتفاء في تمام المدة المذكورة- مهما طالت- علي صلوات الليل و النهار مرة مرة صعب جدا بلحاظ المرتكزات. و إن كان في بلوغ ذلك حدا بحيث ينهض بالخروج عن ظواهر الأدلة لو اقتضته إشكال.

أما بعض مشايخنا قدّس سرّه فقد قرب لزوم الخروج عن تلك البلاد و الهجرة منها، من أجل القدرة علي أداء الصلوات و الصيام في مواقيتها المعهودة. لإطلاقات الأدلة من الكتاب و السنة الناطقة بوجوب الصلوات الخمس و الصيام عدا ما استثني-

ص: 327

______________________________

كالمريض و المسافر و الحائض- و ليس منه المقام.

لكن ذلك إن رجع إلي أن الأوقات مقدمات وجودية للصلوات و الصيام، فيجب تحصيلها مقدمة لها، كسائر شروطها من الطهارة و الاستقبال و غيرهما.

فهو مما لا يمكن البناء عليه بالنظر للأدلة القطعية، حيث لا إشكال في عدم وجوب تحصيل المواقيت المذكورة، إما لأنها شروط للتكليف، أو لأنها شروط للمكلف به غير لازمة التحصيل، بناء علي إمكان ذلك، علي ما يذكر في مبحث الواجب المشروط و الواجب المعلق من الأصول.

فمن علم من نفسه أنه يقدر علي صيام يوم تام إذا كان قصيرا لا يجب عليه المكث في البلاد التي يكون يومها قصيرا مقدمة لتحصيل الصوم. و من علم من نفسه أنه يموت قبل دخول وقت صلاة ما في البلد الذي هو فيه، لا يجب عليه إدراك وقت تلك الصلاة من أجل أدائها بالانتقال إلي البلاد الشرقية. نظير من علم بحصول الكسوف في بعض بقاع الأرض، حيث لا يجب عليه الانتقال لتلك البقعة مع قدرته علي ذلك من أجل أن تشرع صلاة الكسوف في حقه. و وضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.

و إن رجع إلي أن الأوقات و إن كانت شروطا للتكليف لا يجب تحصيلها من أجل ذلك، إلا أن عدم تحصيلها في المقام لما كان مستلزما لعدم ثبوت التكليف بالصلاة و الصوم كثيرا أو دائما مع ما هما عليه من الأهمية في الدين، كشف ذلك عن وجوب تحصيلها بالانتقال للبلاد التي تتحقق فيها، لقضاء المرتكزات بعدم ترك الشارع الأقدس المكلفين من دون صلاة و صوم من أجل مكثهم في البقاع المذكورة.

ففيه: أن اهتمام الشارع الأقدس بفريضتي الصلاة و الصوم بهذا المقدار- لو تم، كما هو غير بعيد- إنما يكشف عن تشريع الفريضتين المذكورتين في حق هؤلاء المكلفين في الجملة، إما بإلزامهم بالهجرة من هذه البلاد، كما ذكره قدّس سرّه، أو بالاكتفاء منهم بإيقاعها من دون تقييد بخصوصيات أوقاتها ذات العناوين الخاصة، إما برفع اليد عن التوقيت رأسا، أو بالاكتفاء بما يناسب الأوقات المعهودة من حيثية المدة الزمنية و إن كانت فاقدة للعناوين الخاصة المعهودة، أو بغير ذلك مما تؤدي به

ص: 328

______________________________

الفريضتان في الجملة.

نظير تنازل الشارع الأقدس عن بعض الشروط رأسا- كالقبلة في بعض الأحوال، أو علي بعض الأقوال- أو بجعل أبدال اضطرارية، كما في موارد التيمم و الجبيرة و مستمر الحدث- كالمستحاضة و المسلوس و المبطون- و غيرها. بل حتي عن التوقيت، كما في تقديم غسل الجمعة ليوم الخميس لمن خاف إعواز الماء يوم الجمعة، و تقديم زكاة الفطرة في شهر رمضان و غيرهما.

و ليس استبعاد تنازل الشارع الأقدس عن مواقيت الفريضتين بعناوينها بأشد من استبعاد إلزام الشارع الأقدس بالهجرة من هذه البلاد الكثيرة و ترك التنعم بخيراتها. بل يكاد يقطع بعدم إلزامه بذلك.

و لا سيما مع استلزامه الحرج نوعا، خصوصا في حق أهلها الأصليين. و مع توقف دعوة أهلها للإسلام اختيارا، أو من طريق الجهاد- لو تيسر و لو في فرض بسط يد الإمام- علي دخول المسلمين لها و مكثهم فيها.

و لا أقل من كون ذلك مقتضي الأصل بعد ما سبق من أن مقتضي الأدلة الأولية عدم وجوب تحصيل المواقيت بعناوينها من أجل إقامة الفريضتين فيها، و أن وجوبه هنا لو تم لدليل خاص، و ليس هو إلا القطع بأهمية الفريضتين المذكورتين، الذي ظهر مما سبق عدم نهوضه بإثبات وجوب الهجرة من تلك البلاد و تركها، بسبب الاحتمالات الأخر التي أشرنا إليها.

و من هنا لا مجال للبناء علي ما ذكره قدّس سرّه من وجوب الهجرة من البلاد المذكورة و تركها. بل اللازم النظر في وظيفة أهلها الأصليين و المهاجرين بالإضافة إلي الفريضتين المذكورتين مع مكثهم فيها و عدم تكلفهم تركها. فنقول:

أما الصلاة فمن القريب جدا تحقق وقت صلاة الظهرين بميل الشمس عن دائرة نصف النهار، كما يتحقق في سائر البلاد، و مجرد عدم غياب الشمس في هذه البلاد لا يمنع من صدق الدلوك و الزوال به، و ما شاع شرعا و عرفا من إطلاق نصف النهار عليه ليس لأخذ ذلك في مفهومه، بل لكونه ملازما للزوال و الدلوك في غالب

ص: 329

______________________________

بقاع الأرض بسبب غياب الشمس في تلك البقاع، و إلا فالزوال و الدلوك من شئون الشمس لا من شئون النهار.

و لو فرض عدم صدقها بذلك فلا أقل من كون وجوب الصلاة المذكورة به في هذه البلاد أقوي احتمالا من سائر الوجوه المتصورة فيها، فيتعين العمل عليه في فرض اليقين- تبعا للمرتكزات المتشرعية- بوجوب هذه الصلاة في حق الماكثين هناك، أو قوة احتمال ذلك بنحو يلزم بالاحتياط.

أما منتهي وقتهما فلا يسعنا تحديده بعد فرض عدم الغروب الذي هو منتهي وقتهما شرعا. غير أنه حيث لا يحتمل عادة تشريعها من دون تحديد لمنتهي وقتهما، فاللازم الاحتياط بالمبادرة لهما قبل دخول الشمس في نصف الدائرة الآخر، الذي هو الأسفل في غالب هذه البلاد، لأنه الأنسب بالقياس للبلاد المعتدلة.

و من ذلك يظهر أن مقتضي الاحتياط الإتيان بصلاة العشاءين بعد دخول الشمس في النصف المذكور قبل وصولها لما يقابل نقطة نصف النهار بما يقارب نصف المدة بين الفجر و طلوع الشمس في البلاد المعتدلة. و الإتيان بصلاة الصبح قبل خروج الشمس من نصف الدائرة المذكور و عدم تقديمها علي ذلك إلا بمقدار ما يقارب المدة بين الفجر و طلوع الشمس في البلاد المعتدلة.

فإن ذلك و إن لم يتحقق به الوقت الشرعي المعهود للصلوات المذكورة المقتضي لعدم التكليف بها رأسا، إلا أن ذلك هو الأنسب علي تقدير تشريعها في حق أهل هذه البلاد. و حينئذ إن كانت المرتكزات المتشرعية بنحو تقتضي العلم بالتكليف بها يكون الإتيان بها في خصوص الأوقات المذكورة مقتضي الاحتياط الوجوبي المذكور، و إلا كان مقتضي الاحتياط الاستحبابي.

و الأولي مع كل ذلك الإتيان بهذه الصلوات كلها برجاء الأمر الأعم من الأدائي و القضائي، دفعا لاحتمال وجوب الخروج من هذه البلاد، لثبوت التكليف بهذه الصلوات في أوقاتها الحقيقية في كل دورة للشمس، أو وجوبها في نفس البلاد بوجه آخر، المستلزمين لفوتها في اليوم الماضي لعدم تحقق أوقاتها الشرعية.

ص: 330

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما لو غابت الشمس مدة قصيرة، بحيث يبقي نورها و لا يتحقق الظلام، فإن وقت صلاة العشاءين و إن تحقق بغيبوبتها، إلا أن الفجر لا يتحقق قبل طلوعها بسبب عدم استيعاب ظلام الليل، بل يكون الإتيان بصلاة الفجر قبل طلوع الشمس احتياطيا نظير ما سبق، بل أظهر منه.

و أما الصيام فحيث تقدم تحقق وقته من حيثية الشهر، فالمهم تحقق وقته من حيثية اليوم، و هو لا يتحقق شرعا في غالب البلاد إلا بغيبوبة الشمس و نزولها في الأفق، بحيث يظلم الوقت ثم يضي ء بصعودها متجهة للشروق، ليتحقق بذلك الفجر عرفا، و يبدأ وقت الصوم و يستمر بشروقها حتي غروبها الذي يتحقق به الليل عرفا. و لا يتحقق مع شروقها في تمام الدورة، و لا مع غروبها قليلا بحيث لا يتحقق الفجر قبيل طلوعها.

و مقتضي القاعدة حينئذ عدم وجوب أدائه، لعدم تحقق وقته، و وجوب قضائه في بقية السنة عند ما يتحقق الفجر و الليل لما يأتي في الفصل السابع من عموم وجوب قضاء الصوم في حق من وجب عليه ذاتا، و منه المقام، لفرض كمال المكلف، و حصول شهر رمضان في حقه، كالمسافر.

لكن اللازم مع ذلك ضمّ الأداء إليه بالإمساك في شهر رمضان من وقت صلاة الفجر إلي وقت صلاة العشاءين الاحتياطي الذي تقدم التعرض له، لقوة احتمال كفايته في حق أهل تلك البلاد.

هذا و أما في الفترات التي تغيب الشمس فيها في تلك البلاد في تمام دورتها التي يتحقق بها الليل و النهار في سائر البلاد، بحيث يستغرق غيابها أياما قليلة أو كثيرة، فلا تتحقق الأوقات الشرعية المعهودة للصلوات بأجمعها و لا للصوم.

و حينئذ يتعين الاحتياط بالصلاة و الصوم- لو صادف ذلك شهر رمضان- فيما يناسب الأوقات الاحتياطية السابقة، بنحو يظهر بقليل من التأمل.

مضافا إلي قضاء الصوم في بقية أيام السنة عند ما يتحقق الفجر و الليل فيها، لعين ما تقدم. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

ص: 331

ص: 332

[لفصل السابع في أحكام قضاء شهر رمضان]

اشارة

الفصل السابع في أحكام قضاء شهر رمضان

[(مسألة 1): لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا، أو الجنون]

(مسألة 1): لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا (1)، أو الجنون (2)،

______________________________

(1) بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه كذا في الجواهر. و يقتضيه الأصل بعد قصور دليل القضاء عنه، لاختصاص الآية الشريفة بمن كتب عليه الصيام، دون من لم يكتب عليه لرفع القلم عنه. و أما النصوص فهي واردة في موارد خاصة، و لا إطلاق لها يقتضي العموم لذلك. بل الحكم مقطوع به بعد ملاحظة السيرة و كلام الأصحاب في مثل هذا الأمر الشائع الابتلاء.

و منه يظهر الإشكال فيما عن ابن أبي عقيل من أن القضاء أحب إليّ و أحوط. إذ لا موضوع للاحتياط مع اليقين.

(2) عند الأصحاب من غير خلاف يعتد به بينهم، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل حكاه عليه في الروضة. كذا في الجواهر. و يقتضيه الأصل بالوجه المتقدم في الصبي.

و عن الإسكافي وجوب القضاء إذا استند الجنون له بوجه محرم، بل عن بعض متأخري المتأخرين الميل لعمومه لما إذا استند إليه بوجه محلل إذا علم إفضاءه لترك الصوم. و كأنه لدعوي أن ظهور قولهم عليهم السّلام في نصوص الإغماء ما غلب اللّه عليه فهو أولي بالعذر (1)، في التعليل قاض بأن ما لم يغلب اللّه عليه، بل استند للمكلف لا عذر فيه، بل يجب قضاؤه.

و فيه- مع الغض عما يأتي في المغمي من عدم ظهور ذلك في التعليل-: أولا:

أن التعليل بغلبة اللّه تعالي و الحكم بالعذر إنما يقتضي قصور سقوط القضاء في مورد

ص: 333


1- راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات، و ج: 7 باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم، و باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان.

أو الإغماء (1)،

______________________________

ثبوت المقتضي له، لدخول المكلف في الخطاب بالصوم، و فيمن كتب عليه، دون من خرج عنه لرفع القلم.

و ثانيا: أن التعليل و إن اقتضي ثبوت الحكم المعلل تبعا لثبوت العلة مطلقا و لو في غير مورد التعليل، إلا أنه إنما يقتضي انتفاءه تبعا لانتفاء العلة في مورد التعليل دون غيره، كالصبي و المجنون في المقام، فإذا قيل: لا تأكل الرمان لأنه حامض، دل علي النهي عن أكل الحامض مطلقا و لو لم يكن رمانا، و علي جواز أكل غير الحامض من الرمان، و لا يدل علي جواز أكل غير الحامض من غير الرمان، كالتفاح الحلو.

هذا و يظهر من بعض كلمات الشيخ أنه بحكم المغمي عليه. و لم يتضح وجهه.

(1) علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن ظاهر فقه القرآن للراوندي الإجماع. كذا في الجواهر. و قد يستدل عليه بعموم: ما غلب اللّه عليه فهو أولي بالعذر المشار إليه آنفا.

لكنه يشكل بظهور معتبر الفضل بن شاذان (1) الآتي في المسألة الثالثة في أن تشريع التكليف بصوم شهر رمضان يبتني علي تعدد المطلوب، و أن الواجب أولا هو صوم شهر في السنة، و ثانيا جعله في شهر رمضان، فإن مقتضي ذلك أن تعذر الثاني لا يسقط الأول. و لذا تضمن المعتبر المذكور تطبيق العموم المزبور علي خصوص من استمر به المرض في تمام السنة. بل يستفاد ذلك حتي من الآية الشريفة التي يأتي قريبا الاستدلال بها لعموم وجوب القضاء، كما سنشير إليه إن شاء اللّه تعالي.

فالعمدة في المقام النصوص الخاصة، كصحيح أيوب بن نوح: «كتبت إلي أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن المغمي عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟

فكتب عليه السّلام: لا يقضي الصوم، و لا يقضي الصلاة» (2). و صحيح علي بن مهزيار: «أنه سأله- يعني: أبا الحسن الثالث عليه السّلام- عن هذه المسألة- يعني: مسألة المغمي عليه- فقال: لا يقضي الصوم و لا الصلاة، و كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر» (3)، و غيرهما.

ص: 334


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1، 6.

______________________________

و بها يخرج عما دل علي قضاء المغمي عليه، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المغمي عليه قال: «يقضي كل ما فاته» (1)، و غيره، حيث يتعين حمله علي الاستحباب. كما قد يشير إليه معتبر منصور عنه عليه السّلام: «أنه سأله عن المغمي عليه شهرا أو أربعين ليلة، قال: فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي أن تقضي كل ما فاتك» (2).

و عن المفيد و المرتضي و سلار وجوب القضاء مع عدم سبق النية، كما يظهر من الشيخ أيضا. و كأن التقييد منهم يبتني علي ما تقدم من صحة صوم المغمي عليه مع سبق النية، و إنما لا يجب القضاء حينئذ لصحة الصوم.

و عن المختلف الاستدلال لوجوب القضاء في غير ذلك بعموم وجوب القضاء علي المريض. و بما دل علي وجوب قضاء الصلاة عليه.

و يندفع الأول بعدم ملازمة الإغماء لصدق المرض. و الثاني بعدم الملازمة بين الصوم و الصلاة في القضاء. مع أن الظاهر عدم وجوب قضاء الصلاة عليه أيضا.

علي أنه لو تم الوجهان المذكوران لزم الخروج عنهما بالنصوص المتقدمة.

و لولاها كان الأولي الاستدلال لوجوب القضاء بعموم ما تضمن وجوب القضاء علي المغمي عليه مما تقدم بعضه.

هذا و ربما يدعي اختصاص عدم القضاء بما إذا لم يستند للمكلف، لدعوي ظهور قوله عليه السّلام في صحيح ابن مهزيار المتقدم: «كلما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر»، و غيره، في اختصاص العذر بما إذا غلب اللّه تعالي، و لا يعم ما فعله الإنسان بنفسه.

لكنه يشكل بعدم ورود الفقرة المذكورة مورد التعليل لكبري عدم القضاء علي المغمي عليه، ليكون ظاهرها دوران عدم وجوب القضاء مدار غلبة اللّه تعالي وجودا و عدما، بل هي واردة لمجرد ضرب القاعدة، فلا تنهض بتقييد إطلاق نفي القضاء في مثل صحيح أيوب المتقدم، لعدم التنافي بين العمومين بعد اتفاقهما في نفي القضاء. فتأمل.

ص: 335


1- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 13.

أو الكفر الأصلي (1).

______________________________

(1) إجماعا بقسميه كما في الجواهر. و يقتضيه جملة من النصوص كصحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضي منه أيام، هل عليهم أن يصوموا ما مضي منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء، و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (1)، و غيره.

مضافا إلي ما هو المعلوم من حال المتشرعة تبعا للمعصومين عليه السّلام من عدم تكليف من يسلم من الكفار بذلك بنحو يقطع معه بعدم وجوب القضاء.

نعم في صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلم بعد ما دخل [من] شهر رمضان أيام [أياما] فقال: ليقض ما فاته» (2). لكن يتعين حمله علي الاستحباب.

بل يقرب اختصاصه بما فاته من الشهر الذي أسلم فيه، إذ من البعيد إرادة السائل غيره بعد ما عرفت من وضوح عدم وجوب القضاء. و هو حينئذ محمول علي الاستحباب أيضا بقرينة صحيح العيص المتقدم.

هذا و لو حمل علي صورة عدم صومه بقية الشهر الذي أسلم فيه- كما عن الشيخ- كان خارجا عن محل الكلام. لكن المنسبق من الصحيح هو الأول، لأن فرض عدم صومه بعد الإسلام يحتاج إلي بيان، بخلاف عدم صومه قبل الإسلام، فإنه أمر طبيعي ظاهر، فلا يحتاج إلي بيان، بل حتي لو صام فمن المعلوم بطلان صومه.

و من هنا ينصرف الجواب إلي بيان حكم ما قبل الإسلام، دون ما بعده، إلا أن يكون حمله علي ذلك خروجا عن ظاهره للجمع العرفي. فلاحظ.

ثم إنه قال في المبسوط: «فإن أسلم في بعض النهار أمسك بقية النهار تأديبا، و من أسلم قبل طلوع الفجر صام ذلك اليوم وجوبا، و إن أسلم بعده و لم يتناول ما يفطره إلي عند الزوال جدد النية، و كان صومه صحيحا، و إن كان بعد الزوال أمسك تأديبا، و لا قضاء عليه».

لكن صحة صيامه إذا أسلم قبل الزوال و جدد النية تحتاج إلي دليل. و حمله علي

ص: 336


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1، 5.

و يجب قضاء ما فات في غير ذلك (1)،

______________________________

المسافر قياس. كما أن ما قد يظهر من ذيله من وجوب القضاء لو لم يفعل لا يناسب صحيح العيص المتقدم.

(1) قد يستدل علي ذلك تارة: بعموم: «من فاتته فريضة فليقضها». لكن لم يثبت ورود العموم المذكور في النصوص المعتبرة، و إنما حكي إرساله عن بعض كتب الفقه، و لعله منقول بالمعني متصيد من ورود الأمر بالقضاء في الموارد المتفرقة.

و ثانيا: بما تضمن وجوب القضاء علي من أفطر متعمدا، كمعتبر عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه: «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال: يتصدق بعشرين صاعا، و يقضي مكانه» (1).

لكنه- مع اختصاصه بالعمد- لا يتضح صدق الإفطار بمجرد ترك الصوم، علي ما تقدم عند الكلام في وجوب الكفارة.

فالعمدة في المقام قوله تعالي: وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ (2). فإن مقتضي تعليل وجوب القضاء علي المريض و المسافر بوجوب إكمال العدة وجوب القضاء علي كل من ترك صوم شهر رمضان، لرجوعه إلي أن صوم قدر أيام الشهر واجب علي كل مكلف صالح للخطاب، و أن جعله في شهر رمضان واجب آخر، فإذا سقط التكليف بإيقاعه في شهر رمضان بعصيان أو تعذر أو غيرهما بقي التكليف بالصوم بقدره في حق المكلف.

بل قد يكون ذلك مقتضي إطلاق قوله تعالي قبل ذلك: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيّاماً مَعْدُوداتٍ … (3). و أما قوله تعالي: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُديً لِلنّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدي وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (4)، فلم يتضح وروده لتقييد إطلاق الأمر الأول،

ص: 337


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.
2- سورة البقرة الآية: 185.
3- سورة البقرة الآية: 183- 184.
4- سورة البقرة الآية: 185.

من ارتداد (1)،

______________________________

ليكون هناك أمر واحد بالصوم في شهر رمضان كي يحتاج وجوب القضاء مع عدم امتثاله للدليل، بل مقتضي الجمود عليه كون إيقاع الصيام في شهر رمضان مطلوبا آخر، فعدم امتثاله لا يوجب سقوط أصل وجوب الصيام المستفاد من الأمر الأول.

كما أن ذلك هو المناسب لمعتبر الفضل بن شاذان الآتي في المسألة الثالثة علي ما يتضح من تقريب الاستدلال به هناك.

مضافا إلي قرب تصيد العموم من استقراء ثبوت وجوب القضاء في الموارد المتفرقة، مثل من أفطر متعمدا، و المريض و المسافر و الحائض و النفساء و ناسي الجنابة و غير ذلك. فتأمل.

نعم لا بد من كون المكلف بنحو يتوجه له الخطاب بالصوم حين دخول شهر رمضان و لو بنحو الواجب المعلق، بحيث يكون مكلفا بالصوم لو لا العذر المانع، دون مثل الصبي و المجنون حين دخول الشهر، كما لعله ظاهر، و يأتي في المسألة الثالثة عند الكلام في معتبر الفضل بن شاذان المشار إليه ما يوضح ذلك.

(1) بلا خلاف أجده فيه، كذا في الجواهر. و يقتضيه العموم المتقدم، بناء علي ما هو المعروف من تكليف الكافر بالفروع. بل ذكر بعض مشايخنا أنه لا إشكال في تكليف المرتد بها حتي لو قيل بعدم تكليف الكافر بالفروع، لأن ذلك يختص بالكافر الأصلي، لعدم الوجه لسقوط التكليف بالارتداد بعد إطلاقات الأدلة.

لكنه غير ظاهر، لعدم الفرق بين الكافر الأصلي و المرتد في الجهة الموجبة لقصور الإطلاقات أو شمولها، فسقوط التكليف عنه بالارتداد- بناء علي عدم تكليف الكافر بالفروع- إنما هو لخروجه بالارتداد عن موضوع التكليف و أدلته، لا من جهة التخصيص لها، ليحتاج للدليل. و مجرد عدم إقرار المرتد علي كفره، بل يقتل أو يستتاب لا يصلح فارقا.

هذا و قد يستشكل في عموم وجوب القضاء للكافر حتي لو قيل بتكليفه بالفروع، لو كان عموم وجوب القضاء علي من وجب عليه الصوم ينحصر بالتعليل

ص: 338

أو حيض، أو نفاس (1)،

______________________________

في الآية الشريفة، لأن مدلول الآية الشريفة المطابقي وجوب الصوم علي المسلمين، و التعليل فيها إنما يقتضي وجوب القضاء عليهم. و التعدي عنهم في أصل وجوب الصوم إلي الكفار، لما دل علي تكليفهم بالفروع، لا يقتضي التعدي عنهم إليهم في وجوب القضاء.

اللهم إلا أن يقال: هذا إنما يتم إذا كان دليل التعدي هو الإجماع، حيث لا بد من ثبوت الإجماع في كل حكم حكم، فلو فرض عدم ثبوته في وجوب القضاء لا مجال للبناء علي العموم، أما إذا كان دليل التعدي هو الأدلة اللفظية و لو بضميمة إلغاء خصوصية مواردها فالمتعين البناء علي العموم، كما يتعين بناء علي ما سبق من دلالة معتبر الفضل بن شاذان الآتي عليه.

نعم يمكن الاستدلال علي عدم وجوب القضاء علي المرتد إذا أسلم بإطلاق النصوص المتضمنة عدم وجوب قضاء الصوم علي الكافر إذا أسلم، و قد تقدم بعضها. و دعوي: انصرافها إلي الكافر الأصلي دون المرتد. غير ظاهرة، و إن كان ظاهر غير واحد و صريح بعض مشايخنا استيضاحها.

هذا مضافا إلي كثرة وقوع الارتداد في عصر النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و ما بعده و في عصر أمير المؤمنين عليه السّلام، و لو كان البناء علي تكليفهم بالقضاء لظهر و شاع.

و لعله لذا أطلق عدم وجوب القضاء علي الكافر إذا أسلم في المقنع و المقنعة و المبسوط و النهاية و الخلاف و السرائر، بل لعله ظاهر الكافي و الفقيه. بل لم أعثر عاجلا علي من صرح بقضاء المرتد الصوم إذا أسلم قبل ابن حمزة، و إنما صرح بعضهم بقضائه للصلاة. و من ثم يشكل البناء علي وجوب القضاء عليه، بل الأظهر العدم.

(1) إجماعا ادعاه جماعة في الحائض، كما ادعوا الإجماع علي مشاركة النفساء لها في الأحكام. و النصوص بوجوب القضاء عليهما مستفيضة، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا في مباحث الدماء من كتاب الطهارة.

ص: 339

أو نوم (1)، أو سكر (2)، أو مرض (3)، أو خلاف للحق (4). نعم إذا

______________________________

(1) بلا إشكال ظاهر. و يقتضيه العموم المتقدم. هذا إذا لم يتحقق منه الصوم، لعدم سبق النية و فوت محلها.

(2) كما عن جماعة. و يقتضيه العموم المتقدم. نعم لو سبقت منه النية أو لم يفت محلها لم يبعد صحة صومه، و لا موضوع معها للقضاء، كما تقدم في المسألة الأولي من الفصل الرابع.

(3) بلا إشكال فيه و في السفر، بل هو إجماعي فيهما، بل ضروري. و يقتضيه الكتاب المجيد، و النصوص المستفيضة، بل المتواترة.

(4) للعموم المتقدم. نعم في خبر عمار الساباطي «قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا جالس: إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين، أقضي ما فاتني قبل معرفتي. قال: لا تفعل، فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (1). و مقتضي عموم التعليل فيه العموم للصوم.

لكن قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و حمله الشهيد علي إرادة ما تركت من شرائطها و أفعالها، لا تركها بالكلية. و هو و إن كان بعيدا عن الظاهر، لكنه قريب بلحاظ حال سليمان و جلالته حتي قبل الاستبصار. و كيف كان فضعف الخبر سندا كاف في المنع عن العمل به من غير جابر ظاهر».

هذا و قد يستشكل فيما ذكره قدّس سرّه بأنه لو تم ما ذكره الشهيد من كون المراد بالخبر ترك الشروط و نحوها لا ترك العمل بالكلية، إلا أن عموم التعليل يقتضي عموم الحكم لترك العمل بالكلية، لوضوح أن ترك الولاية أعظم منه، لأنها أعظم الفرائض، كما تضمنته جملة من النصوص.

كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: بني الإسلام علي خمسة أشياء، علي الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية، قال زرارة: فقلت: و أي شي ء من ذلك

ص: 340


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

صام المخالف علي وفق مذهبه أو مذهبنا لم يجب عليه القضاء (1).

______________________________

أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن، و الوالي هو الدليل عليهن … » (1)،

و صحيح أبي حمزة الثمالي عنه عليه السّلام: «قال: بني الإسلام علي خمس، علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية و لم يناد بشي ء ما نودي بالولاية»(2)، و غيرهما.

اللهم إن أن يدعي أن المراد بالتعليل ليس هو رفع مطلق ما هو دون الولاية، بل خصوص ما كان تركه مسببا عن ترك الولاية، و أن اللّه تعالي إذا عفي عن ترك الولاية بسبب التوبة و الرجوع للحق يعفو عن كل ما كان مسببا عن تركها مما هو دونها في الأهمية. و من الظاهر أن ترك الولاية إنما تقتضي غالبا مخالفة الشخص لأهل الحق في كيفية العمل، لا تركه رأسا، فلا ينفع عموم التعليل في رفع اليد عما ذكره الشهيد قدّس سرّه.

نعم قد يتجه ذلك في مثل ترك الصلاة لفتوي علماء أهل الخلاف بحصول الحيض أو النفاس خطأ، و ترك الصوم لحكم قضاتهم بهلال العيد كذلك، فيظهر الأثر لعموم التعليل. فالعمدة ما ذكره قدّس سرّه من ضعف الخبر.

اللهم إلا أن يعتضد الخبر بالسيرة، لما هو المعلوم من شيوع الاستبصار في أهل الخلاف، و رجوع كثير منهم للحق في عصور الأئمة عليه السّلام و بعدها، فلو كان البناء علي تداركهم لما تركوه بسبب خلافهم لأهل الحق لظهر ذلك، و كثر السؤال عن فروعه، و حيث لم يظهر شي ء من ذلك فالظاهر المفروغية عن عدم وجوب القضاء و التدارك، فلاحظ.

(1) لصحيح بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ اللّه عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه، إلا الزكاة، فإنه يعيدها، لأنه وضعها في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية. و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء» (3). و قريب منه غيره.

و دعوي: انصرافه إلي العمل التام لو لا الولاية، المانعة من قبول العمل و الأجر

ص: 341


1- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2، 10، 1.
2- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2، 10، 1.
3- وسائل الشيعة ج: 1 باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2، 10، 1.

______________________________

عليه، لأن الحكم بأنه يؤجر علي العمل يناسب صحته في نفسه، و كونه موضوعا للأجر لو لا المانع. و لعله لذا حكي عن التذكرة التوقف في سقوط القضاء إذا كان العمل فاسدا عندنا.

مدفوعة: بأن ذلك و إن كان هو مقتضي الجمود علي مفاد النصوص، إلا أنه خلاف المتيقن من موردها، لأن مبني المخالفين علي عدم العمل علي طبق مذهبنا، فلا بد من حمل النصوص علي الامتنان بقبول الشارع للعمل الناقص و لو من غير جهة الولاية، عدا الزكاة التي كان النقص فيها من حيثية حق الناس، فيكون قبولها و إجزاؤها منافيا للامتنان في حقهم.

بل قد يدعي أن المنصرف من النصوص ما إذا كان العمل صحيحا بنظر العامل بحيث يراه مبرئا لذمته، دون ما إذا كان عنده باطلا كالعدم. و لا أقل من كون ذلك هو المتيقن من النصوص، فيقتصر عليه في الخروج عن عموم القضاء. و لعله لذا قوي بعضهم عدم الاجتزاء بالعمل الصحيح عندنا الفاسد في مذهبه.

لكنه يشكل بأن ذلك و إن كان هو المتيقن من مورد النصوص، إلا أنه لا مجال لاختصاصها به بعد كون العمل موضوعا للأجر لو لا الولاية، فهو داخل في موضوع النصوص، بل هو أولي بالقبول عرفا من موردها. غاية الأمر أنه لا بد من تحقق قصد القربة فيه و لو تقصيرا، ليقع عبادة و يؤتي به امتثالا.

نعم قد يتجه ذلك فيما كان فاسدا في مذهبه و مذهبنا معا، لعدم وضوح شمول النصوص له، و عدم الدليل علي إلحاقه بمواردها.

اللهم إلا أن يقال: مرجع تعليل الفرق بين الزكاة و غيرها في النصوص بأنه قد وضعها في غير موضعها هو أن الزكاة حيث كانت من حقوق الناس لم تسقط مراعاة لحقهم، بخلاف غيرها مما كان من حقوق اللّه تعالي، فإنه يسقط بتفضله تعالي و إن كان مخالفا لما أمر به و واقعا علي غير وجهه، و ذلك يقتضي العموم لكل عمل باطل واقعا، و إن لم يكن صحيحا في مذهبه، فيتعين البناء علي ذلك.

و لا سيما بملاحظة بعد دخل خصوصية الصحة في مذهبه في الارفاق به بعد

ص: 342

[(مسألة 2): إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي]

(مسألة 2): إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بني علي الأداء (1).

______________________________

فرض تحقق العمل منه، و تأتي قصد القربة له. و مع ما هو المعلوم من حال المخالفين في العصور الأولي من عدم الالتزام بطرق منضبطة في أمور الدين، و أن تبني مذاهب خاصة أمر حادث عندهم مع شيوع خروجهم عملا عما يتبنونه منها. و قد أشار إلي ما ذكرناه في الجملة سيدنا المصنف قدّس سرّه في مبحث قضاء الصلوات. فراجع.

(1) لقاعدة عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت، بناء علي التحقيق من عدم اختصاصها بالصلاة، و عمومها لكل موظف في وقت خاص، و منه المقام، علي ما ذكرناه في مبحث قاعدة التجاوز و الفراغ من الأصول.

لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا أحرز أن الوظيفة في ذلك اليوم هو الصوم لعدم السفر أو المرض قطعا، أو تعبدا باستصحاب و نحوه، بخلاف ما إذا لم يحرز ذلك، كما في مورد تعاقب الحالتين، و الجهل بالمتقدم منهما، أو أحرز عدمه بالأصل، كما لو شك في استمرار السفر و المرض مع العلم بحدوثهما. لاختصاص أصالة عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت بما إذا كان مقتضي الوظيفة الفعلية هو الإتيان بالعمل في الوقت. و حينئذ يكون مقتضي أصالة عدم صوم اليوم المذكور هو وجوب القضاء.

(إن قلت): موضوع القضاء ليس هو مجرد عدم الصوم، و لذا لا يجب القضاء علي الصبي و المجنون و المغمي عليه، بل لا بد فيه من ثبوت المقتضي للصوم، المناسب لكون الموضوع هو الفوت، كما كان في الصلاة، و إن لم تتضمن الأدلة ذلك لفظا في الصوم كما وردت في الصلاة، و من الظاهر أنه لا طريق لإحراز الفوت، و أصالة عدم الصوم لا تحرزه إلا بناء علي الأصل المثبت.

(قلت): لا مجال للبناء علي أن موضوع القضاء هو الفوت في الصلاة، فضلا عن الصوم، بل موضوعها مجرد عدم الإتيان بالفريضة، و لذا لو شك قبل خروج الوقت في الإتيان بالفريضة، فلم يأت بها حتي خرج الوقت، يجب عليه القضاء، عملا بأصالة عدم الإتيان بها، بعد عدم جريان قاعدة عدم الاعتناء بالشك قبل خروج الوقت، مع وضوح عدم إحراز الفوت.

ص: 343

و إذا شك في عدد الفائت بني علي الأقل (1).

______________________________

و أما عدم القضاء علي الصبي و نحوه، فليس هو لعدم كون موضوع القضاء مجرد عدم الإتيان بالفريضة، بل لأن موضوع القضاء هو المكلف الذي يجري عليه القلم، و الذي خوطب بأن الصوم قد كتب عليه في ظاهر الآية الشريفة، كما تقدم، و المفروض دخول المكلف في المقام في ذلك.

و أما عدم وجوبه علي المغمي عليه فهو من باب الاستثناء تخصيصا للعموم المذكور، و إذا أحرز عدم المستثني- كما هو المفروض في المقام- جري حكم العام علي ما يذكر في مبحث العموم و الخصوص من الأصول.

بل التأمل في المقام يقضي بأنه لا حاجة لاستصحاب عدم الصوم في وجوب القضاء، بل يكفي فيه قاعدة الاشتغال بالصوم، لما سبق عند الكلام في عموم وجوب القضاء من أن المستفاد من أدلة المقام- من الكتاب المجيد و السنة الشريفة- وجوب الصوم في شهر رمضان بنحو تعدد المطلوب، و أن المطلوب هو صوم العدة علي المكلف، و كونه في شهر رمضان مطلوب آخر، فمع عدم مشروعية الصوم في شهر رمضان- لمانع من مرض أو سفر أو غيرهما- يتعين وجوب صوم العدة. و يترتب علي ذلك أنه مع الشك في تحقق صوم العدة في شهر رمضان إن نهضت أصالة عدم الاعتناء بالشك بعد الوقت بإحرازه فهو، و إلا كان مقتضي قاعدة الاشتغال لزوم إحراز الفراغ عن ذلك بالقضاء.

بل التحقيق أن ذلك يجري في جميع موارد القضاء، و لا يختص بالصوم، لما ذكرناه في مبحث الواجب المؤقت من الأصول من أن مقتضي الجمع بين دليل التوقيت و دليل وجوب القضاء كون الوقت مأخوذا بنحو تعدد المطلوب، فيجري فيه ما سبق.

(1) مما تقدم يظهر اختصاص ذلك بما إذا أحرز عدم المرض و السفر و لو بالأصل.

ص: 344

[(مسألة 3): لا يجب الفور في القضاء]

(مسألة 3): لا يجب الفور في القضاء (1)، نعم لا يجوز تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني (2) و إن أخره عن الثاني بقي موسعا إلي

______________________________

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب. و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق أدلته، و إلي نصوص عدم وجوب التتابع فيه(1)، صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: إذا كان علي الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء …

قلت: أ رأيت أن بقي علي شي ء من صوم رمضان أقضيه في ذي الحجة؟ قال: نعم» (2).

و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كن نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلي شعبان كراهة أن يمنعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم حاجته، فإذا كان شعبان صمن و صام [معهن]، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يقول: شعبان شهري» (3)، و غيرهما.

و منه يظهر ضعف ما في إشارة السبق و الغنية و عن أبي الصلاح من وجوب الفور فيه، و في الجواهر أنه في غاية الضعف، بل يمكن تحصيل الإجماع علي ضعفه.

(2) كما في المعتبر و التذكرة و عن غيرهما، بل قيل انه المشهور. قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و يظهر من كلام غير واحد منهم أنه من المسلمات. و في محكي غنائم القمي رحمه اللّه الظاهر عدم الخلاف فيه».

و قال في المعتبر: «لأن القضاء مأمور به، و جواز التأخير القدر المذكور معلوم من السنة، فينتفي ما زاد»، و هو كما تري، فإن جواز التأخير مقتضي الأصل، بل مقتضي إطلاق أدلة القضاء.

و الأولي الاستدلال عليه بمعتبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام: «قال: إن قال: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو من مرضه حتي يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول و سقط القضاء،

ص: 345


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 27 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 28 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.

______________________________

و إذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء، قيل: لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر، فأما الذي لم يفق فإنه لما مر عليه السنة كلها و قد غلب اللّه عليه، فلم يجعل له السبيل إلي أدائها سقط عنه. و كذلك كلما غلب اللّه عليه مثل المغمي الذي يغمي عليه في يوم و ليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلوات، كما قال الصادق عليه السّلام: كلما غلب اللّه علي العبد فهو أعذر له، لأنه دخل الشهر و هو مريض، فلم يجب عليه الصوم في شهره، و لا في سنته، للمرض الذي كان فيه، و وجب عليه الفداء، لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم، فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء، كما قال اللّه تعالي: فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً … فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه، و الصوم لاستطاعته»(1).

فإن التعليل المذكور فيه لثبوت القضاء و سقوطه في القسمين لا يتوجه إلا بحمل قوله عليه السّلام: «لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر» علي إرادة أن الواجب هو صوم الشهر من تمام السنة، و جعله في شهر رمضان واجب آخر، بنحو تعدد المطلوب، فمع تعذر أحد المطلوبين- لفرض المرض في شهر رمضان- يجب الثاني، كما لعله ظاهر بأدني تأمل.

كما أن ذلك هو المناسب لما تضمنه من جعل الفداء بدلا عن القضاء في مستمر المرض، لأن جعل الفداء يناسب تدارك الأمر المفدي لتعذره و مع إطلاق وجوب القضاء بنحو يشمل ما بعد السنة الأولي لم يتعذر القضاء، ليكون الفداء بدلا عنه.

و الظاهر اعتبار الحديث في نفسه، لرواية الصدوق له عن الفضل بطريقين، الأول: عن محمد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة، و الثاني: عن جعفر بن نعيم عن محمد بن شاذان. و الطريق الأول معتبر، كما تقدم في المسألة الثالثة من فصل وجوب الكفارة عند الكلام في الإفطار علي الحرام. و لا سيما مع اعتضاده أو تأييده بالثاني، لأن جعفر بن نعيم ممن روي عنه الصدوق مترضيا عليه، و محمد بن شاذان

ص: 346


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.

______________________________

يظهر من بعض القرائن و الروايات- و إن لم تخل عن ضعف- حسن حاله، بل وثاقته.

و يؤيده أو يعضده حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا مرض الرجل من رمضان إلي رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطره فدية طعام و هو مدّ لكل مسكين … و إن صح فيما بين الرمضانين، فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صح فعليه الصدقة و الصيام جميعا لكل يوم مدّا، إذا فرغ من ذلك الرمضان» (1).

أما السند فقد يستشكل فيه بلحاظ اشتماله علي علي بن أبي حمزة البطائني.

و نحن و إن ذكرنا غير مرة أن الظاهر إعراض أصحابنا عنه بعد انحرافه، و أن رواياتهم عنه قبل انحرافه، و قد صرح الشيخ قدّس سرّه في العدة بأن الأصحاب يعملون بروايته حينئذ، إلا أن الراوي هنا هو القاسم بن محمد الجوهري، و هو و إن كان ثقة، لوقوعه في أسناد كتاب كامل الزيارات و لرواية ابن أبي عمير و صفوان عنه، إلا أنه واقفي، و لا بعد في أن يروي عن ابن أبي حمزة بعد انحرافه. و إن كان المظنون أن الأصحاب لم يرووا أحاديث ابن أبي حمزة و يتناقلوها إلا بعد أن أحرزوا أنها قد صدرت عنه حال استقامته.

و أما الدلالة فلأن تفريع قوله عليه السّلام: «فإن تهاون … » علي قوله: «فإنما عليه أن يقضي الصيام» يناسب كون المراد بقضاء الصيام قضاءه في نفس السنة، إذ مع إطلاق مطلوبيته لا يصدق التهاون بتأخيره عنها، و حيث كان ظاهر الأمر بالقضاء الوجوب، فيكون ظاهرا في وجوب المبادرة.

بل التعبير في النصوص (2)، بالتضييع و التهاون و التواني يناسب وجوب المبادرة بالصوم جدا، لأن العناوين المذكورة و إن كانت تصدق بترك المستحب أيضا، إلا أنه لم يرد الأمر الاستحبابي بالمبادرة، بل ليس إلا الأمر بالقضاء الظاهر في الوجوب، فمن القريب المفروغية عن كون المراد به القضاء في نفس السنة.

ص: 347


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان.

آخر العمر (1). و إن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين (2)،

______________________________

كما أن جعل الفدية يناسب لزوم الأمر المفدي به ذاتا و إن لم يكن التكليف به فعليا أو منجزا، لعجز أو جهل.

نعم في مرسل سعد بن سعد عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان، ثم يصح بعد ذلك، فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال: أحب له تعجيل الصيام، فإن كان أخره فليس عليه شي ء» (1).

لكن ضعف سنده مانع من التعويل عليه. و لا سيما مع ظهوره في عدم وجوب الفدية بالتأخير مع استفاضة النصوص المعتبرة بوجوبها، و عمل الأصحاب علي ذلك. و من ثم لا مجال للخروج به عما سبق.

(1) لإطلاق الأدلة. و لعله لا خلاف فيه. نعم نسب للمبسوط و التذكرة تكرر الفدية بتعاقب السنين، و هو يناسب وجوب التعجيل في كل سنة.

لكن النسبة لا تخلو عن إشكال، لأنهما بعد أن ذكرا حكم عدم القضاء بين الرمضانين مع التهاون و عدمه ذكرا أن حكم ما زاد علي الرمضانين حكمهما سواء.

و لعل مرادهما به وجوب الفداء لكل رمضان تهاون في ترك قضائه- كما فهمه في المختلف من الشيخ- لا تكرر الفداء بتأخير قضاء رمضان واحد سنين متعددة. نعم قد لا يناسب ذلك قوله في التذكرة: «و لو أخره سنين تعددت الكفارة بتعدد السنين».

و كيف كان فلا دليل علي وجوب الفدية بالتأخير، فضلا عن وجوب التعجيل.

(2) لأن التعيين فرع التعين، و لا يتضح من الأدلة أخذ خصوصية الأيام في القضاء، لأن جملة من النصوص و إن تضمنت إضافة القضاء لليوم الفائت بنحو قد يوهم اختصاص كل يوم بقضائه، إلا أن من القريب حمله علي إرادة القضاء بقدر الفائت بقرينة النصوص المتضمنة قضاء الشهر أو قضاء ما فات. و لا سيما بلحاظ أن

ص: 348


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

و لا الترتيب (1). و إن عين لم يتعين (2). و إذا كان عليه قضاء من رمضان

______________________________

أصل دليل تشريع القضاء هو الآية الشريفة، و هي ظاهرة في أن الواجب هو أيام بعدد الأيام الفائتة من أجل إكمال العدة، فإن ذلك صالح للقرينية علي الحمل المذكور.

(1) لإطلاق أدلة القضاء. بل الترتيب فرع التعين، و لا موضوع له بدونه.

(2) لأن التعيين فرع التعين، أما مع عدمه بأن لا تكون مطلوبية كل فرد لخصوصيته، بل لكونه فردا من الكلي فلا مناص من عدم الأثر لتعيينه.

نعم لو تعددت الماهية تعين عدم حصول الامتثال بقصد الكلي، لعدم الأثر له، بل للخصوصية، فلا بد من قصدها و لو إجمالا، بمثل القصد إلي الأول فالأول، و بدونه لا تقع عن إحدي الماهيتين، لا معينا لعدم المرجح، و لا مرددا لعدم انشغال الذمة بالمردد.

كما أنه لو اتحدت الماهية المطلوبة، و اختلف أثر الخصوصيتين زائدا علي مطلوبيتهما فإن أتي بما ينطبق علي الماهية من دون قصد الخصوصية تعين وقوع ما أتي به عن الماهية علي إبهامها، دون الخصوصية ذات الأثر، و لا الخصوصية الأخري، لعدم المرجح كما سبق.

مثلا إذا أفطر عشرة أيام، و كان قد نذر أن يبادر لقضاء خمسة معينة منها في شوال، أو استدان من شخص مائتي درهم، و كان قدرهن علي مائة معينة منها، ثم بادر بقضاء خمسة أيام في شوال من دون أن ينوي بها الأيام المنذورة، أو و في مائة درهم من دينه من دون أن ينوي بها ذات الرهن، تعين حصول القضاء عن خمسة مما وجب عليه، و الوفاء عن مائة من دينه علي نحو الإبهام، من دون أن يتعين لإحدي الخصوصيتين.

نعم إذا استوعب الماهية المطلوبة بالامتثال، بأن أتي بقدر تمام الأفراد المطلوبة، انطبق المأتي به قهرا علي الخصوصية ذات الأثر، و ترتب الأثر تبعا لذلك، و إن لم ينو الخصوصية عند الامتثال.

ص: 349

سابق و من لاحق وجب التعيين (1)، و لا يجب الترتيب (2)، فيجوز قضاء اللاحق قبل السابق، و يجوز العكس إلا مع تضيق الوقت اللاحق بمجي ء رمضان الثالث. و إن نوي السابق حينئذ صح صومه، و أثم (3).

______________________________

(1) الظاهر أن مراده ما إذا كان اللاحق من نفس سنة امتثال أمر القضاء، بحيث يجب المبادرة لقضائه، دون ما إذا كان السابق و اللاحق معا من سنين سابقة لا يجب المبادرة إلي شي ء منها. و قد ذهب قدّس سرّه إلي عدم كون تعدد السنين مستلزما لتعدد الماهية المطلوبة. و هو غير بعيد عن المرتكزات، فإن أخذ خصوصية السنة في وجوب الصيام و القضاء يحتاج إلي مئونة لا شاهد لها من الأدلة، بل هو منفي بالأصل.

نعم مع اختلاف الأثر، لوجوب المبادرة إلي قضاء أحد الشهرين دون الآخر، فقد حكم قدّس سرّه بتعدد الماهية. لدعوي أن اختلاف الأثر يستلزم تمايز الموضوعين و اختلاف ماهيتهما شرعا.

لكنه يشكل بأن اختلافهما من حيثية الأثر الخاص لا ينافي عدم التمايز بينهما من حيثية الأثر المشترك، و هو أصل المطلوبية، فاختلاف الصومين من حيثية وجوب المبادرة لا ينافي اشتراكهما في ماهية واحدة من حيثية أصل وجوب القضاء، و لذا قد يكون اختلاف الأثر لجهة زائدة علي الأمر بالماهية، كالنذر و الرهن في المثالين المتقدمين.

و حينئذ يتجه عدم لزوم التعيين. غاية الأمر عدم تحقق الخصوصية ذات الأثر إلا بقصدها أو باستيفاء الماهية بتمامها الموجب لانطباق المأتي به عليها قهرا، كما سبق.

(2) حتي لو فرض لزوم التعيين، فإن وجوب الترتيب حينئذ مخالف للإطلاق و الأصل.

(3) أما إثمه فلتأخيره قضاء صوم سنته. و أما صحة صومه فلإطلاق دليل الصوم الآخر المقتضي لجواز إيقاعه حينئذ، فيصح، بناء علي ما هو الحق من أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، بنحو يمنع من مشروعيته و التقرب به.

ص: 350

[(مسألة 4): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب]

(مسألة 4): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب، كالكفارة و النذر، فله تقديم أيهما شاء (1)

[(مسألة 5): إذا فاته أيام من شهر رمضان بمرض و مات قبل أن يبرأ]

(مسألة 5): إذا فاته أيام من شهر رمضان بمرض و مات قبل أن يبرأ لم يجب القضاء عنه (2)، و كذا إذا فات بحيض أو نفاس (3) ماتت فيه، أو

______________________________

(1) لإطلاق دليل كل منهما، و لم يعرف الخلاف في ذلك إلا عن ابن أبي عقيل، فحكم بعدم صحة صوم النذر و الكفارة ممن عليه قضاء شهر رمضان، و دليله غير ظاهر. بل لا يظن من أحد الالتزام به مع تضيق النذر.

(2) بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوي، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر. لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن رجل أدركه رمضان و هو مريض فتوفي قبل أن يبرأ. قال: ليس عليه شي ء، و لكن يقضي عن الذي يبرأ، ثم يموت قبل أن يقضي» (1)، و نحوه غيره من النصوص الكثيرة التي لم يستبعد في الجواهر دعوي تواترها.

و بها يخرج عن إطلاق قوله تعالي: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (2) الذي هو العمدة في عموم وجوب القضاء.

علي أنه لا يبعد قصور الإطلاق المذكور عن المقام و نحوه من موارد استمرار العذر. لظهور الإطلاق في أمر المكلف نفسه بالقضاء، و حيث يمتنع ذلك في مستمر العذر لم ينهض الإطلاق المذكور بإثبات انشغال ذمته بالقضاء، ليشرع تفريغها بالقضاء عنه.

(3) ففي صحيح محمد بن مسلم: «سألته عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيام حيضها، فإذا أفطرت ماتت. قال: ليس عليها شي ء» (3)، و في موثق سماعة عن

ص: 351


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
2- سورة البقرة الآية: 185.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 14.

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر علي الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال، فقال: لا يقضي عنها» «1»، و نحوهما غيرهما.

هذا و النصوص المذكورة مختصة بالمريض و الحائض و النفساء. و ظاهر الخلاف أو صريحه إلحاق المسافر بهم، و هو المحكي عن جماعة من المتأخرين.

و قد يستدل له بصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان، و ماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها. قال: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه. قال: لا يقضي عنها، فإن اللّه لم يجعله عليها. قلت:

فإني اشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك. قال: كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟! فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» 2، و مرسل ابن بكير عنه عليه السّلام:

«في رجل يموت في شهر رمضان، قال: ليس علي وليه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر.

و إن مرض فلم يصم رمضان، ثم لم يزل مريضا حتي مضي رمضان و هو مريض ثم مات في مرضه ذلك، فليس علي وليه أن يقضي عنه الصيام، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثم صح بعد ذلك و لم يقضه، ثم مرض فمات فعلي وليه أن يقضي عنه، لأنه قد صح فلم يقض و وجب عليه» 3.

وجه الاستدلال: أن مقتضي تعليل عدم القضاء عنها في الأول بأن اللّه لم يجعله عليها، أن كل من لم يجعل اللّه القضاء عليه، لعدم خروجه عن العذر، لا يجب القضاء عنه، كما أن مقتضي تعليل وجوب القضاء عنه في الثاني بأنه قد صح فلم يقض و وجب عليه، توقف وجوب القضاء عن الشخص علي وجوبه عليه لخروجه عن العذر، فمع عدم وجوبه عليه لاستمرار عذره حتي مات لم يجب القضاء عليه، و ذلك يقتضي عدم وجوب القضاء علي مستمر السفر في الفرض.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من قصور التعليل عن المسافر، لثبوت القضاء عليه بمقتضي إطلاق الآية الكريمة. فهو لا يناسب ما سبق منه في المسألة الثانية عشرة من الفصل الرابع من كون الحضر شرطا في وجوب جميع أنواع الصوم،

______________________________

(1) 1، 2، 3 وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 10، 12، 13.

ص: 352

______________________________

و منها صوم القضاء حتي المضيق. لوضوح أن لازم ذلك عدم وجوب القضاء علي المكلف بنفسه مع استمرار السفر منه حتي مات.

بل لا ينبغي الإشكال في ذلك مع اضطرار المكلف للسفر، حيث لا إشكال حينئذ في عدم فعلية وجوب القضاء عليه، لتعذره بتعذر شرط صحته، و هو الحضر.

نعم قد يشكل عموم التعليل في صحيح أبي بصير بأن الظاهر من قوله عليه السّلام فيه: «فإن اللّه لم يجعله عليها» ليس هو عدم فعلية تكليفها بالقضاء في حياتها، ليجري ذلك في مستمر السفر، بل عدم جعله في ذمتها بنحو تطالب به في الآخرة. و مجرد عدم فعلية تكليف المسافر بالقضاء لا يستلزم ذلك. و أما عموم التعليل في مرسل ابن بكير فهو و إن كان قريبا، إلا أن ضعف المرسل مانع من التعويل عليه.

فالأولي الاستدلال بالأصل بعد ما سبق من قصور إطلاق الأمر بالقضاء في الآية الكريمة عن مستمر السفر، بناء علي ما سبق تقريبه من شرطية الحضر لوجوب الصوم حتي صوم القضاء.

لكن لا بد من الخروج عن الأصل و التعليل- لو تم- بصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضي عنها؟ قال: أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» (1)، و نحوه صحيح محمد بن مسلم (2)، و خبر منصور بن حازم (3)، حيث يتعين لأجلها رفع اليد عن عموم التعليل.

و دعوي شذوذها غريبة. و لا سيما مع أن الظاهر من حال الكليني و الصدوق في الفقيه و المقنع العمل علي ذلك، بل هو صريح التهذيب، و نحوها غيرها.

و مثلها دعوي حملها علي الاستحباب بقرينة التعليل. إذ لو تم التعليل فهي أخص منه، فتقدم عليه. فلاحظ.

ص: 353


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 15.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 15.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 15.

بعد ما أفطرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه، و في استحباب القضاء إشكال (1).

[(مسألة 6): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض، و استمر به المرض إلي رمضان الثاني]

(مسألة 6): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض، و استمر به المرض إلي رمضان الثاني، سقط قضاؤه، و تصدق عن كل يوم (2)

______________________________

(1) فقد صرح بالاستحباب في النهاية و الشرائع و غيرهما، بل عن المنتهي نسبته للأصحاب، و كأنه لإطلاق دليل القضاء مع حمل النصوص المتقدمة علي نفي الوجوب لا غير. و يظهر ضعفه مما سبق من عدم تمامية الإطلاق في مستمر العذر.

مع أن ظاهر نفي القضاء في جملة من النصوص المتقدمة و غيرها عدم مشروعيته، لا مجرد عدم وجوبه، بل هو صريح صحيح أبي بصير المتقدم في الفرق بين المرض و السفر.

نعم لا بأس بالصوم لا بعنوان كونه قضاء للفائت، عملا بإطلاق دليل مشروعية فعل وجوه البر عن الميت، و الكلام إنما هو في استحباب قضاء الفائت، نظير استحباب قضاء المغمي عليه ما فاته.

(2) كما عن المشهور. للنصوص الكثيرة، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام): «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتي أدركه رمضان آخر، فقالا: إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدق عن كل يوم بمدّ من طعام علي مسكين، و عليه قضاؤه. و إن كان لم يزل مريضا حتي أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، و تصدق عن الأول لكل يوم مدّ علي مسكين، و ليس عليه قضاؤه» (1)، و نحوه غيره.

هذا و ظاهر الخلاف و الغنية و صريح السرائر و عن ابن أبي عقيل و الحلبي و التحرير وجوب القضاء دون الكفارة. و قد يستدل لهم- كما يظهر من السرائر بإطلاق دليل القضاء، و أصالة البراءة من الكفارة. لكن لا بد من الخروج عنهما

ص: 354


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

______________________________

بالنصوص المتقدمة.

و دعوي: أنها من أخبار الآحاد، التي لا توجب علما و لا عملا، كما تري.

نعم قد يشهد لهم خبر أبي الصباح الكناني: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة، ثم أدركه شهر رمضان قابل، قال: عليه أن يصوم و أن يطعم كل يوم مسكينا. فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتي أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح. و إن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا» (1)، بناء علي أن المراد من قوله: «فإن كان مريضا فيما بين ذلك» استمرار المرض بين الرمضانين، و أن المراد من قوله: «فليس عليه إلا الصيام إن صح»، ما إذا صح بعد رمضان الثاني.

لكن يحتمل أيضا أن يراد بالأول تعاقب المرض عليه، و إن لم يستمر، و بالثاني ما إذا صح بين الرمضانين بمقدار يمكنه القضاء، و يكون الذيل هو المتكفل بصورة استمرار المرض بين الرمضانين، فيطابق النصوص المتقدمة. بل لعل ذلك هو الأظهر، و لو بقرينة النصوص المتقدمة.

و لا سيما و أنه بناء علي الأول يكون قوله عليه السّلام: «و إن تتابع المرض عليه فلم يصح» خاليا عن تحديد أمد التتابع مع وضوح شدة الحاجة له، إذ لو أريد به التتابع حتي الموت لم يناسب قوله عليه السّلام: «فعليه أن يطعم مسكينا»، الظاهر في مباشرته لذلك، و إن أريد التتابع إلي أمد محدود لم يصلح للعمل إلا ببيانه. و لا أقل من الاحتمال و تردد الخبر بين الوجهين المانع من الاستدلال به علي المدعي.

علي أنه لا ينهض بمعارضة النصوص المتقدمة مع أنها أكثر عددا و أوضح دلالة و سندا، فهو بالإضافة إليها شاذ نادر لا ينهض بمعارضة المشهور الذي لا ريب فيه.

ثم إنه قد خص الصدوق في الفقيه و المقنع الانتقال مع استمرار المرض بين الرمضانين للكفارة برمضان الأول دون ما بعده، فلو استمرار المرض إلي رمضان الثالث لزم الفداء للأول و القضاء للثاني، و نحوه حكي عن والده في رسالته. و كأنه

ص: 355


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

______________________________

للاقتصار في الخروج عن إطلاق دليل القضاء و أصل البراءة من وجوب الكفارة علي المتيقن من مورد النصوص، و هو استمرار المرض بين رمضانين لا أكثر.

لكنه يشكل أولا: بأن مقتضي إطلاق جملة من النصوص الشمول للصورة المذكورة، منها صحيح محمد بن مسلم المتقدم، حيث يصح إطلاق أنه مستمر المرض بين رمضانين مع استمراره بين رمضانات متعددة.

و ثانيا: أن إلغاء خصوصية الرمضان الأول قريبة عرفا. بل هو المتعين بملاحظة التعليل في معتبر الفضل بن شاذان المتقدم في المسألة الثالثة، المؤيد بالتصريح بعموم الانتقال للفدية لرمضان الثاني إذا استمر المرض لرمضان الثالث في مرسل العياشي عن أبي بصير: «سألته عن رجل مرض من رمضان إلي رمضان قابل، و لم يصح بينهما و لم يطق الصوم. قال: يتصدق مكان كل يوم أفطر علي مسكين بمدّ من طعام … فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل، و إلا فليتربص إلي رمضان قابل، فيقضيه، فإن لم يصح حتي رمضان قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا.

فإن صحّ بين الرمضانين فتواني أن يقضيه حتي جاء الرمضان الآخر، فإن عليه الصوم و الصدقة جميعا، يقضي الصوم، و يتصدق من أجل أنه ضيع ذلك الصيام» (1).

و من ثم صرح الشيخ و غيره بأن حكم ما زاد علي الرمضانين حكمهما سواء.

هذا و عن ابن الجنيد لزوم الجمع مع استمرار المرض بين القضاء و الفدية و إن حكي عنه في المختلف سقوط القضاء كالمشهور. و كيف كان فهو مخالف للنصوص المتقدمة التي يستدل بها للمشهور. و لخبر الكناني و أصالة البراءة من وجوب الفدية اللذين تقدم الاستدلال بهما للقول الآخر.

نعم يناسبه موثق سماعة: «سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه. فقال: يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام، و ليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإني كنت مريضا، فمرّ علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثم أدركت رمضانا آخر،

ص: 356


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.

بمدّ (1). و لا يجزي القضاء عن التصدق (2) و الأحوط استحبابا الجمع بينهما (3).

______________________________

فتصدقت بدل كل يوم مما مضي بمدّ من طعام، ثم عافاني اللّه تعالي و صمتهن» (1)، فإن استشهاده عليه السّلام بفعله للأمر بالقضاء إما أن يكون قرينة علي أن مورد السؤال صورة استمرار المرض، أو علي أن استمرار المرض لا دخل له في سقوط القضاء، و أنه كغيره من موارد تأخير القضاء إلي رمضان الآخر.

لكن حيث كان وجوب الجمع بين الأمرين لا يناسب النصوص السابقة لزم حمله علي الاستحباب. و لا سيما بملاحظة صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضان آخر و هو مريض، فليتصدق بمدّ لكل يوم. فأما أنا فإني صمت و تصدقت» (2).

(1) كما لعله المشهور. و يقتضيه جملة من النصوص، و قد تقدم بعضها.

نعم عن بعض نسخ موثق سماعة المتقدم: «بمدين طعام». لكن من القريب أن يكون تصحيفا و أن الصحيح هو النسخة المشهورة المثبتة في الوسائل و التهذيب و الاستبصار في طبعاتها الحديثة من دون إشارة للنسخة المذكورة. و لا أقل من كونه موجبا لسقوط الموثق عن الاستدلال بتعارض النسختين، و الرجوع للنصوص الأخر المصرحة بالمدّ من دون معارض.

و قد تقدم نظير ذلك في الكفارة، و في فدية الشيخ الكبير و ذي العطاش، و تقدم فيهما ما يناسب البناء علي استحباب المدين، و قد ينفع في المقام، بناء علي عدم الفصل.

و لعله لذلك ذكر في النهاية الصدقة بمدين مع القدرة، حيث تقدم منه نظير ذلك فيما سبق.

(2) خلافا لما عن التحرير، حملا للنصوص المتقدمة علي الرخصة في الاجتزاء بالصدقة عن الصوم. و هو- كما تري- خروج عن ظاهرها من دون قرينة.

(3) خروجا عن خلاف من تقدم، حيث سبق عن ابن الجنيد الجمع بين

ص: 357


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5، 4.

أما إذا فاته بعذر غير المرض (1) وجب القضاء دون الفدية (2)، و إن كان

______________________________

القضاء و الفدية، و عن جماعة وجوب القضاء فقط. هذا و لا إشكال في استحباب الجمع بينهما، لموثق سماعة و صحيح ابن سنان المتقدمين.

(1) يعني و استمر ذلك العذر.

(2) كما في المختلف و عن الشهيد الثاني و سبطه و غيرهم. لإطلاق أدلة القضاء، المقتصر في الخروج عنها علي استمرار المرض، لاختصاص النصوص المتقدمة به.

نعم في معتبر الفضل بن شاذان المتقدم في المسألة الثالثة إلحاق السفر بالمرض في ذلك. لكن التعليل المسوق فيه يناسب المرض لا غير، كما يظهر بملاحظته. حيث قد يوجب ذلك الريب فيما تضمنه من ذكر السفر معه و لا سيما بملاحظة عدم الإشارة في شي ء من النصوص علي كثرتها لغير المرض، و عدم ظهور عامل به، لاقتصارهم علي المرض.

نعم في الخلاف و عن ابن أبي عقيل إلحاق السفر بالمرض. لكن مع بنائهما علي وجوب القضاء دون الكفارة، فلا يكون ذلك منهما للعمل بالمعتبر المذكور، بل لعموم أدلة القضاء.

و من ثم يشكل الاعتماد عليه في الخروج عن إطلاق أدلة القضاء. و لا سيما بملاحظة ما سبق في المسألة الخامسة من النصوص المتضمنة للقضاء عن المسافر إذا مات في سفره، حيث يناسب ذلك عدم إلحاق السفر بالمرض في المقام أيضا. بل قد يستفاد ذلك منه بالأولوية العرفية. و ربما يستفاد من غير ذلك مما يأتي الكلام فيه.

بقي أمران: الأول: أن إطلاق وجوب القضاء إنما يجري في المقام إذا مرّ علي المكلف زمان خال عن العذر، كما لو كان مستمر السفر بين الرمضانين، و بعد رمضان الثاني صار حاضرا معافي، فإن مقتضي إطلاق الآية الكريمة فعلية وجوب القضاء عليه، فإن جاء به، و إلا شرع القضاء عنه إن مات. أما إذا لم يكن كذلك، كما إذا مرض بعد رمضان الثاني حتي مات، فإن إطلاق الآية الكريمة لا يتناوله، بناء علي ما سبق من شرطية عدم المرض و عدم السفر في وجوب الصوم مطلقا حتي صوم القضاء. فينحصر

ص: 358

إلحاق السفر بالمرض محتملا (1)، فالأحوط استحبابا فيه الجمع بين القضاء و الفدية (2).

و كذا إذا كان سبب الفوت المرض، و كان العذر في التأخير السفر (3)،

______________________________

الدليل علي القضاء فيه بالنصوص المتضمنة للقضاء علي المسافر إذا مات.

الثاني: ما تقدم إنما ينهض بعدم إلحاق المسافر بالمريض في سقوط القضاء، و لا ينهض بعدم وجوب الفدية عليه، لإمكان الجمع بين القضاء و الفدية عليه، كالمتهاون في القضاء، بل ينحصر الوجه في سقوط الفدية عنه بالأصل، لو لم يكن هناك ما يخرج عنه، و هو ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(1) كأنه لمعتبر الفضل المتقدم، و إن تقدم الإشكال في التعويل عليه في ذلك.

(2) جمعا بين إطلاق دليل القضاء الذي سبق أنه هو المعول عليه و الاحتمال الحاصل من معتبر الفضل لوجوب الفدية. بل لو تم المخرج عن أصالة البراءة من وجوب الفدية في السفر تعين الجمع بين القضاء و الفدية بنحو الفتوي، و ذلك ما يأتي الكلام فيه كما ذكرنا.

(3) لخروجه عن مفاد جميع النصوص السابقة. نعم قد يستفاد من معتبر الفضل لو بني علي العمل به في إلحاق السفر بالمرض، فإن موضوعه و إن كان هو صورة الفوت بالمرض مع استمراره و صورة الفوت بالسفر مع استمراره لا غير، إلا أن إلغاء خصوصيتهما و التعميم لهذه الصورة و ما بعدها قريب جدا. و كذا إذا كان العذر في التأخير تعاقب السفر و المرض. لكن سبق الإشكال في العمل بما تضمنه من الإلحاق المذكور.

و من هنا لا مجال للبناء علي سقوط القضاء فيما إذا كان الإفطار للمرض و العذر في عدم القضاء هو استمرار السفر أو تعاقب السفر و المرض، بل يتعين البناء فيه علي وجوب القضاء لإطلاق أدلته- نظير ما تقدم في صورة استمرار السفر- و خصوص إطلاق ما تضمن وجوب القضاء علي من برئ من مرضه بعد شهر رمضان.

ص: 359

______________________________

كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يمرض، فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض، و لا يصح حتي يدركه شهر رمضان آخر. قال: يتصدق عن الأول، و يصوم الثاني. فإن كان صح فيما بينهما و لم يصم حتي أدركه شهر رمضان آخر، صامهما جميعا، و يتصدق عن الأول» (1)، و نحوه غيره من النصوص الكثيرة التي يأتي بعضها في المسألة السابعة. فإن إطلاقها يشمل من برئ من مرضه و سافر، و استمر بسفره حتي شهر رمضان الآخر.

و حيث ظهر ذلك فمن الظاهر أن مقتضاه ثبوت الحكم المذكور فيمن كان إفطاره للسفر و استمر به السفر إلي شهر رمضان الآخر، و هي الصورة الأولي التي تقدم الكلام فيها. بل هي أولي عرفا مما سبق.

كما أن الظاهر العموم للصورة الثالثة التي يأتي الكلام فيها. لأن المستفاد من هذه النصوص بضميمة التعليل في معتبر الفضل المتقدم أن المسقط للقضاء هو تعذر الصوم في تمام السنة بسبب المرض، دون السفر. فكما أن مانعية السفر من القضاء لا تقتضي التعذر المسقط للقضاء، كذلك مانعية من الأداء لا تقتضي مسقطيته للقضاء، لأن مسقط القضاء ليس هو تعذره بين الرمضانين، بل تعذر الصوم في تمام السنة غير الحاصل في الفرض.

و من ذلك يظهر أنه يلحق بالسفر في وجوب القضاء جميع المسقطات الاختيارية للصوم، كحمل المرأة المقرب، و قلة لبن المرضع اللتين لا يضر بهما و لا بولدهما الصوم. كما أن من القريب جدا بلحاظ التعليل في معتبر الفضل أن يلحق بالمرض جميع المسقطات الاضطرارية، كالحيض و النفاس و السفر القهري، فلا يكون تخللها مانعا من سقوط الصوم، لإلغاء خصوصية المرض عرفا، و لما تضمنه من تطبيق عموم ما غلب اللّه عليه.

و بعبارة أخري: مقتضي الجمع بين هذه النصوص و معتبر الفضل أن المعيار في سقوط القضاء هو تعذر الصوم في تمام السنة لمرض و نحوه، دون مثل السفر، و أنه مع

ص: 360


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

و كذا العكس (1).

______________________________

عدم تعذره و لو في بعض السنة فلا يسقط القضاء، بل تجب معه الفدية.

نعم بناء علي ما تضمنه صدر معتبر الفضل من إلحاق السفر بالمرض يكون مقتضي الجمع بينه و بين هذه النصوص هو أن المعيار في سقوط القضاء و ثبوت الفدية بدله ليس خصوص تعذر الصوم في تمام السنة، بل كل ما يمنع من وجوبه و يسوغ تركه و لو كان اختياريا. لكن عرفت الإشكال في التعويل عليه في ذلك.

و بذلك يظهر أن ثبوت الفدية قطعي، إما بدلا عن القضاء أو معه، و أن ثبوت القضاء مع عدم استمرار التعذر، لتخلل السفر و نحوه من الأعذار الاختيارية، يبتني علي ما سبق من عدم التعويل علي ما تضمنه صدر معتبر الفضل من إلحاق السفر بالمرض. فلاحظ.

(1) و هو ما إذا كان الفوت بالسفر و كان العذر في التأخير المرض. و يظهر الحال فيه مما سبق في الصورة السابقة.

نعم في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدق بمدّ لكل يوم.

فأما أنا فإني صمت و تصدقت» (1)، و مقتضي إطلاق العذر فيه الشمول للسفر. و من ثم جعل في المدارك الاكتفاء فيه بالفدية أوجه، و عليه جري بعض مشايخنا قدّس سرّه.

لكن من القريب ما احتمله في المختلف من حمل العذر فيه علي المرض، لقوله عليه السّلام: «ثم أدركه رمضان آخر و هو مريض»، حيث يشعر بأن العذر فيه هو المرض. بل هو إن لم يكن ظاهرا فيه فلا أقل من إجماله المانع من الاستدلال به، و ذلك لأنه حيث لا إشكال في عدم الاكتفاء في سقوط القضاء بإدراكه شهر رمضان الثاني و هو مريض، بل لا بد من استيعاب المرض ما بين الرمضانين فلا بد من حمله علي فرض استمرار المرض، و ذلك لا يتم في الحديث إلا بأن يكون المراد من العذر فيه المرض، أو بفرض السقط أو التقدير فيه، و التردد بين هذه الأمور مانع من ظهوره

ص: 361


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

(مسألة 7): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر أو عمد و أخر القضاء إلي رمضان الثاني مع تمكنه (1) منه عازما علي التأخير، أو متسامحا و متهاونا، وجب القضاء و الفدية معا (2). و إن كان عازما علي القضاء قبل

______________________________

في الإطلاق و موجب لإجماله بنحو لا ينهض بالاستدلال. بل لا يبعد كون الأول هو الأظهر، و أن الذيل صالح للقرينية علي أن المراد بالعذر هو المرض. و لا سيما و أن إرادة المرض و نحوه من الأمور الاضطرارية دون مثل السفر الاختياري من العذر ليس مستبعدا عرفا.

و من ثم لا ينبغي التأمل في عدم إلحاق هذه الصورة بمستمر المرض في سقوط القضاء. و أما عدم وجوب الفدية فقد سبق أنه مقتضي الأصل، لكن لا بد من الخروج عنه بما سبق في الصورة الثانية.

(1) يعني: من دون أن يكون مسافرا سفرا اختياريا، و إلا دخل في المسألة السابقة.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من ابن إدريس، و هو المتيقن من معتبر الفضل المتقدم و من النصوص الكثيرة الآتية.

نعم في مرسل سعد المتقدم عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان، ثم يصح بعد ذلك، فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال: أحبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس عليه شي ء» (1). لكن ضعفه و هجره و ندرته تمنع من الخروج به عن النصوص المذكورة المشهورة التي عليها عمل الأصحاب. كما تمنع من حملها لأجله علي الاستحباب.

هذا و قد اقتصر ابن إدريس علي القضاء، عملا بإطلاق أدلته، و طرحا للنصوص المذكورة لأنها أخبار آحاد. و هو مبني علي أصله المعروف الذي ثبت في الأصول ضعفه. بل في شمول ذلك لمثل هذه النصوص الكثيرة، المشهورة بين الأصحاب رواية و عملا، إشكال ظاهر.

ص: 362


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

مجي ء رمضان الثاني، فاتفق طروء العذر، وجب القضاء (1)، بل الفدية أيضا علي الأحوط إن لم يكن أقوي (2). و لا فرق بين المرض و غيره من

______________________________

(1) بلا إشكال، و لو لإطلاق دليل القضاء، بعد اختصاص أدلة سقوطه بما إذا استمر المرض، أو مطلق المسوغ لترك الصوم، علي ما تقدم الكلام فيه.

(2) كما هو ظاهر الصدوق في الفقيه و المقنع و عن والده في رسالة و الشهيدين و غيرهما. لإطلاق بعض النصوص، فقد تقدم قوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتي أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا، و يتصدق عن الأول» (1). و مثله في صحيح ذلك ما تضمن الحكم بالفدية إذا برئ ثم تواني مما يأتي، لما هو الظاهر من صدق التواني بمجرد التأخير. و لو مع عدم البناء علي ترك القضاء قبل السنة و عدم التسامح و التهاون بذلك.

لكن اقتصر في المبسوط و النهاية و الشرائع و المعتبر و المختلف علي القضاء.

و هو المحكي عن المفيد و أبي الصلاح، بل قيل انه المشهور، خصوصا بين المتأخرين.

لاشتمال جملة من النصوص علي التواني و التضييع و التهاون، كصحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السلام): «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتي أدركه رمضان آخر. فقالا: إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدق عن كل يوم بمدّ من طعام علي مسكين، و عليه قضاؤه. و إن كان لم يزل مريضا حتي أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، و تصدق عن الأول لكل يوم مد علي مسكين، و ليس عليه قضاؤه» (2).

و حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا مرض الرجل من رمضان إلي رمضان، ثم صح، فإنما عليه لكل يوم أفطره فدية طعام، و هو مدّ لكل مسكين …

و إن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صح فعليه الصدقة و الصيام جميعا … » (3)، و في خبره الآخر المروي عن تفسير العياشي قال بعد ذكر مستمر المرض: «فإن صح فيما بين الرمضانين فتواني أن يقضيه حتي جاء

ص: 363


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، 1، 6.

الأعذار (1).

______________________________

الرمضان الآخر، فإن عليه الصوم و الصدقة جميعا يقضي الصوم و يتصدق من أجل أنه ضيع ذلك الصيام» (1).

و في معتبر الفضل بن شاذان المتقدم عند الكلام في تعجيل وجوب الصيام قبل مجي ء رمضان الآخر قال بعد ذكر مستمر المرض: «فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته» (2).

و يشكل- مضافا إلي ما سبق من صدق التواني بمجرد التأخير- أن التأمل في هذه النصوص قاض بأن المراد بالتواني و التهاون و التضييع فيها مجرد عدم الصوم مع القدرة عليه و لو لم يبتن ذلك علي التسامح فيه و الاستهوان به أو البناء علي عدمه، كما نبه له غير واحد، للمقابلة في هذه النصوص بين العناوين المذكورة و العجز عن الصوم بين الرمضانين أو الإتيان به، من دون إشارة لصورة الترك لا للتهاون، و لو لا دخول الصورة المذكورة في إطلاق هذه العناوين لكان المناسب التعرض لها و بيان حكمها، لكثرة الابتلاء بها. كما يناسبه أيضا ما في معتبر الفضل من تعليل وجوب الفدية بمجرد عدم الصوم مع القدرة عليه بالتضييع.

و من هنا كان الظاهر عموم هذه النصوص للصورة التي هي محل الكلام. و لو فرض إجمالها كفي عموم النصوص الأول. و لا مجال لدعوي نهوض هذه النصوص بتقييد تلك النصوص بعد ما ذكرنا.

نعم يشكل عموم ثبوت الفدية لما إذا كان ترك القضاء للجهل بثبوته للشبهة الحكمية أو الموضوعية أو لنسيانه. لظهور جملة من النصوص في أن ثبوت الفدية من سنخ العقوبة و الجزاء لعدم القضاء مع القدرة عليه، و هو المنصرف من إطلاق الباقي.

و من الظاهر أن ذلك لا يجري مع الجهل، خصوصا إذا كان معذرا. فلاحظ.

(1) أما في القضاء فلإطلاق أدلته. و أما في وجوب الفدية فلإلغاء خصوصية المرض في نصوصها عرفا، و لا سيما بملاحظة تعليله بالتضييع. بل لا يبعد كون

ص: 364


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11، 8.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11، 8.

و يجب إذا كان الإفطار عمدا- مضافا إلي الفدية (1)- كفارة للإفطار.

[(مسألة 8): إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات]

(مسألة 8): إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة للأول و مرة للثاني، و هكذا إن استمر إلي أربعة رمضانات فتجب مرة ثالثة للثالث، و هكذا لا تكرر للشهر الواحد (2)، و إنما تجب لغيره أيضا (3).

[(مسألة 9): يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد و من شهور إلي شخص واحد]

(مسألة 9): يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد و من شهور إلي شخص واحد (4).

[(مسألة 10): لا تجب فدية العبد علي سيده، و لا فدية الزوجة علي زوجها]

(مسألة 10): لا تجب فدية العبد علي سيده، و لا فدية الزوجة علي زوجها، و لا فدية العيال علي المعيل، و لا فدية واجب النفقة علي المنفق (5).

______________________________

وجوب الفدية مع المرض يقتضي وجوبها مع السفر الاختياري بالأولوية العرفية.

(1) التي يستفاد وجوبها من النصوص المذكورة بضميمة ما تقدم في غير المرض من الأعذار. نعم يشكل ثبوتها في مستمر المرض بين الرمضانين، لأنها عقوبة لترك القضاء، و المفروض العجز عنه، و أما ترك الأداء المقدور فعقوبته الكفارة التي هي أشدّ من الفدية.

(2) لعدم الدليل علي ذلك. و قد تقدم في المسألة الثالثة نسبة القول بتكرر الكفارة للمبسوط و التذكرة، و أنه لو صحت النسبة كان خاليا عن الدليل.

(3) عملا بإطلاق دليله، و قد تقدم منا في المسألة السادسة التعرض لذلك، و لخلاف الصدوقين. فراجع.

(4) بلا خلاف و لا إشكال ظاهر. لإطلاق أدلة الفدية.

(5) لخروجه عن النفقة الواجبة في جميع الموارد المذكورة، علي ما يذكر في محله.

و قد تقدم في أحكام غسل الجنابة الكلام في نفقة الزوجة الواجبة علي الزوج. فراجع.

ص: 365

[(مسألة 11): لا تجزي القيمة في الفدية]

(مسألة 11): لا تجزي القيمة في الفدية (1)، بل لا بد من دفع العين، و هو الطعام. و كذا الحكم في الكفارات (2).

[(مسألة 12): يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلي الغروب]

(مسألة 12): يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلي الغروب (3)، و لا يجوز في قضاء شهر رمضان بعد الزوال (4) إذا كان القضاء عن نفسه، بل تقدم

______________________________

(1) لظهور الأدلة في المقام و نظائره في وجوب دفع العين. و قيام الدليل علي الاكتفاء بدفع القيمة في مثل الزكاة لا يكفي في البناء عليه في غير مورده.

(2) لنظير ما سبق.

(3) بلا إشكال ظاهر لصحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان: إنه بالخيار إلي زوال الشمس، فإن كان تطوعا فإنه إلي الليل بالخيار» (1)، و موثق سماعة عنه عليه السّلام: «في قوله: الصائم بالخيار إلي زوال الشمس.

قال: إن ذلك في الفريضة، فأما النافلة فله أن يفطر أي وقت شاء إلي غروب الشمس» (2)، و غيرهما.

نعم في موثق مسعدة عنه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام قال: الصائم تطوعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم» (3)، و نحوه غيره. لكنها محمولة علي الكراهة، بقرينة ما سبق.

و مثله في ذلك خبر عيسي: «قال: من بات و هو ينوي الصيام من غد لزمه ذلك، فإن أفطر فعليه قضاؤه، و من أصبح و لم ينو الصيام من الليل فهو بالخيار إلي أن تزول الشمس … » (4)، بناء علي حمله علي الصوم المستحب. فإنه- مع ضعفه و عدم وضوح كونه حديثا للإمام عليه السّلام- لا ينهض بالخروج عن تلك النصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب. فليحمل علي الاستحباب.

(4) كما تقدم في المسألة الأولي من الفصل الثالث، و تقدم هناك وجوب

ص: 366


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 11، 12.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 11، 12.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 11، 12.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4، 8، 11، 12.

أن عليه الكفارة. و الأحوط وجوبا إلحاق مطلق الواجب به في عدم الجواز (2).

______________________________

الكفارة بذلك.

(2) كما عن بعضهم، و يناسبه ما في الغنية و عن أبي الصلاح و عن أبي الصلاح من الإثم بالإفطار في الصوم غير المعين. بل مقتضاه الحرمة فيه و إن كان قبل الزوال. و عن علي بن بابويه في رسالته مساواة قضاء النذر لقضاء رمضان في الإثم و الكفارة لو وقع بعد الزوال.

و كيف كان فيشهد بالحرمة إطلاق موثق سماعة المتقدم في صوم النافلة، و إطلاق صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل يصبح و هو يريد الصيام ثم يبدو له فيفطر. قال: هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار. قلت: هل يقضيه إذا أفطر؟ قال: نعم، لأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها» (1).

اللهم إلا أن يقال: ظاهر ذيل الصحيح أن مورده صوم النافلة، لأن صوم الفريضة لا بد من تداركه إذا أفطر بملاك أداء الواجب، و لا يحتاج إلي السؤال، و لا إلي التعليل بأنها حسنة أراد أن يعملها فليتمها، فالعمدة الموثق، فإن مقتضي إطلاقه العموم لغير القضاء من أقسام الصوم الواجب.

و أما ما في التهذيب من حمله علي قضاء الفريضة، لأن نفس الفريضة ليس فيها خيار علي حال. فكأنه مبني علي حمل الفريضة فيه علي خصوص الفريضة التي بني عليها الإسلام، و هي صوم شهر رمضان، لا مطلق صوم الفريضة. و حيث لا مجال لحمله علي أداء هذه الفريضة يتعين حمله علي قضائها.

لكن الحمل علي خصوص الفريضة بالمعني المذكور يحتاج إلي قرينة، و بدونها يتعين الحمل علي الجنس، و لا سيما مع كون التخصيص بالفريضة المذكورة مستلزم للحمل علي قضائها. دون أدائها الذي هو بعيد جدا. بخلاف الحمل علي الجنس.

غاية الأمر أنه يقصر عن صوم شهر رمضان، و غيره من أقسام الصوم الواجب المضيق، بقرينة ورود الحديث في شرح قوله عليه السّلام: «الصائم بالخيار إلي زوال

ص: 367


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 13.

______________________________

الشمس»، المختص بغيرها و لا غرابة في ذلك. مضافا إلي أن الحمل المذكور مستلزم لعدم استيفاء التفصيل المذكور في الحديث لجميع أقسام الصوم، بخلاف الحمل علي الجنس، كما لا يخفي.

و من ثم كان الأظهر عموم حرمة الإفطار بعد الزوال لجميع أفراد الصوم الواجب الموسع، و عدم اختصاصه بالقضاء.

اللهم إلا أن يستشكل بعدم ظهور عامل به من الأصحاب، لأن ما تقدم من الغنية و عن أبي الصلاح حيث كان هو إطلاق حرمة الإفطار الشامل لما قبل الزوال فلا بد أن يكون الوجه أمرا آخر غير الموثق. و من ثم استدل له بعموم حرمة إبطال العمل. و إن كان هو غير ثابت أيضا. و ما عن علي بن بابويه حيث كان مشتملا علي الكفارة فمن القريب أن يبتني علي التعدي عن مورد نصوصها، لا علي العمل بالموثق.

لكن ذلك لا يكفي في إثبات الهجر المسقط للموثق عن الحجية، لإمكان ابتناء فتوي ابن بابويه علي العمل بالنصوص المذكورة و الموثق معا، و ابتناء فتوي من لم يلحق غير قضاء شهر رمضان به علي حمل الموثق علي خصوص قضاء شهر رمضان نظير ما سبق من التهذيب- لا علي هجره، فلا مخرج عما ذكرناه.

ثم إن المنصرف من صوم الفريضة في الموثق ما كان فريضة بعنوان كونه صوما، كصوم الكفارة المرتبة، دون ما وجب بعنوان آخر، كالنذر و الإجارة و نحوهما.

و يؤيده إطلاق خبر صالح بن عبد اللّه عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «قلت له: رجل جعل للّه عليه الصيام شهرا، فيصبح و هو ينوي الصوم، ثم يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم. فقال: هذا كله جائز» (1).

و أظهر من ذلك خبره الآخر عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت له: جعلت فداك:

جعلت عليّ صيام شهرا إن خرج عمي من الحبس، فخرج فأصبح و أنا أريد الصيام فيجيئني بعض أصحابنا، فادعوا بالغداء، و أتغذي معه، قال: لا بأس» (2).

ص: 368


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 14.

دون الكفارة (1). أما قبل الزوال فيجوز إذا كان موسعا (2).

[(مسألة 13): القاضي عن غيره كالقاضي عن نفسه في الحرمة و الكفارة]

(مسألة 13): القاضي عن غيره كالقاضي عن نفسه في الحرمة و الكفارة (3) علي الأحوط وجوبا.

[(مسألة 14): يجب علي ولي الميت أن يقضي ما فاته من الصيام]

(مسألة 14): يجب علي ولي الميت (4) و هو الولد الذكر

______________________________

بناء علي ما هو الشائع عرفا من استعمال الغداء في الطعام بعد الظهر، و إن كان هو لغة طعام الصباح.

و أظهر من ذلك الواجب المخير، كصوم الكفارة المخيرة، لعدم صدق الفريضة عليه قطعا. فلاحظ.

(1) لاختصاص نصوصها بقضاء شهر رمضان، و التعدي منه لمطلق الصوم الواجب الموسع يحتاج إلي قرينة. و مجرد اشتراكهما في أنه إبطال لعبادة قد تحقق أكثرها لا يكفي في ذلك. و منه يظهر ضعف ما سبق عن علي ابن بابويه من وجوب الكفارة في قضاء النذر.

(2) بأن لم يتضيق وقته بمجي ء رمضان الثاني.

(3) لدعوي إطلاق نصوص الحكمين. لكنه يشكل بظهور قوله: «في يوم يقضيه من شهر رمضان»، و قوله: «و هو يقضي شهر رمضان»، و نحوهما (1) في إرادة القضاء عن نفسه و لا أقل من انصرافهما إلي ذلك، فالحكمان المذكوران من أحكام من يقضي شهر رمضان، لا من أحكام قضاء شهر رمضان بما أنه نوع خاص من الصوم مع قطع النظر عن خصوصية من يؤديه. بل قوله عليه السّلام في موثق سماعة المتقدم: «إنما ذلك في الفريضة» بعد أن لم يكن المراد به الإشارة إلي صوم شهر رمضان، لا يناسب العموم للقضاء عن الغير الذي قد لا يكون واجبا علي من يؤديه لعدم كونه مستأجرا عليه. فلاحظ.

(4) كما هو المعروف في الجملة من مذهب الأصحاب، و به صرح في المقنع

ص: 369


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته.

______________________________

و المقنعة و الانتصار و النهاية و المبسوط و الخلاف و السرائر. و حكي عن الصدوق الأول و جماعة من القدماء، بل هو المدعي عليه الإجماع في الجملة في الانتصار و الخلاف و السرائر. بل لم يعرف الخلاف فيه إلا عن ابن أبي عقيل فاقتصر علي الصدقة عنه عن كل يوم بمدّ من طعام. قال: «و بهذا تواترت الأخبار عنهم عليه السّلام و القول الأول مطرح، لأنه شاذ».

و كأنه أراد من نصوص الصدقة حديث ابن بزيع الذي رواه الصدوق في الفقيه، قال: «و روي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، قال: قلت له:

رجل مات و عليه صوم يصام، عنه أو يتصدق؟ قال: يتصدق عنه، فإنه أفضل» (1).

و صحيح أبي مريم الأنصاري الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتي مات فليس عليه شي ء [قضاء]، و إن صح ثم مرض ثم مات، و كان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليه» (2). و في طريق آخر ذكره في التهذيب: «و إن لم يكن له مال تصدق عنه وليه» (3).

لكن استشكل بعض مشايخنا في سند الأول بأن طريق الصدوق إلي ابن بزيع في مشيخة الفقيه و إن كان صحيحا، إلا أنه لم يتضح رواية الصدوق لهذا الحديث عنه بذلك الطريق، لأنه لم ينسبه له رأسا، كما هي عادته في الرواية عن رجال المشيخة، بل نسبه للرواية عنه، فلعله مروي له عنه بغير الطريق المذكور في المشيخة، و يكون بحكم المرسل.

كما استشكل في دلالته بأنه لا دلالة فيه علي حكم الولي، بل ظاهره السؤال عن حكم الأجنبي. و كون الصدقة عن الميت في حقه أفضل لا ينافي وجوب القضاء علي الولي.

و يندفع الأول بأن غلبة نسبة الصدوق الرواية لصاحب الكتاب لا تنهض بتقييد كلامه في المشيخة، حيث قال: «و ما كان فيه عن محمد بن إسماعيل بن بزيع فقد رويته عن محمد بن الحسن … »، فإنه ظاهر في العموم للحديث المتقدم. و لا سيما و أن

ص: 370


1- الفقيه ج: 3 ص: 236.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7، 8.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7، 8.

______________________________

خروجه عما جري عليه من روايته عن الرجل بسنده الذي ذكره في المشيخة مبني علي عناية تحتاج إلي تنبيه و إيضاح لا يكفي فيه التعبير المذكور.

كما يندفع الثاني بالمنع من ظهور الحديث في بيان حكم الأجنبي، بل مقتضي إطلاقه الشمول للولي. نعم لا ظهور له في تعين الصدقة، كما هو مدعي ابن أبي عقيل.

و أما الحديث الثاني فمن الظاهر أنه لا مجال للاستدلال به لابن أبي عقيل علي رواية الطريق الأول، لتضمنه التصدق من مال الميت، و الصوم عنه إن لم يكن له مال، مع أن المنقول عن ابن أبي عقيل التصدق عنه، و مقتضي إطلاقه التصدق عنه لا غير و إن لم يكن له مال. غاية الأمر أنه لا يطابق فتوي المشهور أيضا.

و أما علي رواية الطريق الثاني فقد منع بعض مشايخنا من دلالته علي نفي القضاء، لأن وجوب الصدقة علي الولي لا ينافي وجوب القضاء أيضا. بل لعل مقتضي المقابلة فيه مع الصدر المتضمن لنفي القضاء مع الموت في المرض ثبوت القضاء هنا.

و لعل وجوب الصدقة معه للتواني عنه بعد أن صح.

لكنه كما تري، لظهوره في بيان تمام ما يجب عن الميت، فالتعرض فيه للصدقة بدل الصيام الفائت و إهمال القضاء ظاهر جدا في عدم وجوبه. نعم لا مجال للاستدلال به مع رجوع اختلاف الطريقين لتكاذبهما في مفاد الحديث الواحد.

علي أنه لا مجال للخروج بالحديثين عن النصوص الكثيرة الآتية الظاهرة في وجوب القضاء علي الولي التي عول عليها الأصحاب قبل ابن أبي عقيل- كما اعترف به في الجملة- و بعده، و لا مجال مع ذلك لرميها بالشذوذ، بل يتعين طرح الحديثين، لندرتهما، و موافقتهما لجمهور العامة، علي ما حكاه السيد المرتضي قدّس سرّه في الانتصار.

و مثله ما في الانتصار من وجوب الصدقة عنه من ماله عن كل يوم بمدّ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه. حيث لا دليل عليه إلا صحيح أبي مريم علي أحد طريقيه.

لكنه- مع معارضته بالطريق الآخر المسقط له عن الحجية، كما سبق- لا ينهض في قبال نصوص قضاء الولي الأخري، حيث يتعذر حملها علي ما إذا لم يكن للميت مال، لندرته.

و أشكل منه ما في المبسوط حيث قال: «متي مات و كان متمكنا منه فلم

ص: 371

الأكبر (1) حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه

______________________________

يصمه فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه». حيث لا دليل علي التخيير المذكور. إلا أن يستفاد من حديث ابن بزيع، بدعوي ظهوره في التخيير بين الأمرين و إن كانت الصدقة أفضل.

لكن لا مجال للخروج به عن النصوص الكثيرة المشار إليها، حيث لا مجال لحملها علي إجزاء الصدقة، فضلا عن كونها أفضل، بل يتعين طرحه من أجلها.

و من هنا كان المتعين ما ذهب إليه المشهور، للنصوص المذكورة الآتي بعضها، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما (1).

(1) كما في المبسوط و الوسيلة و السرائر و الشرائع و المعتبر و التذكرة و المختلف و غيرها. بل لعله المشهور. و قد يستدل عليه بصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام. قال: يقضي عنه أولي الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولي الناس به امرأة؟ قال: لا إلا الرجال» (2).

بدعوي ظهوره في الأولي بالميراث بقول مطلق، حيث لا ينطبق علي غير الولد الذكر الأكبر، لأن غيره من اخوته لا يشاركه في الحبوة، و أخواته يرثن دون حصته، و بقية الورثة من طبقته يختص بسهم، كالأب بالسدس، و بقية الطبقات لا ترث إلا بفقد سابقتها، فهو الأولي بقول مطلق.

لكنه كما تري، لأن ذوي السهام من طبقته قد تزيد حصتهم علي حصته حتي مع الحبوة. مع أن حمل الأولي بالميراث علي ذلك من غرائب فهم الكلام، كيف و لازمه عدم وجود الأولي بالميراث لكثير من الأموات.

و من ثم لا ينبغي التأمل في ظهوره فيمن هو فعلا أولي بميراث الميت، و إن كان غيره أولي منه لو وجد معه، كما يفهم ذلك من نظائره، كقولنا: يصلي علي الميت أقرب

ص: 372


1- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 6، ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13، 11، 6، 5، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.

______________________________

الناس إليه، و يرثه أخصهم به، و ينفذ وصيته أولاهم به، و نحو ذاك، كما هو أظهر من أن يحتاج إلي بيان.

و كيف يكون ما ذكروه هو الظاهر مع أنه لم يفهمه المخاطب حين الخطاب، حيث سأل عما إذا كان الأولي به امرأة، إذ لا يتوجه ذلك منه إلا إذا كان المراد منه ما ذكرنا. بل الجواب مؤكد لذلك، لظهوره في عدم وجوب القضاء علي الأولي من النساء، لا في امتناع الفرض المذكور، و إلا لقال عليه السّلام: لا يكون الأولي به امرأة.

كما أن الظاهر منه أن الأولوية بلحاظ أصل الميراث، في قبال من لا يرث، لا بلحاظ مقدار المال الموروث، في مقابل من هو أقل نصيبا منه.

و منه يظهر الحال فيما عن ابن طاوس في كتاب غياث سلطان الوري عن الشيخ قدّس سرّه بإسناده عن ابن أبي عمير عن رجاله عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم. قال: يقضيه أولي الناس به» (1)، و مرسل حماد عنه عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟ قال: أولي الناس به. قلت: و إن كان أولي الناس به امرأة؟ قال: لا إلا الرجال» (2)، حيث يجري فيهما نظير ما سبق. بل الأمر فيهما أظهر، لأن موضوع الأولوية فيهما الميت نفسه، لا ميراثه، و من الظاهر أن الأولوية بالميت إنما تكون بالقرب منه.

و مثله الاستدلال عليه بموثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال: يقضيه أفضل أهل بيته» (3).

إما بحمله علي الأفضل من حيثية الميراث، لاختصاصه بالحبوة، أو من حيثية الاختصاص بالبيت، فإن ذلك لا ينطبق علي غير الولد الأكبر، و لا يعمّ حتي الأب، لأنه ليس من أهل بيت الميت، بل الميت من أهل بيته.

إذ فيه: أن الحمل علي الأفضل من حيثية الميراث- لو انطبق علي الولد الأكبر و غض النظر عما سبق- يحتاج إلي قرينة. و حيثية الاختصاص بالبيت ليست من

ص: 373


1- وسائل الشيعة ج: 5 باب: 23 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6، 11.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6، 11.

______________________________

الفضائل عرفا، ليحمل عليها التفضيل في الحديث، بل يتعين حمله علي الأفضلية الدينية و النفسية. مع أن الولد الأكبر ليس أولي من أخوته في الاختصاص المذكور، و المراد بالبيت ليس هو المسكن الذي يغلب كون أهله الأبناء دون الآباء، بل المراد بأهل البيت عرفا أقارب الرجل الخاصين به و من أظهرهم الأب. و من ثم كان الاستدلال المذكور في غاية الوهن.

و مثله ما في الجواهر من الاستدلال بما تضمن وجوب القضاء علي الولي، بدعوي: أن المنساق من الولي هو الولد الذكر، و عليه جري قوله تعالي: [فهب لي من لدنك وليا]، و لذا فسره به الشيخ. بل منع في المختلف من صدق الولي علي غيره.

إذ فيه- مع أن ذلك لا يقتضي تعيين الأكبر إلا بدليل يأتي الكلام فيه- أن الولي هو الذي يتولي إدارة الأمور و يناط به التصرف فمع تعيينه شرعا- كما ورد أن الزوج هو الأولي بزوجته حتي يضعها في قبرها- و إلا كان المنصرف منه الأقرب علي ما ذكر في مسألة الولاية علي أحكام الميت، و لا مجال لتوهم اختصاصه بالولد، و لذا لم يلتزموا بذلك في غير المقام.

و حمل الآية الشريفة علي الولد إنما هو لخصوصية المورد و لقرائن لا توجد في المقام. علي أنه لا بد من الخروج عن ذلك بصحيح حفص و غيره مما كان ظاهره العموم، فإنه عرفا من سنخ الشارح للولي.

و أشكل من ذلك ما في الجواهر أيضا من تتميم دلالة ما تقدم بالشهرة، لوضوح عدم نهوض الشهرة بتميم الدلالة. مع أنه لا يتضح تمامية الشهرة بالنحو المعتد به و لا سيما بملاحظة استدلال غير واحد بوجوه لا ترجع إلي ما تقدم، حيث لا مجال مع ذلك لكشفها عن اطلاع المشهور علي قرائن محيطة بالكلام تصلح لحمله علي خلاف ظاهره.

هذا مضافا إلي أنه لو كان المراد بالولي هو الولد الذكر الأكبر لكان الأنسب تعبير النصوص به، لأنه أوضح و أيسر، كما عبرت بذلك في الحبوة، و لا وجه للعدول عنه إلي عناوين أخر يحتاج حملها عليه إلي تكلف أو مقدمات مطوية خفية. فلا ينبغي التأمل

ص: 374

______________________________

بعد النظر في نصوص المقام و نظائره في عدم إرادة ذلك بخصوصه. بل مقتضي الجمع بين النصوص المتضمنة لعنوان الولي- لو تمت- و صحيح حفص بن البختري كون المدار علي مفاد الصحيح، و هو وجوب القضاء علي الأولي بالميراث من غير النساء.

و هو الظاهر من حديث ابن أبي عمير و ينزل مرسل حماد- لو غض النظر عن سندهما- كما سبق، و لا أقل من لزوم حملهما علي ذلك لأن نسبتهما لصحيح حفص نسبة المجمل للمبين.

و أما موثق أبي بصير المتضمن لقضاء أفضل أهل بيت الميت فالنسبة بين مفاده و مفاد بقية النصوص العموم من وجه. و الجمع بينها و بينه بتقييد مضمون أحدهما بمضمون الآخر الراجع لوجوب اجتماع الأمرين بعيد جدا، لأنه حمل علي الفرد النادر. علي أنه لا قرينة علي الجمع المذكور، بل يحتمل الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين أو بالحمل علي الاستحباب، كما يأتي. و مرجع ذلك إلي استحكام التعارض، و المتعين معه ترجيح النصوص الأخر، لأنها أكثر عددا و أشهر رواية. بل الظاهر سقوطه عن الحجية ذاتا، لظهور إعراض الأصحاب عنه.

و لا سيما أن مضمونه لا يخلو عن غرابة، لأن تكليف الأفضل بذلك تضييق لا يناسب التشجيع علي الفضيلة. مضافا إلي أنه يبعد إناطة الحكم بالعنوان المذكور، إذ كثيرا ما يصعب تشخيص مورده، خصوصا مع اختلاف جهات الفضيلة. و من هنا قد يحمل علي الاستحباب، الراجع إما إلي أنه يستحب له القيام به، أو إلي أن فعله أفضل من فعل غيره.

هذا و قد يدعي تقييد الأولي في جميع طبقات الميراث بالأكبر. لصحيح الصفار:

«كتبت إلي الأخير عليه السّلام: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام، و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟

فوقع عليه السّلام: يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه» (1).

و لعله لذا صرح في المقنع و الانتصار و محكي رسالة الصدوق الأول بأن من كان

ص: 375


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

______________________________

له وليان قضي عنه أكبرهما. بل قد يكون هو الوجه في التقييد بالأكبر في كلام غير واحد.

لكنه مع ظهوره في اعتبار التوالي، الذي لا قائل به في حق من فاته الصوم، فضلا عمن يقضي عنه- ظاهر في عدم إجزاء عمل غير الأكبر، لا عدم وجوبه عليه، و لا قائل بذلك. فهو من المشكل الذي يرد علمه إلي قائله عليه السّلام، و لا يخرج به عن الإطلاق.

و من هنا كان مقتضي الجمع بين النصوص العمل علي مفاد صحيح حفص المتقدم، كما في الحدائق، و في المدارك أنه لا بأس به. و لعله إليه يرجع إطلاق الولي في كلام غير واحد، كما في الخلاف و الغنية.

بل صرح المفيد و ابن الجنيد بوجوب القضاء علي غير الولد من الأولياء إذا فقد الولد. فإنه و إن أمكن ابتناء ذلك منهما علي دليل يقتضي التنزل لغير الولد عند فقده لولاه لكان اللازم عندهما الاقتصار علي الولد، كما اقتصر عليه الشيخ، إلا أنه يمكن أيضا ابتناؤه علي دليل يقتضي ترجيح الولد و لو استحبابا لو لاه لكان اللازم عندهما مساواة غير الولد له، عملا بالأدلة المتقدمة، كما يناسبه استدلال الشيخ لما ذكره المفيد بمرسل حماد و صحيح الصفار المتقدمين.

و من جميع ما تقدم يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من سقوط الأدلة المتقدمة بإعراض الأصحاب، لعدم الفتوي بمضمونها من أحد منهم، حيث يكشف ذلك عن قرينة علي خلافها، و أن ذلك يوجب إجمالها، و الرجوع للأصل، المقتضي للاقتصار علي الولد الأكبر. و قد يناسبه استدلال غير واحد بالأصل المذكور.

إذ فيه: أنه لا طريق لإحراز الإعراض عن النصوص المتقدمة بحيث تسقط عن الحجية بعد ما عرفت من الخلاف و الغنية و المفيد و ابن الجنيد و ما تقدم من جماعة من إطلاق وجوب القضاء علي الولي الأكبر، و مع ظهور حال الكليني في العمل بصحيح حفص، و لا سيما مع ظهور اضطراب الأصحاب في المقام، و ربما كانت بعض كلماتهم في تعين الولد الأكبر مبنية علي الاستحباب. و من هنا لا معدل عما اقتضته الأدلة المتقدمة بعد تماميتها دلالة و سندا.

و منه يظهر ضعف ما في المقنع و المقنعة و عن الصدوق الأول و ابني الجنيد

ص: 376

قضاؤه. و الأحوط استحبابا إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث علي الترتيب في الإرث بالابن. و الأقوي عدمه.

و أما ما فات عمدا أو أتي به فاسدا ففي إلحاقه بما فات عن عذر (1)

______________________________

و البراج من وجوب القضاء علي النساء مع انحصار الأمر بهن. فإنه خروج عن صريح صحيح حفص و مرسل حماد من دون وجه ظاهر. و مجرد الرفق بحال الميت لا ينهض بذلك. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جملة من النصوص، منها صحيحا حفص و الصفار و حديث ابن أبي عمير و مرسل حماد المتقدمة، كما هو مقتضي إطلاق بعض كلماتهم.

و بعضهم، و أن اقتصر علي العذر، إلا أنه لا يتضح منه التقييد به، كبعض النصوص الواردة في العذر.

نعم عن المحقق في جواب مسائله البغدادية: «الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات من الميت من صيام و صلاة لعذر، كالمرض و السفر و الحيض، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه»، و عن الذكري: «و قد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول، و لا بأس به. فإن الروايات تحمل علي الغالب من الترك، و هو إنما يكون علي هذا الوجه، و هو اعتبار حسن».

لكن الغلبة- مع أنها ممنوعة- لا تنهض بتقييد الإطلاق، كما ذكرناه غير مرة.

نعم المناسبات الارتكازية لا تساعد علي اهتمام الشارع الأقدس بالمتعمد للترك المتمرد فيه، بحيث يلزم الولي المتدين بتفريغ ذمته، مع ما في ذلك من المشقة، و العسر، بل كلما كان تمرد الميت أطول و ما تنشغل به ذمته أكثر كان التكليف علي الولي أشق، فإن ذلك قد يوجب انصراف النصوص سؤالا و جوابا إلي ما إذا كان الميت في مقام الأداء، بنحو يهتم بحاله الشارع الأقدس و المتشرعة بمقتضي مرتكزاتهم، و لا أقل من كون ذلك موجبا لخروج ذلك عن المتيقن من الإطلاق.

بل من البعيد جدا عدم الابتلاء في عصور المعصومين عليه السّلام بمن يكثر منه

ص: 377

إشكال. و إن كان أحوط لزوما. بل الأحوط إلحاق الأم بالأب (1) و إن كان الأقوي خلافه.

______________________________

الترك العمدي، و لو كان البناء علي الاهتمام بأمره لوقع السؤال عن ذلك و عن فروعه، لما في التكليف المذكور من المشقة الشديدة، بل الهرج و المرج. فعدم التعرض لذلك في النصوص يشرف بنا علي القطع بعدم العموم، و علي استحكام الجهة الارتكازية المشار إليها التي قد تصلح قرينة للانصراف المشار إليه. و ليس ذلك مجرد استبعاد، كي لا يرفع به اليد عن ظاهر الأدلة.

لكن ذلك إنما يقتضي قصور الإطلاق عما إذا مات الشخص متمردا في ترك القضاء، سواء فاته الصوم لعذر أم بدونه، أما إذا مات مهتما بالقضاء و لو مع تمرده في ترك الأداء، لتجدد التوبة منه، فالجهة المذكورة تقصر عنه، و الرجوع فيه للإطلاق المتقدم متعين.

(1) كما في النهاية و المبسوط و المختلف و عن ابن البراج و غيره، و في الجواهر أنه ظاهر المعظم، بل نسب للأصحاب.

و استدل له بصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضي عنها؟ قال: أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» (1)، و نحوه صحيح محمد بن مسلم (2)، و موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها. قال: هل برئت من مرضها؟ قلت:

لا، ماتت فيه. قال: لا يقضي عنها، فإن اللّه لم يجعله عليها. قلت: فإني أشتهي أن أقي عنها و قد أوصتني بذلك. قال: كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟! … » (3).

مضافا إلي إلغاء خصوصية الرجل في نصوص وجوب القضاء، و إلي قاعدة الاشتراك بين الرجل و المرأة في الأحكام.

ص: 378


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 12.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 12.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4، 16، 12.

______________________________

و يشكل بظهور النصوص المتقدمة في مشروعية القضاء عنها، في مقابل عدم مشروعيته بسبب عدم تكليفها به في حياتها، و لا ظهور لها في وجوبه، فضلا عن تكليف الولي به.

و دعوي: عدم الفصل بين مشروعية القضاء و وجوبه، و بينهما و بين وجوبه علي الولي، معلومية عدم الوجوب علي غيره. ممنوعة، بل قد ترجع المشروعية لاستحبابه أو وجوبه بالوصية و نحوها، كما قد يظهر من الموثق.

و أشكل من ذلك دعوي فهم عدم خصوصية الرجل عرفا في نصوص قضاء الولي، فتدل بنفسها علي العموم للمرأة.

إذ فيها: أنه لا مجال لفهم عدم خصوصية الرجل في مثل هذا الحكم التعبدي المخالف للأصل، و لا سيما مع التصريح في النصوص باختصاص الرجل بالتكليف بالقضاء. بل هو لا يناسب ما تقدم من جماعة في توجيه حمل الأولي بالميراث علي الولد الأكبر بأنه يختص بالحبوة، و إن تقدم الإشكال في ذلك.

و أما قاعدة الاشتراك فهي- لو تمت و لم ترجع للقطع بعدم الفرق، أو فهم عدم الخصوصية للرجل في أدلة الحكم، اللذين لا مجال لهما في المقام- مختصة بالأحكام الموجهة للرجال المخاطبين بها، و لا تعم ما إذا كان الرجل قيدا في موضوع الحكم، كما في المقام.

و دعوي: أن مرجع وجوب القضاء علي الولي استحقاق الميت عليه القضاء عنه، فهو من الأحكام الوضعية الثابتة للميت الرجل، و لا فرق في القاعدة بين الأحكام الوضعية و التكليفية. مدفوعة بمنع رجوع وجوب القضاء لذلك، بل هو تكليف ابتدائي في حق الولي. مع أن القاعدة لو تمت فالمتيقن منها الاشتراك في ثبوت الحق علي المكلف، لا في ثبوته له.

و لعله لذا تردد في الشرائع و ظاهر المعتبر و اللمعة، و قوي العدم في المسالك، بل شدد في السرائر النكير علي ذلك، حتي ادعي عدم القول بذلك لأصحابنا، و أن ذكر الشيخ له إيراد لا اعتقاد، و هو أعلم بما قال.

ص: 379

و إن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء (1). و قد تقدم في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلقة بالمقام لأن المقامين من باب واحد.

______________________________

(1) لأن القضاء عن الميت فرع انشغال ذمته بالأمر المقضي، كما يظهر من النصوص الكثيرة، بل هو صريح جملة منها.

بقي في المقام أمران: الأول: قال في المبسوط: «و إن كانوا إناثا لم يلزمهن القضاء، و كان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام. و أقله مدّ». و هو و إن ذكر ذلك في فرض وجود بنات للميت، إلا أن الظاهر أن مراده العموم لجميع صور عدم الولي المكلف بالصوم، كما نسب له و لغيره ذلك.

و كيف كان فلا يتضح الوجه فيه بعد اختصاص النصوص بالقضاء و تكليف الولي به.

نعم تقدم في صحيح أبي مريم الأمر بالصدقة. لكن ظاهره وجوبها ابتداء، و يتعذر حمله علي صورة عدم الولي، جمعا مع نصوص المقام، لعدم مناسبته لذيله المتضمن لأمر الولي بالصدقة أو الصوم إذا لم يكن للميت مال، و إن تكلفه في الجواهر بتمحل، كما حاول تتميم الاستدلال بوجوه أخر ظاهرة الضعف، لا ينبغي إطالة الكلام فيها. فراجع.

و مثله ما عن أبي الصلاح من أنه يستأجر له من تركته من يقضي عنه، لأنه صوم وجب عليه و لم يفعله، فوجب قضاؤه عنه بالأجرة، كالحج.

إذ فيه: منع الكبري، و الحمل علي الحج في غير محله، بل هو بالقياس أشبه.

الثاني: صرح جماعة بعموم الحكم لغير صوم شهر رمضان من الصوم الثابت علي الميت. و عن الصدوقين و ابن أبي عقيل الاختصاص. و لعله لقصور كلامهم عن العموم و إلا فلم ينص في المقنع علي الاختصاص.

ص: 380

______________________________

و كيف كان فالعموم مقتضي إطلاق صحيح حفص المتقدم. بل هو صريح خبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سمعته يقول: إذا مات رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول و يقضي الشهر الثاني» (1).

و لا مجال للإشكال فيه بضعف السند، لاشتماله علي سهل بن زياد لاندفاعه بما هو الظاهر من اعتبار حديثه علي ما ذكرناه. في المسألة الواحدة و العشرين من مبحث المياه. علي أنه منجبر بالعمل، لنسبة مضمونه في محكي الروضة للمشهور، و في محكي الدروس لظاهر المذهب.

و مثله الإشكال فيه بعدم وضوح مرجع الضمير في قوله: «فعليه … ». إذ الظاهر عدم الإشكال في عدم وجوب ذلك علي غير الولي، فيكون ذلك قرينة علي إرادته في الخبر.

اللهم إلا أن يقال: كما يمكن تقدير رجوعه للولي بحذف مرجع الضمير، كذلك يمكن حمله علي مشروعية الصدقة و القضاء من دون تعيين لمن يجب ذلك عليه، لابتناء حكايته علي نحو من التصحيف، و لا مرجح لإحدهما بعد اشتراكهما في لزوم التصرف المصحح للكلام من دون قرينة فيه علي تعيين أحدهما.

علي أن قوله: «من علة»، قد يناسب إرادة فوت صوم رمضانين متتابعين بسبب استمرار المرض، فيخرج عما نحن فيه، و إلا فلا خصوصية للعلة في فوت الشهرين المتتابعين، بل يمكن أن يكون للتماهل و عدم تعجيل الأداء. فتأمل.

و كيف كان فالحديث لا يخلو عن اضطراب و إجمال. و لعله لذا حكي عن ظاهر المفيد و صريح ابن إدريس و العلامة و الشهيد و غيرهم من متأخري المتأخرين طرحه و عدم العمل به في مورده، علي أنه لا إطلاق له.

و العمدة في العموم هو إطلاق صحيح حفص، كما ذكرنا. و علي ذلك يشكل الخروج عن إطلاقه في صوم الشهرين المتتابعين بخبر الوشاء، لما سبق من اضطرابه و إجماله.

ص: 381


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

[(مسألة 15): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع و كفارة التخيير]

(مسألة 15): يجب التتابع في صوم الشهرين (1) من كفارة الجمع و كفارة التخيير (2). و يكفي في حصوله صوم الشهر الأول و يوم من الشهر الثاني متتابعا (3).

______________________________

(1) إجماعا و يشهد به الكتاب المجيد و النصوص المستفيضة.

(2) و كذا من الكفارة المرتبة ككفارة الظهار، لعين ما سبق. و يجري فيه أيضا حكم التتابع الآتي، لعموم دليله.

(3) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منها متواتر أو مستفيض. كذا في الجواهر. و يقتضيه جملة من النصوص.

ففي موثق سماعة: «سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام» (1). لظهور السؤال فيه عن التفريق الاختياري، فيكون قرينة علي حمل الجواب عليه. و لا أقل من عمومه له.

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن قطع صوم كفارة اليمين و كفارة الظهار و كفارة القتل، فقال: إن كان علي رجل صيام شهرين متتابعين. و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو أياما منه، فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر، ثم يقضي ما بقي عليه. و إن صام شهرا ثم عرض له شي ء، فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله» (2)، فإن قوله عليه السّلام: «و التتابع … »، حاكم علي جميع أدلة اعتبار التتابع. قوله عليه السّلام: «فإن عرض له شي ء … ثم عرض له شي ء»، يراد منه ما لا يكون عذرا ملزما بالإفطار، أما ما يكون ملزما به فإنه لا يخل بالتتابع حتي قبل الشهر، كما يأتي.

و ربما يستفاد الاجتزاء في التتابع بتجاوز النصف من نصوص أخر.

و منه يظهر ضعف ما قد يظهر من صوم النهاية من وجوب التتابع في تمام

ص: 382


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 5، 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 5، 9.

و الأحوط وجوبه (1) في صوم الثمانية عشر بدل الشهرين (2). و كذا

______________________________

الشهرين، و أن الاكتفاء بشهر و يوم إنما يكون مع العجز عن ذلك.

و في كفاراتها، و في المقنعة أن من أفطر من غير علة بعد صوم شهر و يوم كان مخطئا، و عليه البناء علي ما مضي، و نحوه حكي عن السيدين و الحلي. بل عن السيدين الإجماع عليه. و كأنه للعمل بالأدلة الأولية الظاهرة في وجوب التتابع في تمام الشهرين.

لكنها ظاهرة في الوجوب الوضعي الراجع للشرطية، لا التكليفي، فإن عمل بنصوص المقام- كما هو المتعين- فلا وجه للإثم، و إلا فلا وجه للإجزاء.

نعم يستثني من ذلك من وجب عليه كفارة صوم شهرين من أشهر الحرم، علي ما يأتي عند الكلام في حرمة صوم العيدين.

(1) يعني: التتابع.

(2) المشهور- كما قيل- أن من تعذر عليه صوم شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما. و استدل له بمعتبر أبي بصير المروي في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر علي الصيام و لم يقدر علي العتق و لم يقدر علي الصدقة. قال: فليصم ثمانية عشر يوما، عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (1). و رواه في الاستبصار عنه و عن سماعة بن مهران عنه عليه السّلام بتغيير يسير.

لكن مقتضي ذيله أن صيام الثمانية عشر يوما بدل الإطعام، لا بدل الصيام.

فليحمل علي الكفارة المرتبة التي يكون الإطعام فيها آخر ما يجب منها، كما يناسبه ورود ذلك في كفارة الظهار في موثق أبي بصير (2) المتقدم في المسألة الثانية من الفصل الثالث. فراجع.

و كيف كان فلو قيل بوجوب الثمانية عشر يوما فهل يجب التتابع فيها أو لا؟

قد يقال بالأول.

ص: 383


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 15 باب: 8 من أبواب الكفارات حديث: 1.

في صوم سائر الكفارات (1) و إن كان الأظهر عدمه.

______________________________

و يستدل عليه:

تارة: بأنه الأصل في صوم الكفارة.

و أخري: بأن الصوم المذكور جزء من الشهرين المتتابعين اقتصر عليه لأنه الميسور.

و ثالثة: بمرسل المفيد في المقنعة حيث إنه بعد تصريحه بالتتابع و غيره ذكر مجي ء الآثار بذلك عنهم عليه السّلام.

لكن يأتي الكلام في الأول. و أما الثاني فهو غير ظاهر، بل يحتمل وجوبه بملاك البدلية لا بملاك أنه الميسور، خصوصا بناء علي ما تقدم من ظهور النص في بدلية الصوم عن الإطعام. بل حتي لو كان وجوبه لأنه الميسور من الصيام فحيث لا يجب الصيام في تمام الشهرين فلا قرينة علي كونه الميسور مما يجب فيه التتابع منهما.

و أما مرسل المقنعة فهو- مع ضعفه- أجنبي عن ذلك، فإنه بعد أن ذكر أن التتابع في الشهرين إنما يتحقق بالتتابع في أكثر من النصف ذكر أنه يكفي في التتابع في صوم الشهر المنذور التتابع في النصف، ثم قال: «و بين هذا في الحكم و بين صيام شهرين متتابعين فرق جاءت به الآثار عن آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم».

و من ثم لا مخرج عن أصالة البراءة من وجوب التتابع في الصوم المذكور. بل مقتضي إطلاق دليله عدمه.

(1) فقد ذكر في الشرائع أن اللازم التتابع في صومها إلا صوم جزاء الصيد.

و استشكل فيه في المدارك في صوم غير واحد من الكفارات بإطلاق دليل الأمر بالصوم. و قرب في الجواهر الانصراف للتتابع و لو بقرينة الفتوي به، و كونه كفارة و الغالب فيها التتابع. و لا سيما بملاحظة تعليل التتابع في الشهرين منها بأنه كي لا يهون عليه الأداء فيستخف به.

لكن الفتوي لا تصلح وجها للانصراف ما لم تكشف عن قرينة موجبة له، و ليس منه المقام. كما لا يكفي فيه غلبة التتابع في الكفارة لو تمت، و التعليل مختص

ص: 384

[(مسألة 16): كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه]

(مسألة 16): كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بني علي ما مضي عند ارتفاعه (1).

______________________________

بمورده، و هو صوم الشهرين.

هذا مضافا إلي معتبر سليمان بن جعفر عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث: «قال:

إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و كفارة الدم و كفارة اليمين» (1). بل التنصيص في رواية الزهري علي التتابع في بعض أقسام الصوم الواجب دون بعضها (2) شاهد بعدم العموم المذكور. كما قد يستفاد أيضا من صحيح عبد اللّه بن سنان الآتي.

نعم ورد لزوم التتابع في صوم كفارة اليمين في الحديثين المتقدمين و غيرهما فاللازم العمل عليه.

و بالجملة: اللازم الاقتصار في التتابع علي قيام الدليل عليه في كل مورد مورد، و الرجوع مع عدمه للإطلاق أو الأصل النافي له. و تمام الكلام في محله.

(1) كما هو المعروف، و في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا بالنسبة إلي الشهرين، بل في شرح الأصبهاني أنه مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب فيهما و في الشهر»، و يقتضيه جملة من النصوص.

ففي صحيح رفاعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهرا و مرض. قال: يبني عليه، اللّه حبسه، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيام حيضها، قال: تقضيها. قلت: فإنها قضتها ثم يئست من المحيض، قال: لا يعيدها أجزأها ذلك» (3)، و نحوه صحيح محمد بن مسلم (4)، و في معتبر سليمان بن خالد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوما ثم مرض، فإذا برئ يبني علي

ص: 385


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 10، 11.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 10، 11.

______________________________

صومه أم يعيد صومه كله؟ قال: بل يبني علي ما كان صام. ثم قال: هذا مما غلب اللّه عليه، و ليس علي ما غلب اللّه عز و جل عليه شي ء» (1)، و نحوها في ذلك غيرها.

نعم في حديث أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قطع صوم كفارة اليمين و كفارة الظهار و كفارة القتل [الدم]، فقال: إن كان علي رجل صيام شهرين متتابعين، فأفطر أو مرض في الشهر الأول، فإن عليه أن يعيد الصيام، و إن صام الشهر الأول و صام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ما له فيه عذر، فإن عليه أن يقضي» (2)، و في صحيح جميل و محمد بن حمران عنه عليه السّلام فيمن يمرض في صوم كفارة الظهار قال:

«يستقبل، فإن زاد علي الشهر الآخر يوما أو يومين بني علي ما بقي» (3)، و قد يستفاد ذلك من غيرهما. لكنها محمولة علي الاستحباب جمعا.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه- و سبقه إليه في الحدائق- من عدم كون الجمع المذكور عرفيا، لأن الأمر بالإعادة كناية عن الفساد، و لا معني لحمله علي الاستحباب. ففيه أن الأمر بالإعادة و إن كان ظاهرا بدوا في فساد العمل، إلا أن حمله بقرينة ما هو صريح في عدم فساد العمل علي نقص العمل بنحو يحسن إعادته مقبول، بل متعين عرفا.

هذا و قد قرب في المدارك الاقتصار في ذلك علي صوم الشهرين المتتابعين دون غيره مما يجب فيه التتابع، اقتصارا علي مورد النصوص المتقدمة، و الرجوع في غيره للأصل المقتضي لعدم الاجتزاء بفاقد الشرط. لكن مقتضي التعليل في النصوص المتقدمة بغلبة اللّه تعالي العموم لغير مواردها مما يجب فيه التتابع.

و مثله ما في الدروس و عن المسالك و غيرها من أن كل ثلاثة يجب فيها التتابع لو أخل به و لو لعذر استأنف، إلا ثلاثة الهدي إذا صام يومين و كان الثالث العيد، فإنه يبني علي ما مضي، و نحوه عن ظاهر ابن سعيد من غير استثناء، و جري علي ذلك في القواعد في كفارة اليمين و قضاء شهر رمضان، خلافا للسرائر، فصرح بالبناء علي ما صام في كفارة اليمين إذا قطعها بمرض أو حيض.

ص: 386


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 12، 6، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 12، 6، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 12، 6، 3.

و إن كان العذر بفعل المكلف (1) إذا كان مضطرا إليه (2). أما إذا لم يكن

______________________________

و قد يستدل لوجوب الاستئناف بإطلاق ما تضمن وجوب التتابع في الصيام المذكور، و يندفع بأن الإطلاق المذكور محكوم للنصوص المتقدمة بملاحظة التعليل المتقدم فيها.

نعم قد يستدل له بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين» (1)، بدعوي: أنه لا مجال لحمله علي بيان جواز التفريق لا لعذر، لما هو المعلوم من عدم اختصاص الاستثناء منه بكفارة اليمين، بل ظهور وجوب التتابع في كثير من أفراد الصوم ملزم بعدم حمله علي ظاهره من جواز التفريق اختيارا، بل لا بد من حمله علي جواز التفريق في الجملة و لو لعذر، فيدل علي عدم جواز التفريق في كفارة اليمين مطلقا و لو مع العذر.

لكنه يشكل أولا: بأن ذلك ليس بأولي من حمله علي جواز التفريق اختيارا مع كون الحصر فيه إضافيا بلحاظ بعض أنواع الصوم. غايته أنه يكون مجملا، لعدم القرينة علي تعيين ذلك البعض.

و ثانيا: بأنه مختص بكفارة اليمين و ما ألحق بها، مما تضمن دليله أن كفارته كفارة يمين، دون غيره من موارد وجوب صوم ثلاثة أيام، كالإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان.

(1) كالسفر و المرض الاختيارين.

(2) لعموم التعليل المتقدم، حيث لا يفرق فيه بين المرض و غيره و إن كان بفعله إذا اضطر إليه، بحيث يصدق عرفا أنه مغلوب علي أمره.

لكن صرح في السرائر و الحدائق بأن السفر يقطع التتابع و إن كان اضطراريا، و هو مقتضي إطلاق الخلاف و الوسيلة، و استدل له في الحدائق باختصاص التعليل بما يخرج عن اختيار المكلف، و لا يكون بفعله، بل يوقعه اللّه تعالي به.

ص: 387


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

عن اضطرار وجب الاستئناف (1). و من العذر ما إذا نسي النية إلي ما بعد الزوال (2)، أو نسي فنوي صوما آخر (3) و لم يتذكر إلا بعد الزوال. و منه ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس، فإن تخلله في الأثناء لا يضرّ في التتابع (4)، و لا يجب عليه الانتقال إلي غير الصوم من الخصال.

______________________________

و فيه: أنه مخالف لإطلاق التعليل. و لو فرض قصوره لفظا فالمناسبات الارتكازية قاضية بفهم العموم منه، و أن المدار علي مطلق العذر بنحو يشمل الفعل الاضطراري. و من ثم صرح في التذكرة بعدم إخلال السفر الاضطراري بالتتابع، و استحسنه في المعتبر في تتابع الشهر الواحد المنذور. و صرح به في الدروس فيما لو فجأه السفر، دون ما لو علم باضطراره إليه قبل الشروع فيه. و إن كان التفصيل المذكور موردا للإشكال.

(1) لقصور النصوص المتقدمة بملاحظة التعليل المتقدم فيها. نعم لا يبعد عموم النصوص لما إذا استند العذر لفعل المكلف من دون أن يلتفت إلي ترتبه عليه، كما لو تعرض للبرد فمرض من دون قصد.

(2) كما قواه في المسالك و المدارك لعموم التعليل المتقدم. و أما ما تضمن رفع النسيان فهو ظاهر في رفع المؤاخذة و نحوها مما هو من سنخ التبعة، و لا ينهض بتصحيح العمل الناقص إذا استند نقصه للنسيان، كما في محل الكلام.

هذا و قد منع من ذلك في الحدائق، لأن النسيان من الشيطان، لا من اللّه تعالي، كما يشير إليه قوله تعالي: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ.

و فيه- بعد تسليمه علي عمومه-: أن المناسبات الارتكازية تقضي بحمل التعليل علي ما يعم غلبة اللّه بتوسط فعل الغير، في قبال ما يستند لاختيار المكلف، نظير ما تقدم في السفر.

(3) لعين ما سبق.

(4) قال قدّس سرّه: «لصدق الحبس». و يشكل بأن مفاد التعليل كون العذر هو

ص: 388

[(مسألة 17): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جري عليه الحكم المذكور]

(مسألة 17): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جري عليه الحكم المذكور (1) إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها. و إذا نذر صوم شهر متتابعا

______________________________

حبس اللّه تعالي، لا مطلق الحبس، و من الظاهر عدم صدقه في المقام، لأن نفوذ النذر و إن كان حكما شرعيا خارجا عن اختيار المكلف، إلا أن نفس النذر لما كان باختياره لم يصدق معه حبس اللّه تعالي. و لذا لا يصدق لو آجر نفسه لصوم عن ميت أو لسفر متخلل في أثناء صوم الكفارة، و إن كان نفوذ الإجارة حكما شرعيا كنفوذ النذر.

علي أن التعليل وارد لعدم وجوب التدارك بإعادة الصوم السابق علي العذر محافظة علي التتابع، لأنه من سنخ الكلفة و التبعة و لو توسعا، لا لبيان سقوط التتابع بالتعذر، كما في المقام، و كما لو أبتلي بمرض يمنعه من الاستمرار في الصوم شهرا و إن أمكنه الصوم متفرقا، فإن عدم سقوط التتابع حينئذ ليس من سنخ التبعة، بل هو راجع إلي سقوط وجوب الصوم، تعيينا أو تخييرا، و هو قد يكون موجبا للسعة، لا للضيق.

و من هنا كان الظاهر ابتناء الكلام في مثل ذلك علي ثبوت عموم سقوط التتابع بالتعذر. و ينحصر وجهه في فهم عدم الخصوصية للحيض من النصوص، بحيث يتعدي منه لكل ما يقتضي تعذر التتابع، فإن الحيض و إن أمكن معه التتابع بعد سن اليأس، إلا أنه يصدق معه غالبا أن التتابع متعذر عرفا.

لكن فهم ذلك من أدلته في غاية الإشكال. كيف؟! و لازمه الاكتفاء بصوم اليوم و اليومين متفرقا حتي يكمل الشهرين لو ابتلي المكلف بمرض يمنعه من الاستمرار في الصوم أكثر من ذلك، كما يلزمه عدم الاجتزاء مع التقطع من جهة الحيض في أواخر أزمنته عند الإشراف علي سن اليأس، لعدم تعذر التتابع عرفا معه، و الظاهر إباؤهم لكلا الأمرين، تحكيما لإطلاق الدليل في المقامين.

نعم لو كان مفاد النذر مجرد إشغال اليوم الخاص بالصوم، لا نذر صوم فيه غير الصوم الواجب لم يكن منافيا للتتابع، للاجتزاء بصوم اليوم المذكور في الكفارة، كما هو الحال في نذر صوم الدهر. فلاحظ.

(1) و في الجواهر أنه ظاهر الفتاوي و معاقد الإجماعات. لكن في بلوغها مرتبة

ص: 389

______________________________

الحجية إشكال، بل منع. فاللازم النظر في نصوص المسألة. و قد وردت في الحكمين السابقين.

الأول: الاجتزاء في التتابع بالتتابع في شهر و يوم، و عدم لزومه فيما زاد علي ذلك، بل يجوز الإخلال به اختيارا. فإن كان مبني الحكم المذكور علي تفسير التتابع المعتبر شرعا بذلك، كان قاصرا عن النذر، الذي أخذ التتابع فيه من قبل الناذر، بل يتعين فيه الرجوع إلي قصده، فإن قصد التتابع بالمعني المعتبر شرعا- بالتنصيص عليه، أو لانصرافه إليه ارتكازا- تعين الاكتفاء فيه بما سبق، و إن قصد التتابع الحقيقي التام- نصا أو انصرافا- كان اللازم البناء عليه. و إن كان مبني الحكم المذكور علي الاجتزاء بالناقص تعبدا مع كون التتابع المعتبر شرعا هو التتابع التام أمكن عمومه للنذر، تبعا لإطلاق دليله لو تم.

إذا عرفت هذا فمن الظاهر أن النصوص المذكورة و إن كانت محتملة للوجهين بدوا، إلا أن الاكتفاء بالناقص اختيارا بعيد جدا، خصوصا مع جواز التفريق تكليفا.

بل يلغو معه اعتبار التتابع التام في مقام الجعل، و ذلك صالح للقرينية علي حمل النصوص علي الأول. بل هو الظاهر من قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم:

«و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا … » (1). و من هنا لا مجال للبناء علي عمومه للنذر. إلا أن يكون المنذور هو التتابع الشرعي.

الثاني: عدم قدح الإفطار عن عذر في الامتثال، فلا يجب معه إعادة الصوم السابق علي العذر. و لا يخفي أن تعليل الاجتزاء في النصوص بأن اللّه حبسه، و أنه ليس علي ما غلب اللّه عليه شي ء، ظاهر في أن ذلك يبتني علي الاجتزاء بالناقص تخفيفا و امتنانا علي المكلف، لا لتحقق التتابع المعتبر شرعا، و حينئذ فمقتضي إطلاق جملة من نصوص الحكم المذكور و عموم التعليل المشار إليه فيها العموم للنذر.

و ربما يستدل عليه بحديث علي بن أحمد بن أشيم: «كتب الحسين إلي الرضا عليه السّلام: جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها، ثم اعتل

ص: 390


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 9.

جاز التفريق بعد صوم خمسة عشر يوما منه (1). و لا يلحق بالشهر غيره في

______________________________

فأفطر، يبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضي؟ فكتب إليه: يحتسب بما مضي» (1).

لكن يشكل بظهوره في نذر أيام معينة، فيكون التدارك بعد الإفطار من باب قضاء المنذور المضيق، لا من باب أداء النذر الموسع الذي هو محل الكلام، فغاية ما يدل عليه الحديث عدم وجوب قضاء ما أتي به قبل الإفطار، و هو مطابق للقاعدة، إذ لا وجه لقضائه بعد أدائه، و لا يكفي في ذلك الإخلال بالتتابع، لعدم التقييد بالتتابع في النذر و إنما وجب لتتابع الأيام المنذورة، نظير تتابع صوم شهر رمضان. فهو أجنبي عما نحن فيه.

و دعوي: أن حمل الأيام المعلومة علي ذلك لا يناسب السؤال عن الاستئناف، الظاهر في المفروغية عن وجوب إكمال الصوم، بل المناسب له السؤال عن إكمال الصوم، لجهل السائل بوجوب قضاء الصوم المنذور المعين.

مدفوعة: بإمكان علم السائل بوجوب قضاء الصوم المنذور المعين، و إنما سأل عن استئناف ما صامه لاحتماله وجوب التتابع في القضاء تبعا لتتابع الأيام المنذورة، و إن لم يكن التتابع منذورا.

و بعبارة أخري: ظهور الأيام المعلومة في الأيام المعينة أقوي من ظهور السؤال في أخذ التتابع في المنذور، ليكون مما نحن فيه. و لا أقل من إجمال الحديث و عدم نهوضه بالاستدلال لما نحن فيه، بل العمدة فيه ما عرفت من الإطلاق و عموم التعليل، و لأجله يتعين البناء علي ذلك حتي لو نصّ الناذر علي التتابع الحقيقي التام.

نعم لو نصّ علي عدم الاجتزاء بالصوم مع تخلل الإفطار عن عذر تعين العمل علي ذلك، لرجوعه إلي نذر الاستئناف بعد العذر، فينفذ بمقتضي عموم نفوذ النذر، من دون أن ينافي أدلة المقام، لأنها إنما تحكم علي نذر التتابع، لا علي النذر المذكور. فلاحظ.

(1) كما صرح به غير واحد، و في الجواهر أنه المشهور، و ظاهر السرائر الإجماع

ص: 391


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 2.

______________________________

عليه. لموثق موسي بن بكر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أو عن الفضيل عنه عليه السّلام: «في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما، ثم عرض له أمر. فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتي يصوم شهرا تاما» (1)، و نحوه موثق الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام.

حيث يتعين حملهما بقرينة الجواب علي نذر صوم شهر متتابعا. و منصرف السؤال فيه ما إذا كان قد نوي شهرا متتابعا، إذ مع عدم نية التتابع لا منشأ لتوهم عدم وجوب الإكمال و عدم الاجتزاء به، ليحتاج للسؤال عن ذلك، و ذلك هو المناسب للجواب أيضا، كما لعله ظاهر.

كما أن المنصرف من الأمر العارض في السؤال هو الذي لا يبلغ مرتبة الاضطرار للإفطار من مرض أو نحوه، و إلا كان الأنسب تنبيه السائل لذلك، لأنه أنسب ارتكازا بالإجزاء، فلا ينبغي له إهماله. بل ذلك هو الظاهر من التفضيل في الجواب، بضميمة عموم التعليل المتقدم، القاضي بالاجتزاء بما أتي به مطلقا مع الاضطرار للإفطار. و لا أقل من كون ذلك مقتضي العموم المستفاد من ترك الاستفصال. و من ثم ينهض الموثقان حجة للمشهور.

و بذلك يظهر ضعف ما في الوسيلة من اعتبار مجاوزة النصف و لو بيوم، و كأنه يبتني علي فهم ذلك مما ورد في صوم الشهرين المتتابعين، بإلغاء خصوصية الشهرين و حمله علي كل صوم متتابع. لكنه توسع في مفاد النص من دون قرينة. مع أنه لو تم لا يزيد علي العموم، فليزم الخروج عنه بالموثقين.

و مثله ما في الغنية من البناء مع كون العذر غير اضطراري علي التفصيل المذكور في صورة عدم نذر التتابع، و أنه مع نذره يتعين عدم الاجتزاء بما أتي به، و لزوم الاستئناف مطلقا، و مع كون العذر اضطراريا علي الاجتزاء بما أتي به مطلقا و لو مع نذر التتابع.

و كأنه يبتني علي حمل الموثق علي صورة عدم نذر التتابع، و الرجوع مع نذره

ص: 392


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

هذا الحكم (1).

______________________________

للقاعدة القاضية بالاستئناف مطلقا، و الرجوع مع كون العذر اضطراريا للقاعدة أيضا القاضية بالاجتزاء بما مضي مطلقا. و يظهر ضعفه مما سبق من انصراف السؤال و ظهور الجواب في الحديث إلي صورة نذر التتابع، و لا أقل من إطلاقه الشامل للصورتين معا، و لا وجه لحمله علي خصوص عدم نذر التتابع.

نعم لو كان الإفطار لعذر من مرض و نحوه مما يصدق معه حبس اللّه تعالي و غلبته تعين الاجتزاء بما صام و إن كان قبل النصف، تحكيما للتعليل المتقدم، مع حمل الحديث علي الإفطار الاختياري.

و لا مجال للعكس بالبناء علي عموم الحديث للإفطار الاختياري و الاضطراري، و تخصيص التعليل به بحمله علي غير صورة نذر الشهر. لأن مفاد التعليل من سنخ الحكم الثانوي، الذي يكون دليله حاكما عرفا علي دليل الحكم الأولي.

(1) يعني مما يجب فيه التتابع، كما لو وجب عليه بنذر أو غيره صوم عشرة أيام متتابعات مثلا، فصام خمسة أيام، ثم أفطر. لقصور الدليل عنه.

كما لا يلحق بصوم الشهرين المتتابعين في اعتبار تجاوز النصف، لقصوره أيضا كما يظهر مما سبق في تعقيب ما سبق من الوسيلة.

و استثني بعض مشايخنا قدّس سرّه من ذلك صوم العبد في الظهار الذي هو شهر واحد، فاكتفي فيه بالتتابع بنصف الشهر و يوم، لمعتبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في رجل صام في ظهار شعبان، ثم أدركه شهر رمضان. قال:

يصوم شهر رمضان، و يستأنف الصوم. فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضي بقيته» (1).

بدعوي: أن صدره و إن كان واردا في الحر بقرينة عدم الاكتفاء في كفارته بشهر واحد، إلا أن قوله عليه السّلام في ذيله: «فزاد في النصف يوما … »، يعمّ الحر و العبد.

ص: 393


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

[(مسألة 18): إذا وجب عليه صوم متتابع]

(مسألة 18): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم (1) بتخلل عيد أو نحوه. نعم إذا لم يعلم

______________________________

لكن لم يتضح الوجه في عموم الذيل، بعد أن كان مرجع الضمير هو الرجل المسئول عنه، المفروض أنه حر، و إنما يتجه ما ذكره لو كان التعبير هكذا: فإن صام المظاهر فزاد في النصف … غاية الأمر أن التعبير بالنصف مشعر بأن المعيار هو، لا خصوص الشهر. لكنه لا يبلغ حدّ الظهور الحجة.

نعم يجتزأ في الجميع بما وقع من الصوم لو كان الإفطار عن مرض و نحوه مما يصدق معه حبس اللّه، لعموم التعليل المتقدم، كما تقدم نظيره في نذر صوم الشهر.

(1) كما صرح به جماعة، بل لعله المعروف بينهم. لعدم تحقق التتابع المعتبر فيه.

و في صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان، قال: يصوم شهر رمضان، و يستأنف الصوم، فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضي بقيته» (1). و قريب منه موثق محمد بن مسلم(2).

و قد استشكل فيه في الجواهر بأن عدم التتابع ليس لاختيار المكلف الإفطار، بل لمنع الشارع من صوم الكفارة حينئذ، فتشمله روايات العذر. و ربما كان في تكليف المرأة بذلك بانتظار زمان يأسها، لغلبة عدم سلامتها من الحيض شهرا و يوما عسر و حرج. و أما الحديثان فلا مجال لاستفادة الكلية منهما، بل لا بد من الاقتصار علي مضمونهما، كما في النهاية. و لا سيما مع معارضتهما بما ورد في صوم الهدي، الذي يأتي الكلام فيه.

لكنه يندفع بأنه لا دليل علي عموم عدم إخلال الإفطار عن عذر في التتابع المعتبر، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة، و إنما الثابت عدم الإخلال بالإفطار للحيض، و بالإفطار لحبس اللّه تعالي و غلبته الذي ينصرف إلي ما إذا أقدم علي التتابع ثم حبسه اللّه تعالي و غلبه بمرض غير متوقع أو سفر مضطر إليه كذلك، دون ما إذا أقدم ابتداء علي إيقاع الصوم في وقت يتعذر فيه التتابع المعتبر، كما في المقام، و كما لو

ص: 394


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1، 2.

فلا بأس إذا كان غافلا فاتفق ذلك (1)، أما إذا كان شاكا فالظاهر البطلان (2). و يستثني من ذلك الثلاثة بدل الهدي (3)، إذا شرع فيها يوم التروية و عرفة فإن له أن يأتي بالثالث (4).

______________________________

علم بأنه يمرض أو يضطر للسفر قبل إكمال شهر و يوم.

و أما المرأة فلا إشكال في عدم تكليفها بانتظار سن اليأس، إلا أنه ليس لعدم البناء علي الكلية المذكورة، بل لاستثناء الحيض منها، للنصوص المتقدمة، التي لا مجال لحملها علي صورة عدم توقع الحيض، لندرتها. و منه يظهر أن الحديثين علي طبق القاعدة، و ما يأتي في صوم الهدي هو المستثني منها الذي يقتصر فيه علي مفاد دليله.

(1) كأنه لدعوي صدق حبس اللّه تعالي و غلبته حينئذ، فلا يخل الإفطار معه بالتتابع المعتبر. لكنه لا يخلو عن إشكال، لانصرافه إلي ما لم يكن متوقعا، دون مثل المقام مما كان معلوما مغفولا عنه.

نعم إذا كان معتقدا عدم حصول المانع من التتابع فصام، ثم انكشف حصوله، فقد يتوجه ذلك، و إن لم يخل عن خفاء، خصوصا إذا كان انكشاف ذلك في أثناء شعبان قبل دخول شهر رمضان. فلاحظ.

(2) لعدم القصد للتتابع من أول الأمر. فتأمل.

(3) حيث يجب فيها التتابع إجماعا، كما في الجواهر. و في صحيح الحسين بن زيد بن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: السبعة الأيام و الثلاثة الأيام في الحج لا تفرق، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين» (1)، و نحوه غيره.

(4) إجماعا، كما في المدارك و في ظاهر المختلف حاكيا له عن ابن إدريس. لرواية يحيي الأزرق عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا، و ليس له هدي، فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق» (2)،

ص: 395


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 52 من أبواب الذبح حديث: 2.

______________________________

و خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر» (1).

لكن في كتاب الحج من المدارك: «و في الروايتين ضعف في السند، و بإزائهما أخبار كثيرة دالة علي خلاف ذلك».

و يندفع- مضافا إلي انجبار ضعف السند بعمل المشهور- بأن الظاهر صحة سند الرواية الأولي، كما نبه له بعض مشايخنا قدّس سرّه، و أن يحيي الأزرق فيها هو ابن عبد الرحمن الثقة، لا ابن حسان المجهول، لأنها مروية عن الإمام الكاظم عليه السّلام و الثاني من أصحاب الصادق عليه السّلام لا غير، و لم تعرف له رواية في الفقه، بخلاف الأول فإنه من أصحابهما عليه السّلام معا، و هو من الرواة المشهورين، روي عنه جماعة منهم صفوان، و له كتاب رواه عنه جماعة. و من ثم ينصرف الإطلاق له و تنحصر هذه الرواية به.

و ما يظهر من الصدوق من روايتها عن ابن حسان، لأنه الذي صرح بطريقه إليه في المشيخة، لا يبعد ابتناؤه علي التصحيف، أو الخطأ منه في المشيخة، بتوهم أن ما رواه مشايخه يراد به ابن حسان.

نعم في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام: «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فإن فاته صوم هذه الأيام؟ فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» (2). و في صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة، و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده» (3).

و قد حملهما بعضهم علي صيام أحد اليومين منفردا. و لعل الأقرب حملهما علي كراهة التعجيل بصوم يومين، أو استحباب التأخير، محافظة علي التتابع التام.

كما أن في صحيح حماد: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام: صيام

ص: 396


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 52 من أبواب الذبح حديث: 1، 3، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 52 من أبواب الذبح حديث: 1، 3، 5.
3- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 52 من أبواب الذبح حديث: 1، 3، 5.

بعد العيد (1) بلا فصل (2)، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمني، أما إذا شرع يوم عرفة وجب الاستئناف (3).

[(مسألة 19): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة]

(مسألة 19): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة لم يجب

______________________________

ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة … » (1). و في خبر الواسطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاث أيام متتابعات … » (2).

و الأول محمول علي فوت ذلك بتعذر الصوم في اليومين أيضا، أو علي استحباب التأخير. و الثاني- مع عدم خلوه عن ضعف السند- محمول علي استحباب التدارك بثلاثة أيام، أو علي ما إذا كان صومه اليومين في غير يوم التروية و عرفة، أو علي استحباب التأخير.

و بالجملة: ليس في هذه النصوص ما هو نص في مخالفة الحديثين السابقين، فلا مجال لرفع اليد بها عنهما مع اعتبار سند أحدهما و عمل المشهور بهما.

(1) كما لو لم يذهب لمني عصيانا أو لعذر، لاختصاص المنع عن صوم أيام التشريق بمن كان بمني.

(2) كما عن كشف اللثام استظهاره. و تنظر فيه في محكي الجواهر، لإطلاق النص و الفتوي. و كذا الكلام فيما بعده. و أما دعوي: أن مبني الاجتزاء باليوم المفصول هو أن الفصل بالعيد لا يخلّ بالتتابع، لا علي سقوط التتابع، كي لا يقدح الفصل بغير العيد أيضا. فهي خالية عن الشاهد بعد تخصيص دليل التتابع في المقام.

(3) كما صرح به غير واحد. اقتصارا في الخروج عن إطلاق وجوب التتابع علي مورد النص.

ص: 397


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 53 من أبواب الذبح حديث: 3.
2- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 52 من أبواب الذبح حديث: 4.

التتابع (1) إلا مع اشتراط التتابع أو الانصراف إليه (2) علي وجه التقييد (3).

[(مسألة 20): إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع]

(مسألة 20): إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط التتابع في قضائه (4).

______________________________

(1) لأصالة البراءة.

(2) و عليه يحمل موثقا موسي بن بكر و الفضيل بن يسار المتقدمان في المسألة السابعة عشرة، كما أوضحناه هناك.

(3) أما إذا كان الانصراف بدويا من دون أن يرجع للتقييد فلا أثر له.

(4) أما أصل وجوب قضاء الصوم المنذور فقد يستدل عليه بعموم وجوب قضاء ما فات. لكن العموم المذكور غير ثابت، كما أشرنا إليه في المسألة الأولي من هذا الفصل. مع أن المنصرف أو المتيقن منه ما وجب بعنوانه الأولي، من صلاة أو صوم أو نحوهما، ليمكن حفظ عنوانه بالقضاء، دون ما وجب بعنوان كونه وفاء بالنذر، حيث لا يمكن حفظ العنوان المذكور بالقضاء، بل ينحصر موضوعه بالأداء. فتأمل.

فالعمدة النصوص. ففي صحيح علي بن مهزيار: «أنه كتب إليه يسأله: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما بعينه فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟

فكتب إليه: يصوم يوما بدل يوم، و تحرير رقبة مؤمنة» (1)، و قريب منه غيره.

نعم في صحيحه الآخر: «كتب بندار مولي إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب إليه و قرأته: لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلا أن تكون نويت ذلك. و إن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم علي سبعة مساكين. نسأل اللّه التوفيق لما يحب و يرضي» (2).

فإن عدم التعرض فيه للقضاء قد يظهر في عدمه. لكن السؤال فيه لما كان عن

ص: 398


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1، 4.

[(مسألة 21): الصوم من المستحبات المؤكدة]

(مسألة 21): الصوم من المستحبات المؤكدة، و قد ورد أنه جنة من النار (1)، و زكاة الأبدان (2)،

______________________________

الكفارة فعدم التعرض فيه للقضاء لا يدل علي عدمه، و مجرد التعرض في النصوص الأول للقضاء تفضلا مع أن السؤال فيها عن الكفارة أيضا لا يستلزم ذلك فيه. و لو سلم ظهوره في نفي القضاء فلا إشكال في أن ظهور النصوص الأول في وجوبه أقوي، فتقدم عليه.

و أما لزوم موافقة القضاء للأداء في التتابع فهو الذي قربه في الدروس قال:

«و لو كان قد شرط فيه التتابع ففي وجوبه في قضائه وجهان، أقربهما الوجوب».

و قد استشكل فيه غير واحد بأن قضاء الصوم المنذور لما كان علي خلاف القاعدة لزم الاقتصار فيه علي مفاد دليله، و هو النصوص المتقدمة، و هي لا تقتضي إلا وجوب تدارك أصل الصوم بالقضاء دون الخصوصيات الزائدة علي ذلك، كما هو مقتضي إطلاق قولهم عليه السّلام: «يصوم يوما بدل يوم».

اللهم إلا أن يدعي فهم عدم الخصوصية لأصل الصوم، لأن مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بابتناء الحكم علي تدارك المنذور بالقضاء، المناسب لتدارك جميع الخصوصيات المنذورة.

لكنه لا يخلو عن إشكال. و لا يظن منهم البناء علي ذلك في غير التتابع من القيود، كما إذا نذر أن يصوم كل يوم بارد أو ممطر من رجب.

كما لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب التتابع لو لم يكن مأخوذا قيدا في المنذور، بل كان من لوازمه الخارجية، كما لو نذر صوم العشر الأواخر من رجب. فلاحظ.

(1) ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: … قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم:

الصوم جنة من النار» (1)، و نحوه غيره.

(2) ففي موثق السكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليه السّلام أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال

ص: 399


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.

و به يدخل العبد الجنة (1)، و أن نوم الصائم عبادة، و نفسه و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعاؤه مستجاب (2)، و خلوف فمه عند اللّه تعالي أطيب من رائحة المسك (3)، و تدعو له الملائكة حتي يفطر (4)، و له فرحتان:

______________________________

لأصحابه: «ألا أخبركم بشي ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم، كما يتباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلي، قال: الصوم يسود وجهه … و لكل شي ء زكاة، و زكاة الأبدان الصيام» (1)، و نحوه في ذلك موثق مسعدة بن صدقة (2) و غيره.

(1) ففي معتبر طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من صام يوما تطوعا أدخله اللّه عز و جل الجنة» (3)، و قريب منه غيره.

(2) ففي حديث أحمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: نوم الصائم عبادة، و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعاؤه مستجاب» (4)، و في حديث السكوني عنه عليه السّلام عن آبائه (عليهم السلام): «قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: نوم الصائم عبادة، و نفسه تسبيح» (5)، و نحوهما غيرهما.

(3) ففي صحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

أوحي اللّه عز و جل إلي موسي عليه السّلام: ما يمنعك من مناجاتي؟ فقال: يا رب أجلك عن المناجاة لخلوف فم الصائم، فأوحي اللّه عز و جل إليه: يا موسي لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك» (6)، و نحوه في ذلك غيره.

و في لسان العرب: «و خلف فم الصائم خلوفا أي: تغيرت رائحته … قال أبو عبيدة: الخلوف تغير طعم الفم، لتأخر الطعام».

(4) ففي المرسل عن أبي حمزة الثمالي: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة، و تدعو له الملائكة حتي يفطر» (7)، و في موثق مسعدة بن صدقة عنه عليه السّلام عن آبائه عليه السّلام: «أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: إن اللّه عز و جل

ص: 400


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 41، 18، 24، 23، 5، 38.

فرحة عند الإفطار، و فرحة حين يلقي اللّه تعالي (1). و أفراده كثيرة و المؤكد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر (2). و الأفضل في كيفيتها أول خميس من الشهر، و آخر خميس منه، و أول أربعاء من العشر الأواسط (3). و يوم

______________________________

و كل ملائكته بالدعاء للصائمين، و قال: أخبرني جبرئيل عن ربه أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه» (1)، و في حديث ابن فضال أنه لا يحصي عددهم إلا اللّه تعالي (2).

(1) ففي معتبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال: للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره و فرحة عند لقاء ربه» (3)، و نحوه مرفوع الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و حديثا ابن عباس و زيد بن علي عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم (4).

(2) كما يظهر من النصوص الكثيرة (5). و في موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها البله، يعني بالبله المتغافل عن الشر العاقل في الخير و الذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر» (6)، و في حديث الأربعمائة: «صوموا ثلاثة أيام في كل شهر و هي تعدل صوم الدهر» (7).

(3) كما تضمنه أكثر نصوص صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و في غير واحد من النصوص أنه الصوم الذي قبض عليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، منها صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أول ما بعث يصوم حتي يقال: ما يفطر. و يفطر حتي يقال: ما يصوم. ثم ترك ذلك، و صام يوما و أفطر يوما، و هو صوم داود. ثم ترك ذلك، و صام الثلاثة الأيام الغرّ. ثم ترك ذلك و فرقها في كل عشرة يوما خميسين بينهما أربعاء، فقبض عليه السّلام و هو يعمل ذلك» (8)، و ترك في بعض

ص: 401


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3، 36، 6، 26، 27، 40.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3، 36، 6، 26، 27، 40.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3، 36، 6، 26، 27، 40.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3، 36، 6، 26، 27، 40.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13 من أبواب الصوم المندوب. مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 6، 7، 8، 9 من أبواب الصوم المندوب.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 25، 15، 16.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 25، 15، 16.
8- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 25، 15، 16.

الغدير (1) فإنه يعدل مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات (2)، و يوم

______________________________

طرقه: «ثم ترك ذلك و صام الثلاثة الأيام الغرّ».

و كلا الطريقين و إن كان معتبرا إلا أن الأول أقوي و أقرب مضمونا، لأن احتمال الزيادة أبعد. و في ذيل موثق زرارة عنه عليه السّلام أنه جميع ما جرت به السنة من الصوم.

و لا بد من حمله علي أنه الأفضل، كما تضمنه صدره علي بعض طرقه (1). فراجع.

نعم في معتبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه: «أن عليا عليه السّلام كان ينعت صيام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: صام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الدهر كله ما شاء اللّه، ثم ترك ذلك و صام صيام داود عليه السّلام يوما للّه و يوما له ما شاء اللّه، ثم ترك ذلك فصام الاثنين و الخميس ما شاء اللّه ثم ترك ذلك، و صام البيض ثلاثة أيام من كل شهر، فلم يزل ذلك صيامه حتي قبضه اللّه إليه» (2)، و في معتبر الجعفريات عنهم عليه السّلام عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها الذين يصومون أيام البيض» (3)، و عن أبي ذر قال: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من كان منكم صائما من الشهر فليصم الثلاث البيض» (4).

لكن لا مجال للخروج بها عن النصوص الأول مع ما هي عليه من الكثرة و الشهرة، و لا سيما مع ما سبق في صحيح محمد بن مسلم من عدول النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم من صيام الأيام البيض إلي صيام هذه الأيام، و استمراره عليه حتي قبض.

(1) كما في نصوص كثيرة رواها الخاصة (5)، و العامة(6).

(2) ففي خبر العبدي: «سمعت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام يقول: صيام يوم

ص: 402


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 9 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 9 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب. مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 11 من أبواب الصوم المندوب.
6- تاريخ بغداد 8: 289 في ترجمة حبشون بن موسي بن أيوب.

مولد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم (1)، و يوم بعثه (2)،

______________________________

غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش إنسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، و صيامه يعدل عند اللّه عز و جل في كل عام مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات. و هو عيد اللّه الأكبر» (1)، و في مرسل الفتال أن اللّه يكتب به صيام الدهر (2)، و في معتبر الحسن بن راشد عنه عليه السّلام: «قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهرا» (3)، و نحوه خبر أبي هريرة (4)، و في خبر عمار بن حريز عنه عليه السّلام: «و أن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم» (5). و في خبر الحسن بن راشد عنه عليه السّلام:

«و العمل فيه يعدل ثمانين شهرا» (6)، و في خبر المفضل عنه عليه السّلام: «و من صامه كان أفضل من عمل ستين سنة» (7)، و في خبره الآخر عنه عليه السّلام أنه كفارة ستين سنة (8).

و في خبر الطوسي عن الرضا عليه السّلام في حديث خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام في هذا اليوم: «و صوم هذا اليوم مما ندب اللّه تعالي إليه، و جعل الجزاء العظيم كفاء له عنه، حتي لو تعبد له عبد من العبيد في الشبيبة من ابتداء الدنيا إلي تقضيها صائما نهارها قائما ليلها إذا أخلص المخلص في صومه لقصرت إليه أيام الدنيا عن كفائه» (9).

(1) كما في جملة من النصوص و في مرسل المصباح و مرسل المفيد في مسار الشيعة أن من صامه كتب له صيام سنة (10)، و في مرسل المفيد في المقنعة و الفتال في روضة الواعظين: «فمن صامه كتب له صيام ستين سنة» (11).

و قد تضمنت هذه النصوص و غيرها أنه يوم السابع عشر من ربيع الأول.

(2) كما في جملة من النصوص، و في معتبر الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: و لا تدع صيام يوم سبعة و عشرين من رجب، فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه

ص: 403


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 14، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 14، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 14، 2.
4- تاريخ بغداد 8: 289 في ترجمة حبشون بن موسي بن أيوب.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10، 6، 7، 8، 5، 11.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10، 6، 7، 8، 5، 11.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10، 6، 7، 8، 5، 11.
8- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10، 6، 7، 8، 5، 11.
9- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10، 6، 7، 8، 5، 11.
10- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 5، 6، 7.
11- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 19 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 5، 6، 7.

و يوم دحو الأرض (1) و هو الخامس و العشرين من ذي القعدة (2)، و يوم عرفة (3) لمن لا يضعفه عن الدعاء،

______________________________

النبوة علي محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم، و ثوابه مثل ستين شهرا لكم» (1)، و نحوه غيره. و في خبر عبد اللّه بن طلحة: «من صام يوم سبعة و عشرين من رجب كتب اللّه له صيام سبعين سنة» (2)، و نحوه غيره.

و قد تضمنت هذه النصوص أنه اليوم السابع و العشرون من شهر رجب.

نعم في خبر الحسن بن بكار الصيقل عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «قال: بعث اللّه محمدا صلي اللّه عليه و آله و سلم لثلاث ليال مضين من رجب، و صوم ذلك اليوم كصوم سبعين عاما» (3)، و مقتضاه أنه اليوم الثالث من رجب.

لكن عن الصدوق: «قال سعد: كان مشايخنا يقولون: إن ذلك غلط من الكاتب و إنه لثلاث بقين من رجب».

(1) كما في جملة من النصوص، و في صحيح الحسن الوشاء: «كنت مع أبي و أنا غلام، فتعشينا عند الرضا عليه السّلام ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة، فقال له: ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السّلام، و ولد فيها عيسي بن مريم، و فيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا» (4)، و نحوه غيره، و في حديث ابن مسعود أنه كصوم سبعين سنة (5)، و في خبر عبد الرحمن السلمي: «فمن صام ذلك اليوم و قام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة صام نهارها و قام ليلها» (6)، و في مرسل الإقبال: «فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شي ء بين السماء و الأرض» (7).

(2) كما تضمنته النصوص و منها ما تقدم.

(3) ففي صحيح سليمان الجعفري: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: كان أبي

ص: 404


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 3، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 3، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 15 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 3، 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 8، 7، 9.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 8، 7، 9.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 8، 7، 9.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1، 8، 7، 9.

مع عدم الشك في الهلال (1)، و يوم المباهلة (2) و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة، و تمام رجب و تمام شعبان، و بعض كل منهما علي اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل (3)،

______________________________

يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه [من] الحر» (1)، و في مرسل دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:

«من صام يوم عرفة محتسبا فكأنما صام الدهر» (2)، و نحوه عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام (3).

و في موثق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السّلام: «قال: صوم يوم عرفة يعدل السنة، و قال: لم يصمه الحسن، و صامه الحسين (عليهما السلام») (4)، و في موثق محمد بن مسلم: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إن رسول اللّه (ص) لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان» (5)، و نحوه موثق محمد بن قيس عنه عليه السّلام (6).

و يظهر منها و من غيرها مما تضمن عدم صوم بعض الأئمة عليه السّلام له أن عدم صومهم عليه السّلام له لدفع توهم وجوبه، أو لدفع توهم شدة استحبابه بنحو قد يؤدي إلي الالتزام به و إن أضعف عن الدعاء. فلاحظ.

(1) ففي موثق سدير عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن صوم يوم عرفة فقلت:

جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة، فقال: كان أبي لا يصومه، قلت: و لم ذاك جعلت فداك؟ قال: إن يوم عرفة يوم دعاء و مسألة، و أتخوف أن يضعفني عن الدعاء و أكره أن أصومه و أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحي، و ليس بيوم صوم» (7).

(2) لم أعثر عاجلا علي رواية به.

(3) فإن النصوص في صوم الشهرين و أبعاضهما مستفيضة فراجع الباب

ص: 405


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3.
2- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 19 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 19 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5، 2، 7، 6.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5، 2، 7، 6.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5، 2، 7، 6.
7- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5، 2، 7، 6.

و يوم النوروز (1)، و أول يوم من محرم (2) و ثالثه (3) و سابعه (4)، و كل خميس و كل جمعة (5) إذا لم يصادفا عيدا.

______________________________

السادس و العشرين و الثامن و العشرين و التاسع و العشرين من أبواب الصوم المندوب من الوسائل، و الباب الواحد و العشرين و الثالث و العشرين و الرابع و العشرين من أبواب الصوم المندوب من مستدرك الوسائل.

(1) كما في حديث المعلي بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السّلام: «قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل، و البس أنظف ثيابك، و تطيب بأطيب طيبك، و تكون ذلك اليوم صائما» (1). نعم تحديد اليوم المذكور لا يخلو عن إشكال، لاحتمال تغييره عما كان عليه في عصر صدور الحديث.

(2) ففي صحيح الريان بن شبيب: «دخلت علي الرضا عليه السّلام في أول يوم من المحرم … فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السّلام ربه، فقال: ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، فاستجاب اللّه له … فمن صام هذا اليوم ثم دعا اللّه عز و جل استجاب له كما استجاب لزكريا عليه السّلام» (2). و قريب منه غيره.

(3) ففي مرسل الإقبال عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: «أن من صام اليوم الثالث من المحرم استجيب دعوته» (3).

(4) لم أعثر عاجلا علي رواية به. نعم في بعضها استحباب صوم المحرم و صوم يوم منه و صوم تاسعه (4).

(5) ففي حديث الزهري عن الإمام زين العابدين عليه السّلام عدّ صوم الجمعة و الخميس و الاثنين و الأيام البيض و ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان من الصوم الذي صاحبه بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر (5). و هو لا يقتضي أهمية الصوم

ص: 406


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 24 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب الصوم المندوب حديث: 9.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 25 من أبواب الصوم المندوب.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.

[(مسألة 22): يكره الصوم في موارد]

(مسألة 22): يكره الصوم في موارد:

منها: الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء (1) و الصوم مع الشك في الهلال بحيث يحتمل كونه عيدا (2)، و صوم الضيف نافلة

______________________________

في الأيام المذكورة.

نعم في بعض النصوص الأمر بصوم الجمعة (1)، منها ما عن الرضا عليه السّلام:

«قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرّ زهر لا تشاكل أيام الدنيا» (2).

لكن في خبر دارم بن قبيصة عن الرضا عليه السّلام عن آبائه (عليهم السلام):

«قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: لا تفردوا الجمعة بصوم» (3)، و نحوه غيره. و لعله لذا قال في محكي المصباح: «روي الترغيب في صومه. إلا أن الأفضل أن لا ينفرد بصومه إلا بصوم يوم قبله».

و إن كان مقتضي ما تقدم التخيير بين تقديم اليوم الثاني عليه و تأخيره عنه، كما في رواية أبي هريرة عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده» (4).

(1) كما تقدم في موثق سدير. و نحوه صحيح محمد بن مسلم (5)، و غيره.

(2) كما تقدم في موثق سدير (6). لكنه مختص بعيد الأضحي. و لا مجال للتعدي منه لفهم عدم الخصوصية أو عموم التعليل لعيد الفطر، إذ لا إشكال في وجوب صوم الثلاثين من شهر رمضان لو احتمل كونه عيدا، عملا بالأصل، و عدم رجحان التهرب منه بمثل السفر.

و أما لو احتمل خطأ البينة في شهري شوال و ذي الحجة، بحيث يحتمل تأخر

ص: 407


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب الصوم المندوب.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 3، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 3، 6.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2، 3، 6.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 6.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4، 6.

بدون إذن مضيفه (1)،

______________________________

العيد عما أثبتته، فالحديث لا ينهض بالكراهة معه، لاختصاصه بالصورة الأولي التي ينحصر فيها وجه تعيين العيد بالأصل، و التعدي لغيرها يحتاج إلي دليل. فلاحظ.

(1) كما هو المشهور. لغير واحد من النصوص، كصحيح الفضيل عن أبي عبد اللّه [جعفر] عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف علي من بها من أهل دينه حتي يرحل عنهم، و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم، لئلا يعملوا له الشي ء فيفسد عليهم، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف، لئلا يحشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم [لمكانهم]» (1). و موثق هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته [نصحه] لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه و أمره، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا [و لا يحج تطوعا و لا يصلي تطوعا] إلا بإذن أبويه و أمرهما، و إلا كان الضيف جاهلا، و كانت المرأة عاصية، و كان العبد فاسقا عاصيا، و كان الولد عاقّا» (2)، و غيرهما.

لكن في السرائر و المعتبر و النافع و عن الإرشاد و التلخيص و التبصرة أنه لا يصح صومه، بل في المعتبر أنه مما اتفق عليه علمائنا و أكثر علماء الإسلام، و في السرائر أنه يكون مأزورا لا مأجورا. و قد يحمل عليه إطلاق ما عن الشيخين و جماعة النهي عن صوم الضيف بدون إذن مضيفه. و كأنه للأخذ بظاهر النهي في النصوص.

و يشكل بأن المعتبر من نصوص المسألة هو الحديثان المتقدمان، و الأول منهما قد تضمن أن المسافر ضيف علي جميع من بالبلد من أهل دينه، و أنه لا ينبغي له أن يصوم إلا بإذنهم، و لا لهم أن يصوموا إلا بإذنه، و الكراهة- فضلا عن شرطية الإذن في الصحة- بهذه السعة مما لا يظن من أحد البناء عليه. فلا بد من حمله علي نحو من

ص: 408


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 3، 2.

و الولد من غير إذن والده (1).

______________________________

الاستحباب، بلحاظ كمال الاخوة في الدين، و المرتبة العالية منها. و حمل قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم:

«و لا ينبغي» علي ذلك ليس غريبا.

علي أن مقتضي التعليل فيه ارتفاع المحذور بإعلامهم أو نحوه مما لا يلزم معه فساد الطعام عليهم، و لو للعلم بعدم تقديمهم الطعام له، أو لكون الطعام الذي يقدم له لا يفسد بالتأخير، أو لكونه يقدم في أوقات تناسب الصيام، و لا يتوقف ارتفاعه علي استئذانهم، فضلا عن أن يكون شرطا في صحة الصوم تعبدا.

و أما الثاني فظاهر قوله عليه السّلام فيه: «و إلا كان الضيف جاهلا» هو الكراهة، لانصراف الجهل فيه إلي ما يناسب عدم الحكمة في التصرف، و عدم وقوعه بالوجه المناسب لأصول الضيافة و آدابها المرعية عند العرف.

و دعوي: أن المراد به الجهل بحكم الصوم، و أنه لا يصح منه، بل يبطل.

ممنوعة، لتوقف ذلك علي عدم العلم بالحكم المذكور و لو من الصحيح، و ظاهر الصحيح ثبوت الجهل مطلقا. و من ثم كان الظاهر حمل الجهالة علي ما يقابل الحكمة و التعقل، لا علي ما يقابل العلم، فيناسب ما ذكرنا.

و بذلك يظهر حمل إطلاق نهي الضيف عن الصوم بدون إذن المضيف في بقية النصوص- مع غض النظر عن ضعف سندها- علي الكراهة لصلوح الحديثين المتقدمين لتفسيرها، و القرينية علي ذلك فيها.

هذا و في الشرائع خص البطلان بما إذا نهاه المضيف عن الصوم، و كأنه لعدم إمكان الالتزام بإطلاق النهي في النصوص المذكورة، أو لاختصاص الجهل الذي تضمنه الموثق بذلك. لكن الثاني ممنوع، و الأول لا يعين الحمل المذكور، بل الأقرب- كما تقدم- الكراهة، أو استحباب الترك.

(1) كما في الشرائع و عن المنتهي و التذكرة. و لعله إليه يرجع ما في المعتبر من استحباب الاستئذان مراعاة للأدب.

خلافا للنافع- و إن كان ظاهر المعتبر أن مراده فيه الاستحباب- و الدروس

ص: 409

[(مسألة 23): يحرم صوم العيدين]

(مسألة 23): يحرم صوم العيدين (1)،

______________________________

و عن الإرشاد و التلخيص و التبصرة و شرح الإرشاد للفخر. للحكم بالعقوق في موثق هشام المتقدم، لما هو المعلوم من حرمة عقوق الأب.

لكنه لا يقتضي الفساد إلا مع الالتفات للحرمة بنحو يمنع من التقرب. علي أن العقوق معني عرفي لا يتحقق بمجرد عدم الإذن، فكما يمكن حمل تطبيقه في المقام علي التعبد بلحاظ حرمته يمكن حمله علي المبالغة لمنافاته للأدب. و لعل الثاني أقرب، و لا سيما مع ما في صدره من جعل الاستئذان من برّ الولد بوالده، الذي لا إشكال في استحبابه، حيث يظهر منه أن تطبيق العقوق بلحاظ عدم البرّ بالوالد، لا بلحاظ استحقاقه الإذن، ليستلزم الحرمة.

و لعله لذا قال الصدوق في العلل بعد ذكر الموثق: «جاء هذا الخبر هكذا، و لكن ليس للوالدين علي الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة، و لا في ترك الصلاة و لا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة و لا في شي ء من ترك الطاعات».

هذا و حيث كان الدليل هو الموثق، فهو لا يختص بإذن الأب، بل قد تضمن اعتبار إذن الأبوين معا، فالكلام فيهما علي نهج واحد.

(1) عليه اتفاق فقهاء الإسلام، كما في المعتبر، و بإجماع علمائه، كما في التذكرة و الجواهر. و النصوص به مستفيضة. و قد تقدم في موثق سدير في صوم يوم عرفة قوله عليه السّلام: «و أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحي و ليس بيوم صوم» (1)، و في معتبر قتيبة الأعشي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن صوم ستة أيام:

العيدين و أيام التشريق و اليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان» (2).

هذا و قد استثني في المقنع و المبسوط و النهاية و الوسيلة من وجب عليه صوم شهرين متتابعين في أشهر الحرم، فإنه يصومها و إن دخل فيها العيد و أيام التشريق.

و عن الحدائق اختيار ذلك.

ص: 410


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 7.

______________________________

و يشهد له صحيح زرارة المروي في الفقيه: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم. قال: عليه الدية، و صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: إن هذا يدخل فيه العيد و أيام التشريق. فقال: فإنه حق لزمه» (1)، و رواه في التهذيب بسنده الصحيح عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كما في الطبعة الحديثة (2)، لكن رواه في الوسائل عنه عن أبي جعفر عليه السّلام (3)، و قريب منه في الكافي بطريق فيه سهل ابن زياد (4)، و صحيحه الآخر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قتل في الحرم، قال:

عليه دية و ثلث، و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم. قلت: هذا يدخل فيه العيد و أيام التشريق. فقال: يصومه، فإنه حق لزمه» (5)، و رواه عن زرارة عن أبي جعفر في الكافي بسند لا يخلو عن اضطراب (6).

لكن في المعتبر: «و الرواية المذكورة نادرة، مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها، و مخصصة لها، و لا يقوي الخبر الشاذ علي تخصيص العموم المعلوم. علي أنه ليس فيه [تصريح بيوم. ظ] صريح ليوم العيد. و الأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ليس بصريح في صوم عيدها». و قريب منه في المختلف. و في التذكرة و عن المنتهي أنه مخالف للإجماع.

و فيه: أن ندرة الرواية إنما تمنع من العمل بها مع وجود المعارض الذي يتعذر جمعه معها عرفا، لا من التخصيص بها و نحوه مما يقتضيه الجمع العرفي. و لذا كان بناؤهم علي تخصيص الأدلة القطعية بخبر الواحد. و لا سيما مع عمل من عرفت بها.

ص: 411


1- الفقيه ج: 4 ص: 81 باب القود و مبلغ الدية حديث: 19.
2- التهذيب ج: 10 ص: 215- 216 باب: القاتل في الشهر الحرام و الحرم حديث: 3.
3- وسائل الشيعة ج: 19 باب: 3 من أبواب ديات النفس حديث: 4.
4- الكافي ج: 4 ص: 139- 140 باب: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمر يمنعه من إتمامه حديث: 8.
5- التهذيب ج: 10 ص: 216 باب: القاتل في الشهر الحرام و الحرم حديث: 4. وسائل الشيعة ج: 19 باب: 3 من أبواب دية النفس حديث: 3، لكن رواه عن أبي جعفر عليه السّلام.
6- الكافي ج: 4 ص: 140 باب: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمر يمنعه من إتمامه حديث: 9.

______________________________

و منه يظهر وهن دعوي مخالفتها للإجماع، إذ لا مجال لدعوي الإجماع مع خلاف من عرفت و عملهم بالرواية. و الإجماع علي حرمة صوم العيد في الجملة لا يمنع من البناء علي جوازه في بعض الموارد. و من ثم يتعين العمل بالصحيحين.

هذا و الذي يظهر منهما- سؤالا و جوابا- المفروغية عن استلزام صوم شهرين من أشهر الحرم لصوم العيد و أيام التشريق، و هو إنما يتم مع كون التتابع اللازم هو التتابع التام، أما لو اكتفي بصوم شهر و يوم فلا يلزم ذلك كما لو صام ذا القعدة و بعض ذي الحجة.

لكن يظهر من المحقق و الجواهر عدم فهم ذلك منها، و حملها علي ما إذا أراد أن يصوم من الأشهر الحرم بالنحو المستلزم لذلك، فيجوز الشروع في الصوم في نصف ذي القعدة مثلا، لو عمل بالرواية. و لو لم يعمل بها لم يجز ذلك.

و فيه: أنه لا وجه لحملها علي ذلك بعد صراحة السؤال فيها في الاستلزام المذكور، و ظهور الجواب في إقرار ذلك. و لا سيما مع التعليل بأنه حق لزمه، لقوة ظهوره في توقف أداء الحق علي ذلك، المقتضي لمشروعيته لأهمية أداء الحق المذكور، و إلا فمجرد إمكان أداء الحق بذلك لا يقتضي المشروعية ارتكازا. و لذا لا يجري في غير هذه الكفارة من الصوم مما يجب فيه التتابع، بل مطلقا.

و من ثم يتعين البناء علي ذلك، فيكون مورد الرواية مستثني من الحكمين معا:

حرمة صوم يوم العيد و أيام التشريق، و الاكتفاء في التتابع بصوم شهر و يوم، كما جزم بذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه. هذا و قد اقتصر من تقدم علي القاتل في الأشهر الحرم، و لم يذكروا القاتل في الحرم. و كأنه لعدم العثور علي الصحيح الثاني- كما قد يظهر من اقتصار الصدوق في الفقيه علي الأول- أو لحمل الحرم فيه علي الشهر الحرام، أو علي أنه مصحف بما يناسب ذلك.

لكن الأخير مدفوع بأصالة عدم الخطأ المعول عليها عند العقلاء. و الثاني مخالف للظاهر جدا، و الأول لا يجري في حق الشيخ الذي روي الصحيحين معا.

و من هنا كان المتعين التعميم لهما معا، كما جري عليه بعض مشايخنا قدّس سرّه، و قد يظهر

ص: 412

و أيام التشريق (1) لمن كان بمني (2)، ناسكا أم لا (3)، و يوم الشك علي أنه من شهر رمضان (4)، و نذر المعصية، بأن ينذر الصوم علي تقدير فعل

______________________________

من التهذيب، لأنه ذكر الصحيحين في باب القاتل في الشهر الحرام و الحرم.

(1) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الغنية و المعتبر و التذكرة و المنتهي الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و يقتضيه النصوص المستفيضة، و منها معتبر قتيبة الأعشي المتقدم في صوم العيدين.

نعم تقدم استثناء من وجب عليه كفارة صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، لو فرض كونه في مني. و لعله المراد من الخلاف الذي أشار إليه في الجواهر.

(2) فلا يحرم صومها في غير مني، بلا خلاف ظاهر، بل في الروضة الإجماع عليه، و أنه مراد من أطلق. للنصوص المستفيضة، كصحيح معاوية بن عمار: «سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيام التشريق، فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، و أما بمني فلا» (1).

(3) كما هو مقتضي إطلاق النص و الفتوي. و في القواعد و عن الإرشاد تخصيصه بالناسك. و كأنه لدعوي انصراف إطلاق النصوص له. لكنه ممنوع و لا سيما بملاحظة مقابلته بمن كان في الأمصار. و مع التعليل في بعض النصوص بأنها أيام أكل و شرب (2).

هذا و عن كشف الغطاء تعميم الحرمة لمن كان بمكة، و وجهه غير ظاهر.

نعم لا يبعد العموم لمن يذهب في أثناء النهار من مني إلي مكة. لأن غالب من في مني يتعرض لذلك. و لصدق أنه في مني في بعض اليوم، فيحرم عليه فيه الصوم بمقتضي الإطلاق، كما يحرم في بقيته، لعدم مشروعية الصوم في بعض النهار. و ربما يكون مراد كشف الغطاء ذلك. فلاحظ.

(4) للنصوص المستفيضة (3). و منها معتبر قتيبة المتقدم في صوم العيد، و قد تقدم تفصيل الكلام فيه في المسألة العاشرة من الفصل الأول.

ص: 413


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 10.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته.

الحرام (1) شكرا (2)، أما زجرا فلا بأس به.

______________________________

(1) الظاهر أن المراد به مطلق المعصية، فيعم ترك الواجب.

(2) لأنه حيث لم يكن الصوم المنذور بنفسه معصية فلا بد من كون المراد من الصوم الذي هو نذر المعصية تحقق العصيان به من حيثية كونه منذورا، و ذلك عندهم إنما يكون بنذره شكرا علي معصية أو زجرا عن طاعة. و في الجواهر أنه لا خلاف أجده في حرمة الصوم حينئذ، بل نسبه بعضهم إلي قطع الأصحاب.

و قد علله في الرياض بأن الزجر عن الطاعة و الشكر علي المعصية معصية، و فيه: أنه لم يتضح الوجه في كونه معصية حقيقية، بمعني كونه منهيا عنه شرعا.

نعم لا بأس بدعوي كونه مظهرا من مظاهر التمرد، فيكون بحكم المعصية في المبعدية المنافية للتقرب، فلا يصح نذره، بناء علي أن النذر عبادة. و لعله إلي ذلك يرجع ما في المعتبر من الاستدلال بقوله عليه السّلام: «لا نذر إلا ما أريد به وجه اللّه» (1).

لكن لم يتضح الوجه في كون النذر عبادة. و مجرد تضمنه جعل شي ء للّه تعالي لا يقتضيه، لإمكان أن لا يكون الداعي في جعل شي ء له تعالي هو التقرب له، بل مجرد الإلزام و الالتزام لإحداث الداعي نحو العمل. كما أن اعتبار كون المنذور طاعة لا يستلزم اعتبار تقرب المكلف في نذره له و جعله علي نفسه.

و أما الحديث الذي ذكره في المعتبر فلم أعثر عليه عاجلا في مظانه من كتب الحديث. نعم ورد ذلك في اليمين (2). و ربما قيل بأن الإجماع علي عدم اعتبار التقرب في اليمين ملزم بحمل اليمين في ذلك علي النذر. و هو في غاية الإشكال، بل المنع.

علي أنه لو تم اعتبار التقرب في النذر فالزجر عن الطاعة و الشكر علي المعصية إنما يكون تمردا يمتنع التقرب به إذا التفت الناذر لكون الطاعة طاعة و المعصية معصية حين النذر، أما إذا غفل عن ذلك، و لم يلتفت إلا إلي تعلق رغبته بفعل الشي ء أو بتركه، و الشكر علي ذلك أو الزجر عنه، فمن الممكن التقرب من المكلف بجعل شي ء له تعالي

ص: 414


1- المعتبر ص: 318.
2- وسائل الشيعة ج: 16 باب: 14 من كتاب الأيمان حديث: 10، 5، 2، 1.

______________________________

من أجل تحقيق ما رغب فيه أو الزجر عما يبغضه.

نعم قد يبتني النذر زجرا علي الالتزام بعدم فعل ما جعل النذر زجرا عنه فإذا قال: للّه علي أن أعتق نسمة إن كلمت زيدا، كان المراد إلزام نفسه بأن لا يكلم زيدا، و بأنه إن كلمه فعليه العتق، فإذا كان الأمر المذكور معصية كان النذر نذرا للمعصية، فيبطل. لعدم الإشكال في بطلان نذر المعصية.

بل حتي لو لم يتضمن النذر الإلزام بذلك، إلا أن الالتزام بفعل شي ء زجرا عن الطاعة- كصلة الرحم- مناف عرفا لحثّ الشارع عليها، و ذلك مانع عرفا من عموم نفوذ النذر لذلك.

لكن ذلك لا يجري في الشكر علي المعصية، بل هو إنما يتضمن مجرد الالتزام بفعل شي ء عند فعلها، و هو غير مناف لزجر الشارع عنها.

اللهم إلا أن يقال: الالتزام بفعل شي ء عند فعل المعصية إنما لا ينافي زجر الشارع عنها إذا لم يتضمن الشكر عليها، أما إذا تضمنه فهو مناف للزجر عنها عرفا، لأن مقام العبودية يقتضي مناسبة المعصية للندم و تأنيب الضمير، لا للشكر و الابتهاج. و من ثم كان الظاهر قصور أدلة نفوذ النذر ارتكازا عن نذر شي ء زجرا عن طاعة أو شكرا علي معصية.

بل الظاهر عموم الطاعة لكل راجح شرعا و إن كان مستحبا، و عموم المعصية لكل مرجوح شرعا و إن كان مكروها، لعين الوجه المتقدم من منافاة دليل نفوذ النذر للأمر بالفعل الذي هو طاعة و الحث عليه، و النهي عن الفعل الذي هو معصية و الزجر عنه.

و مما ذكرنا يظهر أن حرمة صوم النذر المذكور تشريعية، بلحاظ عدم نفوذ النذر، لا ذاتية، فلو غفل عن عدم وجوبه وفاء بالنذر للغفلة عن عدم مشروعية النذر- و لو للجهل بكون الطاعة طاعة و المعصية معصية- اتجه صحة الصوم.

و ربما يدعي أن الصوم نفسه لما كان شكرا علي المعصية أو زجرا عن الطاعة كان محرما و تمردا فيمتنع التقرب به لذلك. و ربما يحمل عليه ما تقدم من الرياض.

ص: 415

و صوم الوصال (1)، و لا بأس بتأخير الإفطار و لو إلي الليلة الثانية إذا لم يكن عن نية الصوم، و الأحوط اجتنابه.

______________________________

لكنه يشكل بأن نية الشكر و الزجر إنما تكون في النذر نفسه، و أما الصوم المنذور فلا يلزم الإتيان به بنية الشكر أو الزجر، بل يكفي الإتيان به وفاء بالنذر، بل لا معني للإتيان به زجرا عن الطاعة، إذ لا موضوع للزجر بعد وقوع الفعل.

نعم يمكن ذلك في الشكر، و حينئذ لا بأس بالبناء علي مبعديته لو التفت المكلف إلي حرمة الفعل الذي تكون به المعصية، فيبطل الصوم بذلك.

ثم إنه قد استدل لحرمة الصوم المذكور بحديث الزهري عن علي بن الحسين عليه السّلام قال: «و صوم نذر المعصية حرام» (1)، و بحديث أنس: «و صوم نذر المعصية حرام» (2).

لكن ضعف سندهما مانع من التعويل عليهما. و قد يكون ذكر الأصحاب للحكم لمطابقته للقاعدة التي أشرنا إليها آنفا، و يكون ذكرهم للحديثين لتأييد مقتضي القاعدة المتقدم، لا لنهوضهما بالاستدلال. و من ثم لا ينبغي إطالة الكلام في مفادهما، بل يكون المعول علي ما سبق.

(1) عند علمائنا، كما في التذكرة، و عن المنتهي الإجماع عليه. و النصوص به مستفيضة، كصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «لا وصال في صيام» (3)، و غيره.

هذا و في صحيح حفص بن البختري عنه عليه السّلام: «قال: الواصل في الصيام يصوم يوما و ليلة و يفطر في السحر» (4). و إليه يرجع قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي:

«الوصال في الصيام أن يجعل عشاه سحوره» (5) و عليه جري في المبسوط و النهاية و غيرهما، و نسب في محكي المدارك إلي أكثر الأصحاب.

لكن في خبر سليمان عنه عليه السّلام قال في حديث: «و إنما قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم:

ص: 416


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 2.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 9، 7.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 9، 7.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 9، 7.

______________________________

لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار، و قد يستحب للعبد أن لا يدع السحور» (1). و مقتضاه توقفه علي ترك الإفطار و السحور معا و الإمساك في تمام الليل، و هو المحكي عن ابن إدريس، كما يناسبه ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: و لا قران بين صومين» (2). و لعله لذا ردّد بينهما في الاقتصاد.

و لا أثر للفرق بين الأمرين بناء علي أن حرمة الوصال تشريعية، بأن لا يكون المحرم مطلق ترك الأكل و الشرب في الليل، بل خصوص ما يقع منه عن نية، و بما أنه أمر مشروع. لوضوح أن كلا منهما لا دليل علي مشروعيته، بل يقطع بعدمها، فيحرم قصده. و إنما يظهر الفرق بينهما بناء علي أن حرمته ذاتية راجعة إلي حرمة ترك الأكل و الشرب بنفسه، فإن الحرمة المذكورة تحتاج إلي دليل، فمع اختلاف الأدلة لا بد من الجمع بينها، و مع تعذره يتعين الاقتصار علي المتيقن، و هو حرمة الثاني لا غير.

و مال في الجواهر إلي أن مقتضي الجمع بين النصوص كون الحرام الأعم من الأمرين. و يشكل بأنه لما تضمن كل من الطائفتين تفسير الوصال بمعني غير ما فسر به في الأخري فالمتعين تعارض الطائفتين.

و ربما يجمع بينهما بحمل الطائفة الأولي علي الكراهة، بحمل ما تضمنته من المعني علي تطبيق عنوان الوصال عليه توسعا، لبيان كراهته مع كون الوصال الحقيقي المحرم هو الذي تضمنته الطائفة الثانية، و قد يناسبه قوله عليه السّلام في ذيل خبر سليمان:

«و قد يستحب للعبد أن لا يدع السحور».

و لو فرض استبعاد الجمع المذكور و استحكام التعارض بين الطائفتين فالمتعين تساقطهما و الرجوع للأصل، المقتضي للاقتصار في الحرام علي ما تضمنه الخبر، كما سبق.

اللهم إلا أن يقال: لم يتعرض من نصوص الطائفة الثانية لتفسير الوصال إلا خبر سليمان، و هو لا ينهض بمعارضة الطائفة الأولي المفسرة له، لضعف سنده، و ندرة العامل به من الأصحاب، فالمتعين الاقتصار في تفسيره علي الصحيحين

ص: 417


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 10، 12.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 10، 12.

______________________________

الأولين المعول عليهما عندهم، و لا ينافيهما صحيح زرارة الأخير الناهي عن القران بين الصومين، لأن حرمته أعم من كونه هو الوصال، و مرجع ذلك إلي البناء علي حرمة الأمرين معا، مع كون الثاني أشدّ.

بقي الكلام في أن الحرمة في المقام تشريعية راجعة إلي حرمة التعبد بالوصال و ترك الإفطار أو ذاتية راجعة إلي حرمة ترك الفطور و الاكتفاء عنه بالسحور، فضلا عن ترك السحور أيضا.

و ظاهر غير واحد الأول. قال في الشرائع بعد أن ذكر حرمة صوم الوصال:

«و هو أن ينوي صوم يوم و ليلة إلي السحر. و قيل هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما».

و قال في الجواهر: «بل يظهر من الفاضل و غيره أنه لا وصال مع عدم النية، بل في المدارك نسبته إلي قطع الأصحاب».

و قد يستظهر من النصوص. لظهور الوصال في اتحاد الواصل مع الموصول سنخا، و حيث كان الصوم في النهار متقوما بالنية كان ظاهر وصله بالليل أو جعل الليل واصلا بين صومين تقوم الوصل في الليل بالنية. و لا أقل من كون ذلك مقتضي الأصل لاحتياج حرمة ترك الإفطار من دون نية و تعبد للدليل.

لكن في أوائل كتاب النكاح من المبسوط قال في بيان ما اختص به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: «و أما المباحات التي خصّ بها فكثير. منها الوصال في الصوم، كان مباحا و لا يحل لغيره، و هو أن يطوي الليل بلا أكل و لا شرب مع صيام النهار، لا أن يكون صائما، لأن الصوم في الليل لا ينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا بلا خلاف». و نحوه في نكاح التذكرة. و هو كالصريح في أن الحرام هو الوصال من دون نية الصوم.

و يناسبه ما في موثق زرارة و فضيل عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رمضان تصلي ثم تفطر، إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار … و إلا فابدأ بالصلاة. قلت: و لم ذلك؟ قال:

لأنه قد حضرك فرضان: الإفطار و الصلاة، فابدأ بأفضلهما، و أفضلهما الصلاة … » (1).

ص: 418


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 2.

كما أن الأحوط عدم صوم الزوجة (1)،

______________________________

اللهم إلا أن يقال: ما تقدم من المبسوط و التذكرة من عدم الخلاف في عدم انعقاد الصوم في الليل- لو تم- لا ينافي توقف الوصال علي النية بحيث يتعبد بترك الأكل و الشرب كما يتعبد بسائر العبادات، نظير الإمساك في بعض نهار عاشوراء من دون نية الصوم التام.

و الموثق لا يمكن البناء علي ظاهره من وجوب الإفطار في وقته المعهود، لأن مثل هذا الحكم مما لا يخفي عادة، و لو كان البناء عليه لكثر السؤال عنه و عن فروعه، فلا بد من حمل الفرض فيه علي ما يعمّ الاستحباب، أو علي ما يعمّ لزوم الشي ء سدا لحاجة البدن.

و من ثم كان الأظهر عدم وجوب الأكل و الشرب ليلا و لو لأنه مقتضي الأصل بعد عدم ظهور أدلة تحديد الصوم بدخول الليل إلا في حرمة الأكل و الشرب قبل دخوله، المقتضي لجوازهما بعده، لا لوجوبهما. فلاحظ و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

(1) فقد صرح بحرمته جماعة، بل في المعتبر دعوي الإجماع عليه للنصوص المستفيضة، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم: ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها» (1)، و غيره.

لكن في صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن المرأة تصوم تطوعا بغير إذن زوجها؟ قال: لا بأس» (2) و هو يصلح شاهدا لحمل النصوص المتقدمة علي الكراهة. أو علي ما إذا زاحم الصوم حقه، لقرب انصرافها إلي ذلك، لمناسبته للمرتكزات المتشرعية، و إلا فمن البعيد جدا التعبد بعدم صحة الصوم بدون إذن الزوج مع عدم مزاحمته لحقه، لسفر، أو شغل، أو عجز عن الاستمتاع، أو نحو ذلك.

كما يناسبه قوله عليه السّلام في موثق هشام بن الحكم المتقدم: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه

ص: 419


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 1، 5.

و المملوك (1) تطوعا بدون إذن الزوج و السيد و إن كان الأقوي الجواز في الزوجة إذا لم يمنع عن حقه.

و الحمد للّه رب العالمين.

______________________________

و أمره … و إلا كان الضيف جاهلا، و كانت المرأة عاصية … » (1)، لوضوح عدم البناء علي كبري وجوب طاعة المرأة للزوج و حرمة معصيتها له إلا بمقدار ما يحفظ حقه، مع استحباب ما زاد علي ذلك من باب حسن التبعل.

و من ثم يقوي القول بعدم توقف صحة صومها علي إذن الزوج مع عدم مزاحمته لحقه، كما يناسبه ما في الاقتصاد و المراسم من كراهة صومها بدون إذنه، و ما قد يظهر من الوسيلة من أنه ينبغي أن يكون صومها بإذنه، و ما عن محكي ابن زهرة من استحباب أن لا تصوم بغير إذنه، مدعيا عليه الإجماع، و إن لم أجده في الغنية.

هذا و أما القول بعدم صحة صومها مع نهي الزوج، و إن لم يعتبر إذنه، فلم يتضح وجهه، و لا شاهد له من النصوص المتقدمة. و ما في الجواهر من كونه مظنة الإجماع لبعد عموم كلام من تقدم منه الخلاف لصورة نهيه، غير ظاهر.

(1) الكلام فيه فتوي كما سبق في الزوجة، و عن المدارك الإجماع علي عدم انعقاد صومه مع عدم إذنه، فضلا عن النهي. و يشهد به قوله عليه السّلام في موثق هشام ابن الحكم المتقدم: «و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته [نصحه] لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه و أمره … و إلا … كان العبد فاسقا عاصيا … » (2)، و قوله عليه السّلام في خبر الزهري: «و العبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده» (3)، و نحوه ما عن الصادق من وصية النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام (4).

و لا مخرج عن ظاهرها من النصوص. كما أن المناسبة المتقدمة في الزوجة لا تجري في المقام، لعدم منافاة صوم العبد لحق السيد لو لا النصوص المذكورة. و مجرد الاستبعاد لو تم لا يكفي في الخروج عن ظاهرها.

ص: 420


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 2، 1، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 2، 1، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 2، 1، 4.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 2، 1، 4.

______________________________

اللهم إلا أن يقال: موثق هشام إنما تضمن كون ذلك من صلاح العبد و طاعته و نصيحته أو نصحه، و هي لا تقتضي الوجوب. و أما ترتب الفسق و العصيان، فمن القريب كون المراد به الفسق عن صلاح العبد و طاعته لمولاه و لزوم عصيانه له، لا الفسق عن طاعة اللّه تعالي، و لزوم عصيانه. و إلا فترتب الإثم بمجرد نية الصوم بعيد جدا، و ان قيل ببطلانه. و لا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال. و أما الخبران فضعفهما مانع من نهوضهما بإثبات الفساد أو الحرمة.

نعم لو أوجب الصوم إجهاده بدنيا كان منافيا لحق المولي، فيحرم لذلك.

فتأمل جيدا.

و الحمد للّه رب العالمين.

انتهي الكلام في كتاب الصوم ليلة الثلاثاء الحادي و العشرين من شهر صفر سنة ألف و أربعمائة و أربع عشرة للهجرة. و انتهي إعادة النظر فيه- بنحو أوجب كثيرا من الإضافات فيه و إعادة صياغة بعض مباحثه- ليلة السبت الثامن و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف و أربعمائة و ثلاث و عشرين للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و السلام و التحية. و كان ذلك كله في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه الصلاة و السلام. و الشكر للّه تعالي علي ما يسّر و أنعم. و نسأله سبحانه التوفيق و التسديد، و قبول الأعمال، و صلاح الأحوال إنه أرحم الراحمين و ولي المؤمنين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 421

ص: 422

خاتمة في الاعتكاف

اشارة

ص: 423

ص: 424

الخاتمة في الاعتكاف و هو اللبث في المسجد (1). و الأحوط أن يكون بقصد فعل العبادة فيه (2) من صلاة و دعاء و غيرهما. و إن كان الأقوي عدم اعتباره.

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم و له الحمد الحمد للّه رب العالمين. و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) مقتضاه تحقق الاعتكاف بنفس اللبث بالشروط المذكورة، كما هو مقتضي إطلاق المقنعة و المبسوط و الشرائع و الدروس.

لكن من الظاهر أن الاعتكاف من الماهيات الشرعية المتقومة بالقصد، فلا يكفي فيه مجرد اللبث في المسجد بدونه، فاللازم أخذ القصد في تعريفه. بل الظاهر أنه متقوم بقصد عنوانه بما أنه عبادة خاصة، و لا يكفي فيه قصد اللبث بدون ذلك و إن كان عن داع قربي، فمن نوي المكث في المسجد لأنه أدفأ، أو لاستحباب الكون فيه، أو لأن العبادة فيه أيسر لم يكن معتكفا. و إن كان قد يتقرب بذلك و يثاب عليه.

و من هنا كان الأولي تعريفه بأنه التعبد للّه تعالي باللبث في المسجد، بما أنه عبادة خاصة، و لعله إلي هذا يرجع ما في الوسيلة من أنه لبث مخصوص، و نحوه في المراسم و التذكرة و محكي المنتهي.

(2) قال في المبسوط: «و في عرف الشرع هو طول اللبث للعبادة» و نحوه في

ص: 425

______________________________

تقييد اللبث بأنه للعبادة في الشرائع و المراسم و التذكرة و الدروس و محكي المنتهي، و مقتضاه أخذ ذلك في مفهومه، بحيث لا يتحقق بدونه.

لكن أصرّ في الجواهر علي أن مرادهم بذلك هو المكث بنحو التعبد، و أنه لا مجال لتوهم شموله للعبادة الزائدة علي المكث. كما لا مجال لتوهم أخذ ذلك في مفهوم الاعتكاف، بحيث لا يجزي الاقتصار علي قصد التعبد به خاصة، لظهور الفتاوي في مشروعيته لنفسه، من دون ضم قصد عبادة أخري معه، و كذا النصوص كحديث السكوني: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» (1). و هو كما تري لا يناسب كلماتهم المشار إليها.

بل عن كشف الغطاء: «الاعتكاف هو لبث مخصوص للعبادة، معتادة أو غير معتادة. و لو قصد اللبث مجردا عن قصد العبادة أو العبادة مجردة عن اللبث لم يكن معتكفا». و هو صريح فيما استظهرناه من كلمات من سبق.

و أما حديث السكوني و نحوه من النصوص فبعد تعذر حمل الاعتكاف فيها علي المعني اللغوي، و لزوم حمله علي المعني الشرعي المفروض إجماله، يتعين إجمالها و عدم نهوضها بإثبات المدعي.

نعم استدل بعض مشايخنا قدّس سرّه بقوله تعالي: وَ عَهِدْنا إِلي إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (2)، بدعوي: أن جعل الاعتكاف قسيما للطواف و للركوع و السجود- أي الصلاة- وعده في قبالهما فيه دلالة واضحة علي أنه بنفسه عبادة مستقلة لا يعتبر فيها ضمّ عبادة أخري إليها.

لكنه يشكل بأن الآية الشريفة لما لم ترد لبيان مشروعية الاعتكاف ليتمسك بإطلاقها فنهوضها بالدلالة علي المطلوب لا يخلو عن إشكال، لأن عطف العام علي الخاص غير عزيز. علي أن المعني المتقدم لا يقتضي أخذ خصوص الصلاة في الاعتكاف، بل مطلق العبادة، فيكون بينه و بين الصلاة تباين مفهومي، و عموم

ص: 426


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.
2- سورة البقرة الآية: 125.

و يصح في كل وقت (1)

______________________________

و خصوص من وجه موردي، و لا ظهور للعطف في نفي ذلك.

هذا كله بناء علي أن المراد بالعكوف في الآية الشريفة الاعتكاف الشرعي، و هو يحتاج إلي قرينة، و بدونها فهو ظاهر في المعني اللغوي، فتكون أجنبية عن المقام. و يأتي عند الكلام في اعتبار النية في الاعتكاف ما ينفع في المقام.

فالعمدة في المقام صحيح داود بن سرحان قال: «كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني أريد أن اعتكف، فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض علي نفسي؟

فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك» (1). فإنه ظاهر في بيان تمام الماهية، و خال عن ذكر العبادة. كما ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه.

مضافا إلي أن اعتبار العبادة فيه يناسب التعرض في النصوص لذلك، كما تعرضت لاعتبار الصوم. بل يناسب التعرض لتحديد العبادة كما و نوعا و نحو ذلك مما يترتب عليه من الفروع، فخلوها عن ذلك مناسب جدا لعدم اعتبار العبادة فيه.

هذا و أما ما في الدروس و ظاهر غيره من أخذ المدة و الصوم في تعريفه فالظاهر ابتناؤه علي الخلط بين الحدود المفهومية و شروط الصحة الشرعية.

(1) بلا إشكال ظاهر، كما هو مقتضي إطلاق الفتاوي، بل يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. و كفي بذلك دليلا في المقام.

و لولاه لأشكل إثبات العموم، لعدم وفاء النصوص به بعد عدم ورودها في مقام شرح حقيقته من جميع الجهات، بنحو يقتضي الإطلاق المناسب له.

نعم قد يستفاد المفروغية عنه من عدم التعرض في النصوص لهذه الجهة، مع شدة الحاجة إليها في ظرف عدم المتيقن في البين بعد صراحة بعضها في عدم اختصاصه بشهر رمضان.

ص: 427


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.

يصح فيه الصوم (1). و الأفضل شهر رمضان (2). و أفضله العشر الأواخر (3).

______________________________

ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من سعي في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجري اللّه علي يده قضاها كتب اللّه عز و جل له حجة و عمرة و اعتكاف شهرين في المسجد الحرام و صيامهما» (1)، و في حديث أبي حمزة: «و اللّه لقضاء حاجته- يعني الأخ المؤمن- أحب إلي اللّه عز و جل من صيام شهرين متتابعين و اعتكافهما في المسجد الحرام» (2)، و في حديث إبراهيم: «و صوم شهرين من أشهر الحرم و اعتكافهما في المسجد الحرام» (3). فإنها صريحة في عدم الاختصاص بشهر رمضان، و حينئذ لا معين ظاهر لبعض الشهور بحيث يستغني به عن السؤال.

(1) لما يأتي من كون الصوم شرطا فيه.

(2) كما قد يستفاد من موثق السكوني عن الصادق عليه السّلام عن آبائه (عليهم السلام): «قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» (4). و قد يستفاد مما يأتي في صحيح البقباق من عدم التنبيه لاعتكاف النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم إلا في شهر رمضان. بل هو كالصريح من صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كانت بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين، عشرا لعامه و عشرا قضاء لما فاته» (5)، لقوة ظهوره في أولوية شهر رمضان في القضاء، فضلا عن الأداء.

(3) كما في النهاية و عن المنتهي. بل الظاهر المفروغية عنه. لصحيح أبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اعتكف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في شهر رمضان في العشر الأول، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطي، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل صلي اللّه عليه و آله و سلم يعتكف في العشر الأواخر» (6). فإن عدوله صلي اللّه عليه و آله و سلم عن

ص: 428


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2، 3.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.
5- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، الكافي ج: 4 ص: 175.
6- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 4.

[(مسألة 1): يشترط في صحته- مضافا إلي العقل و الإيمان- أمور]

اشارة

(مسألة 1): يشترط في صحته- مضافا إلي العقل و الإيمان (1)- أمور:

[الأول: نية القربة]
اشارة

الأول: نية القربة، كما في غيره من العبادات (2)، و تجب مقارنتها

______________________________

الاعتكاف في العشرين الأولين إلي الاعتكاف في العشر الأواخر و استمراره علي ذلك شاهد بالأفضلية.

و قريب منه في ذلك صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبة من شعر، و شمّر المئزر، و طوي فراشه» (1). بل في حديث داود بن سرحان عنه عليه السّلام: «قال: لا اعتكاف إلا في [العشر الأواخر] العشرين من شهر رمضان» (2).

(1) لوضوح كونه من العبادات المشروطة بهما، بخلاف البلوغ.

(2) من الظاهر أن النية المعتبرة في العبادات ليست هي نية القربة وحدها، بل لا بد معها من قصد العنوان العبادي الذي تتقوم به ماهية العبادة، كالصلاة و الصوم و الزكاة و نحوها، ليتحقق التقرب بامتثال الأمر القائم بذلك العنوان، أو بموافقة ملاك المحبوبية القائم به، فلا بد من اعتبار ذلك في المقام أيضا.

و لذا تقدم في تحديد مفهوم الاعتكاف أنه لا بد فيه من قصد المكث في المسجد بما هو عبادة خاصة، و لا يكفي قصد المكث في المسجد لا بالعنوان المذكور و إن كان بوجه قربي، كما لو قصد المكث في المسجد لاستحباب الكون فيه، أو لأن العبادة فيه أيسر.

نعم يكفي قصد العنوان المذكور إجمالا، كما لو نوي المكث علي نحو مكث زيد متقربا بذلك من دون تمييز لحدود مكث زيد تفصيلا، فإنه يقع اعتكافا إذا كان قصد زيد بمكثه ذلك. و ذلك كاف في بقية العبادات.

ثم إنه لا ريب في اعتبار نية التقرب في الاعتكاف، لما هو المرتكز من كونه من العبادات المعتبر فيها ذلك، و الظاهر عدم الخلاف فيه، بل الإجماع عليه.

هذا و قد استدل عليه بعض مشايخنا رحمه اللّه- مضافا إلي ذلك- بقوله تعالي:

ص: 429


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 5.

لأوله (1)، بمعني وجوب إيقاعه من أوله إلي آخره عن النية و حينئذ يشكل الاكتفاء بتبييت النية إذا قصد الشروع فيه في أول يوم (2). نعم لو قصد

______________________________

وَ عَهِدْنا إِلي إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (1)، بدعوي: أن أمره تعالي بتطهير البيت لا يكون إلا لأن يتعبد فيه بطواف أو اعتكاف أو ركوع أو سجود، لا لمجرد اللبث و المكث و لو لغير العبادة- من سكني أو بيتوتة أو بيع و نحو ذلك- كما هو مقتضي مناسبة الحكم و الموضوع.

و فيه: أن الاهتمام بتطهير البيت لكل من يرد عليه و يكون فيه و إن لم يكن متعبدا غير عزيز. و حمل الآية الشريفة عليه غير بعيد، لمناسبته لعظمة البيت الشريف و رفعة شأنه.

علي أنه تقدم عند الكلام في تحديد مفهوم الاعتكاف أن حمل العكوف في الآية الشريفة علي الاعتكاف الشرعي دون المعني اللغوي يحتاج إلي قرينة، و بدونها فهو ظاهر في المعني اللغوي، الذي لا يبعد كون أصله اللزوم للشي ء، و هو المناسب لما اختاره في مجمع البيان- و نسبه لأكثر المفسرين- من أن المراد بالعاكفين المجاورين للبيت الشريف. و إليه يرجع ما عن ابن جبير من أنهم المقيمون في مكة المعظمة.

بل حيث كان المراد بالبيت هو الكعبة الشريفة لا المسجد الحرام فلا بد من حمل العاكفين فيه علي المجاورين، دون اللابثين، لوضوح عدم لبث أحد في الكعبة. و حمل المجاورين علي خصوص المعتكفين في المسجد الحرام- مع خلوه عن الشاهد- بعيد جدا.

(1) كما هو الحال في جميع العبادات تبعا للمرتكزات. بل مقتضي قوله في صحيح داود بن سرحان المتقدم في تحديد مفهوم الاعتكاف: «فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض علي نفسي؟» تقومه بالقصد إليه في أول أزمنته. و لا ريب مع ذلك في لزوم إيقاعه بوجه قربي، لأنه من العبادات.

نعم خرج عن ذلك الصوم، لدليل يخصه، و لا مجال للتعدي منه لغيره.

(2) يعني: مع عدم استمرارها- و لو ارتكازا- إلي حين طلوع الفجر، للغفلة

ص: 430


1- سورة البقرة الآية: 125.

______________________________

المطلقة أو النوم أو غيرهما. و منشأ الإشكال عدم استيعاب النية لتمام الاعتكاف.

و الاكتفاء بتبييت النية في الصوم للإجماع أو غيره لا يقتضي الاكتفاء له في المقام.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه حيث لا يضرّ النوم في أثناء الاعتكاف فهو لا يضر في ابتدائه فيندفع بأن ملازمة الاعتكاف للنوم في أثنائه عادة تكشف عن عدم اعتبار النية فيه بالمقدار الذي يمنع من النوم، و أنه يكفي فيها العزم علي استمرار الاعتكاف حين النوم، بخلاف النوم قبله فإنه لا يلازمه عادة، ليستكشف عدم إخلاله به و عدم اعتبار النية بالنحو الذي ينافيه.

علي أنه من القريب كون الاعتكاف كالإحرام لا يحتاج استمراره إلي النية، بل يكفي عقده في استمراره ما لم يفسخ حيث يشرع فسخه، كما يناسبه صحيح داود بن سرحان المتقدم عند الكلام في تحديد مفهوم الاعتكاف، و نصوص جواز فسخه مع اشتراط ذلك حين عقده (1). و يأتي تمام الكلام في ذلك في الشرط السادس إن شاء اللّه تعالي.

و مثله دعوي: أنه لم يثبت كونه عبادة بأكثر من ذلك. لاندفاعها بما سبق من ظهور صحيح داود بن سرحان في تقومه بالقصد إليه في أول أزمنته، كما يناسب ذلك المرتكزات أيضا.

و لو فرض عدم نهوض دليل بذلك كفي الأصل في البناء علي عدم ترتب آثار الاعتكاف و أحكامه بعد عدم الإطلاق في أدلته بنحو ينهض بعدم مانعية النوم و نحوه في أول أزمنته و الاكتفاء بالنية السابقة عليه.

و التحقيق ابتناء المسألة علي أن الاعتكاف هل يشرع في الليلة المتطرفة و أبعاض اليوم، بضمها إلي الأيام الثلاثة، أو لا، بل يختص بالأيام التامة و الليالي المتوسطة، فعلي الثاني لا ينبغي التأمل في الاكتفاء بتبييت النية، و عدم قدح النوم حين طلوع الفجر، كما هو الحال في الصوم، لابتناء التقيد بعدم النوم عند الفجر علي عناية لو كان البناء عليها لظهر و بان، و لكانت حقيقة بالسؤال و البيان، هي و الفروع المترتبة عليها، فخلو

ص: 431


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، و باب: 6 منها حديث: 6، و باب: 9 منها حديث: 2، 1.

الشروع فيه وقت النية في أول الليل كفي (1).

[(مسألة 2): لا يجوز العدول من اعتكاف إلي آخر]

(مسألة 2): لا يجوز العدول من اعتكاف إلي آخر (2)، اتفقا في

______________________________

النصوص عن ذلك، و إغفال الأصحاب له و غفلة المتشرعة عنه تشهد بعدم اعتبار ذلك كما هو الحال في الصوم. و بذلك يخرج عن مقتضي الأصل المتقدم.

و أما علي الأول فالاكتفاء بتبييت النية في غاية الإشكال بعد إمكان نية الاعتكاف فعلا قبل النوم، بحيث يكون النوم واقعا في أثنائه، إذ مع قابلية الوقت للاعتكاف فنية الاعتكاف معلقا علي طلوع الفجر تحتاج إلي عناية لا طريق لإحراز بناء المتشرعة عليها، ليخرج به عن مقتضي الأصل المتقدم.

هذا و يأتي عند الكلام في الشرط الثالث الكلام في المبنيين المذكورين.

و لو فرض عدم وضوح الحال كان المتعين لمن يريد النوم قبل الفجر أن ينوي الاعتكاف المشروع علي إجماله من أثناء الليل أو عند الفجر، كما ذكرناه في رسالتنا العملية. و لا يبعد كون عمل المتشرعة علي ذلك، لغفلتهم عن هذه الخصوصيات، لعدم ظهور الآثار العملية لها بعد عدم لزوم الاعتكاف إلا بعد اليومين الأولين.

هذا كله في النوم، و أما الغفلة فإن كانت مع بقاء نية الاعتكاف ارتكازا فلا إشكال في عدم قدحها، لكفاية النية الارتكازية في الابتداء و الاستدامة في الاعتكاف و غيره من العبادات. و إن كانت مع ذهاب نية الاعتكاف حتي ارتكازا فالظاهر قدحها في الاعتكاف في الابتداء و الاستدامة لو قيل بتوقف استمرار الاعتكاف علي النية، و لم يتم ما سبق من احتمال الاكتفاء فيه بعدم الفسخ.

(1) بناء علي ما يأتي منه قدّس سرّه في الشرط الثالث من إمكان زيادة الاعتكاف علي الأيام الثلاثة و إن لم تكن بيوم كامل.

(2) كما حكاه في الجواهر عن رسالة شيخه و استجوده. لأنه بعد توقف الاعتكاف علي النية، و وقوع جزء منه للأول، لا دليل علي وقوعه للثاني بالعدول إليه، بل مقتضي الأصل عدمه، كما هو الحال في جميع العبادات. إلا ما دل الدليل عليه

ص: 432

الوجوب و الندب أو اختلفا (1)، و لا عن نيابة عن شخص إلي نيابة عن شخص آخر (2) و لا نيابة عن غيره إلي نفسه و بالعكس.

______________________________

بالخصوص، كموارد العدول في الصلاة و الصوم و غيرهما.

و لو عدل فبقاء الاعتكاف للأول و عدم بطلانه يبتني علي ما أشرنا إليه آنفا من الكلام في أن بقاء الاعتكاف هل يحتاج إلي نية الاستمرار فيه أو يكفي فيه عدم فسخه.

فعلي الأول يتعين بطلانه، إذ كما يتوقف استمرار أصل الاعتكاف حينئذ علي النية تتوقف خصوصيته عليها، فمع العدول لا يقع الجزء المقارن للعدول للأول، و حيث لا يتبعض الاعتكاف فالمتعين البطلان.

و علي الثاني يتعين صحته و بقاؤه للأول، إذ كما لا يتوقف استمرار أصل الاعتكاف حينئذ علي النية لا تتوقف خصوصيته عليها، و حيث لم يكن العدول من اعتكاف لآخر فسخا له، يتعين بقاؤه و استمراره علي ما وقع عليه من الخصوصية، لأنها حينئذ تابعة لحدوثه.

(1) كما لو كان أحدهما منذورا دون الآخر.

(2) ظاهره المفروغية عن مشروعية النيابة فيه، كما هو ظاهر ما حكاه في الجواهر عن رسالة شيخه و استجوده، و ظاهر ما في المبسوط من الكلام في وجوب قضاء الاعتكاف عن الميت.

و العمدة فيه المرتكزات العرفية و المتشرعية علي جواز النيابة فيه، المؤيدة أو المعتضدة بالنصوص الكثيرة المتضمنة للحثّ علي العمل عن الغير- كالأبوين و غيرهما من الأرحام، بل مطلق الأخ المؤمن- من وجوه الخير و البر، كالصلاة و الحج و الزكاة و الطواف و غيرها (1). فإن نهض ذلك بالاستدلال- كما هو الظاهر- و إلا تعين الإتيان بذلك برجاء المشروعية و انتفاع المنوب عنه به.

ص: 433


1- راجع وسائل الشيعة ج: 5 باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات.
[الثاني: الصوم]

الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه (1). فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر أو غيره لم يصح منه الاعتكاف (2).

______________________________

(1) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر.

و النصوص به مستفيضة، كصحيح محمد بن مسلم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا اعتكاف إلا بصوم» (1)، و غيره.

هذا و لا ريب في أنه لا يعتبر فيه إيقاع الصوم له، بل يكفي فيه أي صوم مشروع و لو من غير جهة الاعتكاف، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه»، و في المعتبر أن عليه فتوي علمائنا. لعدم ظهور ما تضمن توقف الاعتكاف علي الصوم في أكثر من ذلك. بل هو اللازم لما تضمنته النصوص الكثيرة (2)، و قام عليه الإجماع و الضرورة من مشروعية إيقاعه في شهر رمضان.

نعم قوله عليه السّلام في خبر الزهري: «و صوم الاعتكاف واجب» (3)، ظاهر في أن للاعتكاف صوما يخصه، كبقية أقسام الصوم الواجب، كصوم شهر رمضان و أنواع صوم الكفارات، حيث عدّ فيه في سياقها لبيان أقسام الصوم الواجب.

لكن- مع الغض عن ضعف سنده- لا بد من حمله علي مجرد بيان توقف صحة الاعتكاف علي الصوم من دون أن يراد به ماهية من الصوم واجبة في قبال الماهيات الأخري، فيطابق مضمون النصوص الأخر، و يناسب ظهور المفروغية عنه بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم).

(2) لعدم تحقق شرطه. لكن في المبسوط: «المسافر و كل من لا تجب عليه الجمعة يصح اعتكافه». و في السرائر أنه يجوز صوم الاعتكاف في السفر. و لعله إليه يرجع ما في المختلف عن الصدوقين من استحباب صوم الاعتكاف نفلا في السفر.

و يتجه ذلك من الشيخ قدّس سرّه، لبنائه علي كراهة الصوم المندوب في السفر،

ص: 434


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
[الثالث: العدد]

الثالث: العدد، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام (1) و يصح الأزيد منها،

______________________________

لظهور أن مقتضي إطلاق دليل شرطية الصوم للاعتكاف العموم للصوم المكروه.

و لا يتجه ذلك من ابن إدريس و الصدوقين، بناء علي ما هو ظاهر الأول و سبق عن الأخيرين من عدم مشروعية الصوم في السفر.

لكن احتج لهم في المختلف تارة: بأن الصوم المذكور عبادة مطلوبة للشارع لا يشترط فيها الحضر، فجاز صومها في السفر. و أخري: بما تقدم من استحباب صوم الحاجة في المدينة و أن يكون ذلك في تلك الأيام معتكفا.

و يندفع الأول بأن مقتضي إطلاق ما دل علي عدم مشروعية الصوم في السفر عموم اشتراط الحضر لصوم الاعتكاف.

و الثاني بأن استحباب الاعتكاف في الصوم المذكور ليس إلا لإطلاق دليل استحباب الاعتكاف الذي يمكن العمل عليه في السفر المذكور بسبب مشروعية الصوم فيه. و لا مجال للعمل به في غيره من أفراد السفر مما كان مقتضي الدليل عدم مشروعية الصوم فيه.

نعم بناء علي كراهة الصوم في السفر لا مانع من البناء علي استحبابه من حيثية كونه مقدمة للاعتكاف المستحب، بناء علي ثبوت الأمر المقدمي، لإمكان اختلاف حكمه باختلاف عنوانه.

و منه يظهر حال ما في المختلف من الاقتصار علي كراهة الصوم المذكور، بناء منه علي كراهة الصوم في السفر، من دون تحكيم لإطلاق استحباب الاعتكاف.

(1) بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر. و يقتضيه غير واحد من النصوص، كصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام» (1)، و نحوه موثق عمر بن يزيد (2)، و قريب منهما خبر داود بن سرحان (3).

ص: 435


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 4.

و إن كان يوما (1) أو بعضه، أو ليلة أو بعضها (2).

______________________________

و يناسبه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتي تمضي ثلاثة أيام» (1)، إذ لا موضوع للفسخ لو شرع الاعتكاف يوما أو يومين، بل غاية الأمر إنهاء الاعتكاف بذلك.

(1) كما يظهر المفروغية عنه من المحقق في الشرائع، حيث ذكر أن من نذر اعتكاف أربعة أيام فأخلّ بيوم وجب عليه قضاؤه في ضمن اعتكاف ثلاثة أيام.

(2) كما في الجواهر. و عن بغية كاشف الغطاء الميل لعدم إدخال بعض اليوم و بعض الليلة. قال في الجواهر: «و عليه إبداء الفرق».

و كيف كان فقد قال سيدنا المصنف قدّس سرّه في توجيه العموم: «قد يشهد له موثق أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتي يتم ثلاثة أيام أخر (2). فإن مفهوم ذيله يقتضي جواز الخروج و إن كان بعض يوم أو بعض ليلة، بناء علي ما يأتي من تبعية الليل لليوم.

و مدلوله الالتزامي جواز زيادة بعض المذكور».

و يشكل بأن ما تضمنه الذيل من جواز الخروج قبل اليومين قد لا يبتني علي انتهاء الاعتكاف، كي يستلزم مشروعية الاعتكاف فيما دونهما مطلقا، بل علي فسخ الاعتكاف في الأثناء، نظير ما تقدم في صحيح محمد بن مسلم. بل يتعين حمله علي ذلك بعد ظهوره في أن الإقامة يومين أو ما دونهما مبني علي أحد طرفي التخيير المذكورين قبل ذلك، و هو زيادة ثلاثة أخر. و حينئذ لا ينهض بإثبات جواز إضافة يومين فقط، فضلا عن يوم واحد، أو ليلة واحدة، أو أبعاضهما. و يأتي تمام الكلام في الصحيح.

و مثله ما ذكره بعض مشايخنا من الاستدلال بإطلاقات مشروعية الاعتكاف

ص: 436


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.

______________________________

من الكتاب و السنة، إذ حيث لم يرد التقييد عليها إلا من ناحية القلة، يتعين البناء علي مشروعية الزيادة من ناحية الكثرة. للإشكال فيه بعدم وضوح الإطلاقات المذكورة.

أما في الكتاب المجيد فلعدم التعرض فيه للاعتكاف إلا في قوله تعالي: وَ عَهِدْنا إِلي إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (1)، و قوله سبحانه: وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ (2)، و قوله عز من قائل: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (3). و قد تقدم في الشرط الأول تقريب حمل الآية الأولي علي الاعتكاف اللغوي، دون الشرعي، كما هو الظاهر من الثانية أيضا. و أما الثالثة فلو سلم ورودها في الاعتكاف الشرعي لا إطلاق لها ببيان حدوده، بل هي واردة لبيان حكمه في ظرف انعقاده.

و كذا الحال في السنة الشريفة، فإنها بين ما ورد في الاعتكاف في مدة خاصة كالعشر (4)، و الشهرين (5)، و ما ورد في مقام البيان من جهات خاصة، كتحديد أقل الاعتكاف و مكانه و شروطه، و أحكامه في ظرف انعقاده، من دون أن يكون فيها ما يصلح لبيان عموم مشروعيته من حيثية المقدار.

و مثله دعوي: أن ظاهر التحديد في النصوص بالثلاثة في طرف القلة جواز الزيادة عليها.

لاندفاعها: أولا: بعدم وضوح بلوغ ذلك مرتبة الظهور، لإمكان سوقه للرد علي العامة القائلين بكفاية اليوم، بل ما دونه، و غايته الإشعار الذي لا يبلغ مرتبة الحجية.

و ثانيا: بأن مجرد جواز الزيادة لا ينفع ما لم يكن له إطلاق يقتضي العموم لأفراد الزيادة من حيثية المقدار، لإمكان كون الزيادة المشروعة ثلاثة أيام أخر، لا زيادة يوم واحد فضلا عن بعض يوم، أو بعض ليلة.

ص: 437


1- سورة البقرة الآية: 125.
2- سورة الحج الآية: 25.
3- سورة البقرة الآية: 187.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف.
5- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف.

______________________________

بل ذلك هو الظاهر من صحيح أبي عبيدة المتقدم لظهوره في انحصار الوظيفة يوم الرابع بأحد أمرين: زيادة ثلاثة أيام (1)، و إنهاء الاعتكاف. و لو شرع زيادة يوم أو يومين فقط لكان اللازم التنبيه لذلك في مقام بيان الوظيفة.

كما أن ذلك هو الظاهر من معتبر داود بن سرحان: «قال: بدأني أبو عبد اللّه عليه السّلام من غير أن أسأله فقال: الاعتكاف ثلاثة أيام. يعني: السنة إن شاء اللّه» (2)، بناء علي أن المراد بالسنة فيه ليس هو الأفضل، بل ما يقابل البدعة، كما هو الظاهر، إذ لا الإشكال في عدم مشروعية ما دون الثلاثة و استحباب ما زاد عليها لو كان مشروعا. و من ثم يشكل إثبات العموم المذكور.

(إن قلت): ما تضمن اعتكاف النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم عشرا (3)، في شهر رمضان صريح في إمكان زيادة يوم واحد علي التسعة التي هي ثلاث دورات كل دورة ثلاثة أيام، و مثلها ما تضمن مشروعية اعتكاف شهرين (4)، لوضوح أن الشهرين قد ينقصان فيزيد يوم واحد أو ينقص أحدهما فيزيد يومين. و حينئذ لا مجال لاحتمال حمل ما تضمن أن أقل ما يكون الاعتكاف ثلاثة أيام علي اختصاص الزيادة بالثلاثة، دون الأيام المفردة، بل لا بد من البناء علي العموم لها.

(قلت): أما نصوص اعتكاف النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فهي إنما تدل علي مشروعية زيادة يوم لإتمام العشرة، و لا إطلاق لها يقتضي مشروعية زيادة اليوم و لو ليتم به أربعة أو سبعة أو ثلاثة عشر أو غير ذلك، لإمكان خصوصية تتميم العشرة التي هي من الأعداد التامة، خصوصا العشر الأواخر من شهر رمضان التي هي ذات مزية خاصة في الاعتكاف. و لا سيما بملاحظة ما تقدم استفادته من صحيح أبي عبيدة من عدم

ص: 438


1- هذا بناء ما سبق في نقل الحديث، و هو الموجود في الوسائل و الكافي، و مثله ما في الفقيه من قوله: ((إن شاء زاد ثلاثة أخري)). أما بناء علي ما في التهذيبين من قوله: ((إن شاء أزداد أياما أخر))، فلا يتم الاستشهاد به، بل يقتصر علي معتبر داود المطابق للأصل. (منه عفي عنه).
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 4.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من كتاب الاعتكاف.
4- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف.

______________________________

مشروعية زيادة يوم أو يومين علي الثلاثة.

و أما نصوص مشروعية اعتكاف شهرين فلا إطلاق لها يشمل الفرضين المذكورين، لعدم ورودها في مقام تشريع الاعتكاف المذكور، و إنما تضمنت ترتب ثوابه علي قضاء حاجة المؤمن أو السعي فيها، و هو لا ينافي مشروعية اعتكافهما في فرض تماميتهما معا. و لا سيما و أن فرض نقصان أحدهما مستلزم لزيادة يومين الموجب عندهم للزوم إضافة يوم ثالث لهما، فلا يشرع حينئذ الاقتصار علي الشهرين.

و أشكل من ذلك البناء علي مشروعية زيادة بعض يوم أو ليلة أو بعضها، حيث لا تنهض به النصوص المتقدمة، لاحتمال خصوصية اليوم التام، لأنه الذي يشرع فيه الصيام الذي هو شرط في الاعتكاف.

و لا سيما في صحيح أبي بصير: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و من اعتكف صام» (1).

و في موثق عمر بن يزيد عنه عليه السّلام: «قال: إذا اعتكف العبد فليصم» (2)، فإن ظاهرهما أن مقتضي الاعتكاف إحداث الصوم، لا مجرد كون المعتكف صائما و لو من قبل الاعتكاف، و هو لا يناسب البدء بالاعتكاف من وسط النهار.

و المتحصل من جميع ما تقدم: أنه لا إطلاق يقتضي مشروعية زيادة يوم واحد، فضلا عن بعض يوم، أو ليلة، أو بعضها، بل ظاهر ما تقدم من صحيح أبي عبيدة و معتبر داود بن سرحان أن الاعتكاف إنما يكون ثلاثة أيام، و الزيادة إنما تكون بضم اعتكاف لاعتكاف من دون فصل بينهما، و كما لا يشرع اعتكاف ما دون الثلاثة لا يشرع ضمه للثلاثة. غاية الأمر أنه يشرع اعتكاف عشرة أيام من شهر رمضان، أو مطلقا. و لا مجال للتعدي عن ذلك.

و لا يتضح من سيرة المتشرعة، و لا من إجماع الأصحاب، ما زاد عليه بعد قصور النصوص، لعدم وضوح حال السيرة، لقلة الابتلاء بذلك، و عدم تصريحات في كلمات الأصحاب يعتد بها تنهض بإثبات شي ء في المقام، فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 439


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من كتاب الاعتكاف حديث: 7، 9.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من كتاب الاعتكاف حديث: 7، 9.

و يدخل فيه الليلتان المتوسطتان (1)،

______________________________

(1) كما هو المشهور، بل لم ينسب الخلاف فيه إلا إلي الشيخ قدّس سرّه في الاعتكاف المنذور، قال في المبسوط: «و إن نذر أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها. إلا أن يقول العشر الأواخر أو ما يجري مجراه، فيلزمه حينئذ الليالي، لأن الاسم يقع عليه»، و قال:

«و إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يومه إلي بعد الغروب من ذلك اليوم، و كذا اليوم الثاني و الثالث هذا إذا أطلقه، و إن شرط التتابع لزمه الثلاثة أيام بينها ليلتان»، و في الخلاف: «إذا قال: للّه عليّ أن اعتكف ثلاثة أيام لزمه ذلك. فإن قال: متتابعة لزمه بينها ليلتان، و إن لم يشترط المتابعة جاز له أن يعتكف نهارا ثلاثة أيام لا لياليهن».

لكن قال في الخلاف أيضا: «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام و ليلتين».

و من ثم قد يبتني ما سبق منه علي الاختصاص بنذر الاعتكاف، لا لعدم البناء علي دخول الليلتين المتوسطتين في الاعتكاف. و إن كان هو في غاية الإشكال، لأن النذر إنما ينفذ إذا تعلق بالاعتكاف المشروع.

و كيف كان فالعمدة في وجه ما ذهب إليه المشهور: هو فهم الاستمرار من أدلة التحديد، كما يظهر بملاحظة النظائر، كإقامة ثلاثين يوما، و نية إقامة عشرة أيام للمسافر، و ثلاثة الحيض عند المشهور، و نحو ذلك.

و لولاه لاحتاج إثبات مشروعية الاعتكاف في الليلتين المتوسطتين للدليل، و لاحتاج للسؤال عنه و عما يناسب ذلك من الفروع، و منها حكم الليلتين المتطرفتين، فعدم ظهور السؤال عن ذلك كاشف عن فهم دخولهما بسبب فهم الاستمرار من أدلة التحديد، كما ذكرنا.

مضافا إلي أن ذلك هو الظاهر من قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «و تصوم ما دمت معتكفا» (1)، و قوله في صحيح أبي عبيدة المتقدم: «فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا

ص: 440


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 2 من كتاب الاعتكاف حديث: 1.

دون الأولي (1)،

______________________________

يخرج من المسجد حتي يتم ثلاثة أيام أخر» (1).

و قد يناسبه ما تضمن حرمة الجماع ليلا للمعتكف (2)، فإن عدم التقييد فيه بما إذا أدخل الليل في الاعتكاف قد يشهد بالمفروغية عن دخوله. إلا أن يستفاد التقييد من فرض كونه معتكفا حين الجماع. و إن كان من القريب الغفلة عن ذلك، و عدم التنصيص علي دخول الليل، و إنما يقصد الاعتكاف ثلاثة أيام علي الوجه المشروع لا غير. فلاحظ.

(1) قال في الجواهر: «خلافا للمحكي عن الفاضل- و إن كنا لم نتحققه- و لثاني الشهيدين، فأدخلا الليلة الأولي فيها، و جعلاها محل النية، قياسا علي الليلتين في الأثناء. و فيه: أن دخولهما لا لكونهما من مسمي اليوم، بل لظهور النص و الفتوي في استمرار حكم الاعتكاف، و أنه لا انقطاع فيه، و لذلك دخلا. فهو قياس مع الفارق».

و أما احتمال كون المراد باليوم ما يعم الليل، و هو زمان تمام دورة الأرض.

فهو مخالف للظاهر، و إنما التزمنا به في أقل الحيض، لقرائن خارجية لا تجري في أمثال المقام، كما يظهر بملاحظة ما ذكرناه هناك.

علي أن كثرة الابتلاء بأمد الاعتكاف لا يناسب كون ما عليه جمهور الأصحاب من خروج الليل مخالفا للواقع، لأن كثرة الابتلاء بالحكم تمنع من خفائه عادة.

ثم إنه لو تم كون المراد باليوم في المقام زمان تمام دورة الأرض لم يقتض دخول الليلة الأولي فقط، بل دخول إحدي الليلتين الأولي أو الرابعة تبعا لاختلاف مبدأ الاعتكاف، فإن بدأ من أول الليل دخلت الأولي و خرجت الرابعة، و إن بدأ من أول النهار خرجت الأولي و دخلت الرابعة. بل البعض من كل منهما فيما لو بدأ الاعتكاف في أثناء الليل.

و أما دعوي: أن الليلة تتبع اليوم اللاحق لغة و عرفا، بل تضمنته بعض

ص: 441


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5، 6 من كتاب الاعتكاف.

و الرابعة (1) و إن جاز إدخالهما بالنية (2). فلو نذره (3) كان أقل ما يمتثل به ثلاثة. و لو نذره أقل لم ينعقد (4). و كذا لو نذره ثلاثة معينة فاتفق أن الثالث عيد لم ينعقد (5).

______________________________

النصوص (1).

فهي مدفوعة بأن ذلك إنما هو بالإضافة إلي اليوم المقيد بالشهر، أو بخصوصية أيام الأسبوع أو بالحوادث، كيوم مقتل الحسين عليه السّلام، أو يوم المطر، و المراد باليوم حينئذ ما يقابل الليلة، لا بالإضافة إلي اليوم الذي يراد منه تمام الدورة حيث لا تبعية فيه حينئذ، بل هو يختلف باختلاف مبدأ الدورة.

(1) فقد جعل في الجواهر القول بدخولها- من دون أن ينسبه لواحد- أضعف من القول بدخول الليلة الأولي. و هو في محله إن كان المراد به دخولها دون الأولي، حيث لا وجه له إلا دعوي تبعية الليلة للنهار السابق عليها. و قد عرفت عدم التبعية بلحاظ تمام الدورة، بل تبعية الليلة للنهار اللاحق لها بلحاظ التقييد بالشهر و نحوه.

و أضعف منه ما إذا أريد به دخوله معها، حيث لا يناسب التحديد بثلاثة أيام قطعا.

و أما لو أريد به دخول إحدي الليلتين المذكورتين تبعا لاختلاف مبدأ الاعتكاف، فقد سبق أنه المتعين بناء علي أن المراد باليوم تمام الدورة، فيكون أولي من دخول الليلة الأولي فقط.

(2) بناء علي جواز الزيادة علي ثلاثة أيام مطلقا، و قد سبق الإشكال فيه.

(3) يعني: نذر الاعتكاف علي الإطلاق.

(4) لعدم نفوذ النذر إلا أن يتعلق بالمشروع. نعم لو رجع نذر الأقل إلي ما يعم نذر بعض الاعتكاف لا بشرط بالإضافة إلي الزيادة و الإتمام، لا إلي نذر الاعتكاف التام بشرط عدم الزيادة، نفذ النذر، و وجب إتمامه بالثلاثة أيام مقدمة للوفاء بالنذر، نظير ما يأتي منه قدّس سرّه في نذر خمسة أيام.

(5) لتعذر شرط الاعتكاف- و هو الصوم الموجب- لتعذره إن أريد به نذر

ص: 442


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان.

و لو نذر اعتكاف خمسة، فإن نواها بشرط لا بطل (1)، و إن نواها لا بشرط (2) ضم إليها السادس، أفرد اليومين أو ضمهما إلي الثلاثة (3).

[الرابع: أن يكون في أحد المساجد الأربعة- مسجد الحرام و مسجد المدينة و مسجد الكوفة و مسجد البصرة]
اشارة

الرابع: أن يكون في أحد المساجد الأربعة- مسجد الحرام و مسجد المدينة و مسجد الكوفة و مسجد البصرة، أو في مسجد تنعقد به الجماعة الصحيحة (4).

______________________________

اعتكاف الثلاثة أيام، و عدم مشروعيته إن أريد به نذر اعتكاف اليومين فقط.

(1) يعني بأن يكون المنذور هو اعتكاف تام لا يزيد عليه.

(2) يعني بأن يكون المنذور ما يعم بعض الاعتكاف لا بشرط بالإضافة إلي الإتمام.

(3) فإن نوي إفراد اليومين عند النذر اعتكف اعتكافين منفصلين كل منهما ثلاثة أيام، و إن نوي خمسة متتابعة اعتكف ستة أيام متتابعة، و إن نوي الأعم تخير بين الوجهين.

(4) لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الاعتكاف قال: لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة … » (1)، و موثق عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: «قال: لا يصلح العكوف في غيرها- يعني غير مكة- إلا أن يكون في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أو في مسجد من مساجد الجماعة» (2)، و موثق يحيي بن العلاء أو صحيحه عنه عليه السّلام: «لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة» (3)، و يأتي تمام الكلام في مفاد هذه النصوص.

هذا و في الانتصار و النهاية و المبسوط و الخلاف و الغنية و غيرها أنه لا يصح إلا في المساجد الأربعة المذكورة في المتن، و هي المسجد الحرام و مسجد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و مسجد الكوفة و مسجد البصرة. و نسب للأكثر تارة، و للأشهر أخري، بل في الانتصار و الخلاف و الغنية و عن الطبرسي الإجماع عليه.

و استدل له بمرسل المقنعة: «روي أنه لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جمع

ص: 443


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 7، 3، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 7، 3، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 7، 3، 6.

______________________________

فيه نبي أو وصي نبي»، و صحيح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلي فيه إمام عدل صلاة جماعة. و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكة» (1)، بناء علي أن المراد بالإمام العدل هو إمام الحق المعصوم، و علي انحصار ذلك بالمساجد الأربعة، كما ذكره المفيد في المقنعة و غيره.

و عن الصدوق الأول إبدال مسجد البصرة بمسجد المدائن، و كأنه لما في المقنع من أن أمير المؤمنين عليه السّلام قد صلي فيه، أو لما روي من أن الإمام الحسن عليه السّلام قد صلي فيه (2). لكنه لو تم فالمناسب حينئذ الجمع بينهما، كما في المقنع، لعدم الإشكال ظاهرا في صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام في مسجد البصرة. و يكفي شاهدا علي مشروعية الاعتكاف فيه الصحيح المتقدم.

و كيف كان فحيث لا دليل للمشهور علي اختصاص الاعتكاف بالمساجد المذكورة، و إنما المدعي لهم أخذ عنوان فيه لا ينطبق إلا عليها، فإن كان المراد بالعنوان هو جمع النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أو الوصي عليه السّلام في خصوص صلاة الجمعة- كما في الانتصار و المبسوط و النهاية- فلو تم انحصاره بالمساجد المذكورة- و لم يثبت ما ذكره ابن الأثير من أن أول جمعة جمعها النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لما خرج من قبا متوجها للمدينة في المسجد الذي في بطن الوادي (3) - فلا مجال للاستدلال عليه بالصحيح، لعدم الإشارة فيه لصلاة الجمعة، بل غاية ما يمكن أن يستدل عليه به هو المرسل، و ضعفه مانع من التعويل عليه، بعد أن لم يثبت اعتمادهم عليه و عملهم به، خصوصا بعد أن لم يعمل به مرسله، و هو المفيد.

و إن كان المراد به هو جمعه في مطلق الفرائض فمن الظاهر عدم اختصاص المساجد المذكورة بذلك، حيث لا إشكال ظاهرا في صلاة النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم جماعة في مسجد الخيف أيام إقامته بمني في حجة الوداع. كما ورد أنه صلي اللّه عليه و آله و سلم صلي في المسجد

ص: 444


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 8.
2- مرآة العقول ج: 3 ص: 246.
3- ج: 2 ص: 170.

______________________________

إلي جنب جبل أحد (1)، و غير ذلك مما قد يظهر للمتتبع.

علي أنه بعد عدم التعويل علي المرسل فالصحيح إنما يكون شاهدا للقول المذكور بناء علي أن المراد بإمام العدل فيه إمام المسلمين الحق المعصوم، و لا شاهد عليه، بل إطلاق الحديث يدفعه. و لا سيما بملاحظة ما في النصوص الكثيرة الآتي بعضها من جعل الموضوع هو المسجد الجامع أو مسجد الجماعة، فإن حمله علي خصوص الذي صلي فيه إمام الحق حمل علي الفرد النادر.

و لا سيما بملاحظة حديثي الحلبي و عبد اللّه بن سنان المتقدمين، حيث يلزم حمل مسجد الجماعة في الأول علي خصوص مسجد البصرة، أو مع مسجد المدائن، و في الثاني علي خصوص مسجدها و مسجد الكوفة، أو مع مسجد المدائن. و كذا الحال في صحيح داود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن عليا عليه السّلام كان يقول: لا أري الاعتكاف إلا في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم أو مسجد جامع» (2). و هو كما تري حمل مستهجن. و من هنا كان القول المذكور في غاية الضعف.

هذا و في الشرائع أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد جامع، و لعله إليه يرجع ما في المقنعة من عدم الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم. و يقتضيه غير واحد من النصوص كصحيح داود المتقدم، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع … » (3)، و خبر علي بن غراب أو ابن عمران عنه عليه السّلام: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» (4).

نعم قد يعارضها ما تقدم حجة للقول الأول الذي تقدم من المتن، و المتضمن لزوم الاعتكاف في مسجد الجماعة.

لكن من القريب حمل النصوص المذكورة علي ما يساوق نصوص الجامع، كما هو ظاهر التهذيب و الجواهر. لظهور الإضافة و التوصيف في التنويع بلحاظ ذات المسجد، لا بلحاظ وقوع الفعل فيه، و هو صلاة الجماعة فيه، و إلا كان الأنسب

ص: 445


1- وسائل الشيعة ج: 10 باب: 12 من أبواب المزار حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 10، 1، 4.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 10، 1، 4.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 10، 1، 4.

______________________________

أن يقال فيها: تقام فيه صلاة الجماعة أو: يصلي فيه جماعة. و لا أقل من احتمال ذلك احتمالا معتدا به يوجب إجمال النصوص المذكورة، و الاقتصار علي نصوص الجامع.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن مقتضي الجمع بين الطائفتين حمل ما تضمن اعتبار الجامع علي إرادة جامع الجماعة، بقرينة ما تضمن الجمع بينهما، و هو خبر الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر، قال: إن عليا عليه السّلام كان يقول: لا أري الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم أو في مسجد جامع [جماعة]» (1).

ففيه أولا: أن خبر الكناني لم يتضمن الجمع بين الأمرين، بل اقتصر في التهذيب المطبوع حديثا علي لفظ (جامع)، و أما لفظ (جماعة) فهو نسخة في الطبعة الحديثة من الوسائل.

و ثانيا: أن حمل نصوص الجامع علي نصوص الجماعة إن رجع إلي تفسير الجامع بالجماعة- عكس ما ذكرنا- فهو مخالف للظاهر جدا، و إن رجع إلي تقييد نصوص الجامع بالجماعة فلازمه اعتبار الأمرين، لا الاكتفاء بكون المسجد مما تقام فيه الجماعة، كما جعله قدّس سرّه هو المتحصل من النصوص، و جري عليه في مقام الفتوي.

علي أن تقييد نصوص الجماعة بنصوص الجامع بعيد جدا، لأن المساجد التي تكون جامعا نادرة جدا بالإضافة للمساجد التي تقام فيها الجماعة، فالاقتصار في مقام التحديد علي الجماعة و إهمال التقييد بالجامع بعيد جدا.

و هذا بخلاف ما ذكرنا من كون المراد بنصوص الجماعة الجامع، حيث تتطابق معه النصوص، من دون أن يلزم منه شي ء من ذلك.

نعم تقدم في صحيح عمر بن يزيد اعتبار كون الاعتكاف في مسجد جماعة قد صلي فيه إمام عدل جماعة، فلو حمل مسجد الجماعة فيه علي المسجد الجامع لزم اعتبار الأمرين من كون المسجد جامعا و حصول الجماعة الصحيحة فيه، و هو تقييد غير مستهجن. لكن في الجواهر أنه لم يقل أحد باعتبار الجماعة في الاعتكاف. فإن تم

ص: 446


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 5.

و الأحوط استحبابا كونه مسجد البلد (1)، بل الأحوط استحبابا الاقتصار علي الأربعة (2) مع الإمكان (3).

[(مسألة 3): لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع من البقاء فيه]

(مسألة 3): لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع من البقاء فيه بطل (4)،

______________________________

لزم حمله علي الاستحباب.

و من جميع ما تقدم يظهر ضعف ما عن ابن أبي عقيل من مشروعية الاعتكاف في كل مسجد، و أن الأفضل هي المساجد الأربعة، و في سائر الأمصار مساجد الجماعات.

فإنه موقوف علي حمل جميع النصوص المتقدمة علي الاستحباب، و لا قرينة علي ذلك.

هذا و في موثق داود بن حصين المروي في المعتبر و المنتهي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: لا اعتكاف إلا بصوم، و في المصر الذي أنت فيه» (1). و قد جعله سيدنا المصنف قدّس سرّه من النصوص الدالة علي اعتبار كون مسجد الاعتكاف جامعا. و يظهر من الوسائل احتمال ذلك.

لكنه غير ظاهر، بل مفاده اعتبار كون المعتكف حاضرا غير مسافر، و إن كان سفرا لا يوجب الإفطار، و لا يظن من أحد القول بذلك. إلا أن يحمل علي السفر الموجب للإفطار من أجل تصحيح الصوم الذي هو شرط في الاعتكاف. فلاحظ.

(1) عملا بالنصوص المتضمنة للتقييد بالجامع، التي عرفت منا لزوم العمل بها و حمل بقية النصوص عليها.

(2) خروجا عن خلاف من عرفت.

(3) إذ مع عدم إمكان الاعتكاف فيها يكون الاقتصار المذكور مخالفا للاحتياط، لكونه مفوتا للاعتكاف.

(4) لا ينبغي التأمل في اعتبار وحدة المسجد الذي يعتكف فيه، كما صرح به في الجواهر. و يقتضيه ظاهر النصوص المتقدمة في تحديد موضع الاعتكاف. و كذا ما تضمن أن المعتكف إذا خرج من المسجد لحاجة وجب عليه الرجوع إليه بعد قضائها (2)، و أنه

ص: 447


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 3 من كتاب الاعتكاف حديث: 11.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف.

و لم يجز اللبث في مسجد آخر (1)، و عليه قضاؤه إن كان واجبا (2) في مسجد آخر، أو في ذلك المسجد بعد ارتفاع المانع (3).

______________________________

يصلي في المسجد الذي اعتكف فيه إلا في مكة (1). علي أنه مقتضي أصالة عدم مشروعية الاعتكاف مع تعدد المسجد.

و حينئذ لو اتفق مانع قهري من البقاء فيه انكشف عدم مشروعية عقد الاعتكاف، و بطلانه من أول الأمر. بل لو كان واجبا معينا بنذر و نحوه ينكشف عدم وجوبه بالتعذر. أما لو كان المانع مسببا عن اختيار المكلف فهو و إن لم يكشف عن بطلان عقد الاعتكاف من أول الأمر، إلا أنه يستلزم بطلانه من جهة حدوث المانع، لرجوع صحة الاعتكاف و نفوذه إلي نفوذ ما فرضه المكلف علي نفسه من البقاء في المسجد، المفروض إمكانه حين فرضه علي نفسه، غاية الأمر أنه يبطل بسبب تعذره بعد ذلك باختياره.

(1) يعني: بنحو يتم به الاعتكاف الأول قال في الجواهر: «و لو تعذر إتمام اللبث في المكان الذي اعتكف فيه، لخروجه عن قابلية اللبث فيه بأحد الأسباب احتمل الاكتفاء باللبث في غيره، بل ربما قيل به. و هو مشكل».

و الوجه في إشكاله: عدم الدليل علي قيام المسجد الثاني مقام المسجد الذي تعذر البقاء فيه، بل مقتضي ما سبق من اعتبار وحدة المسجد في الاعتكاف عدمه.

(2) بناء علي ما يأتي في المسألة الخامسة عشرة إن شاء اللّه تعالي من وجوب قضاء الاعتكاف الواجب. لكنه موقوف علي انعقاده و وجوبه، و قد سبق أنه لو كان المانع قهريا ينكشف عدم انعقاده من أول الأمر، و حينئذ لا يجب قضاؤه. نعم يتجه ذلك لو كان المانع مسببا عن اختيار المكلف.

(3) قال في الجواهر: «و لو زال المانع احتمل البناء. و الأقوي استئناف مع فرض الوجوب». و الوجه فيه: ما سبق من ظهور أدلة الاعتكاف في الاستمرار فمع

ص: 448


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من كتاب الاعتكاف.
[(مسألة 4): يدخل في المسجد سطحه و سردابه]

(مسألة 4): يدخل في المسجد سطحه و سردابه (1)، كبيت الطشت في مسجد الكوفة، و كذا منبره و محرابه و الإضافات الملحقة به (2).

______________________________

عدم استمراره للمانع المفروض يتعين البطلان و عدم مشروعية ما وقع ليتجه البناء عليه و إتمامه. كما أن ظاهر أدلة القضاء مع البطلان هو الاستئناف لا إتمام ما وقع بالإتيان بالجزء الفائت فقط، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

نعم لو كان المانع قصير الأمد، بحيث لا يخل بوحدة الاعتكاف اتجه عدم بطلان الاعتكاف به و مشروعية إتمامه بعد ارتفاع المانع.

(1) كما في الجواهر حاكيا عن المنتهي القطع به. و عن المدارك استحسانه، و الوجه فيه: إطلاق نصوص مكان الاعتكاف. لكن في الدروس: «و لو صعد سطح المسجد فكالخروج. و قيل: لا»، و هو غريب.

نعم يتجه ذلك إذا لم يكن السطح مسجدا. لكن الظاهر خروجه عن محل كلامهم.

(2) إذا كانت من سنخ التوسعة فيه، لتحقق الوحدة عرفا فيدخل في الإطلاق.

نعم إذا كان المضاف مسجدا مستقلا و كانت إضافته بمجرد رفع المانع أشكل صدق الوحدة به.

اللهم إلا أن يقال: إذا طالت المدة و أغفل الحال الأول عدّ المجموع مسجدا واحدا، خصوصا بلحاظ العناوين المأخوذة في النصوص ككونه أحد المساجد الأربعة، أو كونه المسجد الجامع، و حينئذ يدخل في الإطلاق.

و إلا أشكل الأمر تارة: لأن من الظاهر تعرض كثير من المساجد المهمة للتوسعة، و ذلك قد يستلزم إلحاق بعض المساجد الصغيرة التي كانت منفصلة عنها بها. كما أنه قد تجعل البقعة التي فيها مساجد متعددة مسجدا واحدا تدخل فيه جميع المساجد و ما جاورها.

و حينئذ لا طريق لإحراز وحدة المساجد الحالية القائمة و عدم تعددها

ص: 449

[(مسألة 5): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده]

(مسألة 5): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده (1).

______________________________

بالأصل، لأن سيرة المسلمين و يدهم إنما تثبت مسجدية المكان، و لا تنهض بإثبات عدم تعدد المسجد الواحد بالأصل. و علي ذلك يشكل الاعتكاف فيه بمجموعه.

و أخري: لأن ظاهر أدلة اعتبار كون المسجد جامعا لزوم فعلية وصف الجامعية فيه، و بعد اتصال المسجدين يكون الجامع هو مجموعهما لا كل منهما. و حينئذ لا مجال للاعتكاف في كل منهما، لعدم كونه جامعا، فإذا لم يجز الاعتكاف في المجموع لعدم وحدته بالأصل امتنع الاعتكاف في المكان المذكور، و الالتزام بذلك صعب جدا.

و ذلك قد يصلح لتأييد ما سبق.

نعم لا بد فيه من تحقق الوحدة العرفية الطارئة، و لا يكفي مجرد رفع الحاجز بين المسجدين أو سقوطه، فضلا عن فتح الطريق بين المسجدين.

و منه يظهر ضعف ما عن بغية كاشف الغطاء من أنه مع فتح الباب بين المسجدين لا تبعد صحة التشريك بينهما في الاعتكاف الواحد. و من ثم منعه في الجواهر.

(1) لظهور الأدلة في أن موضوع الاعتكاف الواحد هو المسجد بمجموعه، و لا دليل علي مشروعية أخذ خصوصية أجزائه فيه.

نعم في صحيح داود بن سرحان المتقدم عند الكلام في مفهوم الاعتكاف، قال:

«و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك».

لكن مقتضاه تعين المكان الذي يجلس فيه حين الاعتكاف، لا المكان الذي نوي الاعتكاف فيه من المسجد، و حيث لا يمكن الالتزام بظاهره لم ينهض بالخروج عما ذكرنا. و تعين حمله علي إرادة الرجوع للمسجد الذي اعتكف فيه.

و حينئذ إن كان قصد الخصوصية بنحو تعدد المطلوب، بحيث يرجع إلي قصد الاعتكاف في المسجد بنفسه، و أن يكون اعتكافه في المكان الخاص تعين صحة الاعتكاف في تمام المسجد، و لغي القصد المذكور.

ص: 450

[الخامس: إذن من يعتبر إذنه في جوازه]

الخامس: إذن من يعتبر إذنه في جوازه (1)، كالسيد بالنسبة إلي مملوكه (2)،

______________________________

و إن كان بنحو وحدة المطلوب، بحيث تكون الخصوصية قيدا في الاعتكاف تعين بطلان الاعتكاف، لعدم مشروعية ما قصد، و عدم القصد للمشروع.

نعم لو فصلت قطعة من المسجد الجامع بحيث خرجت عن وصف الجامعية، و كان الجامع خصوص الباقي، فقد يشكل عموم الاعتكاف لها. إلا أن يقال: عدم فعلية الاجتماع فيها لا ينافي صدق عنوان الجامعية علي المسجد بتمامه، كما يصدق علي درجه و سطحه و سردابه و إن لم تكن محلا للاجتماع، فيصح الاعتكاف فيها مثلها. فتأمل.

(1) لا يخفي بداهة ذلك، لرجوعه إلي قضية بشرط المحمول. لكن القضية المذكورة ليست شرعية، بل انتزاعية، و ليست القضية الشرعية إلا صغرياتها التي يأتي الكلام فيها.

(2) بلا إشكال، كما في المسالك و عن المدارك، و بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. و قد علل في كلام غير واحد بأن العبد مملوك لمولاه فتصرفه في نفسه يتوقف علي إذن المالك.

(إن قلت): التصرف إن كان بنفس اللبث في المسجد فيكفي في جوازه إذن المالك فيه و إن لم يأذن في الاعتكاف. و إن كان بنفس التعبد بالاعتكاف و جعله علي نفسه، فلم يتضح كونه عرفا من التصرفات المنافية لسلطنة المالك، بل هو نظير نية الصوم، التي سبق الإشكال في توقفها علي إذن المالك.

(قلت): لما كان مرجع صحة الاعتكاف إلي تنفيذ ما جعله المكلف علي نفسه من إيجاب اللبث كان منافيا لسلطنة المالك، و إن كان آذنا في اللبث، لتضمن الوجوب إلزاما زائدا علي اللبث و منافيا لسلطنة المالك، و ليست نية الاعتكاف كنية الصوم المندوب لا تقتضي إلا صحته من دون أن تقتضي وجوبه.

اللهم إلا أن يدعي أن إيجاب اللبث في ظرف تحقق الأذن فيه من المالك بحيث

ص: 451

و الزوج بالنسبة إلي زوجته (1) إذا كان منافيا لحقه أو كان في غير بيتها (2)،

______________________________

يكون منوطا به غير مناف لسلطنة المالك، فمع بقاء الأذن في تمام مدة الاعتكاف يصح الاعتكاف و إن لم يأذن به المالك، و مع عدول المالك عن إذنه في اللبث يتعين بطلانه، لمنافاة وجوب اللبث للسلطنة حينئذ، فتكون صحة الاعتكاف مراعاة ببقاء الأذن في تمام مدته. فتأمل جيدا.

(1) بلا إشكال، كما في المسالك، و بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر.

و كأنه لمنافاته لحق الاستمتاع. و لما يشعر به صحيح أبي ولاد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه … » (1).

لكن المنافاة لحق الاستمتاع غير مطردة، إذ قد لا يكون الزوج في مقام الاستمتاع، و الصحيح لا إطلاق له، و غاية ما يشعر به توقف نفوذ اعتكافها علي إذن الزوج إذا كان يمنعه من الاستمتاع.

و من هنا فالظاهر أن ما تقدم في العبد جار هنا، لأن نفوذ الاعتكاف و ترتب أحكامه مناف لاستحقاق الزوج الاستمتاع، و إن لم يكن الزوج في مقام الاستمتاع.

إلا أن يدعي أنه في ظرف عدم مطالبة الزوج بحقه لا يكون نفوذ الاعتكاف منافيا له، بل يكون النفوذ مراعي بعدم المطالبة، نظير ما تقدم في العبد أيضا، و حينئذ يتجه ما في المتن من اختصاص اعتبار إذنه في الاعتكاف بما إذا كان منافيا لحقه.

(2) لما دل علي حرمة خروجها من بيتها بغير إذن الزوج، الظاهر في حرمة مكثها في خارج البيت، فيمتنع التقرب به، بل يمتنع وجوبه الذي هو أثر نفوذ الاعتكاف و صحته. أما إذا كان بيتها المسجد، فلا يلزم المحذور المذكور.

لكن ذلك إنما يقتضي لزوم استئذانه في الخروج من البيت، لا في الاعتكاف، فلو أذن بالخروج من البيت صح اعتكافها و إن لم يأذن فيه. و كذا لو سقط تحريم

ص: 452


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

و الوالدين بالنسبة إلي ولدهما (1) إذا كان موجبا لإيذائهما شفقة عليه (2).

______________________________

خروجها من البيت بالاضطرار للخروج، أو تعذر الرجوع أو لم يكن قد أسكنها في بيت، كما هو ظاهر.

(1) فقد أطلق في الدروس اعتبار إذن الوالد. و ذكر في المسالك أن ذلك إن وقع في الصوم المندوب ابتني علي اعتبار إذنه في صحته، و إلا فلا وجه لتوقفه عليه، كما لو كان في الصوم الواجب الذي لا يعتبر إذنه فيه، لعدم الدليل بالخصوص علي اعتبار إذنه في الاعتكاف مع قطع النظر عن الصوم.

هذا و لو تم إطلاق وجوب طاعته علي الولد كان اللازم المنع من صحة الاعتكاف مع نهي الوالد عنه، لا وجوب استئذانه، حيث لا إشكال ظاهرا في رجوع وجوب الطاعة إلي عدم المخالفة في العمل، لا إلي وجوب الاستئذان فيه. كما أن اللازم حينئذ التعميم للأم، و لا وجه للاقتصار علي الأب، لعدم الفرق بين الأبوين في ذلك.

لكن لم يثبت عموم وجوب الطاعة و حرمة المعصية، بل لا يمكن الالتزام به ظاهرا و إن كان هو مقتضي الجمود علي بعض النصوص (1). و لا سيما مع ما تضمن جواز الخصومة مع الوالد و الترافع معه لإثبات الحق (2)، فلا بد من حمل تلك النصوص علي الاستحباب.

(2) كأنه لحرمة إيذائهما حينئذ المانعة من صحة الاعتكاف و نفوذه و إمكان التقرب به، قال قدّس سرّه: «لا إشكال ظاهرا في حرمة إيذائهما بالمخالفة للأمر أو النهي الصادرين من أحدهما بداعي الشفقة. و كأنه القدر المتيقن من وجوب إطاعة الوالدين. و حينئذ فإذا نهي أحدهما الولد عن الاعتكاف بداعي الشفقة أو عن الصوم كذلك بطل».

لكن لم يتضح الوجه في وجوب الطاعة حينئذ، بعد ما سبق من لزوم حمل

ص: 453


1- راجع وسائل الشيعة ج: 11 باب: 19 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 5، و باب: 92 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 4.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 18 باب: 36 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي.
[السادس: استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به فيه]
اشارة

السادس: استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به فيه (1)،

______________________________

إطلاقه في بعض النصوص علي الاستحباب، بل يصعب جدا البناء علي ذلك مع ما هو المعلوم من كثرة خطئهما في تشخيص مقتضي الشفقة.

و أشكل من ذلك ما في العروة الوثقي من إطلاق لزوم استئذانهما في الاعتكاف إذا كان موجبا لإيذائهما، و لا سيما مع أنه كثيرا ما يتأذيان بفعل الولد لاهتمامها بأنفسهما، أو لعدم اهتمامهما بما يهتم به من الجهات الدينية و الدنيوية.

فالظاهر اختصاص وجوب استئذانهما بما إذا كان فعله بلا إذن منهما يعدّ إساءة لهما عرفا و عقوقا و قطعية، كما لو كانا في حاجة ملحة لقربه منهما، فتركهما غير مهتم بهما، أو تعارف الاستئذان منهما في مثل ذلك لتكريمهما بحيث يعد تركه توهينا لهما و تجاهلا لحقهما عرفا، أو نحو ذلك.

(1) و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المدارك و غيرها نسبته إلي العلماء كافة». و قد يظهر من تعريفه باللبث في كلام جماعة تقدم التعرض لبعضهم عند الكلام في تعريفه و تحديد مفهومه.

و استدل له تارة: بصحيح داود بن سرحان: «كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني أريد أن اعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض علي نفسي؟

فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك» (1).

و أخري: بما تضمن النهي عن الخروج من المسجد إلا لحاجة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة» (2)، و غيره.

بدعوي: أن الأصل في النهي الوارد في الماهيات المركبة المانعية.

لكن الأول ظاهر بقرينة السؤال في تقوم الاعتكاف بفرض المكلف المكث في المسجد علي نفسه و عدم الخروج منه، لا بنفس اللبث، فهو نظير الإحرام المتقوم بالتعبد بالدخول في حرمة الحج أو العمرة، و الذي لا يبطل بعد انعقاده بفعل محرمات الإحرام،

ص: 454


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 3، 5.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 3، 5.

______________________________

و ليس هو كالصوم المتقوم بالتعبد بترك المفطرات، و الذي يبطل بفعل شي ء منها.

و الثاني إنما يدل علي منافاة الخروج للاعتكاف، و هو كما يكون لتقوم الاعتكاف باللبث يكون لأن الاعتكاف لما ابتني علي فرض المكلف علي نفسه اللبث فمقتضي نفوذ ذلك عليه- تبعا لصحة الاعتكاف- عدم الخروج و حرمته تكليفا لمخالفته للفرض الذي حصل من دون أن يقتضي بطلانه، نظير حرمة إتيان منافيات الإحرام بعد التلبس به. و أما ما تقدم من أن الأصل في النهي في الماهيات المركبة المانعية فهو إنما يتم فيما إذا لم يكن هناك منشأ ارتكازي للحرمة التكليفية، و لا يتم في مثل المقام مما كان المنهي عنه منافيا لمقتضي الالتزام و الفرض النافذ، المقتضي لحرمته تكليفا، حيث يصلح ذلك للقرينية علي كون النهي تكليفيا، الذي هو مقتضي الأصل الأولي فيه.

و لا سيما بملاحظة أن المناسبات الارتكازية تقضي بأن منشأ استثناء المستثنيات- كالحاجة و عيادة المريض- هو أهميتها، المناسب لكون المستثني منه هو الحرمة التكليفية، لا القاطعية و نحوها من الأحكام الوضعية، لأن التنازل عن الأحكام الوضعية من أجل الأهمية و إن كان ممكنا نظير استثناء ردّ السلام من قاطعية الكلام للصلاة، إلا أن الأنسب ارتكازا هو رفع الأهمية للحرمة التكليفية المؤكد للظهور المتقدم.

و لا أقل من كون ذلك مانعا من صلوح خصوصية كون الماهية مركبة لانقلاب ظهور النهي، و لو بأن يبني علي الإجمال، و إن كان بعيدا.

و يناسب ما ذكرنا قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف» (1)، لإشعاره أو ظهوره في أن الخروج إنما يجوز لجواز الفسخ، لا لأمر آخر و هو جواز الإبطال.

و كذا إطلاق ما تضمن حرمة الجماع علي المعتكف (2)، و ثبوت الكفارة به (3)، فإنه و إن تعين حمل بعضه علي خصوص الجماع بعد اليومين الأولين، كصحيح أبي

ص: 455


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من كتاب الاعتكاف حديث: 1.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من كتاب الاعتكاف.
3- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف.

______________________________

ولاد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلي بيتها فتهيأت لزوجها حتي واقعها. فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام و لم تكن اشترطت في اعتكافها، فإن عليها ما علي المظاهر» (1). فإن التعرض فيه لاشتراط الفسخ ظاهر في عدم مشروعية الفسخ في مورد وجوب الكفارة، و هو إنما يكون بعد اليومين الأولين. إلا أنه يبعد حمل جميع النصوص المذكورة علي ذلك. و أبعد منه حملها علي خصوص الجماع في المسجد.

و حينئذ يكون مقتضاها حرمة الجماع خارج المسجد، و ثبوت الكفارة به مع عدم فسخ الاعتكاف، حتي اليومين الأولين، المستلزم لعدم بطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد.

مع أنه لو فرض اختصاص الجميع بما بعد اليومين الأولين فحيث يبعد أو يمتنع حملها علي الجماع في المسجد، يتعين دلالتها علي عدم بطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد، إذ لو بطل لم يكن وجه لحرمة الجماع، فضلا عن ثبوت الكفارة به. و مجرد عدم مشروعية الفسخ بعد اليومين لا تنافي البطلان بالخروج لو كان مبطلا في نفسه، نظير ترك الصوم فيه. فلاحظ.

مضافا إلي أن بطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة مستلزم لكثرة تعرض الاعتكاف للبطلان أو لاحتمال البطلان، لإمكان الخطأ في وجود الحاجة أو تحديد مقدار الخروج الذي يحتاج إليه، أو تعيين الطريق الذي يسلكه المعتكف أو الغفلة، أو النسيان أو الجهل، و كل ذلك يقتضي كثرة السؤال عن فروع ذلك و خصوصياته، فعدم التعرض في النصوص لشي ء من ذلك مناسب لعدم بطلان الاعتكاف بالخروج، غاية الأمر حرمته تكليفا التي لا أثر عملي لها في جميع موارد الخطأ.

بل كثيرا ما يتعرض المعتكف للخروج مدة قليلة من غير حاجة أو لإطالة المكث أكثر من الحاجة تسامحا، فلو كان مبطلا لاحتيج للسؤال عن تحديد الخروج

ص: 456


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

______________________________

المبطل بوجه أوضح، لشدة الحاجة لذلك، بخلاف ما لو كان محرما تكليفا، حيث لا يترتب عليه حينئذ إلا الاستغفار.

هذا كله مضافا إلي أن ما ذكرنا هو مقتضي استصحاب الاعتكاف، لأن بطلانه بالخروج حادث مسبوق بالعدم. نعم لا مجال للاستدلال به في المقام إلا إذا علم بحرمة الخروج تكليفا من إجماع أو غيره، أما لو شك في ذلك فالاستصحاب المذكور معارض بأصالة البراءة من حرمته تكليفا بعد العلم إجمالا بمبطلية الخروج للاعتكاف أو حرمته تكليفا، الموجب لسقوط الأصلين معا.

لكنه غير مهم، لعدم وصول النوبة للأصل بعد ما عرفت و عمدته صحيح داود بن سرحان و أدلة حرمة الجماع علي المعتكف، المؤيدين ببقية الوجوه المتقدمة.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة جميع ما ذكرنا في تقوم الاعتكاف بفرض المكلف علي نفسه اللبث في المسجد، فمع نفوذ ذلك منه يتعين حرمة الخروج تكليفا، نظير حرمة محرمات الإحرام علي المحرم، لا أنه متقوم بنفس اللبث، ليكون الخروج مبطلا له، نظير بطلان الصوم بفعل المفطرات لتقومه بتجنبها، لا بفرض المكلف تجنبها علي نفسه.

و أما الإجماع المدعي في المقام فلا يتضح بنحو معتد به، ليخرج به عما سبق، لأن المتيقن من إجماعهم منافاة الخروج من المسجد للاعتكاف، من دون أن يتضح أن ذلك لمبطليته له، بل لعله لحرمته تكليفا حينه، ففي المعتبر: «و لا يجوز الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه. و عليه اتفاق العلماء»، و في التذكرة: «لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلا لضرورة بإجماع العلماء كافة». بل مقتضي ذكر الخروج في المبسوط في سياق مباشرة النساء و في النهاية في سياق محرمات الإحرام حرمته تكليفا، لا مبطليته للاعتكاف.

نعم ظاهر الغنية و الوسيلة بل صريحهما المبطلية، كما أن ذلك هو مقتضي ما تقدم من أخذهم اللبث في تعريف الاعتكاف، كما سبق. إلا أن ذلك لا ينهض بإثبات إجماع تعبدي صالح لإثبات حكم شرعي، لقرب ابتنائه علي اختلاط مفهوم الاعتكاف

ص: 457

فإذا خرج عمدا لغير الأسباب المسوغة للخروج بطل (1). من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل (2). بخلاف ما إذا خرج نسيانا (3)

______________________________

بحكمه و أثره. و لا سيما مع ما هو المعلوم أو المطمأن به من استنادهم في جميع ذلك للنصوص التي قد عرفت مفادها، لا لأمر آخر قد خفي علينا. فلا مجال للخروج به عما سبق.

نعم إذا طالت مدة الخروج عن المسجد، فالبناء علي بقاء الاعتكاف و إن كان مقتضي الاستصحاب، إلا أنه لا يخلو عن إشكال، لمنافاته لهيئته عرفا، و إن كان في نهوض ذلك بالاستدلال إشكال. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) مما سبق يظهر عدم البطلان به، و إنما يحرم الخروج تكليفا لا غير.

(2) كما أرسله في الجواهر إرسال المسلمات. و هو كذلك لإطلاق أدلة اعتبار استدامة اللبث في صحة الاعتكاف لو تمت. و مجرد العذر ظاهرا في تركه حال الجهل قصورا لا يقتضي صحة الناقص واقعا و إجزاءه.

(3) قال في الجواهر: «بلا خلاف. للأصل. و حديث رفع القلم. و انصراف ما دل علي الشرطية إلي غيره، و لو لاشتماله علي النهي المتوجه إلي غيره». و الكل كما تري.

أما الأصل فكأن المراد به أصالة الصحة و عدم البطلان. و من الظاهر اختصاصه بما إذا شك بعد الفراغ من العمل في الصحة للشبهة الموضوعية، للشك في حال المأتي به و واجديته لما يعتبر في العمل التام، و لا يجري في مثل المقام مما علم فيه بحال المأتي به، و فقده لبعض ما يعتبر في العمل التام، و إنما يشك في الاكتفاء بالناقص للشبهة الحكمية، فإن مقتضي الأصل حينئذ عدم مشروعية الناقص المأتي به، بل هو مقتضي إطلاق دليل اعتبار الجزء المفقود.

و أما حديث رفع القلم فكأن المراد به حديث رفع النسيان، كما صرح به في التذكرة، و هو إنما يقتضي المعذرية حال النسيان، لا صحة العمل الناقص واقعا، و لذا ليس بناؤهم علي ذلك في سائر موارد النسيان، بل يحتاج الاجتزاء بالناقص فيها لدليل خاص.

ص: 458

______________________________

و أما انصراف أدلة الشرطية عن صورة النسيان فهو ممنوع، و لذا لم يكن بناؤهم عليه في غير المقام من موارد الإخلال بالشرط، و أما اشتمال دليل قاطعية الخروج علي النهي فهو- مع عدم عمومه لجميع الأدلة، بل منها ما لا يشتمل عليه كقوله عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: «ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد … » (1)

لا ينافي العموم لحال النسيان، لأن النسيان من سنخ الجهل رافع للتنجز، من دون أن ينافي عموم الخطاب لمورده، بنحو يقتضي فعلية التكليف تبعا لتمامية ملاكه، و لذا كان بناؤهم علي وجوب القضاء في مورده. و لا سيما أن الكلام في المقام يبتني علي عدم سوق النهي للتكليف، بل لبيان شرطية استدامة اللبث للاعتكاف و قاطعية الخروج له، و من الظاهر عدم منافاتهما للنسيان بوجه.

علي أن الانصراف- لو تم- إنما ينفع لو كان هناك إطلاق يقتضي الاجتزاء بالناقص، حيث يكون ذلك الإطلاق هو المرجع في مورد قصور دليل التقييد، أما مع عدم الإطلاق فالمرجع بعد قصور دليل التقييد أصالة عدم المشروعية، و من الظاهر أنه لا إطلاق في المقام يقتضي صحة الاعتكاف مع الخروج من المسجد بناء علي عدم تمامية ما ذكرنا في صحيح داود بن سرحان. و من ثم لا يتضح الوجه فيما ذكروه من عدم بطلان الاعتكاف بالخروج نسيانا.

و كأن منشأ بناء سيدنا المصنف قدّس سرّه علي ذلك مع ظهور كلامه في عدم تمامية استدلالهم علي الصحة هو عدم الخلاف المدعي، أو استبعاد قاطعية الخروج نسيانا مع كثرة الابتلاء به، المستلزم لكثرة بطلان الاعتكاف. و لا سيما مع إغفال ذلك في النصوص.

لكن الأول ليس بنحو ينهض بإثبات حكم شرعي مخالف للإطلاق و الأصل. و أما الثاني فالاستئناس به لعدم قاطعية الخروج للاعتكاف مطلقا أولي من الاستدلال به علي قصور القاطعية عن حال النسيان، كما يظهر بملاحظة ما سبق منا في أصل المسألة.

ص: 459


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

أو كرها (1)، فلا بأس به.

______________________________

(1) كما في التذكرة، مستدلا بحديث الرفع. و زاد عليه في المدارك الاستدلال بالأصل و عدم توجه النهي للفعل المكره عليه. و يظهر الجواب عن جميع ذلك مما سبق في النسيان، فإن حديث الرفع يقتضي عدم التكليف بالعمل التام، لا إجزاء الناقص و صحته. و الأصل يقتضي البطلان، لا الصحة، و عدم توجه النهي للفعل المكره عليه لا ينافي مبطليته.

و استدل له في الجواهر بظهور الأدلة في اختصاص المنافي للاعتكاف بالخروج الاختياري. و لا سيما بملاحظة ما دل علي الرخصة في الخروج فيه للحاجة، و نحوها مما هو أسهل من الإكراه بمراتب.

لكن الظهور في الاختصاص ممنوع بعد الإطلاق، كما أنه لا ينفع علي ما يظهر بملاحظة ما تقدم في النسيان.

و أما الرخصة في الخروج للحاجة، فإن كان المدعي عمومها لما نحن فيه كما يظهر من بعض مشايخنا رحمه اللّه، لدعوي: أن مفاد أدلته عدم قاطعية الخروج اضطرارا، و الإكراه من أفراد الاضطرار، غايته أن الضرورة نشأت من توعيد الغير. فهو كما تري، لعدم أخذ الاضطرار في أدلته، ليدعي شموله للإكراه. بل موضوعها الخروج للحاجة، و هو ظاهر في كون الغرض من الخروج الإتيان بعمل خارج المسجد يحتاج إليه، كعيادة المريض و الغسل و الوضوء و نحوهما لا مجرد وجود الداعي الملح للخروج من المسجد كالفرار من حره، أو برده، ليعم مثل الانصياع للمكره و الفرار عن الضرر الذي توعد به.

و مثله ما احتمله سيدنا المصنف قدّس سرّه حيث قال: «بل قد يقال بأن دفع الضرر المتوعد عليه المكره من أعظم الحوائج و أهمها، فيشمله ما دل علي جواز الخروج للحاجة»، حيث يتضح بما سبق أن الحاجة هي الأمر الذي يريد قضاءه خارج المسجد، لا ما يعم الفرار من الضرر الحاصل علي تقدير البقاء في المسجد. و إن كان المراد الاسئناس به لما نحن فيه، بتقريب أن الترخيص في الخروج للحاجة يناسب

ص: 460

و كذا لو خرج لحاجة لا بد له منها (1)

______________________________

الترخيص مع الإكراه الذي هو أشدّ منها بمراتب. فهو غير بعيد. لكن في بلوغه حدّ الاستدلال إشكال.

هذا و في المبسوط: «و إذا أخرجه السلطان ظلما لا يبطل اعتكافه، و إنما يقضي ما يفوته». لكن مع فرض عدم بطلان الاعتكاف لا يتضح وجه قضاء المدة التي خرج فيها.

و دعوي: أنه بناء علي أن الاعتكاف هو اللبث في المسجد فتحديده بثلاثة أيام يقتضي لزوم المكث طول هذه المدة، فمع فوت بعضها للإكراه يجب تدارك ما فات بالقضاء.

مدفوعة: بأن مقتضي تسويغ الخروج في حال عدم لزوم اللبث في ذلك الحال في ضمن الثلاثة، ليجب تداركه. و لذا لا إشكال في عدم وجوب قضاء المدة التي يخرج فيها إذا كان خروجه لأجل بقية المسوغات.

و دعوي: أن ذلك يختص بالمسوغات المنصوصة بالخصوص، لظهور أدلتها في عدم وجوب قضائها، و لا يجري فيما استفيد تسويغه من عموم دليل الإكراه، لعدم ظهور دليله في ذلك، بل يتعين وجوب القضاء فيه، و لا وجه لحمله علي المسوغات المنصوصة.

مدفوعة: بأن أدلة الاعتكاف كما تضمنت وجوب المكث مدة ثلاثة أيام تضمنت لزوم الاتصال و التوالي فيها، فما دل علي جواز الخروج للإكراه إن لم يحمل علي الخروج للمسوغات المنصوصة في العفو و عدم وجوب التدارك فلا وجه لرفع اليد به عن اعتبار التوالي دون لزوم المكث، بل مقتضي إطلاق دليل اعتبار التوالي البناء علي بطلان الاعتكاف بعد ما سبق من عدم منافاة رفع الإكراه للبطلان.

(1) ففي الجواهر دعوي الإجماع بقسميه علي جواز الخروج للأمور الضرورية.

و يقتضيه الجمع بين ما أطلق فيه جواز الخروج للحاجة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة» (1)، و ما قيد فيه بالحاجة التي لا بد منها، كقوله عليه السّلام في صحيح داود بن سرحان المتقدم: «لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها» (2)، و غيره. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

ص: 461


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 5، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 5، 3.

من بول أو غائط (2)، أو غسل جنابة (3)،

______________________________

(2) بلا إشكال. لدخولهما في الحاجة اللازمة. و لخصوص صحيح عبد اللّه بن سنان الآتي في الغائط، مع ظهور إلحاق البول به، أو أولويته منه عرفا.

نعم بناء علي حمل الحاجة علي خصوص الحاجة الضرورية، قد يدعي الاقتصار فيهما علي صورة الضرورة و تعذر الانتظار، مع تعذر إيقاعهما في المسجد، لاستلزامهما هتكه أو تنجيسه تنزيلا لإطلاق الصحيح علي ذلك، جمعا بينه و بين النصوص المقتصرة علي الحاجة التي لا بد منها، و لا سيما مع بعد العمل بإطلاقه بالبناء علي جوازهما حتي لو كانا متكلفين من دون حاجة أصلا. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

(3) بلا إشكال أيضا لو لزم من الغسل في المسجد تنجيسه، أو هتكه، أو زيادة المكث فيه علي زمان الخروج، حيث لا بد حينئذ من إيقاع الأمور المذكورة خارج المسجد، من أجل الحكم الشرعي، و هو حرمة تنجيس المسجد و هتكه و حرمة مكث الجنب في المسجد. أما لو لم يلزم شي ء من ذلك فقد يدعي عدم جواز الخروج، لعدم لزوم الحاجة حينئذ، كما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره.

لكن من القريب جدا حمل اللابدية في الحاجة علي اللابدية العرفية، بمعني أهمية الحاجة بحيث لا ينبغي التهاون بها مع لزوم الخروج لها عرفا، حيث لا يبعد انسباق ذلك من الإطلاق، دون خصوص الضرورة خارجا أو شرعا أو عرفا.

و لا سيما مع كونه أنسب بإطلاق الحاجة في النصوص الأخر، فإن حمله علي خصوص الحاجة الضرورية بعيد جدا، بخلاف حمله علي الحاجة التي لا بد منها عرفا، فإنه قريب بلحاظ ظهور النصوص في اهتمام الشارع بالمكث في المسجد.

بل ذلك هو الأنسب بالجمع بين ما تضمن استثناء الحاجة التي لا بد منها و ما تضمن استثناء خصوص بعض الحوائج التي لا بد منها من دون أن تبلغ مرتبة الضرورة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلي الجمعة أو جنازة أو غائط» (1). لوضوح عدم وجوب حضور

ص: 462


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

أو استحاضة أو مس ميت (1)، و إن كان السبب باختياره (2).

و يجوز الخروج للجنائز (3)، لتشييعها و الصلاة عليها و دفنها

______________________________

الجمعة عند عدم بسط يد الإمام الحق، و لا حضور الجنازة مطلقا، و عدم اطراد كون الخروج للغائط ضروريا حقيقة.

و حينئذ فمن البعيد جدا انفراد كل من الطائفتين بمستثني يخصها، بل الأقرب رجوع أحدهما للآخر، بحمل اللابدية علي اللابدية العرفية، لتكون الحوائج المذكورة من مواردها.

و لا سيما بملاحظة الجمع بينها في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتي يرجع، و لا يخرج في شي ء إلا لجنازة أو يعود مريضا … » (1).

فإن إرجاع ذيله لصدره بالبناء علي ما ذكرنا أنسب جدا بظاهر الكلام من الالتزام بتباين المضمونين.

و ما ذكرنا هو الظاهر من غير واحد من الأصحاب، لذكرهم لكثير من المستثنيات غير ما تضمنته النصوص، كالأمور التي يأتي من سيدنا المصنف قدّس سرّه التوقف في جوازها و غيرها. بل هو صريح استدلال بعضهم علي جواز بعض الأمور بأنها من القربات إلي غير ذلك مما يظهر منهم. نعم لا يبعد إفراط بعضهم فيها، كما يظهر بملاحظة كلماتهم و لا يسعنا استقصاؤها. فلاحظ.

(1) لا يدخل الغسل لهما في الضرورة إلا إذا تعذر الغسل في المسجد و لو للزوم هتكه، كما سيأتي منه قدّس سرّه، لعدم حرمة المكث عليهما في المسجد.

(2) لأن وقوع السبب باختياره لا ينافي تحقق الضرورة للخروج بعد فعله.

(3) كما هو المعروف، بل عن المنتهي نسبة جواز تشييعها لعلمائنا. و يقتضيه- مضافا إلي عموم الخروج للحاجة في الجملة- صحيحا عبد اللّه بن سنان و الحلبي المتقدمان.

ص: 463


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 2.

و تغسيلها و تكفينها (1)، و لعيادة المريض (2)، أما تشييع المؤمن و إقامة الشهادة و تحملها و غير ذلك من الأمور الراجحة ففي جوازها إشكال (3).

______________________________

(1) ظاهر إطلاق الخروج للجنازة في الصحيحين إرادة تشييعها و ما يتبع التشييع من حضور الصلاة و الدفن، دون التغسيل و التكفين، و التعميم لهما غير ظاهر. و مثلهما التحنيط و حفر القبر و دفن الميت فيه و التلقين حينه و بعده و غير ذلك من شئون الميت.

نعم يتجه التعميم بناء علي ما سبق من حمل اللابدية في الحاجة علي اللابدية العرفية، بلحاظ أهمية استحباب هذه الأمور. بل قد يستفاد من الصحيحين بإلغاء خصوصية ما ينصرفان إليه مما سبق.

هذا و من القريب انصراف الصحيحين لخصوص جنازة المؤمن. أما الخروج لجنازة غيره فلا بد من رجحانه لعنوان ثانوي معتد به، بحيث يصدق أنه حاجة لا بد منها.

(2) بلا خلاف أجده، بل في التذكرة إنه قول علمائنا أجمع. كذا في الجواهر:

و يقتضيه صحيح الحلبي المتقدم. و لا مجال لتقييده بصورة الضرورة، لندرتها فيه.

نعم لا بأس بحمله علي خصوص عيادة المؤمن، و توقف الخروج لعيادة غيره علي رجحانه لعنوان ثانوي، ليكون من أفراد الحاجة التي لا بد منها، نظير ما سبق في الجنازة.

(3) يبتني علي ما سبق الكلام فيه. فإن حملت اللابدية في الحاجة علي الضرورة، كان المدار في كل حاجة علي بلوغها حد الضرورة التكوينية، أو الشرعية بلحاظ توقف امتثال التكليف الشرعي عليها، بل قد يدعي العموم للضرورة العرفية، و إن حملت علي ما سبق منا تقريبه كان المدار علي أهمية ملاكها، بحيث لا ينبغي التهاون بها.

هذا و في خبر ميمون بن مهران قال: «كنت جالسا عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: إن فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني. فقال: و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك. قال: فكلمه. قال: فلبس عليه السّلام نعله. فقلت له: يا ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس، و لكني

ص: 464

كما أن الأحوط وجوبا مراعاة أقرب الطرق (1) و عدم زيادة المكث عن

______________________________

سمعت أبي يحدث عن جدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: أنه قال: من سعي في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد اللّه عز و جل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله» (1). و قد يدعي دلالته علي جواز خروج المعتكف من المسجد للسعي في حاجة المؤمن.

و أجيب عن ذلك- مضافا إلي ضعف سند الخبر- بأن خروجه عليه السّلام كما يمكن أن يكون لعدم قدح الخروج في الاعتكاف يمكن أن يكون للعدول عن الاعتكاف للأهمية كما تضمنته النصوص المتقدمة عند الكلام في زمان الاعتكاف (2)، و لا قرينة علي الأول.

نعم بناء علي ما سبق منا من عدم قدح الخروج في الاعتكاف، بل هو محرم تكليفا لا غير ينهض الخبر- لو لا ضعف سنده- بإثبات جواز الخروج للسعي في قضاء حاجة المؤمن تكليفا. كما أنه بناء علي ما سبق من تقريب عموم الحاجة المسوغة للخروج لكل حاجة مهمة يتعين عدم بطلان الاعتكاف بالخروج للسعي المذكور حتي لو قلنا بمبطلية الخروج للاعتكاف لأهمية استحبابه جدا.

(1) قال في الجواهر: «عن الأصحاب أنهم أوجبوا تحري أقرب الطرق إلي موضع قضاء الحاجة و نحوه يجري في غيره». و كأنه لأن المستفاد مما دل علي عدم جواز الخروج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها اهتمام الشارع بالمكث في المسجد و الاقتصار في جواز الكون في خارجه علي قدر الحاجة الذي يكفي فيه سلوك أقرب الطرق. و به يخرج عن الإطلاق.

لكن التقيد بأقرب الطرق مما يغفل عنه كثيرا بسبب تكثر الدواعي للخروج عنه من عادة أو فرار عن ملاقاة المارة أو عن حزونة الطريق أو غير ذلك بل كثيرا ما يغفل عن تشخيصه، فعدم التنبيه عليه في النصوص موجب لظهورها في عدم لزوم التقيد بذلك، خصوصا مع ما هو المعلوم من عدم البناء علي التقيد في السير و لا في قضاء الحاجة نفسها بأقصر الوجوه، لما في ذلك من الكلفة المحتاجة للتنبيه.

ص: 465


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 4.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من كتاب الاعتكاف.

قدر الحاجة (1). بل ليس له التشاغل فيها علي وجه تنمحي صورة الاعتكاف (2)، و إلا بطل و إن كان سهوا أو اضطرارا. و الأحوط وجوبا ترك الجلوس (3).

______________________________

نعم إذا كان الفارق كثيرا ظاهرا في الطريق أو في كيفية قضاء الحاجة يتعين تجنبه بمقتضي المرتكزات المغنية عن التنبيه و الكافية في البيان المخرج عن الإطلاق.

(1) يظهر الحال فيه مما سبق.

(2) لانصراف نصوص الترخيص في الخروج عن مثل ذلك، و اختصاصها بالخروج الموقت. و الظاهر أن المعيار في ذلك علي ما إذا صدق الاعراض عن الاعتكاف، لطول الزمان كثيرا في مقابل الخروج الموقت. و إن كان تحديد ذلك صغرويا في غاية الإشكال.

و أشكل من ذلك الحال بناء علي ما سبق منا من حرمة الخروج تكليفا من دون أن يبطل الاعتكاف، حيث يشكل جدا البناء علي بطلان الاعتكاف مع طول المدة، نظير عدم بطلان الإحرام مهما طالت مدة ارتكاب محرماته فيه.

(3) فقد أطلق المنع عنه في النهاية و الوسيلة. و قد يستدل له بصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتي يرجع … » (1)، و صحيح الحلبي عنه عليه السّلام:

: «قال: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتي يرجع … و لا يخرج في شي ء إلا لجنازة أو يعود مريضا، و لا يجلس حتي يرجع» (2). لكن عطف الجلوس فيهما ب (ثم) ظاهر في عدم جواز الجلوس بعد قضاء الحاجة و لزوم المبادرة بالرجوع، لا في حرمة الجلوس الذي قد تقتضيه الحاجة. و أما قوله في ذيل صحيح الحلبي: «و لا يجلس حتي يرجع»، فظاهره تأكيد ما في صدره، لا بيان حكم آخر، كما يناسبه قوله: «حتي يرجع».

ص: 466


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2.

و لو اضطر إليه اجتنب الظلال (1).

______________________________

و لا سيما مع ما هو المعلوم من عدم تأدي كثير من الحوائج إلا بالجلوس، خصوصا مثل البول و الغائط، حيث يصلح ذلك قرينة للحمل علي ما ذكرنا. و لا أقل من إجماله من هذه الجهة المانع من الاستدلال به. و إن كان الأمر أظهر من ذلك.

(1) فقد صرح بعدم جوازه في الشرائع، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه».

و في الانتصار: «و مما ظن انفراد الإمامية به القول بأن المعتكف ليس له إذا خرج من المسجد أن يستظل بسقف حتي يعود إليه … و الحجة للإمامية الإجماع المتقدم … ».

و استدل له بصحيح داود بن سرحان: «قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني أريد أن اعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض علي نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك» (1).

لكن من الظاهر عدم تأدي كثير من الحوائج إلا بالجلوس تحت الظلال، خصوصا عيادة المريض و البول و الغائط، حيث قد يصلح ذلك قرينة علي حمله علي بيان النهي عن الجلوس تحت الظلال بعد قضاء الحاجة التي خرج لها، نظير ما تقدم في مطلق الجلوس، كما قد يناسبه قوله عليه السّلام: «حتي تعود إلي مجلسك»، حيث قد يراد به بيان الاهتمام بالعود، كما سبق نظيره في ذيل صحيح الحلبي في مطلق الجلوس، و كذا في صدره و في صحيح داود لكن مع العطف ب (ثم)، فإن النظر في مجموع النصوص المذكورة إن لم يكن شاهدا بإرادة هذا المعني من الصحيح فلا أقل من كونها موجبة لإجماله.

و يكون تخصيص الظل بالنهي لأنه ادعي لطلب الراحة بالجلوس و التمادي في الخروج من المسجد، فهو مظنة المكث خارج المسجد لا للحاجة، لا لاختصاص النهي به.

و أما الإجماع المدعي فلا يتضح بوجه معتد به بعد عدم تعرض الشيخ في الخلاف له، و لا الصدوق في المقنع، و اقتصاره في الفقيه علي ذكر الصحيح القابل للحمل علي ما سبق. و بعد إطلاق النهي عن الجلوس في النهاية و الوسيلة و ظاهر

ص: 467


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.

______________________________

النافع و محتمل الشرائع من دون خصوصية للظلال، و بعد ظهور ما سبق من الانتصار في النهي عن مطلق التظليل، الشامل لحالي المشي و الوقوف، كاختصاص النهي عن التظليل في النهاية و التذكرة بالحالين المذكورين، مع الاختلاف بينهم في استثناء الضرورة و عدمه، فإن ذلك بمجموعه مانع من تحصيل الإجماع، و من الوثوق بدعواه بنحو تنهض بإثبات الحكم مع قطع النظر عن الصحيح.

مع أن المراد بالجلوس تحت الظل المحرم في كلامهم إن كان ما يعم الجلوس الذي تقتضيه الحاجة التي خرج لها فلا يظن منهم البناء عليه، لاستلزامه كثرة تعطل الحاجات المذكورة، و اضطراب الحال كثيرا، حيث قد لا يتيسر قضاؤها إلا تحت الظل، مع الاضطرار إلي بعضها كالتخلي.

و إن كان هو الجلوس الممكن تجنبه في الحاجة التي خرج لها، من دون أن يقتضي تعطيلها، فلو دار الأمر في التخلي بين مكانين مسقوف و غيره اختار الثاني، أما الجلوس الذي تتوقف عليه الحاجة المذكورة فهو حلال غير مبطل للاعتكاف، فالصحيح لا ينهض به، لظهوره في كون القعود تحت الظل منهيا عنه في مقابل النهي عن الخروج إلا لحاجة لا بد منها، و لازمه أن الحاجة و إن أحلت الخروج إلا أنها لا تحلل القعود تحت الظل، فمع توقفها عليه لا يشرع طلبها و لا يشرع الخروج لها.

و أما دعوي: أن ذلك و إن كان هو ظاهر الصحيح، إلا أنه يجب الخروج عن إطلاقه بحكم الضرورة، حيث لا مجال للبناء علي حمل الترخيص في الخروج للحاجة علي خصوص الحاجة التي لا تستلزم الجلوس تحت الظل، و لا سيما مع أنها قد تكون ضرورية كالتخلي، فلا بد من استثنائها و حمل الصحيح علي خصوص الجلوس الذي يمكن قضاء الحاجة بدونه.

مدفوعة: بأن ذلك ليس بأولي من حمل الصحيح علي ما ذكرنا و هو النهي عن خصوص الجلوس الزائد علي ما تقتضيه الحاجة التي خرج لها، بل لعل ذلك هو الأولي. فلاحظ.

ص: 468

مع الإمكان (1)

______________________________

(1) قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «كأنه لانصراف دليل المنع إليه». لكن لم يتضح منشأ الانصراف. و مجرد اقتضاء الحاجة لذلك لا يكفي بعد إمكان عدم الخروج لها.

نعم قد يدعي القطع بعدم بناء الشارع علي تعطيل الحاجة الكاشف عن تقييد النهي عن الجلوس تحت الظل بما إذا أمكن قضاء الحاجة بدونه، كما سبق. لكن سبق أيضا أن التصرف في الصحيح بذلك ليس بأولي من حمله علي النهي عن الجلوس تحت الظل زائدا عما تقتضيه الحاجة التي خرج إليها.

و مثله في الإشكال ما ذكره بعض مشايخنا (ره) من أن الصحيح حيث كان واردا في بيان ما يفرضه المعتكف علي نفسه فهو قاصر عن صورة التعذر.

وجه الإشكال: أن ذلك يختص بالتعذر المطلق، لا تعذر ترك الجلوس تحت الظل حال الخروج، لإمكان فرض المكلف ذلك علي نفسه، و تطبيقه عملا بترك الخروج، مع أن تعذر فرض ذلك يقتضي تعذر فرض الاعتكاف و عدم مشروعيته لو كان هو شرطا فيه، لا مشروعية الاعتكاف الناقص، نظير ما لو تعذرت استدامة اللبث في المسجد، حيث لا يحتمل معه مشروعية الاعتكاف علي أن يكون اللبث متقطعا غير مستمر.

بقي في المقام أمران ذكرهما بعض الأصحاب:

الأول: تقدم من غير واحد عدم جواز المشي و الوقوف تحت الظلال. و لم يتضح الوجه فيه. نعم قال في الوسائل في ذيل الباب الثامن من أبواب الاعتكاف: «و تقدم ما يدل علي عدم جواز الجلوس و المرور تحت الظلال للمعتكف».

لكن نبه سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره إلي أنه لم يتقدم منه ما يشهد بالمنع من المرور تحت الظلال. بل صحيح داود بن سرحان المتقدم لما كان واردا لتحديد الاعتكاف فهو ظاهر في جواز ذلك.

كما أنه لا يتم حتي لو قيل بحرمة محرمات الإحرام علي المعتكف، لأن المحرم حال الإحرام هو السير تحت الظل المنتقل، دون السير تحت الظل الثابت، فضلا عن

ص: 469

______________________________

الوقوف تحته.

الثاني: قال في الشرائع في بيان ما يحرم علي المعتكف: «و لا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة، فإنه يصلي أين شاء». و في الجواهر: «بلا خلاف أجده».

و يقتضيه غير واحد من النصوص، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، و المعتكف بغيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه» (1)، و صحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: «سمعته يقول: المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء عليه صلي في المسجد أو في بيوتها … و لا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة، فإنه يعتكف بمكة حيث شاء، لأنها كلها حرم اللّه» (2)، و غيرهما.

و قد حمل الشيخ ما في ذيل الثاني من جواز الاعتكاف بمكة حيث شاء علي إرادة جواز صلاة المعتكف، ليناسب المستثني منه. و هو قريب جدا، و لا سيما مع ما هو ظاهر جملة من النصوص من خصوصية المسجد الحرام في الاعتكاف، لا عموم مكة، بل لا يبعد وقوع التصحيف في الصحيح لأجل ذلك. و حينئذ فمقتضي التعليل في الذيل جواز الخروج من المسجد في مكة حتي لغير الصلاة. لو لا عدم ظهور قائل بذلك، و عدم خلو الحديث مع ذلك عن الإشكال.

و كيف كان فما تضمنه الصحيحان من النهي عن الصلاة في غير المسجد في غير مكة ظاهر في عدم كون الصلاة من مسوغات الكون خارج المسجد، كما هو أيضا مقتضي عموم ما تضمن النهي عن الخروج من المسجد إلا في حاجة لا بد منها، و لا ظهور له في عدم جواز الصلاة في غير المسجد حتي لو ساغ الكون خارج المسجد حينها لحاجة مسوغة للخروج، كما لو خرج لتشييع جنازة و انتظر دفنها، و أراد الصلاة حال انتظاره، لأن ذلك لا يناسب المستثني، و هو حكم الصلاة في مكة، الذي يراد به جواز إيقاعها خارج المسجد و لو من غير حاجة، لا مجرد عدم اشتراطها بالوقوع في المسجد، مع المنع من الكون في خارج المسجد لأجلها.

ص: 470


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 3.
[(مسألة 6): إذا أمكنه أن يغتسل في المسجد]

(مسألة 6): إذا أمكنه أن يغتسل في المسجد فالظاهر عدم جواز الخروج لأجله إذا كان الحدث لا يمنع من المكث في المسجد (1)، كمس الميت.

______________________________

كما أن ذلك هو المناسب لما تقدم في صحيح عبد اللّه بن سنان (1) من جواز الخروج من المسجد للجمعة. فلاحظ.

(1) تقدم تقريب جواز الخروج إذا عدّ الغسل خارج المسجد من الحوائج العرفية، نعم لا يجب الخروج حينئذ.

ص: 471


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 2.

ص: 472

[فصل الاعتكاف في نفسه مندوب. و يجب بالعارض من نذر و شبهه]

اشارة

فصل الاعتكاف في نفسه مندوب (1). و يجب بالعارض من نذر و شبهه.

فإن كان واجبا معينا فلا إشكال في وجوبه قبل الشروع فضلا عما بعده.

و إن كان واجبا مطلقا أو مندوبا فالأقوي عدم وجوبه بالشروع (2)، و إن

______________________________

(1) بلا إشكال ظاهر، بل بإجماع العلماء، كما في التذكرة، و عليه الإجماع بقسميه من المسلمين، كما في الجواهر. و يقتضيه ما تضمن اعتكاف النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في شهر رمضان (1)، و ما يستفاد منه استحباب اعتكاف شهرين متتابعين، أو في المسجد الحرام، أو من الأشهر الحرم (2).

نعم لا إطلاق لها من حيثية زمان الاعتكاف. إلا أن يستفاد المفروغية عن العموم من سكوت النصوص عن التعرض لهذه الجهة، كما تقدم عند الكلام في زمان الاعتكاف في أوائل هذا البحث.

(2) كما في النهاية و الوسيلة و الشرائع، و عن ابني الجنيد و البراج، و جماعة.

بل في الجواهر أنه المشهور. لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و [أن] يفسخ الاعتكاف [اعتكافه]، و إن قام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن [يخرج و] يفسخ اعتكافه حتي تمضي [يمضي] ثلاثة أيام» (3).

مؤيدا أو معتضدا بصحيح أبي عبيدة عنه عليه السّلام: «من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين

ص: 473


1- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 1 من أبواب كتاب الاعتكاف.
2- راجع وسائل الشيعة ج: 7 باب: 12 من أبواب كتاب الاعتكاف.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 1، و قد نقلناه عن الكتب الأربعة.

______________________________

بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتي يتم ثلاثة أيام أخر» (1). فإن مقتضي المفهوم في ذيله جواز الخروج قبل إكمال الثلاثة الأخر إذا لم يقم يومين. نعم هو لا يشمل الثلاثة الأول، بل يختص بما زاد عليها.

و في المبسوط و عن أبي الصلاح وجوبه بمجرد الشروع فيه، مستثنيا في الأول صورة الشرط. و لعله مراد الكل. و وافقهما في الغنية و إشارة السبق في الثلاثة الأول، مع التصريح بجواز الرجوع بعد الثلاثة ما لم يزد يومين، فيجب السادس، مدعيا في الأول الإجماع.

و كيف كان فقد يستدل له بوجوه:

الأول: ما في المبسوط من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام. و هو كما تري إنما ينهض ببيان أن عدم المضي في الاعتكاف و الخروج عنه قبل الثلاثة أيام يوجب بطلانه و عدم الاعتداد بما وقع منه، فلا يصح اعتكافا، و لا ينهض ببيان وجوب المضي فيه، و عدم جواز الخروج عنه.

الثاني: النهي عن إبطال العمل. و فيه: أنه ينحصر الدليل علي عمومه بقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2).

و هو ظاهر في إبطال العمل بعد تماميته، لأن ذلك هو معني الإبطال عرفا، كما في قوله تعالي: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذي (3)، و إطلاقه علي العدول عن إتمام العمل عند الفقهاء و نحوهم توسع قد يكون منشؤه عدم ابتلائهم بإبطال العمل بالمعني الأول بالإضافة إلي الأثر المهم عندهم، و هو الإجزاء، و ليس محل ابتلائهم بالإضافة إلي الأثر المذكور إلا المعني الثاني.

و من ثم يتعين حمل الآية علي الإرشاد إلي تجنب ما يوجب إحباط العمل و سقوطه عن مقام الجزاء و الثواب، كالمن بالصدقة، و ذكر العمل بعد وقوعه تبجحا،

ص: 474


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 3.
2- سورة محمد الآية: 33.
3- سورة البقرة الآية: 264.

______________________________

أو العجب به و الإدلال به و المنّ علي اللّه تعالي، و مشاقة الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم، و نحو ذلك مما ورد أنه محبط للعمل (1).

كما يناسبه صدرها و سياقها مع قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدي لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (2).

و استشهاد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم بها لذلك كما في موثق أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: من قال سبحان اللّه، غرس اللّه له بها شجرة في الجنة، و من قال: الحمد للّه، غرس اللّه له بها شجرة في الجنة. و من قال: لا إله إلا اللّه، غرس اللّه له بها شجرة في الجنة، و من قال: اللّه أكبر، غرس اللّه له بها شجرة في الجنة، فقال رجل من قريش: يا رسول اللّه إن شجرنا في الجنة كثير، فقال: نعم، و لكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها و ذلك أن اللّه عز و جل يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (3).

و لا سيما مع أن حملها علي العدول عن إتمام العمل مستلزم لتخصيص الأكثر المستهجن، لجواز ذلك في جميع الواجبات و المستحبات، عدا الحج، و صلاة الفريضة في بعض الموارد، و قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و نحو ذلك. و هو قليل جدا بالإضافة إلي العموم المذكور.

الثالث: النصوص الدالة علي وجوب الكفارة بالجماع علي المعتكف، لظهورها في حرمة إبطال الاعتكاف و لو في اليومين الأولين.

و قد أجاب عنه غير واحد بوجوه:

أولها: أنه لا ملازمة بين وجوب الكفارة و حرمة القطع، لثبوت وجوبها مع الاضطرار لبعض منافيات الإحرام كالتظليل، و في القتل الخطئي و غيرهما.

ص: 475


1- راجع وسائل الشيعة ج: 1 باب: 14، 23 من أبواب مقدمة العبادات.
2- سورة محمد الآية: 32.
3- وسائل الشيعة ج: 4 باب: 31 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة حديث: 5.

______________________________

و هو كما تري فإن إمكان ذلك وقوعه إنما يقتضي عدم الملازمة العقلية، و لا ينافي الملازمة العرفية، المقتضية لظهور دليل الكفارة في الحرمة و انصرافه إلي ذلك.

و من ثم بني غير واحد علي أن الكفارة إنما تلزم في الإفطار العمدي إذا وقع علي وجه العصيان و التمرد.

علي أنه لا مجال لذلك في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله فقال [قال] هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (1). فإن عموم التنزيل كما يقتضي الكفارة يقتضي الحرمة. بل الظاهر عدم الإشكال فيه في المقام. و لذا اقتصر غير واحد في ثبوت الكفارة في جماع المعتكف علي ما إذا كان الاعتكاف واجبا مع عدم الدليل علي تقييد الإطلاق المذكور إلا ما ذكرنا من الانصراف.

ثانيها: أنه لو تمت الملازمة بين الكفارة و حرمة القطع تعين تقييد وجوب الكفارة بصحيح محمد بن مسلم المتقدم المتضمن للتفصيل في جواز القطع بين اليومين الأولين و اليوم الثالث.

و يشكل بأن حمل نصوص الكفارة علي خصوص اليوم الثالث بعيد جدا مع عدم الإشارة للتفصيل المذكور فيها علي كثرتها. نعم قد يمكن في بعضها، علي ما أشرنا إليه في أول الكلام في الشرط السادس من شروط الاعتكاف. فراجع.

ثالثها: ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن الملازمة لو تمت إنما تقتضي حرمة الإبطال بالجماع الذي وردت فيه الكفارة، لا مطلقا و لو فيما لا كفارة فيه، كالإبطال بالخروج من المسجد و من دون حاجة.

لكنه و إن كان مسلما في الجملة، إلا أنه لا ينفع في بطلان الاستدلال بعد ظهور الاتفاق علي عدم الفرق بين أسباب الإبطال، و أنه إن جاز الإبطال جاز مطلقا و لو بالجماع، و إن حرم حرم مطلقا و لو بغير الجماع.

فالأولي في الجواب عن ذلك: أن النصوص المذكورة حيث دلت علي حرمة الجماع علي المعتكف فهي لا تنافي جواز إبطال الاعتكاف و فسخه قبل الجماع الذي هو

ص: 476


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 2.

______________________________

مفاد صحيح محمد بن مسلم المتقدم، لخروج المكلف بالفسخ عن موضوعها، و هو كونه معتكفا. و حينئذ يختص وجوب الكفارة في اليومين الأولين بما إذا بقي المعتكف علي اعتكافه و لم يفسخه و لو فسخه فلا كفارة. أما بعد اليومين الأولين فحيث لا يشرع الفسخ بمقتضي صحيح محمد بن مسلم فاللازم ثبوت الكفارة بالجماع مطلقا.

و دعوي: أنه حيث لا مجال لحمل نصوص الكفارة علي الجماع في المسجد، لندرته، و لصراحة بعضها في الجماع خارج المسجد، فلو جاز إبطال الاعتكاف في اليومين الأولين تعين عدم وجوب الكفارة، لبطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد قبل الجماع.

مدفوعة بأن الكلام إنما هو في جواز الإبطال و عدمه، لا في تحقق البطلان بالخروج و عدمه، بل ظاهر ما ذكروه من بطلان الاعتكاف بالخروج مفروغيتهم عن مبطليته له في اليومين الأولين، بل في اليوم الثالث أيضا، فيتجه الإشكال المذكور حتي بناء علي حرمة الإبطال، و لا يندفع إلا بناء علي ما سبق منا من عدم مبطلية الخروج للاعتكاف، بل يحرم الخروج تكليفا مع بقاء الاعتكاف و ترتب حكمه، و حينئذ يجري التفصيل المتقدم.

الرابع: ما تضمن وجوب القضاء علي المريض و الحائض، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة، فانه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ، و يصوم» (1)، و صحيح أبي بصير عنه عليه السّلام: «في المعتكفة إذا طمثت قال: ترجع إلي بيتها، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» (2)، و موثق أبي بصير عنه عليه السّلام: «قال: و أي امرأة كانت معتكفة، ثم حرمت عليها الصلاة، فخرجت من المسجد فطهرت، فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتي تعود إلي المسجد و تقضي اعتكافها» (3)، بدعوي: أن مقتضي إطلاقها العموم لحدوث المرض أو الحيض في اليومين الأولين.

ص: 477


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 2 باب: 51 من أبواب الحيض حديث: 2.

______________________________

لكن لا يخفي أن ذلك لو تم لا يقتضي وجوب المضي في الاعتكاف بالشروع فيه، و إنما يقتضي وجوب الاعتكاف بالشروع فيه و إن جاز قطعه، نظير الواجب الموسع. و حينئذ لا تنافي بين هذه النصوص و الصحيحين المتقدمين الدالين علي جواز فسخ الاعتكاف في اليومين الأولين.

اللهم إلا إن يقال: ما تضمنه موثق أبي بصير من لزوم المبادرة للقضاء، بحيث يمنع الزوج من المواقعة قبله لا يناسب جواز قطع الاعتكاف، لأن لزوم المبادرة بإتمام العمل أولي عرفا من لزوم المبادرة لقضائه لو لم يتمه. و لا أقل من عدم مناسبة ذلك للصحيحين المتقدمين اللذين هما كالصريحين في جواز الخروج من المسجد قبل إتمام اليومين و عدم وجوب المبادرة للرجوع فيه. بل لعل السكوت فيهما عن وجوب القضاء علي تقدير الخروج و لو مع السعة موجب لظهورهما في عدمه، لشدة الحاجة للتنبيه له لو كان واجبا. و لا سيما و إن قضاء اعتكاف كامل أشد علي المكلف من إتمام الاعتكاف الذي بيده، فترخيصه بترك ما بيده مع عدم التنبيه للتدارك لا يناسب وجوبه جدا.

و من ثم كان الصحيحان المتقدمان منافيين للإطلاق المذكور، و يتعين تقييده بهما، لقوة ظهورهما- و لا سيما صحيح محمد بن مسلم- في جواز فسخ الاعتكاف قبل إكمال اليومين الأولين و عدم ترتب الأثر عليه بعد الفسخ. و حمل الإطلاق علي ذلك و إن كان لا يخلو عن صعوبة، إلا أنه أهون من طرح الصحيحين أو حملهما علي وجوب القضاء مع الفسخ.

و لو فرض استحكام التعارض بينهما و بينه تعين البناء علي جواز الفسخ قبل إكمال اليومين الأولين عملا بالأصل بعد تساقط النصوص المتقدمة بالتعارض.

و لعل الأقرب حمل نصوص القضاء المتقدمة علي مجرد مشروعية استئناف الاعتكاف، لبيان عدم إمكان الاستمرار فيه مع المرض أو الحيض، المقتضي لمشروعية القضاء أو الإعادة، المستلزمة لوجوبه لو كان الاعتكاف واجبا، و استحبابه لو لم يكن كذلك، كما قد يناسبه قوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير: «قضت ما عليها» الظاهر

ص: 478

______________________________

في تفرع القضاء علي المفروغية عن اشتغال ذمتها بالاعتكاف. و قوله في صحيح ابن الحجاج: «و يصوم» الظاهر في سوق الكلام لبيان شرطية الاعتكاف بالصوم المستلزم لبطلانه بتعذره. و قرب سوق قوله في موثق أبي بصير: «فليس ينبغي لزوجها» لمجرد بيان المرجوحية، لا الحرمة.

كما قد يؤيد بمعتبر عقبة عنه عليه السّلام: «في امرأة اعتكفت، ثم إنها طمثت قال:

ترجع، ليس لها اعتكاف» (1)، فإن عدم التعرض للقضاء فيه مع وروده لبيان حكم المرأة المذكورة ظاهر في عدم وجوبه عليها، و لا سيما مع التعبير فيه بأنه ليس لها اعتكاف الظاهر في لغوية عملها، حيث لا يناسب كونه سببا لوجوب القضاء، بحيث لم يجب لو لا شروعها فيه.

مضافا إلي أن وجوب ما لم يجب بمجرد الشروع فيه حكم تعبدي صرف مخالف للقواعد الارتكازية المعروفة، خصوصا و أن حدوث المرض و الحيض يكشف عن عدم مشروعية الاعتكاف و لغويته واقعا بعد كونه مشروطا بالصوم و كون أقله ثلاثة أيام، و مثل هذا الحكم التعبدي المخالف للارتكاز يحتاج إلي بيان شرعي تأسيسي، فعدم بيانه بالوجه المذكور و الاقتصار في بيانه علي لسان النصوص السابقة بعيد جدا. و هو مما يوجب الريب في إطلاق النصوص المذكورة بنحو يشمل الاعتكاف المستحب حتي في اليوم الثالث، فضلا عن اليومين الأولين. و لا سيما مع ورود الصحيحين المتقدمين المتضمنين مشروعية فسخ الاعتكاف في اليومين الأولين المطابقة للقاعدة.

هذا ما يظهر لنا في المقام، فإن كان وافيا بحمل نصوص القضاء علي مجرد بيان المشروعية فهو، و إلا تعين ما ذكرناه أولا من لزوم الخروج عن الإطلاق بالصحيحين المذكورين، أو الرجوع بعد التساقط للأصل، فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 479


1- وسائل الشيعة ج: 2 باب: 51 من أبواب الحيض حديث: 1.

كان في الأول أحوط استحبابا (1). نعم يجب بعد مضي يومين منه، فيتعين اليوم الثالث (2)

______________________________

(1) حيث لا يفرق في الوجوه المتقدمة لوجوب المضي بالاعتكاف بالشروع فيه بين الواجب الموسع و المندوب، فالظاهر أنه لا منشأ لخصوصية الأول في الاحتياط المذكور إلا ما أشار إليه في الجواهر من أن الشروع في الواجب الموسع موجب لتعيين الواجب بما شرع فيه، كتعيين الكلي بالفرد.

لكنه- كما تري- موهون جدا، فإن صلوح الفرد للامتثال و حصوله به لا يرجع إلي تعيين الواجب به بحيث يجعله واجبا تعيينيا، ليتعين المضي فيه.

(2) كما في النهاية و الشرائع و عن الإسكافي و ابن البراج و جمع من المتأخرين و متأخريهم. لصحيحي محمد بن مسلم و أبي عبيدة المتقدمين.

خلافا للمعتبر و التذكرة و المختلف و عن المرتضي و ابن إدريس و المنتهي و غيرها. للأصل بعد استضعاف الخبر، كما في المختلف. و كأنه لأن في طريق الشيخ إلي الحديثين ابن فضال، و هو فطحي.

لكنه كما تري، لعدم الإشكال في وثاقته، و هو كاف في الحجية. مع أنهما مرويان في الكافي و الفقيه بطريقين آخرين صحيحين. نعم لا يكفي ذلك علي مبني المرتضي و ابن إدريس في خبر الواحد، و هو غير مهم بعد ضعف المبني المذكور.

بقي شي ء، و هو أنه لما كان مفاد صحيح محمد بن مسلم مشروعية الفسخ و نفوذه قبل اليومين دون ما بعدهما، فمقتضي إطلاقه العموم لما إذا كان الاعتكاف واجبا معينا بنذر و نحوه، و مجرد حرمة الفسخ فيه لا ينافي نفوذه.

و عليه يتعين كون حرمة الفسخ في الواجب المعين تكليفية، و في اليوم الثالث وضعية، راجعة إلي عدم نفوذه، و ليسا علي نهج واحد، كما قد يظهر من سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره. نعم بناء علي بطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد- كما هو المشهور- ينحصر حرمة الإبطال بالحرمة التكليفية، و تكون في الموردين علي نهج واحد، فلاحظ.

ص: 480

إلا إذا اشترط حال النية الرجوع (1) لعارض فاتفق حصوله بعد يومين فله الرجوع عنه حينئذ إن شاء (2). و لا عبرة بالشرط إذا لم يكن مقارنا للنية (3)

______________________________

(1) حيث لا إشكال ظاهرا في مشروعية الشرط المذكور، و النصوص به مستفيضة، كصحيح محمد بن مسلم المتقدم هنا، و صحيح أبي ولاد المتقدم في الشرط السادس و معتبر الجعفريات الآتي، و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: … و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (1)، و موثق عمر بن يزيد عنه عليه السّلام: «قال: … و اشترط علي ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر اللّه تعالي»(2). و من الأخيرين يظهر استحباب الاشتراط المذكور.

(2) كما في النهاية و الوسيلة و عن المشهور. و يقتضيه مفهوم قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم المتقدم: «و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن [يخرج و] يفسخ اعتكافه … ».

خلافا للمبسوط، حيث خص فائدة الشرط باليومين الأولين بعد البناء منه- كما سبق- علي عدم جواز الفسخ فيهما من دون شرط، و أما في اليوم الثالث فلا يجوز الفسخ حتي مع الشرط. و هو كما تري، إذ عمدة الدليل علي خصوصية اليوم الثالث هو الصحيح المتقدم، و هو ظاهر في اختصاص وجوب المضي فيه بعدم الشرط.

بل ما سبق منه من وجوب المضي في الاعتكاف بالشروع فيه لا يناسب العمل منه بالصحيح، فلم يبق إلا إطلاقات نصوص الشرط، و مقتضاها عدم الفرق بين الأيام. و من ثم لا يتضح منشأ للتفصيل المذكور.

(3) فعن غير واحد النص علي أن الشرط يكون عند النية. و هو مقتضي ما في حديثي أبي بصير و عمر بن يزيد المتقدمين، من تشبيه الاشتراط المذكور بالاشتراط في الإحرام، و هو الظاهر أيضا من قوله في الأول: «إذا اعتكف»، و في الثاني: «في اعتكافك»، و نحوه صحيح أبي ولاد، لأن مفهوم الشرط لما كان متقوما بوجود

ص: 481


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 9 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 1، 2.

سواء أ كان قبلها (2) أم بعد الشروع فيه.

______________________________

مشروط فيه فالمنصرف منه في المقام كون المشروط فيه هو نية الاعتكاف الذي يكون موردا للشرط.

بل هو كالصريح من معتبر الجعفريات: «قال: كان أبي يقول: ينبغي للمعتكف أن يستثني اعتكافه في مكانه يقول: اللهم إني أريد الاعتكاف في شهري هذا، فأعني عليه، فإن ابتليتني فيه بمرض أو خوف فأنا في حل من اعتكافه، فإن أصابه شي ء من ذلك فهو في حلّ» (1). و حينئذ لا دليل علي مشروعية شرط آخر قبل نية الاعتكاف أو بعد انعقادها.

هذا و لكن عن الأردبيلي احتمال أن وقته عند نية اليوم الثالث. و هو في غير محله بعد ما سبق. بل صدر صحيح محمد بن مسلم كالصريح في مشروعية الشرط قبل اليومين الأولين.

(2) قد يكتفي بذلك إذا بقي ملتفتا إليه- و لو ارتكازا- حين عقد نية الاعتكاف، بحيث يكون عقد النية مبنيا عليه، و يكون شرطا ضمنيا فيه.

لكن قد يستشكل في الاكتفاء بالاشتراط الضمني في المقام، و يعتبر التصريح بالاشتراط لفظا، لكونه المتيقن من الشرط في المقام بعد كون نفوذ هذا الشرط تعبديا لا عرفيا. و لا سيما بملاحظة ما ورد في الإحرام، ففي حديث أبي الصباح الكناني:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط في الحج كيف يشترط؟ قال: يقول حين يريد أن يحرم: أن حلني حيث حبستني … » (2). و نحوه غيره.

اللهم إلا أن يقال: حيث لا إشكال ظاهرا في عدم اعتبار اللفظ في نية الإحرام و نية الاعتكاف، فقضاء المناسبات الارتكازية بتبعية الشرط للمشروط و مسانخته له صالح للقرينية علي إلغاء خصوصية اللفظ في المقام، و الاكتفاء بالنية المجردة.

فلاحظ.

ص: 482


1- مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 9 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 9 باب: 23 من أبواب الإحرام حديث: 1.
[(مسألة 7): الظاهر أن يجوز اشتراط الرجوع متي شاء و إن لم يكن عارض]

(مسألة 7): الظاهر أن يجوز اشتراط الرجوع متي شاء و إن لم يكن عارض (1).

______________________________

(1) كما حكي عن ظاهر الأكثر أو صريحهم. و قد يستدل له بإطلاق صحيح محمد بن مسلم المتقدم. لكن الظاهر أنه لا إطلاق له، لعدم وروده لبيان نفوذ الشرط، ليكون له إطلاق من حيثية مفاد الشرط، بل لبيان عدم جواز الخروج مع عدم الشرط من دون تحديد للشرط، فيتعين حمله علي الشرط المشروع المفروغ عن نفوذه.

فالعمدة في المقام ما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن المقابلة في الصحيح بين ما قبل اليومين الأولين و ما بعدهما شاهد بأن المراد بالشرط فيما بعدهما هو الشرط و لو من دون عارض، لجواز الخروج و فسخ الاعتكاف قبلهما مطلقا و لو مع عدم العارض، فالمنع عن ذلك بعدهما إلا مع الشرط كالصريح في أن الشرط يسوغ الفسخ و الخروج مع عدم العارض، كما هو الحال فيما قبل اليومين من دون شرط.

هذا و ربما قيل- كما في الجواهر- باختصاص الشرط المسوغ للفسخ بشرط الحل عند الضرورة التي ينفسخ معها الاعتكاف و لو مع عدم الشرط- كالمرض المانع من الصوم- و الحيض، و أن استحباب الشرط تعبد محض من دون أن تكون له فائدة في التحلل.

و قد يستدل له بحديثي عمر بن يزيد و أبي بصير المتضمنين تشبيه الشرط في المقام بالشرط في الإحرام، لأن شرط التحلل في الإحرام يختص بالتحلل عند الحبس عن المضي فيما أحرم له بصدّ أو مرض، كما لعله الظاهر أيضا من قوله عليه السّلام في الأول:

«أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة نزلت بك من أمر اللّه».

لكنه يندفع بأنه لا ظهور للحديثين المذكورين في حصر الشرط المسوغ للفسخ بذلك، بل غاية مدلولهما استحباب الشرط المذكور، و هو لا ينافي استحباب شرط التحلل مطلقا، فضلا عن نفوذه، كما هو مقتضي صحيح محمد بن مسلم بالتقريب المتقدم.

بل القول المذكور مناف لصريح قوله عليه السّلام في صحيح أبي ولاد- المتقدم في المعتكفة التي قدم زوجها، فخرجت لبيتها و تهيأت له حتي واقعها: «إن كانت

ص: 483

[(مسألة 8): إذا شرط الرجوع حال النية ثم بعد ذلك أسقط شرطه]

(مسألة 8): إذا شرط الرجوع حال النية ثم بعد ذلك أسقط شرطه فالظاهر عدم سقوط حكمه (1).

______________________________

خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما علي المظاهر» (1)، لظهور أن قدوم الزوج ليس من موارد الضرورة التي ينفسخ بها الاعتكاف، و لذا حرم الخروج من أجله من دون شرط، و وجبت بالمواقعة بعده الكفارة.

و لعله لأجل الصحيح المذكور حكي عن جماعة عموم الشرط لكل عارض.

لكن بعد أن لم يكن لحديثي أبي بصير و عمر بن يزيد ظهور في الحصر يتعين العمل بصحيح محمد بن مسلم، الذي سبق أنه يقتضي عموم الشرط للفسخ الاختياري و لو مع عدم العارض، و لا موجب للاقتصار في التعميم علي مطلق العارض الذي يقتضيه صحيح أبي ولاد.

(1) لإطلاق دليل نفوذ الشرط المذكور و ترتب حكمه. بل لو قيل بأن حرمة فسخ الاعتكاف و إبطاله تكليفية كان مقتضي الاستصحاب و أصل البراءة جواز الإبطال. و أما بناء علي ما تقدم منا من أن حرمته وضعية راجعة إلي نفوذ الاعتكاف، و أن من آثاره حرمة الخروج من المسجد، فقد يدعي أن مقتضي الاستصحاب بقاء الاعتكاف و عدم بطلانه بالفسخ. و حينئذ تترتب آثاره، و منها حرمة الخروج من المسجد. فتأمل. فالعمدة الإطلاق المتقدم.

هذا و لكن في الجواهر: «و لو شرط ثم أسقط حكم شرطه فكمن لم يشترط».

و كأنه لما اشتهر من أن مفاد الشرط حق لصاحبه و الحق قابل للإسقاط، و بعد سقوطه لا دليل علي عوده.

لكنه مختص بالشرط في العقد، حيث يكون هناك مشروط عليه يثبت عليه الحق، و يسقط عنه بالإسقاط، نظير سقوط الأمور الذمية- كالديون- به، و لا يجري ذلك في الشرط في الإيقاع، بل مقتضاه تقييد الأمر الملتزم به بنحو خاص، و لا دليل علي انقلابه بالإسقاط عما وقع عليه.

ص: 484


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من أبواب كتاب الاعتكاف حديث: 6.
[(مسألة 9): إذا نذر الاعتكاف و شرط في نذره الرجوع فيه]

(مسألة 9): إذا نذر الاعتكاف و شرط في نذره الرجوع فيه ففي جواز الرجوع إذا لم يشترطه في نية الاعتكاف إشكال، بل الأظهر عدمه (1).

______________________________

(1) قال في الشرائع: «و لو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أي وقت شاء». و في المعتبر بعد أن تعرض لصور النذر من حيثية اشتراط الرجوع في الاعتكاف فيه و عدمه، قال: «هذا كله في عقد النذر، أما إذا أطلقه من الاشتراط علي ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف، و إنما يصح فيما يبتدئه من الاعتكاف، لا غير».

و قال في التذكرة: «الاشتراط إنما يصح في عقد النذر، أما إذا أطلقه من الاشتراط، فلا يصح له الاشتراط له عند إيقاع الاعتكاف»، و نحوه حكي عن غيرهما، و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «علي المشهور، بل قيل: لا خلاف فيه، و عن التنقيح و المستند الإجماع عليه». و ظاهرهم بل صريحهم أن الشرط في الاعتكاف المنذور إنما يصح عند عقد النذر، لا عند نية الاعتكاف.

و من ثم استشكله في المدارك، قال: «و لم أقف علي رواية تدل علي ما ذكروه من شرعية اشتراط ذلك في عقد النذر، و إنما المستفاد من النصوص أن محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا»، و تبعه في ذلك في الحدائق. و هو متين جدا.

لكن استوضح فساده في الجواهر، قال: «ضرورة أنه لا أثر لهذا الشرط في الاعتكاف المنذور مطلقا. و نصوص المقام مساقة لبيان أصل حكم الاشتراط في الاعتكاف من غير مدخلية للنذر الذي هو يلزم ما شرع علي حسب ما شرع، فلا حاجة إلي دليل خاص يدل علي المشروعية في النذر، بل يكفي فيها ثبوته في الاعتكاف، كما هو واضح».

و فيه: أن كون النذر ملزما لما شرع علي حسب ما شرع لا يقتضي مشروعية الشرط الذي يشرع في المنذور في نفس النذر، فإذا كانت الطهارة مثلا شرطا في الصلاة لم تكن شرطا في نذرها، غاية الأمر أنه يشترط في الصلاة المنذورة أن تكون بطهارة، و في المقام أيضا يشرع في الاعتكاف المنذور شرط الحلّ. و ما ذكره من عدم الأثر لهذا

ص: 485

______________________________

الشرط في الاعتكاف المنذور مطلقا في غاية المنع، بل أثره ثابت له علي كل حال، كما يأتي توضيح ذلك.

هذا و قد يوجه ما سبق من المشهور بما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من حمل مرادهم علي أنه لا يصح الشرط في المنذور إلا إذا كان المنذور هو الاعتكاف المشروط، إذ لو كان المنذور هو الاعتكاف المطلق لم يكن الاعتكاف المشروط وفاء بالنذر. و حينئذ فإذا كان المنذور هو الاعتكاف المشروط كانت نية الاعتكاف وفاء بالنذر راجعة إلي نية الشرط المذكور في الاعتكاف ضمنا، و هو مغن عن التصريح به في نيته. و قد يحمل علي ذلك ما تقدم من الجواهر.

لكنه يشكل أولا: بأن كلامهم صريح في أن المراد أن يشترط حين النذر الرجوع عن الاعتكاف إذا شاء، لا أن ينذر خصوص الاعتكاف المشروط.

و ثانيا: بأن الشرط في المنذور لا يتوقف علي كون الاعتكاف المنذور هو خصوص المشروط، بل يمكن مع نذر مطلق الاعتكاف الأعم من المشروط و المطلق الخالي عن الشرط.

و ثالثا: أن نية الاعتكاف وفاء بالنذر في مفروض الكلام لا تستلزم القصد إلي الحصة الخاصة من الاعتكاف- و هو الاعتكاف المشروط- ما لم يلتفت المعتكف إلي انقسام الاعتكاف إلي قسمين، و أن المنوي هو أحدهما، و هو المنذور، أما مع الغفلة عن ذلك- و لو لنسيان كيفية النذر- فلا تتأتي نية الخصوصية و لو إجمالا.

نظير ما لو نذر صلاة ركعتي الزيارة في الحرم، فنسي كيفية النذر و اعتقد أنه نذر صلاة ركعتين في الحرم من دون خصوصية ركعتي الزيارة، فصلي ركعتين في الحرم صلاة مبتدأة وفاء بالنذر، فإنه لا يستلزم نية ركعتي الزيارة، و لا يحصل الوفاء، إلا إذا التفت إلي اختلاف أقسام الصلاة، و إلي أن المنذور قسم منها، فنوي القسم المنذور علي إجماله.

و أشكل من ذلك القصد إلي الشرط، لأن الاشتراط أمر زائد علي أصل الاعتكاف فلا يمكن أن يتحقق إلا بالالتفات للشرط المذكور و القصد إلي أخذه

ص: 486

______________________________

في الاعتكاف و لو ضمنا، بناء علي كفاية القصد الضمني فيما نحن فيه، علي ما سبق الكلام فيه.

و رابعا: بأن ذلك لا يرجع إلي عدم مشروعية الشرط المذكور حين الاعتكاف، كما تقدم منهم، بل هو راجع إلي لزومه حينه، غاية الأمر أنه لا يلزم التصريح به تفصيلا، بل يكفي القصد إليه ضمنا. و من هنا كان ما ذكروه في غاية الإشكال.

و علي ذلك يتعين اشتراط الرجوع عند الاعتكاف في جواز فسخه حتي في مورد النذر المذكور.

بقي شي ء، و هو أن مقتضي الجمع بين مشروعية الرجوع مع الشرط و ما تضمن أن أقل الاعتكاف ثلاثة أيام هو أن الاعتكاف الذي يرجع فيه قبل إكمال الثلاثة تبعا لسبق اشتراط الرجوع فيه ليس اعتكافا مشروعا، فالرجوع فيه إبطال له كالرجوع في الصوم قبل إكماله، و يترتب علي ذلك أنه لا يشرع إنشاؤه لو علم بالرجوع فيه قبل إكماله. و مجرد مشروعية الرجوع تبعا للشرط لا تستلزم مشروعية الاعتكاف الذي يرجع فيه. و لو غض النظر عن ذلك و بني علي مشروعية الاعتكاف المذكور فلا أقل من كونه اعتكافا ناقصا.

و حينئذ إذا نذر المكلف الاعتكاف (فتارة): يطلق، و أخري: يقيد بالاعتكاف الذي يشترط فيه الرجوع.

أما الأول فلا يتحقق الوفاء منه بالنذر إلا بتمامية الاعتكاف، سواء شرط فيه الرجوع أم لا. إما لاختصاص الاعتكاف المشروع به، أو لانصراف الإطلاق للاعتكاف التام، علي الكلام المتقدم.

و حينئذ لو شرط في اعتكافه أن له الرجوع، فإن كان النذر موسعا جاز له الرجوع، و وجب عليه الاستئناف. و إن كان مضيقا فالرجوع و إن كان جائزا من حيثية الشرط إلا أنه يحرم من حيثية النذر، و لا يكون فائدة الشرط حينئذ إلا الخروج عن استحبابه تعبدا. بل لا يبعد عدم مشروعية الشرط حينئذ، لمنافاته لنفوذ النذر و وجوب الوفاء به.

ص: 487

[(مسألة 10): إذا جلس في المسجد علي فراش مغصوب لم يقدح ذلك في الاعتكاف]

(مسألة 10): إذا جلس في المسجد علي فراش مغصوب لم يقدح ذلك في الاعتكاف (1)، و إن سبق شخص إلي مكان من المسجد فأزاله المعتكف

______________________________

و أما الثاني فالرجوع فيه- مع الاشتراط- لا يخل بالوفاء بالنذر، لكون التقييد المذكور حينئذ مخرجا عن ظهور الاعتكاف المنذور في الاعتكاف التام. نعم لو كان من نيته مع ذلك الرجوع في الاعتكاف المنذور لم يبعد بطلان النذر، لما سبق تقريبه من عدم مشروعية الاعتكاف غير التام، فلا يشرع نذره، و لا تنعقد نيته.

هذا و لو شرط عند نذر الاعتكاف أن له الرجوع فيه فلا يشرع الشرط المذكور، لما سبق من أن محل الشرط هو نية عقد الاعتكاف لا نذره، و حيث كان مرجع ذلك إلي تقييد الاعتكاف المنذور بما يجوز الرجوع فيه بسبب الشرط المذكور كان غير مشروع فلا ينعقد نذره.

نعم لو رجع الشرط المذكور إلي تقييد الاعتكاف المنذور بما يجوز فيه الرجوع و لو بسبب الشرط عند نية الاعتكاف كان مشروعا، و رجع إلي تقييد الاعتكاف المنذور بالاعتكاف الذي يشترط فيه الرجوع، فيجري فيه ما سبق.

(1) أما بناء علي ما سبق منا من تقوم الاعتكاف بفرض اللبث في المسجد، و لا يتوقف علي اللبث فيه فعلا و إن كان واجبا تكليفا، و لذا لا يبطل بالخروج من المسجد، فالأمر ظاهر جدا، لأن حرمة التصرف في الفراش بالجلوس عليه لا ينافي الفرض المذكور بوجه.

و أما بناء علي ما سبق من غير واحد من تقوم الاعتكاف باللبث في المسجد، فلأن عبادية الاعتكاف حينئذ إنما تقتضي التقرب باللبث المذكور، و هو حاصل في المقام. و لا ينافيه تعذر التقرب بالجلوس المحرم علي الفراش المغصوب، لعدم الاتحاد بينهما، بل هو مقارن له، كسائر المحرمات التي قد يقارفها المعتكف، كضرب المؤمن و شتمه و الكذب و غيرها.

و منه يظهر ضعف ما حكاه في الجواهر عن بعض مشايخه من الفرق بين الجلوس علي الفراش المغصوب و حمل المغصوب و لبسه، من بطلان الاعتكاف في

ص: 488

من مكانه و جلس فيه، ففي البطلان تأمل (2).

______________________________

الأول دون الأخيرين، و عليه جري في العروة الوثقي.

(2) الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في حق الاختصاص بالمكان للسابق.

و لا ينبغي الإشكال في حرمة مزاحمة السابق و منعه عن إشغال المكان، لأن بعد أن لم يكن معتديا في إشغاله للمكان لكونه مشمولا بالوقف، فمزاحمته فيه و دفعه عنه تعد عليه، لمنافاته لقاعدة السلطنة علي نفسه.

لكن هذا وحده لا يقتضي حقا له في المكان زائد علي الحرمة المذكورة، فإنه يجري في المباحات الأصلية، فلا يجوز مزاحمة من جلس في الصحراء و إزالته عن المكان الذي هو فيه من دون أن يقتضي ذلك حقا له في المكان زائدا علي جواز إشغاله له.

فالعمدة في المقام النصوص، كمعتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلي مكان فهو أحق به إلي الليل» (1)، و مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سوق المسلمين كمسجدهم يعني: إذا سبق إلي السوق كان له، مثل المسجد» (2)، و مرسل محمد بن إسماعيل عنه عليه السّلام: «قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو بالحاير [أو الحيرة] أو المواضع التي يرجي فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضأ، فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال:

من سبق إلي موضع فهو أحق به [في] يومه و ليلته» (3).

و لا مجال للإشكال في سند الأول، بعدم النص علي وثاقة طلحة بن زيد، بعد تصريح الشيخ قدّس سرّه بأن كتابه معتمد، و بعد رواية جماعة عنه بعضهم من الأعيان، منهم صفوان الذي ورد أنه لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة، علي ما يتضح مما تقدم

ص: 489


1- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 17 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.
3- وسائل الشيعة ج: 3 باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1، و ج: 10 باب: 102 من أبواب المزار حديث: 1.

______________________________

منا في تحديد الكر من مباحث المياه. و مثله الثاني، لما سبق هناك من أن مراسيل ابن أبي عمير حجة لأنه أيضا لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة.

نعم يتجه الإشكال المذكور في الثالث، لأن محمد بن إسماعيل و إن كان هو ابن بزيع الذي هو من الأعيان، إلا أنه لم يثبت فيه مثل ذلك.

هذا و النصوص المذكورة متفقة في ثبوت الحق المذكور. أما الأول و الثالث فظاهر و أما الثاني فهو و إن لم يكن ظاهرا في أن التفسير المذكور من الإمام عليه السّلام، بل لعله من الراوي، إلا أن ذلك هو منصرف التشبيه فيه، لعدم جهة ينصرف إليها إطلاق التشبيه غيره بعد عدم احتمال مشاركة السوق للمسجد في استحباب الكون فيه، أو في قدسيته و حسن احترامه، اللذين هما أظهر مميزات المسجد. علي أن تفسير الراوي و إن لم يكن حجة ذاتا إلا أن من البعيد جدا خطؤه في مثل المقام مما كان الشك فيه في أصل المعني، لا في خصوصياته، بل هو كاشف عن قرينة معينة للمعني المذكور، و لو كانت هي وضوح الانصراف المدعي.

نعم قد يستشكل في الأول و الثالث بأن ما تضمناه من تحديد الحق المذكور باليوم و الليل لا يظهر القول به من أحد من الأصحاب، بل المعروف بينهم بقاء الحق ما دام شاغلا للمكان بنفسه أو برحله مطلقا أو بنية العود، بل عن العلامة في التذكرة و غيره بقاء الحق لو قام لحاجة من تجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو نحوهما.

لكنه يندفع بقرب حمل التحديد المذكور علي غلبة عدم تعلق غرض الإنسان بالبقاء في المسجد و السوق أكثر من يوم إلي الليل، فهو لبيان استيعاب الحق لتمام الزمن الذي يراد البقاء فيه، و إن كان مقيدا بالإشغال أو نحوه، لا للتحديد الحقيقي كي ينافي ما عليه الأصحاب من أن المعيار علي الإشغال بالنحو المذكور طال أو قصر.

كما قد يناسب ذلك الاقتصار في الحديث الثاني علي تشبيه السوق بالمسجد و الاقتصار في تفسيره علي الاستحقاق. و لا أقل من لزوم حمله علي ذلك جمعا مع ما عليه الأصحاب في المقام، و إلا فالتزام طرح الحديثين مع تقارب مضمونهما و مشابهته للحديث الثاني، و عدم ظهور معارض لهما صعب جدا.

ص: 490

______________________________

علي أنه قد يقال: التحديد المذكور و إن ورد في الحديثين المذكورين، إلا أن الأمر يهون في الأخير بعد ضعفه، و أما الأول فهو لم يتضمن التحديد في بيان وجه الشبه بين السوق و المسجد و إنما تضمن تحديد الحق في السوق تفريعا علي تشبيهه بالمسجد و حينئذ يمكن كون التشبيه بلحاظ أصل ثبوت الحق، و كون التحديد مختصا بالسوق، لابتناء الانتفاع به في العصور السابقة علي أن يكون لكل يوم قصد يخصه، و قد يستوعبه من دون أن يبتني علي استمرار الانتفاع الواحد عدة أيام. و لا أقل من حمله علي ذلك بقرينة ما سبق لو كان مخالفا لظاهره بدوا.

هذا كله بناء علي عموم الحق لأكثر من يوم واحد، كما يناسبه إطلاقهم بقاء الحق مع بقاء الرحل، إلا أنه لا يخلو عن إشكال بعد ظهور الحديثين المتقدمين في التحديد باليوم وحده أو مع الليل، لعدم وضوح تحقق إجماع مخرج عن مقتضاهما مع قرب حمل إطلاقهم علي ما يناسب النصوص، لأنه هو المتعارف المناسب للمرتكزات المتشرعية في كيفية ثبوت الحق المذكور. و إلا فمن البعيد جدا البناء علي تحجير المكان لصالح شخص واحد مهما طال الزمن، بجعل شي ء فيه من قبله كلما قام عنه. لما في ذلك من استغلال للمكان بما لا يناسب تعلق عموم الناس به. بل قد يستلزم نحوا من التعطيل له مع إضراره بالعامة و إحراج لهم.

و لعل إغفالهم التقييد بذلك للاستغناء عنه بتعارف عدم ابتناء استغلال الأمكنة أكثر من ذلك. و ذلك إن لم يوجب الشك في إرادتهم العموم من الإطلاق المذكور فلا أقل من كونه موجبا للشك في مطابقة العموم المذكور للواقع، بنحو يدفع لأجله ظاهر الحديثين. و لا سيما مع إغفال بعض الأصحاب التعرض للمسألة، و مع تعرض العلامة في التذكرة للتحديد المذكور و الاستدلال عليه بمعتبر طلحة بن زيد.

و من هنا يتعين العمل بظاهر الحديثين في تحديد الحق المذكور.

نعم يختص ذلك بما إذا ترك الشخص المكان مريدا الرجوع إليه في اليوم الثاني مع وضع شي ء من متاعه فيه أو عدمه، علي الكلام الآتي. أما مع بقائه فيه بنفسه فلا ينبغي الإشكال في تجدد الحق المذكور في اليوم الثاني. إما لصدق السبق في اليوم الثاني باستمرار انشغاله له بنفسه من اليوم الأول، بحمل السبق علي ما يعم ذلك. و إما

ص: 491

______________________________

لإلحاقه به في ثبوت الحق، لعدم الخصوصية عرفا و ارتكازا للسبق إلا من حيثية كونه إشغالا للمكان. و إما لانصراف التحديد في النصوص إلي الأولوية عند عدم إشغال له، كما هو مورد مرسل ابن بزيع، لأن وضوح الأولوية مع فعلية الإشغال مغن عن السؤال و البيان بالإضافة إليه.

و بذلك يكون المحصل: أن من سبق إلي مكان فهو أحق به إلي الليل، و ليس له تحجيره لليوم اللاحق. نعم إذا لم يفارق المكان و أشغله بنفسه إلي اليوم اللاحق تجدد له الحق في ذلك اليوم إلي الليل، و هكذا.

إذا عرفت هذا فالمناسب الكلام في أمور:

الأول: المعروف بين الأصحاب أنه لا بد في بقاء حق السابق للمكان مع مفارقته له من إبقاء رحله فيه مطلقا أو مع نية العود، و أنه مع عدم إبقائه فيه يسقط حقه. نعم قال في الشرائع: «و قيل: إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة و ما أشبهه، لم يبطل حقه»، و في الجواهر: «و لكن لم نعرف القائل ممن تقدمه. نعم هو للفاضل في التذكرة».

و من الظاهر أن مقتضي إطلاق معتبر طلحة بقاء الحق، سواء قام ناويا للعود أم لا، و سواء ترك رحله أم لا. إلا أنه لا يبعد انصراف الإطلاق المذكور إلي صورة نية العود، لقرب وروده لبيان عدم جواز المزاحمة للسابق ترجيحا له علي غيره ممن يشترك معه في كون المكان معدا يشترك فيها الجميع بعد الفراغ عن تعلق الغرض بإشغال المكان بالوظائف المذكورة، و لذا ينصرف السبق في النصوص للسبق للمكان من أجل الوظائف المذكورة، لا بداع آخر خارج عنها. و ذلك يناسب الاختصاص بما إذا كان فراق المكان بنية العود إليه، و قصوره عما إذا كان لقضاء الوطر منه.

و لا سيما بلحاظ سيرة العقلاء و المتشرعة علي عدم تجنب المكان عند انصراف صاحبه عنه إذا علم قضاء وطره منه، و بنائهم علي عدم استحقاقه الرجوع إليه مع إشغال غيره له بعده، لسقوط حقه بمقتضي مرتكزاتهم العقلائية و المتشرعية، حيث لا مجال مع ذلك للتعويل علي الإطلاق المذكور.

ص: 492

______________________________

و دعوي: أن المتيقن من ذلك ما إذا لم يترك رحله فيه، أما مع ترك رحله فيه فلا يتضح بناؤهم علي إباحة المكان، بل لعل بناءهم علي تجنبه، كما هو مقتضي إطلاق النصوص المتقدمة و استصحاب بقاء الحق. نعم اعتبر في الشرائع و اللمعة و محكي غيرهما نية العود مع بقاء الرحل، لكنه لم يبلغ مرتبة الإجماع المخرج عن الإطلاق و الاستصحاب بعد إطلاق جماعة بقاء الحق مع بقاء الرحل، منهم الشيخ في المبسوط، بل في الروضة أن التقييد بنية العود لم يذكره كثير.

مدفوعة بأن إشغال المكان بالرحل بعد قضاء الوطر و عدم نية العود، يعد بمقتضي المرتكزات العقلائية و المتشرعية تعديا من صاحبه علي المكان الذي يشترك فيه الجميع و المعدّ لوظائف خاصة لا تناسب الإشغال بالرحل، فكيف يكون سببا لبقاء الحق بعد قضاء الوطر و استكمال الغرض و عدم نية العود؟! و من القريب جدا مفروغية من أطلق بقاء الحق بترك الرحل عن فرض نية العود، لكون ترك الرحل علامة علي ذلك. حيث لا مجال مع ذلك للبناء علي بقاء الحق مع ترك الرحل إلا إذا كان بنية العود.

بل قد يدعي اعتبار وحدة الغرض عرفا، بحيث يكون ترك المكان قبل قضاء الوطر الذي جاء من أجله، لأمر طارئ كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو قراءة زيارة أو دعاء في مكان خاص في الأماكن الشريفة أو للاتيان ببضاعة أو نحوها في الأسواق و نحو ذلك. بخلاف ما إذا كان ترك المكان بعد قضاء الوطر الذي جاء من أجله مع نية العود لغرض آخر مباين للغرض الذي جاء له، كما لو سبق إلي مكان في المسجد لأداء فريضة، و بعد أدائها ترك المكان ناويا العود إليه لأداء فريضة أخري، أو سبق إلي مكان في السوق صباحا لبيع بضاعة و بعد بيعها تركه بنية العود مساء لبيع بضاعة أخري، و نحو ذلك. حيث لا يبعد انصراف الإطلاق المذكور لبيان السعة من حيثية الغرض الذي جاء له، و سبق إلي المكان من اجله لا مطلقا و لو بلحاظ الأغراض المتجددة.

لكن الإنصاف أنه لا منشأ معتد به للانصراف المذكور، ليخرج به عن مقتضي إطلاق النص و الفتوي و الاستصحاب المشار إليها.

ص: 493

______________________________

نعم مع طول زمان ترك المكان لا يبعد سقوط الحق، لما فيه من تعطيل المكان الذي يعلم بعدم رضا الشارع الأقدس به، لمنافاته لوضع الأماكن المذكورة.

و دعوي: أن التعطيل إنما يلزم إذا كان الحق بنحو يمنع من التصرف و لو من دون مزاحمة، أما إذا كان مختصا بصورة المزاحمة فيجوز إشغال الغير للمكان في مدة غياب صاحب الحق، غاية الأمر أن يخلي له المكان عند رجوعه، فلا يلزم التعطيل.

مدفوعة بأنه إذا كان أحق بالمكان جاز له إشغاله برحله بنحو يمنع الغير من إشغاله، بخلاف ما إذا لم يكن له الحق في المكان، فإنه لا يجوز له إشغاله، و لو أشغله برحله كان معتديا و سقطت حرمته، و لم يمنع الغير من إشغاله. و ليس حمل النصوص علي ذلك عزيزا، لقرب انصرافها إلي إثبات الحق للسابق ترجيحا علي غيره بعد المفروغية عن عدم تعطيل المكان، لا مطلقا لو استلزم التعطيل، فإن ذلك أنسب بالمرتكزات العقلائية و المتشرعية. و من ثم كان متعينا.

هذا كله في الإطلاق من حيثية نية العود و عدمها، و أما من حيثية وضع الرحل و عدمه، فلا يتضح المخرج عن الإطلاق المشار إليه عدا إطلاق جماعة من الأصحاب سقوط الحق مع عدم ترك الرحل، بل سبق من الجواهر عدم معروفية القائل ببقاء الحق مع عدم الرحل قبل المحقق، و إن ذهب إليه العلامة في التذكرة.

لكن الخروج بذلك عن إطلاق النصوص المتقدمة و الاستصحاب لا يخلو عن إشكال، و لا سيما مع قرب كون بقاء الحق مع الإشغال بالرحل ليس لأجل موضوعيته بنفسه كقيد تعبدي، بل لكونه علامة علي نية العود و عدمه علامة علي عدمها، فإن ذلك هو الأنسب بالمرتكزات، فمع العلم بنية العود لا يحتاج للعلامة المذكورة. و ذلك إن لم يكن صالحا لتفسير مراد من أطلق من الأصحاب إناطة بقاء الحق بترك الرحل، فلا أقل من كونه مانعا من نهوض الإطلاق المذكور برفع اليد عن إطلاق معتبر طلحة المعتضد بإطلاق مرسل محمد بن إسماعيل أو صريحه، و المطابق لمقتضي الاستصحاب. و علي ذلك يكون المعول علي نية العود لا غير.

نعم لا ينبغي التأمل في أن ترك الرحل ظاهر في نية العود و عدمه ظاهر في

ص: 494

______________________________

عدمها، فهما علامتان عرفيتان يجوز التعويل عليها عند الشك فيها. بل كثيرا ما يغفل عن احتمال عدم نية العود مع ترك الرحل، و عن نيته مع عدم ترك الرحل، و ذلك كاف في جواز إشغال الغير للمكان و عدمه ظاهرا، و لا سيما بملاحظة سيرة العقلاء و المتشرعة و مرتكزاتهم.

الثاني: بعد البناء علي اعتبار ترك الرحل في بقاء الحق واقعا أو ظاهرا يقع الكلام في تحديد الرحل. و في الروضة: «و هو شي ء من أمتعته و لو سبحة و ما يشد به وسطه و خفه»، و في الجواهر: «قيل: إنه شي ء من أمتعته و أن قلّ».

هذا و لا يخفي إن عموم صدق الرحل علي ذلك و إن كان خفيا إلا أنه حيث لا دليل علي اعتبار ترك الرحل إلا الإجماع- لو تم- فاللازم الاقتصار في الخروج عن إطلاق النصوص و الاستصحاب علي المتيقن، و هو صورة عدم ترك شي ء أصلا. كما أنه بناء علي ما تقدم من أن اعتبار ترك الرحل لكونه علامة علي نية العود فمن الظاهر عموم العلامية لكل شي ء معتد به و إن قل بحيث ليس من شأنه أن يترك إعراضا عنه.

الثالث: الظاهر جواز الانتفاع بالمكان في غياب السابق إذا لم يستلزم التصرف المحرم فيما تركه في المكان من متاعه، إما لصغره أو لإحراز رضاه بالتصرف فيه، أو غير ذلك، لأن أحقيته به إنما تقتضي عدم مزاحمة غيره له، لا ملكيته للمكان أو لمنفعته، ليحرم التصرف فيه بغير إذنه.

و أما ما تقدم في مرسل ابن أبي عمير من تفسير الحديث بقوله: «يعني: إذا سبق إلي السوق كان له». فهو بعد تعذر العمل بظاهره من ملكيته للسوق أو المكان الذي سبق إليه منه لا قرينة علي حمله علي ملكيته للمنفعة، بل المتيقن حمله علي الأحقية التي تضمنتها بقية النصوص. و لا سيما مع احتمال كون التفسير من الراوي، حيث لا إشكال في عدم حجيته في خصوصيات المعني، كما يظهر مما تقدم.

الرابع: الظاهر انصراف السبق في النصوص المتقدمة إلي السبق إليه بنفسه و إشغاله فيما من شأنه أن يشغل به من صلاة أو دعاء أو وضع بضاعة أو نحو ذلك مما يناسب المكان الذي سبق له. و لا يكفي وضعه فيه شيئا لتحجيره لنفسه، فضلا عن

ص: 495

______________________________

تحجيره لغيره.

و أشكل من ذلك التحجير لمكان مشغول للغير من أجل منع الآخرين من السبق له بعد مفارقته له و قضاء وطره منه، فإن ذلك كله لا يقتضي حقا له و لا لمن حجر له، بل الحق لمن سبقهم، و ليس لهم مزاحمته أو تنحيته، إلا أن يتنحي راضيا غير مكره.

بل يشكل جواز التحجير إذا كان سببا لتحرج الآخرين عن السبق للمكان أو البقاء فيه عند ورود من حجر له تجنبا للمشاكل، أو مراعاة للعرف، أو نحو ذلك مما يصاحب نحوا من الإحراج غير البالغ مرتبة الإكراه. إذ من القريب جدا عدم رضا الشارع الأقدس بذلك، لعدم مناسبته لوضع الأماكن المذكورة المبني علي اشتراك الكل من دون أولوية و ترجيح.

و كيف كان فإن أمكن للغير الانتفاع بالمكان من دون أن يستلزم تصرفا في الشي ء الموضوع فيه و الذي أريد تحجيره به فهو، و إلا فالظاهر جواز الانتفاع بالمكان و إن استلزم التصرف بذلك الشي ء، لسقوط حرمته بسبب كون وضعه تعديا علي المكان، لما فيه من التعطيل له و الخروج عن مقتضي وضعه من دون حق مسوغ.

و كذا الحال في كل مورد يكون التحجير فيه تعديا، كما سبق في صورة طول الزمان الذي يصدق معه تعطيل المكان.

الخامس: من الظاهر اختصاص النصوص المتقدمة بالمسجد و السوق. و قد يلحق في المسجد ما كان مثله في ابتناء وقفه علي حفظ عنوان خاص ليس متقوما بالمنفعة، و إن كان بطبعه موردا لانتفاع العموم، كالمشاهد المشرفة، التابعة لقبور المعصومين (صلوات اللّه عليهم)، و قبور أولادهم و من يتعلق بهم، و قبور الأولياء و المقربين، فإنها- كالمساجد- لا يقصد من وقفها إلا جعل عنوان الحرم أو المشهد لها تكريما لصاحب القبر من دون أن يؤخذ فيه خصوصية الانتفاع.

نعم من شأنها أن تقصد من عموم الناس للزيارة و تعمر بالعبادة و طلب الشفاعة و نحو ذلك من دون أن يؤخذ ذلك في وقفيتها. فهي تشارك المسجد في سنخ الوقف و في عمومية الغرض، و هو يناسب مشاركتها له في الحكم المذكور، كما هو

ص: 496

______________________________

صريح مرسل ابن بزيع المتقدم.

و أما السوق فالمراد به ما تعارف سابقا من الساحات الواسعة التي لا تختص بشخص أو جهة و التي تعارف الناس علي عرض بضائعهم فيها للبيع و الشراء علي نحو العموم من دون أولوية لأحد.

و أما المواضع الأخر غير هذه المواضع، فإن كانت أوقافا مأخوذا في وقفيتها المنفعة- كالخانات و المدارس و الحسينيات- فعموم استحقاق الانتفاع و خصوصه و أمده تابع لجعل الواقف في أصل الوقف، أو لتعيين المتولي الذي تناط به إدارة أمر العين الموقوفة و تنظيم شئونها.

و إن كانت مباحات أصلية- كالصحاري و الرباع و شطوط الأنهار و سفوح الجبال- كان لكل أحد أن يسبق إليها، و من سبق لها كان أولي بها ما دام شاغلا لها، و لا يجوز لأحد مزاحمته، و من ترك فيها متاعا لم يجز لأحد التصرف فيه مهما طال الزمان.

كل ذلك لقاعدة السلطنة، و احترام السابق في نفسه و ماله الذي أشغل به المكان، و قصور النصوص المتقدمة عن ذلك، فلا تنهض بعموم التحديد الذي تضمنته له.

و منه يظهر أن استغلال جنبات الطرق و الشوارع العامة و الساحات إن كان مضرا بالمارة أو بالوضع الذي جعلت له- كالنزهة- كان محرما و لم يوجب حقا للسابق، و إلا كان له الحق في البقاء و التحجير مهما طال الزمان.

المقام الثاني: في حكم الاعتكاف في المكان المذكور.

و الذي ينبغي أن يقال: كما أن مقتضي الأحقية حرمة مزاحمة السابق و أخذ المكان منه، كذلك حرمة الجلوس فيه بعد أخذه بنحو يمنعه من الرجوع إليه، لإطلاق دليل الأحقية الشامل لما بعد الأخذ، فإن مقتضي الأحقية في المكان عدم الحق لغيره فيه، لأن ذلك هو المراد من التفضيل في المقام، لا ثبوت الحق للكل مع التفاضل، و إلا لزم حمل الأحقية علي الأولوية الاستحبابية غير المانعة من المزاحمة، و هو خلاف الظاهر، أو خلاف المقطوع به من معني النص.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن المتيقن من الأحقية عدم جواز المزاحمة،

ص: 497

______________________________

و لا تعرض في الرواية لحكم الجلوس بعدها، بل حرمته بعد كون المكان وقفا للجميع يحتاج إلي عناية لا تنهض بها الرواية. و لذا لا يحتمل حرمة الجلوس لشخص ثالث غير المانع للسابق.

ففيه: أن اشتراك الجميع بالمكان لا ينافي ترجيح بعضهم إذا اقتضاه الدليل، و النصوص المتقدمة كما اقتضت الترجيح للسابق بنحو لا يسوغ معه مزاحمته كذلك مقتضي إطلاقها ترجيحه حتي بعد إرغامه علي مفارقة المكان. بل الجلوس فيه حينئذ مع رغبته في الرجوع، و إرادته له لو لا المانع، مزاحمة له، فيحرم.

و أما الشخص الثالث فجلوسه فيه إن كان مع تعذر رجوع الأول فيه لإصرار المرغم له علي منعه منه، لم يكن فيه مزاحمة له، فيحل. و إن كان مع إمكان رجوع الأول، بحيث يكون هو المانع له كان فيه مزاحمة له، و حرم كما يحرم من المرغم له.

نعم قد يتجه ذلك في المباحات الأصلية، كالصحاري التي سبق خروجها عن مورد النصوص، حيث لا منشأ لحرمة المزاحمة فيها إلا منافاتها لقاعدة السلطنة في حق السابق بالإضافة إلي نفسه أو ماله الذي يضعه فيها، و بعد مخالفة قاعدة السلطنة في حقه- بالاعتداء عليه و إرغامه علي مفارقة المكان- لا يكون إشغال المكان تعديا عليه بعد عدم الدليل علي ثبوت حق له فيه بسبقه إليه.

اللهم إلا أن يدعي أن ثبوت الحق بالنحو الملازم لكون المزاحم معتديا في إشغال المكان حكم عرفي عقلائي يكفي في لزوم العمل عليه عدم ثبوت الردع عنه من الشارع الأقدس. بل قد يستفاد امضاؤه من مرتكزات المتشرعة. و لذا لا إشكال ظاهرا في عدم جواز استغلال الخيمة التي ينصبها صاحبها في الصحراء بنحو يزاحمه، مع أنه ليس في ذلك تعدّ علي الشخص المذكور، لا في نفسه، و لا في ماله و هو الخيمة، و إنما هو ينافي حق السبق المذكور. و من ثم لا يبعد البناء علي ثبوت الحق من دون أن يكون محددا بالليل، لقصور أدلة حق السبق للمسجد و السوق عنه، كما تقدم.

كما أنه لا ينبغي التأمل في جواز انتزاع المغلوب المكان ممن زاحمه، إذ لا أقل من كونه مقتضي جواز رد الاعتداء بمثله.

ص: 498

______________________________

نعم لا إشكال في جواز البقاء للمعتدي في المكان لو أعرض المعتدي عليه عنه بعد غصبه منه، و لو لتجنب المشاكل، أو للاهتمام بقضاء الوطر في مكان آخر، بحيث لو بذل له المكان لم يهتم بالرجوع إليه، من دون فرق بين المسجد و السوق و المباحات الأصلية، لنظير ما سبق من سقوط الحق مع عدم نية العود.

إذا عرفت هذا فاللازم الكلام في حكم العبادة مع حرمة الإشغال للمكان لعدم إعراض السابق عنه، و لا ينبغي الكلام في صحتها إذا لم تتوقف علي الكون في المكان و لا التصرف فيه، كالصوم و قراءة القرآن و نحوهما، و إنما الكلام في أمرين:

الأول: الصلاة. و قد يستشكل في صحتها، لما فيها من التصرف المحرم في المكان بالكون فيه و إشغاله، و بالقيام و القعود و نحوهما من أفعالها الزائدة علي أصل الكون. فيمتنع التقرب بها لذلك.

لكنه يندفع بأن الكون في المكان و إن كان محرما بعد كون السابق أحق به، إلا أن الصلاة لا تتحد مع الكون المذكور، بل هي متقومة بالأفعال الخاصة، و ليس الكون إلا ملازما لها.

و أما الأفعال فلا منشأ لحرمتها بعد ما سبق من أن أحقية السابق بالمكان لا تقتضي ملكيته له، و لا ملكية منافعه، لتكون الحركات الصلاتية تصرفا في ملكه و تحرم بدون إذنه، بل لا تقتضي إلا حرمة الكون فيه و مزاحمته، و هو أمر مباين للأفعال المذكورة.

نعم بناء علي ما ذكرناه في مسألة الوضوء تدريجا من الإناء المغصوب من امتناع التقرب بالعمل إذا ابتني قصده علي قصد المعصية لأجله يتجه امتناع التقرب بالصلاة في المقام إذا كان الشروع فيها مبنيا علي قصد البقاء في المكان لإكمالها، لرجوعه إلي ابتناء القصد للصلاة علي قصد المعصية من أجلها، كما لعله ظاهر.

أما إذا لم يبتن القصد للصلاة علي ذلك، كما لو كان بانيا علي منع السابق عن المكان علي كل حال لا من أجل الصلاة فيه، فطرده و منعه منه و جلس فيه، ثم صلي فيه، فإنه يشكل بطلان الصلاة حينئذ. فلاحظ.

ص: 499

______________________________

الثاني: الاعتكاف. و لا ينبغي التأمل في عدم بطلانه بناء علي ما سبق منا من كونه متقوما بفرض المكلف علي نفسه المكث في المسجد من دون أن يتوقف علي فعلية المكث، إذ امتناع التقرب بالمكث لا يزيد علي الخروج و عدم المكث في عدم بطلان الاعتكاف به.

و أما بناء علي المشهور من توقفه علي استمرار المكث فالظاهر أيضا علي عدم بطلان الاعتكاف، لأن المكث في المكان الخاص لا يتحد مع المكث في المسجد، بل هو أمر خارج عنه زائد عليه، إذ ليس المراد بالمكث في المسجد المكث في أي مكان منه تخييرا، ليتحد خارجا مع المكث في المكان الخاص المغصوب، نظير اتحاد إكرام الرجل مع إكرام زيد، بل كون المسجد ظرفا للمعتكف، و هو حاصل بدخوله فيه، و كونه في المكان الخاص أمر زائد علي ذلك خارج عنه، و حينئذ يمكن التقرب بالمكث في المسجد مع المعصية بالكون في المكان الخاص.

و بعبارة أخري: تعدد أمكنة المعتكف و هو في المسجد و تنقله من مكان لآخر لا يوجب تعدد أفراد الكون في المسجد الواجب في الاعتكاف، بل اختلاف حالات الكون الواحد، و التقرب المعتبر إنما هو في كل فرد من أفراد الكون الواحد، و هو حاصل في المقام، لا في كل حال من حالات الكون الواحد غير الحاصل في المقام.

فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ص: 500

[فصل في أحكام الاعتكاف]

اشارة

فصل في أحكام الاعتكاف

[(مسألة 1): لا بد للمعتكف من ترك أمور]
اشارة

(مسألة 1): لا بد للمعتكف من ترك أمور:

[(منها): مباشرة النساء بالجماع]

(منها): مباشرة النساء بالجماع (1) و الأحوط وجوبا إلحاق اللمس

______________________________

(1) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر. و قد يستدل عليه بقوله تعالي: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (1)، و فيه: أنه ظاهر في العكوف اللغوي، و المتقوم بلزوم المسجد، و تحريم الجماع حاله لا بد أن يكون لحرمة المسجد. و لا قرينة علي حمله علي الاعتكاف الشرعي الذي قد يصاحب الخروج عن المسجد، ليتعين كون حرمة الجماع حاله لحرمة الاعتكاف مع قطع النظر عن الكون في المسجد، كما هو محل الكلام.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من أنه لو كان المراد الاعتكاف اللغوي لاستغني عن قوله: وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ. فهو ليس بنحو يكفي في القرينية علي ذلك، لعدم كون الزيادة المذكورة من الحشو المستهجن الذي يمتنع حمل الكلام عليه، و لا سيما و أن الحمل علي الاعتكاف الشرعي مستلزم للاستغناء عن قوله: [في المساجد] لعدم مشروعية الاعتكاف في غير المسجد، كما لعله ظاهر.

فالعمدة في المقام- بعد الإجماع المذكور- النصوص، كموثق الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن المعتكف يأتي أهله، فقال: لا يأتي امرأته ليلا و لا نهارا و هو معتكف» (2)، و غيره من النصوص الكثيرة المتضمنة ثبوت الكفارة بذلك.

نعم في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم:

إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، و ضربت له قبة من شعر، و شمر المئزر،

ص: 501


1- سورة البقرة الآية: 187.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من كتاب الاعتكاف حديث: 1.

و التقبيل بشهوة به (1)،

______________________________

و طوي فراشه. و قال بعضهم: و اعتزل النساء، فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: أما اعتزال النساء فلا» (1).

لكن لا بد من حمله بقرينة ما سبق علي اعتزالهن في المخالطة و المعاشرة، لا في الجماع، كما ذكره واحد. و قال الصدوق: «معلوم من قوله: و طوي فراشه. ترك المجامعة». فتأمل.

(1) فقد صرح بتحريمهما في المبسوط و الخلاف و الشرائع و التذكرة و غيرها، و هو مقتضي إطلاق ما في النهاية و الجمل و الوسيلة من أنه يحرم علي المعتكف جميع ما يحرم علي المحرم، و ما في النافع و اللمعتين من حرمة الاستمتاع بالنساء. و في الجواهر أنه المشهور، بل في المدارك أنه قطع به الأصحاب.

و كيف كان فقد استدل عليه في التذكرة و غيرها بالآية المتقدمة. لكن عرفت عدم ظهورها في الاعتكاف الشرعي. مضافا إلي ظهور المباشرة عرفا في الكناية عن خصوص الجماع، بل هو المناسب لسياق الآية، قال تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ … فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ … وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ … (2).

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «مع أن الحمل علي مطلق المباشرة بالمعني اللغوي غير ممكن. و البناء علي إطلاقه و تقييده بما ذكر بالإجماع ليس بأولي من حمله علي خصوص الجماع». فتأمل.

و أما حمل الاعتكاف علي الإحرام كما يناسبه ما تقدم من النهاية و غيرها و ما عن الاسكافي من حرمة النظر بشهوة، فلا منشأ له ظاهرا إلا مرسل المبسوط، قال:

«و قد روي أنه يجتنب ما يجتنبه المحرم». لكنه لا ينهض بالاستدلال. بل لا مجال للبناء علي العموم المذكور كما ذكره في المبسوط.

ص: 502


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 5 من كتاب الاعتكاف حديث: 2.
2- سورة البقرة الآية: 187.

و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة (1)

______________________________

و لعله لذا اقتصر في الغنية و المراسم علي الجماع، و يناسبه ما في الاستبصار من حمل صحيح الحلبي المتقدم علي المخالطة و المجالسة، دون الوطء، ثم قال: «لأن الذي يحرم في حال الاعتكاف الجماع دون ما سواه مما ذكرناه». بناء علي حمل الحصر فيه علي الحقيقي، دون الإضافي في قبال المخالطة و المجالسة. و إن كان الثاني هو المناسب لما سبق في بقية كتبه.

(1) للاتفاق ظاهرا علي ذلك كذا في الجواهر. و قد استدل له بأمور:

الأول: قاعدة الاشتراك. و يشكل بأنها إنما تقتضي الاشتراك بينهما مع الاشتراك في الموضوع الذي يؤخذ في الحكم، كملاقاة النجس و الشك في عدد الركعات و الغيبة و الزنا و نحوها.

و لا مجال لذلك في المقام، لأن موضوع الحكم في النصوص ليس هو الجنابة أو الاستمتاع الجنسي، بل أمور خاصة بالرجل مثل إتيان المرأة و مجامعتها و مواقعتها و وطئها، فتعدية الحكم للمرأة لا تبتني علي مشاركتها للرجل، بل علي مشاركة صيرورتها مأتية و مجامعة و مواقعة و موطوءة للعناوين المذكورة. و من الظاهر عدم نهوض قاعدة الاشتراك بذلك، بل لا بد فيه إما من تنزيل العناوين المذكورة في النصوص علي القدر المشترك بين الأمرين، أو إلحاق ما يحصل من المرأة بتلك العناوين لتنقيح المناط أو الإجماع أو نحوهما.

الثاني: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ثم لا يجلس حتي يرجع، و لا يخرج في شي ء إلا لجنازة أو يعود مريضا، و لا يجلس حتي يرجع، قال: و اعتكاف المرأة مثل ذلك» (1).

بدعوي: ظهوره في تشبيه اعتكاف المرأة باعتكاف الرجل المقتضي بإطلاقه العموم للحكم المذكور و إن لم يذكر في صدر الصحيحة.

ص: 503


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 2.

______________________________

و فيه: أنه لما عبر عن المشبه باسم الإشارة فهو ظاهر في الإشارة إلي خصوص ما سبق من الأحكام، لا عموم تشبيه أحد الاعتكافين بالآخر.

نعم قد يتجه ذلك لو قيل: «و اعتكاف المرأة مثل اعتكاف الرجل». و إن كان قد يمنع أيضا بأن عموم التشبيه إنما يستفاد من مثل ذلك بلحاظ أن حذف وجه الشبه موجب لقصور الكلام عن بيان المراد لو أريد التشبيه في خصوص بعض الجهات، و ذلك لا يجري في مثل المقام مما كان صدر الكلام مشتملا علي بعض الأحكام، حيث لا يلزم قصور الكلام عن بيان المراد لو حمل التشبيه علي خصوصها. فلاحظ.

و جميع ما سبق يجري في صحيح داود بن سرحان عنه عليه السّلام: «قال: و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتي يرجع، و المرأة مثل ذلك» (1). حيث يظهر مما سبق أنه لا مجال لدعوي ظهوره في تشبيه المرأة بالرجل في أحكام الاعتكاف المقتضي بإطلاقه عموم ثبوت أحكام المعتكف لها.

هذا مضافا إلي أن عموم تشبيه اعتكاف المرأة باعتكاف الرجل إنما يقتضي اشتراكهما في الأحكام عند اشتراكهما في الموضوع، كالخروج من المسجد، و لا يشمل المقام مما أخذ في الموضوع عنوان لا ينطبق إلا علي الرجل، كما يتضح مما تقدم في قاعدة الاشتراك.

الثالث: صحيح أبي ولاد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلي بيتها، فتهيأت لزوجها حتي واقعها. فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام، و لم تكن اشترطت في اعتكافها، فإن عليها ما علي المظاهر» (2).

و قد استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن الظاهر منه كون الكفارة للخروج السابق علي الوطء، لا للوطء نفسه، ليدل علي حرمته عليها.

و أجاب عن ذلك بعض مشايخنا قدّس سرّه بأن الخروج المذكور سائغ لها، لأن ملاقاة

ص: 504


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 1.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

______________________________

زوجها بعد رجوعه من السفر الذي يغلب طوله في الأزمنة السابقة من الحاجات الضرورية عرفا، فلا بد من كون الكفارة للجماع لا للخروج، فينفع في المطلوب.

لكنه يندفع بظهور الحديث في أن الخروج ليس لمجرد ملاقاة الزوج، بل للتهيؤ له بالنحو المتعارف في تهيؤ المرأة لزوجها حين قدومه من السفر و الذي ينتهي بالمواقعة. و إلا فملاقاة المرأة لزوجها لو خلت عن ذلك كملاقاتها لسائر المسافرين ممن يتعلق بها و يهمها أمرهم لا يتضح كونه من الضرورات العرفية. بل توقع ترتب ما لا يناسب الاعتكاف علي ملاقاة الزوج قد يخرجها عن الحاجات- فضلا عن الضرورات- العرفية، و يجعلها مما ينبغي تجنبه عرفا. و لا أقل من عدم ثبوت القرينة علي كون وجوب الكفارة من أجل الجماع، لا من أجل الخروج.

نعم ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من ظهور الصحيح في كون الكفارة للخروج لا للجماع غريب أيضا، لظهور حال السائل في خصوصية الجماع في الجهة المسئول عنها، فعدم ردعه عن ذلك بتنبيهه لترتب الكفارة علي الخروج و إن لم يترتب الجماع كالصريح في دخل الجماع في الحكم. و لا سيما مع عدم الإشكال في عدم وجوب الكفارة بمجرد الخروج.

غاية الأمر أن ذلك لا يناسب ما عليه المشهور من بطلان الاعتكاف بالخروج غير المعفو عنه، لأن حرمة التهيؤ للزوج لا تناسب كونه حاجة مسوغة للخروج، و مع بطلان الاعتكاف بالخروج لا مجال لحرمة الجماع، و ترتب الكفارة عليه.

لكن هذا إنما يجعل الصحيح دليلا علي عدم بطلان الاعتكاف بالخروج- كما سبق- من دون أن يمنع من ظهوره في ترتب الكفارة علي المرأة بمجامعة الرجل لها الذي هو محل الكلام. و من ثم كان الاستدلال بالصحيح في المقام متينا جدا.

و يعضده أو يؤيده في ذلك موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و أي امرأة كانت معتكفة، ثم حرمت عليه الصلاة، فخرجت من المسجد، فطهرت فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتي تعود إلي المسجد و تقضي اعتكافها»(1).

ص: 505


1- وسائل الشيعة ج: 2 باب: 51 من أبواب الحيض حديث: 2.
[(و منها): الاستمناء]

(و منها): الاستمناء (1)، علي الأحوط وجوبا.

______________________________

لظهور أن الزوج لما لم يكن معتكفا فعدم مواقعته لها لا بد أن يكون من أجل اعتكافها هي، كما أنه ليس من أجل استلزامه تأخرها عن الذهاب للمسجد، لعدم طول أمده بنحو معتد به، و لأن الاستجابة للزوج في ذلك من الحاجات العرفية و الشرعية، فلا بد أن يكون من أجل عدم مناسبة الجماع بنفسه لاعتكافها، و إذا لم يكن مناسبا لها و هي مكلفة بقضائه، فعدم مناسبته لها و هي متلبسة به أولي عرفا. فلاحظ.

هذا مضافا إلي المناسبات الارتكازية القاضية بأن الجهة الموجبة لحرمة الجماع علي المعتكف مشتركة بينه و بين المرأة المعتكفة، نظير منافاة الجماع للصيام و الإحرام، كما هو المناسب لظهور مفروغية الأصحاب عن الحكم.

(1) كما في المبسوط و الشرائع. و يقتضيه ما تقدم من النهاية و الجمل و الوسيلة من أنه يحرم عليه ما يحرم علي المحرم. بل حكاه في الرياض عن الخلاف أيضا مدعيا الإجماع عليه، و إن لم أجده فيه. و كيف كان فقد اعترف غير واحد بعدم العثور علي نص فيه.

نعم قد يدعي أولويته من اللمس و التقبيل. لكنه- كما تري- ليس من الوضوح بحد يصلح للاستدلال، لإمكان خصوصية مسّ المرأة في الحكم. و لا سيما مع ما سبق من الإشكال في حرمة اللمس و التقبيل.

هذا و لم يستبعد بعض مشايخنا الاستدلال بموثق سماعة: «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال عليه إطعام ستين مسكينا مدّ لكل مسكين» (1).

بدعوي: أنه بعد ظهور عدم إرادة الإطلاق منه، و عدم التقييد فيه بصوم رمضان، لا يبعد حمله علي المورد الذي يجب بالجماع فيه الكفارة، فهو في مقام تنزيل الاستمناء منزلة الجماع في وجوب الكفارة، فيعم كل مورد يجب بالجماع فيه الكفارة، و منه المقام.

ص: 506


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك حديث: 4.

(و منها): شم الطيب (1)،

______________________________

لكنه كما تري إذ لا إشارة فيه للتقييد بالمورد المذكور، ليتمسك بإطلاقه. بل بعد عدم الإشارة فيه للتقييد بمورد خاص و ظهور عدم إرادة الإطلاق منه يتعين إجماله و الاقتصار فيه علي المتيقن، و هو صوم رمضان، أو انصرافه لخصوص الصوم المذكور، لأنه الشائع المعهود، و لظهور فهم الأصحاب لذلك منه، لذكرهم له في كتاب الصوم، الموجب للاطمئنان باطلاعهم علي ما يشهد به، و إن خفي علينا بسبب تقطيع الأخبار.

نعم قد يستأنس للحكم في المقام بالنظر للصوم و الإحرام، فإن كثيرا من أدلة التشريع- كالآية و بعض النصوص- ظاهر في حصر المفطرية بالجماع أو النساء، كما تضمنت صيغة الإحرام أن الإحرام يكون من النساء، و مع ذلك ثبت عموم الحكم في المقامين للاستمناء و إلحاقه بالجماع، حيث يناسب ذلك إلحاق الاستمناء بالجماع في المقام أيضا. لكن في بلوغ ذلك حدا ينهض بالاستدلال إشكال. بل منع.

(1) كما صرح به غير واحد و نسبه في المدارك للأكثر، و في الجواهر أنه الأشهر، بل المشهور، بل في الخلاف الإجماع عليه. و يقتضيه صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: المعتكف لا يشم الطيب، و لا يتلذذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري و لا يبيع» (1).

فما في المبسوط من عدم حرمته غريب. و لا سيما مع منعه من البيع و الشراء الذي ينحصر الدليل عليه بالصحيح المذكور. نعم يظهر ذلك أيضا من عدم التعرض له في المراسم و الغنية. ثم إن مقتضي إطلاق الصحيح المنع من كل ما يصدق عليه الطيب عرفا، كما هو مقتضي إطلاق غير واحد من الأصحاب.

لكن يظهر من غير واحد ممن حكم بجريان حكم المحرم في المقام الاختصاص بما يحرم منه علي المحرم، و هو خصوص بعض الأنواع، علي ما يذكر في محله.

و لا وجه له إلا دعوي انصراف الصحيح إليه، لأنس الذهن به بسبب شيوع

ص: 507


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 10 من كتاب الاعتكاف حديث: 1.

و الريحان (1) مع التلذذ (2). و لا أثر له إذا كان فاقدا لحاسة الشم.

______________________________

حكم الإحرام المذكور. و هو كما تري لا يرجع إلي محصل ظاهر.

(1) كما صرح به غير واحد، و نسبه في المدارك للأكثر. لصحيح أبي عبيدة المتقدم.

(2) قال في الجواهر: «المنساق إلي الذهن من شم الطيب التلذذ به، ففاقد حاسة الشم خارج، كما قد يومئ إلي ذلك في الجملة قوله عليه السّلام في الصحيح: و لا يتلذذ» و مقتضي التفريع في كلامه أن مراده من التلذذ إدراك رائحة الطيب. و حينئذ يتجه في نفسه، لعدم صدق الشم بدون ذلك، و لا حاجة معه للاستشهاد بالصحيح.

بل هو أجنبي عنه، لظهوره في التلذذ زائدا علي إدراك الرائحة.

أما لو كان المراد بالتلذذ أمرا زائدا علي إدراك الرائحة- كما هو محل كلام سيدنا المصنف قدّس سرّه و غيره- إما حصول اللذة و الانشراح بشم الرائحة، أو كون الشمّ بداعي حصولها، فالتقييد به يحتاج إلي دليل، بل هو لا يناسب إطلاق الصحيح. و لا سيما مع التنبيه فيه للتلذذ في الريحان دون الطيب.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه في توجيه التفريق من الاختلاف بين الطيب و الريحان في تأثير التلذذ، لأن الطيب أقوي فيه و أكثر تعارفا من الريحان. فهو لا يخلو عن إشكال، لقرب أن يكون منشأ الفرق بينهما أن تمحض الطيب في عنوانه و قصده منه نوعا موجب لكون شمه من مظاهر الترف عرفا، فمنع منه مطلقا، بخلاف الريحان، فإن طيب الرائحة فيه ليس بحدّ يجعله متمحضا في الجهة المذكورة فلا يكون شمه من مظاهر الترف إلا مع التلذذ.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره بعض مشايخنا قدّس سرّه من جعل تقييد الريحان بالتلذذ عاضدا للتقييد المذكور في الطيب، خصوصا بعد ملاحظة أن الريحان في اللغة كل نبات طيب الرائحة. إذ فيه: أن طيب الرائحة لا يجعله طيبا بعد أن لم يكن متمحضا في ذلك.

و مثله ما ذكره في وجه تقييد الطيب بالتلذذ، بمعني كون الداعي لشمه طلب

ص: 508

[(و منها): البيع و الشراء]

(و منها): البيع و الشراء (1)، بل مطلق التجارة (2) علي الأحوط وجوبا. و لا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات حتي الخياطة

______________________________

اللذة، من أن الظاهر عرفا من إضافة الشم إلي الطيب ملاحظة الوصف العنواني، بأن يكون المراد شم الطيب بما هو طيب المساوق للتمتع و الالتذاذ. حيث يظهر اندفاعه مما سبق من قرب كون تمحض الطيب في عنوانه موجبا لكون شمه ترفا عرفا، فيمنع منه مطلقا، كما يؤيده التفريق في الصحيح بينه و بين الريحان.

علي أن ما ذكره- لو تم- إنما يقتضي التقييد بالالتذاذ بمعني حصول اللذة، لا كونها داعيا، بحيث لا يقدح حصولها إذا كان الداعي للشم أمرا آخر، فإن ما ذكره من الوجه لا ينهض به.

و من جميع ما تقدم ظهر أن الأنسب الاقتصار في التقييد علي الريحان، تبعا للنص. و لا سيما مع عدم بنائهم علي التقييد المذكور في الإحرام الذي ينحصر الدليل فيه بالإطلاق، كالمقام.

نعم قد يدعي انصراف إطلاق الصحيح في الطيب عما إذا كان الشخص لا يستطيب رائحته. و هو لو تم يجري في الإحرام أيضا. فلاحظ.

(1) بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر، و يعضده ما يأتي من الانتصار، و إن كان ظاهر المراسم و الغنية و اللمعتين عدم المنع منهما، لعدم التنبيه فيها لذلك. و كيف كان فيقتضيه صحيح أبي عبيدة المتقدم في الطيب.

و الظاهر أن المراد به مباشرتهما بنفسه، لا ما يعمّ وقوعهما من وكيله اقتصارا علي المتيقن من النص، المناسب لوضع الاعتكاف. بل لو كان البناء علي ما المنع مما يعم ذلك لاضطرب وضع المعتكف و لكثر السؤال عن فروعه بنحو لم يخف المنع معه.

(2) قال في الانتصار: «و مما ظن انفراد الإمامية به القول بأن ليس للمعتكف أن يبيع و يشتري و يتجر … و الحجة للإمامية الإجماع المتقدم». و عن المنتهي أن التجارة أعم من البيع و الشراء. و كأنه لدعوي عمومها لكل معاوضة كالإجارة و المزارعة

ص: 509

و النساجة، و نحوهما (1). و إن كان الأحوط استحبابا الاجتناب.

______________________________

و المضاربة، و ما يفيد فائدتها كالصلح. لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح صدق التجارة علي غير البيع و الشراء.

و كيف كان فينحصر الوجه في عموم التحريم للأمور المذكورة بدعوي فهم عدم الخصوصية للبيع و الشراء. و هي لا تخلو عن خفاء.

و أشكل من ذلك ما عن المنتهي من المنع من كل ما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش. و لعله يشمل مثل الاصطياد و حيازة المباحات. قال:

«عملا بمفهوم المنع من البيع و الشراء».

قال في المدارك: «و هو غير جيد، لأن النهي عن البيع و الشراء لا يقتضي النهي عما ذكره بمنطوق و لا مفهوم. نعم ربما دلت عليه بالعلة المستنبطة، و هي غير معتبرة عندنا». لكن لا يبعد كون مراده بالمفهوم إلغاء خصوصية العنوان المذكور في الخطاب عرفا. المستلزم لنحو من الظهور الكلامي في العموم، و إن كان هو غير ظاهر، كما سبق.

(1) و عن المنتهي: «الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة، كالخياطة و شبهها، إلا ما لا بد منه». و كأن الوجه فيه ما تقدم من فهم عدم الخصوصية، الذي سبق المنع منه.

و ربما يدعي لزوم إشغال الوقت بالعبادة، فينا فيه الاشتغال بغيرها، كما يرجع إليه ما في السرائر، قال: «الوجه عندي أن جميع ما يفعله المعتكف من القبائح و يتشاغل به من المعاصي و السيئات يفسد اعتكافه، فأما ما يضطر إليه من أمور الدنيا من الأفعال المباحات فلا يفسد به اعتكافه. لأن حقيقة الاعتكاف في عرف الشرع هو اللبث للعبادة، و المعتكف اللابث للعبادات إذا فعل قبائح و مباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة، و خرج من حقيقة الاعتكاف … ».

لكنه مبني علي تقوم الاعتكاف شرعا، باللبث في المسجد للعبادة زائدا علي التعبد بأصل اللبث في المسجد، و قد تقدم في أول الكلام في الاعتكاف بطلان المبني المذكور. علي أنه لو تم فلا بد من حمله علي لزوم إيقاع العبادة في أثناء الاعتكاف

ص: 510

و إذا اضطر إلي البيع و الشراء، و لم يمكن التوكيل و لا النقل بغيرهما، فعله (1)، و في صحة الاعتكاف حينئذ تأمل (2).

______________________________

في الجملة، لا استيعاب الوقت بالعبادة، كي ينافيه إشغال بعضه بالمباحات المذكورة و القبائح، و إلا لزم حرمة النوم و الحديث و التفرغ بنحو يزيد عن الحاجة و غير ذلك مما لا يظن منهم البناء عليه، و لو كان لظهر و بان. فلاحظ.

(1) لدليل رفع الاضطرار. و يأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(2) إذ بناء علي كون النهي في الصحيح وضعيا راجعا إلي كون المنهي عنه منافيا للاعتكاف و مبطلا له يتجه البناء علي عمومه لحال الاضطرار، و لا ينافيه جوازه تكليفا، كما هو ظاهر.

هذا و لكن ظاهر المسالك و المدارك و الجواهر و الاستثناء من عموم النهي في الحال المذكور، و قد يظهر مما تقدم من المنتهي من استثناء ما لا بد منه. و كأنه لدعوي انصراف إطلاق الصحيح عنه.

و فيه: أن الانصراف إن كان لمكان الاضطرار فهو إنما يقتضي قصور النهي التكليفي دون الوضعي.

و إن كان لدعوي أن المناسبات الارتكازية إنما تقتضي منافاة البيع و الشراء للاعتكاف إذا كان الغرض منهما الاسترباح و كسب المال، الذي هو مظهر من مظاهر التعلق بالدنيا، و لا يناسب مقام العبادة الذي عليه المعتكف، فينصرف الإطلاق إلي ذلك دون غيره مما يبتني علي دفع الضرورة و سدّ العوز.

أشكل بأن لا قرينة علي تنزيل الإطلاق علي ذلك. علي أن مقتضاه عدم الاقتصار علي مورد الضرورة، بل العموم لكل ما لم يكن الغرض منه الاسترباح و كسب المال، كما لو كان الغرض منه التخلص من المبيع أو إجابة التماس المشتري أو البائع و النزول عند رغبتهما و غير ذلك.

نعم لو كان الاضطرار للبيع و الشراء في بعض الأمور كالمأكول و المشروب

ص: 511

[(و منها): المماراة]

(و منها): المماراة (1) في أمر ديني أو دنيوي، بداعي الغلبة و إظهار الفضيلة (2)، لا بداعي إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ، فإنه من أفضل العبادات، و المدار علي القصد.

______________________________

و الملبوس- التي هي مورد كلامهم- ملازما للمعتكف نوعا اتجهت دعوي الانصراف عنه، لظهور عدم ورود النهي مورد الإحراج للمعتكف، و إلا لوقع السؤال عما يمكن التخلص منه عن الاضطرار المذكور و عن فروع ذلك، فإهمال ذلك كاشف عن قصور الإطلاق. و لو تم ذلك لكان المستثني هو مورد الاضطرار العرفي النوعي، لا الاضطرار الحقيقي الذي هو موضوع دليل الرفع.

لكن لا يتضح ملازمة الاضطرار المذكور للمعتكف، لقرب اتكاله في قضاء حوائجه اليومية علي ما يقوم به أهله، أو يعده بنفسه قبل الشروع في الاعتكاف. و من ثم لا مجال للبناء علي الاستثناء المذكور، و الخروج عن مقتضي الإطلاق.

نعم هذا كله مبني علي أن النهي في المقام وضعي راجع إلي كون الأمور المذكورة مبطلة للاعتكاف، لا تكليفي راجع إلي حرمتها تكليفا من دون أن تكون مبطلة له، و هو ما يأتي الكلام فيه المسألة الثالثة عشرة إن شاء اللّه تعالي.

(1) بلا خلاف أجده، كما في الجواهر. و كأن مراده نفي التصريح بالخلاف، و إلا فيظهر الخلاف من غير واحد ممن أهمل ذكرها، حيث لم تذكر في المبسوط و الغنية و المراسم و الوسيلة و النافع و اللمعتين. و كيف كان فيشهد بالمنع منها صحيح أبي عبيدة المتقدم و لا يتضح المخرج عنه و الوجه في إهمال من تقدم له.

(2) قال في المسالك: «المماراة لغة الجدال و المماراة المجادلة. و المراد به هنا المجادلة علي أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة و الفضيلة، كما يتفق للكثير من المتسمين بالعلم. و هذا النوع محرم في غير الاعتكاف. و قد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص. و إدخاله في محرمات الاعتكاف إما بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة، كما ورد في تحريم الكذب علي اللّه و رسوله في الصيام. و علي

ص: 512

______________________________

القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه يتضح فائدته.

و لو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق، ورد الخصم عن الخطأ، كان من أفضل الطاعات. فالمائز بينما يحرم منه و ما يجب أو يستحب النية.

فليحترز المكلف من تحويل الشي ء من كونه واجبا إلي جعله من كبائر القبائح». و قد أقره علي ذلك في ظاهر المدارك و استجوده في الجواهر، و تبعه فيه غير واحد ممن تأخر عنه.

و يشكل أولا: بعدم وضوح حرمة المماراة، لورود النصوص الكثيرة المتضمنة للنهي عنها في مقام بيان الآداب و مرضي الخصال و النصح و الإرشاد، كما يظهر بملاحظة قوله عليه السّلام: «إياكم و المراء و الخصومة، فإنهما يمرضان القلوب علي الإخوان، و ينبت عليهما النفاق» (1). و قوله عليه السّلام: «لا تمارين حليما و لا سفيها، فإن الحليم يقليك [يغلبك] و السفيه يؤذيك» (2)، و قوله عليه السّلام: «أنا زعيم ببيت في أعلي الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا» (3).

و قوله عليه السّلام: «من ضن بعرضه فليدع المراء» (4)، و قوله عليه السّلام في موثق السكوني: «من التواضع أن ترضي بالمجلس دون المجلس، و إن تسلم علي من تلقي، و أن تترك المراء و إن كنت محقا … » (5)، و غير ذلك.

نعم قد تستظهر الحرمة من قوله: «ويل أمه فاسقا من لا يزال مماريا، و ويل أمه فاجرا من لا يزال مخاصما، ويل أمه آثما من كثر كلامه في غير ذات اللّه» (6).

لكن سياقه يناسب الكراهة. و لا سيما و أن موضوعه المستمر علي هذه الخصال الملازم لها، المناسب لعدم ترتب المحاذير المذكورة فيها بمجرد تحقق هذه الأمور المذكورة، بل نتيجة للاستمرار عليها، أو نتيجة للخلق السيئ الموجب لملازمتها و الإصرار عليها.

ص: 513


1- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 135 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الكافي ج: 2 ص: 301 باب: المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث: 4.
3- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 135 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7، 8، 9.
4- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 135 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7، 8، 9.
5- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 75 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
6- وسائل الشيعة ج: 8 باب: 135 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.

______________________________

مضافا إلي مناسبة سيرة المتشرعة و مرتكزاتهم للكراهة بلحاظ ما قد تجر إليه المماراة من الإغراق في الخصام و اللجاجة و العناد، و ما قد تستتبعه من العدوان و الشحناء، و ما قد تنشأ منه من حب الظهور و الاستعلاء. فإن ذلك كله لا يبلغ الحرمة ارتكازا إلا في حالات خاصة، كما لو ترتب ضرر مهم علي ذلك، أو ابتني علي الاستعلاء علي الحق استكبارا و عنادا.

و ثانيا: بأن التفريق بين الوجهين المتقدمين من المسالك لا يناسب إطلاق النصوص المذكورة. و لا سيما مع التنبيه في جملة منها علي العموم للمراء من المحق.

و من ثم يتعين البناء علي عموم الكراهة.

غاية الأمر أنه مع كون الغرض الاستعلاء تتأكد الكراهة بكراهة الغرض المذكور، بل قد يحرم لحرمة الغرض، و هو ما رجع إلي الاستعلاء علي الحق و أهله و الغلبة له و لهم، و مع كون الغرض إظهار الحق تزاحم الكراهة برجحان الغرض المذكور. بل يظهر من النصوص المتقدمة ثبوت الكراهة حتي مع ذلك.

نعم لا بد من البناء علي ارتفاعها و عدم فعليتها في بعض صور ذلك مما أحرزت فيه أهمية إظهار الحق، لتوقف كسر شوكة الباطل عليه، و دفع كيد أهله عن الحق و أهله.

و أما ما عليه سيرة أهل الاستدلال من الخصومات و المجادلات في المسائل العلمية و نحوها، فلا يبعد عدم صدق المراء و الخصومة علي كثير من أفراده، إذ من القريب اختصاصها بما إذا كان الخصم لاجّا في دعواه مصرا عليها بنحو لا يرضي بالتصدي لها و إبطال حجته عليها.

و لا يشمل ما إذ كان طالبا للحقيقة مهتما بإثباتها، متطلبا الخوض فيها من غيره، ليطلع منه علي ما يؤكد دعواه أو يبطلها، بحيث لا يكون همّ الطرفين إلا استعراض الحجج و استيفاء الكلام في الدعوي طلبا للحقيقة. حيث يقرب جدا رجحان ذلك من دون محذور، لعدم وضوح صدق المراء عليه. و لا أقل من خروجه عن المتيقن من النصوص، كما يظهر بالتأمل في مضامينها.

نعم كثيرا ما يلتبس الأمر علي المتنازعين في ذلك، و يخرجهما الكلام عن

ص: 514

[(مسألة 12): الأحوط استحبابا للمعتكف الاجتناب عما يحرم علي المحرم]

(مسألة 12): الأحوط استحبابا للمعتكف الاجتناب عما يحرم علي المحرم (1)،

______________________________

قصدهما الأول إلي تعصب كل لدعواه و لجاجته فيها و حب الغلبة و نحو ذلك من الأمور المرجوحة أو المحرمة، التي قد يجر إليها حب النفس و دواعي الهوي و نزغ الشيطان، فاللازم الحذر من ذلك كثيرا. و اللّه سبحانه هو المسدد و المستعان. و لعل ذلك هو المنشأ لما تقدم من المسالك، و إن التبس الأمر عليه فيه.

و ثالثا: بأن التفصيل بين قسمي المراء بالوجه الذي ذكره في المسالك لو تم لا يقتضي حمل صحيح أبي عبيدة المتقدم علي خصوص الوجه الأول، إذ ليس في الصحيح ما يشعر باختصاص منافيات الاعتكاف المذكورة بما إذا كانت بالوجه المحرم أو المكروه، بل يتعين العمل بإطلاقه.

و قد ظهر مما تقدم أن المتيقن من المراء ما إذا ابتني الجدل علي مجادلة اللاجّ في دعواه المصر عليها الذي يأبي الاعتراض عليها، و هو مكروه مطلقا، و إن كان بداعي إظهار الحق، و لا تسقط كراهته عن الفعلية إلا بمزاحم مهم. كما أنه علي إطلاقه ممنوع منه في الاعتكاف. أما إذا ابتني الجدل علي طلب الحقيقة من الأطراف المشاركة و استقصاء الحجة، فلا مجال للبناء علي كراهته، فضلا عن حرمته. كما يشكل البناء علي عموم المنع عن المراء في الاعتكاف له، لعدم وضوح صدق المراء عليه. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما صرح به في الوسيلة، و حكي عن ابن البراج، و قد يستظهر من النهاية و محكي الجمل، قال في الأول: «و علي المعتكف أن يجتنب ما يجتنبه المحرم من النساء و الطيب و الرياحين و الكلام الفحش و المماراة و البيع و لا يفعل شيئا من ذلك»، و قال في الثاني: «و يجب عليه تجنب كل ما يجب علي المحرم تجنبه من النساء و الطيب و المماراة و الجدال. و يزيد عليه تسعة أشياء البيع و الشراء … »، و يشهد له مرسل المبسوط، قال:

«و قد روي أنه تجتنب ما يجتنبه المحرم».

ص: 515

و إن كان الأقوي خلافه (1). و لا سيما في لبس المخيط و إزالة الشعر و أكل الصيد و عقد النكاح، فإن جميعها جائز له (2).

[(مسألة 13): الظاهر أن الأمور المذكورة مفسدة للاعتكاف]

(مسألة 13): الظاهر أن الأمور المذكورة مفسدة للاعتكاف (3)، من

______________________________

(1) لعدم نهوض المرسل بالاستدلال. و لا سيما مع ما في المبسوط و التذكرة من ظهور المفروغية عن عدم البناء علي ذلك. بل لا يبعد قصور ما تقدم من النهاية و محكي الجمل عن العموم المذكور، فليلحظ.

(2) كما صرح بجوازها في التذكرة، بنحو قد يظهر في عدم القائل بحرمتها.

بل لا ينبغي التأمل في عدم تجنب النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لمثل إزالة الشعر، و لبس المخيط. إذ لو كان لظهر و بان.

و من جميع ما تقدم يظهر الحال فيما سبق من النهاية و عن المنتهي و الدروس من حرمة الكلام الفحش، حيث لا يظهر الوجه في خصوصية الاعتكاف في حرمة ذلك، إلا بناء علي ما قد يظهر مما سبق من السرائر من لزوم إشغال الوقت فيه بالعبادة. و قد سبق ضعفه.

(3) الذي يظهر من جملة من عباراتهم المفروغية عن حرمة الأمور المذكورة تكليفا، و الإشكال إنما هو في مبطليتها للاعتكاف. كل ذلك للجمود علي مقتضي النهي الذي هو الحرمة التكليفية، حيث يحتاج استفادة البطلان حينئذ إلي مزيد كلفة.

أما سيدنا المصنف قدّس سرّه فقد خرج عن ذلك مدعيا أن ظاهر الأمر و النهي في الماهيات المركبة الإرشاد للشرطية و المانعية، فيكون البطلان متيقنا، و تحتاج الحرمة التكليفية- عند عدم حرمة إبطال الاعتكاف و فسخه- إلي الكلفة.

لكن في صحيح داود بن سرحان: «كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض علي نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، و لا تقعد تحت ظلال حتي تعود إلي مجلسك» (1). و قد

ص: 516


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 7 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.

______________________________

تقدم عند الكلام في اشتراط استدامة اللبث أن ظاهر الصحيح تقوم الاعتكاف بفرض المكلف المكث في المسجد علي نفسه، فهو من سنخ الإحرام المتقوم بالتعبد بالدخول في حرمة الحج أو العمرة، من دون أن يبطل بفعل محرمات الإحرام.

و مقتضي إطلاق الصحيح عدم دخل شي ء آخر في قوام الاعتكاف غير الفرض المذكور. كما أن مقتضي الجمع بينه و بين صحيح أبي عبيدة و غيره مما تضمن نهي المعتكف عن الأمور المتقدمة ليس هو تقييده بها بعد اختلاف لسانه عن ألسنتها، بل الاقتصار في ماهية الاعتكاف علي ما تضمنه صحيح داود، و حمل تلك النصوص علي بيان ما يحرم علي المعتكف تكليفا، نظير ما يحرم علي المحرم من دون أن يؤخذ في مفهوم الإحرام.

و بعبارة أخري: بعد أن اختلف لسان الصحيح عن ألسنة النصوص المذكورة فكان مفاده بيان ماهية الاعتكاف الذي يفرضه المكلف علي نفسه عند نيته، و مفادها منع المعتكف عن الأمور المذكورة، فلا مجال لإرجاع مفادها لمفاده بعد تقييده بها، بل الأقرب الاقتصار في ماهية الاعتكاف علي مفاده، و حملها علي النهي التكليفي الذي هو مقتضي ظهورها البدوي.

و لا سيما و أن الاعتكاف و إن كان من الماهيات الشرعية، إلا أن عنوانه يناسب عرفا تقومه باللبث في المسد، أو بفرض المكلف ذلك علي نفسه، و عدم تقومه بترك الأمور الأخري التي تضمنتها تلك النصوص، و إن لم تكن مناسبة له بلحاظ كون الغرض منه ارتكازا الترهب و الانقطاع للّه تعالي بلزوم المسجد الذي هو بيته، نظير الإحرام و محرماته، و ليس هو كالصوم الذي كان عنوانه إضافيا لا يختص عرفا بمفطر خاص، فإن ذلك يناسب جدا الجمع بين النصوص بما تقدم.

و لعله لذا كان ظاهر الأصحاب المفروغية عن أن حرمة الأمور المذكورة من أحكام الاعتكاف، لا أن تركها من مقوماته، و اقتصروا في مقوماته و شروطه علي ما سبق، و إن سبق منا الإشكال فيما ذكروه من تقومه بنفس اللبث، لا بفرض المكلف ذلك علي نفسه.

ص: 517

______________________________

و بالجملة: الأنسب بالجمع بين الأدلة و بملاحظة المرتكزات المعتضدة بظاهر كلمات الأصحاب حمل صحيح أبي عبيدة و نحوه علي ما هو الظاهر منها بدوا من الحرمة التكليفية، و لا مجال لحملها علي البطلان إرشادا للمانعية، الذي هو مقتضي الظهور الثانوي في الماهيات المركبة.

ثم إن مقتضي إطلاق النصوص المذكورة عدم الفرق بين وجوب الاعتكاف و عدمه. نعم لو جاز فسخ الاعتكاف ففسخه المعتكف لم تحرم هذه الأمور تكليفا، لارتفاع موضوع التحريم. أما إذا لم يفسخه و لو مع جواز فسخه فاللازم البناء علي الحرمة عملا بالإطلاق المذكور. فلاحظ.

هذا و قد جري في الجواهر علي ما عليه الأصحاب من حمل النصوص المذكورة علي الحرمة التكليفية، إلا أنه ادعي استفادة البطلان منها أيضا، بدعوي: أنه و إن لم يكن ملازما للحرمة التكليفية عقلا، إلا أنه يستفاد من النهي عرفا، كالنهي عن التكفير في الصلاة و نحوه، بملاحظة أن معظم نظر الشارع في أمثال ذلك إلي بيان الصحة و الفساد. بل قد لا يكون مقصوده إلا ذلك و إن أداه بلفظ النهي و نحوه.

و فيه: أنه لا مجال لحمل النهي أو النفي في النصوص علي الحرمة التكليفية و الوضعية معا، لاختلافهما سنخا، المانع من ظهور الدليل فيهما معا، بل لا بد إما من حملهما علي البطلان بلحاظ الظهور الثانوي لهما في الماهيات المركبة، و حينئذ لا يبقي وجه للبناء علي الحرمة التكليفية، كما جري عليه سيدنا المصنف قدّس سرّه، أو حملهما علي الحرمة التكليفية، كما جري هو عليه تبعا للأصحاب، و سبق أنه الأظهر. و حينئذ لا مجال لاستفادة البطلان بعد عدم التلازم بينهما عقلا و لا عرفا و لا خارجا.

و أما النهي عن مثل التكفير في الصلاة فهو إن حمل علي النهي التشريعي لا يقتضي الحرمة الذاتية و لا البطلان، و إن حمل علي الحرمة الذاتية لم يبق مجال للبطلان أيضا، و إن حمل علي المانعية فهو يقتضي البطلان دون الحرمة التكليفية الذاتية، بل و لا التشريعية، و إنما يلتزم بالحرمة التشريعية- في الفرضين الأخيرين- لثبوت عدم مشروعيته. و علي ذلك لا مجال للجمع بين الحرمة و البطلان في النهي المذكور، كما

ص: 518

______________________________

ذكرناه في المقام. و من ثم فالظاهر أنه لا مجال للبطلان في الأمور المذكورة.

نعم عن جماعة التصريح بمبطلية الجماع للاعتكاف، و ادعي الإجماع عليه في الغنية و التذكرة، و ظاهر الجواهر المفروغية عنه. و قد استدل عليه بعض مشايخنا قدّس سرّه بما دل علي أن من جامع و هو معتكف فهو بمنزلة من أفطر في شهر رمضان، بدعوي:

أن مقتضي عموم التنزيل ثبوت كلا الحكمين من الحرمة التكليفية و البطلان، بل و الكفارة أيضا، و لا يختص التنزيل بالكفارة و إن ذكرت في الرواية.

و فيه: أن ما تضمن ذلك في الجملة حديثان، موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن معتكف واقع أهله. قال: عليه ما علي الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» (1)، و موثقه الآخر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله فقال [قال]: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (2).

و من الظاهر أن الأول مختص بالكفارة، و لا عموم فيه لغيرها من الحرمة التكليفية، فضلا عن البطلان. نعم قد يستفاد منه الحرمة التكليفية، لكون الكفارة متفرعة عليها ارتكازا، لا لعموم التنزيل.

و أما الثاني فهو و إن تضمن إطلاق التنزيل إلا أنه لا يشمل البطلان أولا: لعدم كون البطلان من الأحكام الشرعية، ليكون مشمولا لإطلاق التنزيل في لسان الشارع الأقدس، بل هو مترتب عقلا علي فعل المنافي، أو منتزع منه.

و ثانيا: لعدم كون بطلان الصوم من آثار الإفطار، بل هو متحد معه، إذ ليس الإفطار إلا عدم الصوم بفعل المفطر، فالبطلان في الحقيقة موضوع للتنزيل لا أثر مصحح له.

نعم قد يتجه ما ذكره لو كان موضوع التنزيل هو الجماع في شهر رمضان، أو مطلق استعمال المفطر. علي أنه لا يتم أيضا، لأن المترتب علي الجماع في شهر رمضان مثلا ليس مطلق البطلان، بل بطلان الصوم، و هو لا يترتب علي الجماع في الاعتكاف،

ص: 519


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 5، 2.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 5، 2.

دون فرق بين وقوعها في الليل و النهار (1). و في حرمتها تكليفا إذا لم يكن واجبا معينا- و لو لأجل انقضاء يومين منه- إشكال (2)، و إن كان أحوط وجوبا.

[(مسألة 14): إذا صدر منه أحد الأمور المذكورة سهوا]

(مسألة 14): إذا صدر منه أحد الأمور المذكورة سهوا ففي عدم قدحه إشكال (3).

______________________________

بل المطلوب إثبات بطلان الاعتكاف، و لا يقتضيه التنزيل.

و من ثم فالظاهر أن التنزيل المذكور لا يقتضي إلا الحرمة التكليفية، و وجوب الكفارة، و لا ينهض بإثبات البطلان. و العمدة في وجه البطلان الإجماع لو تم بنحو ينهض بالاستدلال.

و حينئذ فالمتيقن منه الجماع. بل قد يظهر من المبسوط عمومه لكل مباشرة توجب الإنزال، حيث قال: «الاعتكاف يفسده الجماع، و يجب به القضاء و الكفارة.

و كذلك كل مباشرة تؤدي إلي إنزال الماء عمدا يجري مجراه. و في أصحابنا من قال: ما عدا الجماع يوجب القضاء دون الكفارة».

و أما القبلة و اللمس بشهوة من دون إنزال فلو قيل بحرمتهما لا مجال للبناء علي البطلان بهما بعد خروجهما عن المتيقن من الإجماع. بل صرح في المختلف و عن غيره بعدم بطلان الاعتكاف بهما، و إن كانا محرمين. فلاحظ.

(1) لإطلاق دليل المنع عنها. و ليس المنع عنها لمنافاتها للصوم، ليختص بالنهار.

(2) يتضح الوجه فيه مما تقدم. لكن لا مجال للإشكال في حرمة الجماع تكليفا، للنصوص الكثيرة الدالة علي وجوب الكفارة فيه، و التي يأتي التعرض لها في المسألة السابعة عشرة إن شاء اللّه تعالي، و يأتي هناك أن مقتضي إطلاق أكثر نصوص الكفارة العموم لما إذا لم يكن الاعتكاف واجبا، و من ثم لا مجال للبناء علي أن وجوب الكفارة لإفساد الاعتكاف، بل يتعين كونه لحرمة الجماع تكليفا.

(3) ففي المبسوط: «و متي وطأ المعتكف ناسيا، أو أكل ساهيا، أو خرج من

ص: 520

[(مسألة 15): إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات]

(مسألة 15): إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات فإن كان واجبا معينا وجب قضاؤه (1)

______________________________

المسجد كذلك، لم يفسد اعتكافه»، و عن المنتهي التصريح بأن الجماع فضلا عن غيره يبطل مع العمد دون السهو. و تنظر فيه في الجواهر إن لم يكن إجماع.

و الظاهر أن ما تقدم في الخروج سهوا- من أن مقتضي إطلاق الأدلة بعد فرض سوقها لبيان البطلان- جار هنا. و من الغريب جزم صاحب الجواهر و سيدنا المصنف (قدّس سرّهما) بعدم البطلان هناك و توقفهما فيه هنا مع أن تقوم الاعتكاف بعدم الخروج أظهر من تقومه بترك هذه الأمور. فتأمل.

هذا و مما تقدم يظهر حال ما إذا وقعت هذه الأمور كرها.

(1) كما صرح به غير واحد، و نفي الخلاف فيه في الجواهر، و في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. و حيث كان ذلك مختصا بالمنذور فقد يظهر من محكي المنتهي الاستدلال بعموم وجوب قضاء المنذور، حيث ذكر أنه نذر في طاعة أخل به، فوجب استئنافه. لكن العموم لم يثبت، و إنما ثبت وجوب قضاء الصوم المنذور، و التعدي منه لكل منذور يحتاج إلي دليل.

هذا و قد يستدل للمدعي:

تارة: بعموم ما دل علي قضاء ما فات.

و أخري: بأنه مشتمل علي الصوم الذي قد ثبت قضاء المنذور، أو مطلق الواجب منه.

و ثالثة: بما تضمن قضاء الاعتكاف من الحائض و المريض.

لكن الأول لم يثبت، و إنما أرسل في بعض كتب الفقه فيما حكي، كما تقدم في أول فصل قضاء الصوم.

كما يندفع الثاني بأن ما دل علي قضاء الصوم الواجب أو المنذور يقصر عن الصوم الواجب تبعا لوجوب الاعتكاف أو المنذور تبعا لنذره، كما يتضح مما تقدم في قضاء الصوم. علي أنه لو تم عمومه له فهو إنما يقتضي وجوب قضاء الصوم، لا قضاء الاعتكاف.

ص: 521

______________________________

و دعوي: أن الصوم الفائت لما كان في ضمن الاعتكاف لزم قضاؤه علي الوجه الذي وجب فيه، فيجب الاعتكاف تبعا لذلك. ممنوعة، لأن دليل القضاء إنما دل علي وجوب قضاء أصل الصوم دون الخصوصيات الأخر. و قد تقدم نظير ذلك في المسألة العشرين من فصل أحكام قضاء شهر رمضان.

و أما الثالث فهو نصوص ثلاثة: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته، ثم يعيد إذا برئ و يصوم» (1)، و صحيح أبي بصير عنه عليه السّلام: «في المعتكفة إذا طمثت. قال: ترجع إلي بيتها، فإذا طهرت رجعت و قضت ما عليها» (2)، و موثقه عنه عليه السّلام «قال: و أي امرأة كانت معتكفة ثم حرمت عليها الصلاة، فخرجت من المسجد فطهرت فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتي تعود إلي المسجد و تقضي اعتكافها» (3).

و من الظاهر أن مقتضي إطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين أنواع الاعتكاف و أقسامه، و لا خصوصية للواجب المعين في وجوب القضاء فإن بني علي خصوصية الحيض و المرض في الحكم تعين البناء علي خصوصيتهما حتي في الواجب المعين، و أحتاج وجوب القضاء فيه مع البطلان بغير الحيض و المرض إلي الدليل، و إن بني علي إلغاء خصوصيتهما و العموم لجميع أسباب البطلان رجع مفاد النصوص إلي وجوب الاعتكاف مطلقا بالشروع فيه، لا بمعني وجوب الاستمرار فيه، نظير الواجب المضيق، بل بمعني وجوبه مطلقا بنحو يعم وجوب الاستئناف لو لم يستمر فيه كما تقدم في أول هذا الفصل.

و الأول و إن كان هو مقتضي الجمود علي مورد النصوص، بل هو مقتضي مرسل الكليني و الشيخ في الكافي و التهذيب، قالا: «و في رواية أخري [عنه]: ليس علي المريض ذلك» (4). إلا إن الثاني أقرب عرفا.

ص: 522


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من كتاب الاعتكاف حديث: 1، 3.
3- وسائل الشيعة ج: 2 باب: 51 من أبواب الحيض حديث: 2.
4- الكافي ج: 4 ص: 179. التهذيب ج: 4 ص: 294. وسائل الشيعة ج: 7 باب: 11 من كتاب الاعتكاف حديث: 2.

و إن كان غير معين وجب استئنافه (1). و كذا إذا كان مندوبا و كان

______________________________

لكن تقدم في أول هذا الفصل أن مضمون هذه النصوص حينئذ مناف لما دل علي جواز فسخ الاعتكاف في اليومين الأولين، فلا بد إما من حملها علي عروض المبطل بعد إكمالهما، أو علي مجرد بيان مشروعية القضاء أو الإعادة، لبيان عدم إمكان الاستمرار في الاعتكاف مع المرض أو الحيض. و لعل الثاني أقرب. فراجع.

و علي الأول فهي تدل علي وجوب القضاء في الواجب المعين و غيره إذا كان الإفساد بعد مضي اليومين لا مطلقا. أما علي الثاني فهي لا تدل علي وجوب القضاء أصلا، غاية الأمر أنه تشرع الإعادة مطلقا، بل تجب إذا كان واجبا موسعا، لعدم مضي زمان الواجب، فيجب الخروج عنه و امتثاله.

(إن قلت): لما كان الواجب المعين لا يجوز الرجوع فيه مطلقا حتي قبل مضي اليومين فهو خارج عما تضمن جواز الفسخ قبل مضي اليومين، فيبقي تحت عموم نصوص القضاء بناء علي الوجه الأول للجمع بين النصوص.

(قلت): عدم جواز الرجوع فيه قبل اليومين ليس من حيثية الاعتكاف، بل من حيثية النذر، و موضوع الجمع العرفي بين نصوص الاعتكاف هي حيثيات الاعتكاف.

و الحاصل: أن النصوص المذكورة لا تنهض بإثبات وجوب قضاء الاعتكاف إذا كان واجبا معينا. و من ثم ينحصر الدليل في المقام بالإجماع المستفاد مما تقدم. إلا أن في نهوضه بالاستدلال إشكال. و من هنا قال في المدارك: «و ينبغي التوقف في ذلك علي أن يقوم إلي وجوب القضاء دليل يعتد به».

ثم إن ما سبق كما يجري في إفساد الاعتكاف بعد الشروع فيه يجري في ترك الإتيان به في وقته رأسا، بل الثاني هو مورد كلام بعضهم. فلاحظ.

(1) لعدم تحقق الامتثال بالفاسد، فيتعين الامتثال بغيره. و أما الاجتزاء بالبناء علي ما مضي منه. و إتمامه ثلاثة أيام- كما عن أبي الصلاح- فهو يحتاج إلي دليل بعد ظهور ما دل علي اعتبار العدد فيه في التتابع و الاستمرار. بل هو خلاف ظاهر الأمر بالإعادة في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم.

ص: 523

الإفساد بعد يومين (1)، أما إذا كان قبلهما فلا شي ء عليه، و لا يجب الفور في القضاء (2).

______________________________

نعم قد يناسبه قوله في موثق أبي بصير المتقدم: «فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتي تعود إلي المسجد و تقضي اعتكافها»، حيث قد يظهر منه بقائها مرتبطة بالاعتكاف حتي تتمه بعد ارتفاع المانع.

لكن لا بد من حمله بملاحظة صحيح عبد الرحمن علي كراهة مواقعتها قبل قضاء الاعتكاف، باستئناف اعتكاف تام، لا إتمام الاعتكاف الأول.

هذا و لو كان قد شرط في الاعتكاف أو في نذره أن له الرجوع متي شاء ففي وجوب الاستئناف عليه تفصيل تقدم في المسألة التاسعة من الفصل السابق.

(1) علله قدّس سرّه بأنه يكون واجبا حينئذ. لكن ما دل علي وجوب الاعتكاف بمضي يومين إنما يدل علي وجوب الاستمرار فيه حتي تتم ثلاثة أيام، لا وجوبه مطلقا بنحو يجب الاستئناف لو لم يستمر فيه، فلا بد في وجوب القضاء من قيام الدليل علي وجوب قضاء الاعتكاف الواجب بنحو يعم الوجوب الحاصل بمضي يومين.

و هو مبني علي مفاد النصوص المتقدمة، حيث تقدم أن الأمر يدور بين حملها علي وجوب الاستئناف في كل اعتكاف إذا فسد بعد مضي اليومين، و حملها علي مشروعية الاستئناف لا غير، و علي الثاني لا مجال للبناء علي وجوبه إلا في الواجب غير المعين تحقيقا للامتثال.

(2) كما صرح به غير واحد. للأصل، بل لإطلاق دليل القضاء لو تم.

لكن صرح في المبسوط بالفورية، و في المعتبر: «و هذا حق، لأن إخلاء الذمة من الواجب واجب».

و هو كما تري إذ لو أريد بإخلاء الذمة مطلق الامتثال فهو واجب عقلا، إلا أن وجوبه أعم من الفورية، و لو أريد به الفورية في الإخلاء فوجوبه عين المدعي. نعم لو قيل بدلالة الأمر علي الفور، كما ينسب للشيخ قدّس سرّه تم المدعي. لكنه ممنوع، كما حرر في الأصول.

ص: 524

[(مسألة 16): إذا باع أو اشتري في أيام الاعتكاف لم يبطل بيعه أو شراؤه]

(مسألة 16): إذا باع أو اشتري في أيام الاعتكاف لم يبطل بيعه أو شراؤه (1)، و إن بطل اعتكافه.

[(مسألة 17): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلا]

________________________________________

و أما ما تقدم في موثق أبي بصير من قوله عليه السّلام: «فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتي تعود إلي المسجد، و تقضي اعتكافها»، فهو غير ظاهر في الفورية، بل في ارتباطها بالاعتكاف، بحيث لا ينبغي وقوع منافياته، و حيث لا مجال للبناء علي ذلك فلا بد من حمله علي كراهة الموافقة قبل القضاء، و هو أعم من وجوب الفورية فيه.

نعم قد يستفاد وجوب الفور من قوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير المتقدم: «فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» لقوة ظهوره في تعقب الطهر بالرجوع لا في مجرد وجوب الرجوع بعد الطهر و إن كان منفصلا عنه بزمان طويل. و من ثم يتعين البناء علي الفور لو تم ورود الصحيح لبيان وجوب القضاء. فلاحظ.

(1) و هو ظاهر بناء علي مختاره قدّس سرّه من عدم حرمة البيع و الشراء تكليفا، بل مبطليتهما للاعتكاف لا غير، لأن مبطليتهما أعم من بطلانها. و أما بناء علي حرمتهما تكليفا- كما هو ظاهر الأصحاب- فهو مبني علي ما هو التحقيق من عدم اقتضاء النهي في المعاملة للفساد. و منه يظهر ضعف ما في المبسوط من البناء علي عدم انعقاد البيع و الشراء، لأن النهي يدل علي فساد المنهي عنه.

(2) و هو المتيقن مما ذكروه من وجوب الكفارة بإفساد الاعتكاف، حيث لا خلاف- كما في الجواهر- في وجوبها بالجماع. و النصوص به مستفيضة، تقدم بعضها عند الكلام في مبطلية الجماع للاعتكاف، و يأتي بعضها إن شاء اللّه تعالي.

و إنما ينبغي الكلام في أمرين:

الأول: أن مقتضي النصوص المذكورة كون موضوع الكفارة هو الجماع بنفسه، لا لكونه كونه مبطلا للاعتكاف، فالكفارة ثابتة به و إن لم يتم الدليل علي مبطليته، نظير

ص: 525

______________________________

ثبوت الكفارة بمحرمات الإحرام. و ما يظهر من بعضهم من كون موضوع الكفارة هو إبطال الاعتكاف بالجماع أو مطلقا غير ظاهر المنشأ.

الثاني: أن مقتضي إطلاق أكثر النصوص عدم الفرق في ثبوت الكفارة بين وجوب الاعتكاف و عدمه. و مجرد ندبية الاعتكاف و إمكان فسخه لا ينافي ثبوت الكفارة بالجماع فيه مع عدم فسخه.

لكن في صحيح أبي ولاد المتقدم في المعتكفة التي تهيأت لزوجها حتي واقعها، قال عليه السّلام: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما علي المظاهر» (1). و قد ذكر في الجواهر أن أخذ عدم الاشتراط في وجوب الكفارة يومئ إلي أنه يعتبر في وجوبها وجوب الاعتكاف و عدم إمكان الرجوع فيه، و إنها لا تجب مع إمكان الرجوع فيه للشرط و إن كان بعد اليومين الأولين.

و قد دفعه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن الصحيح المذكور لا يدل علي وجوب الكفارة بالجماع، بل بالخروج من المسجد، فإنه أسبق العلل في البطلان، فهو خارج عما نحن فيه. و يظهر الجواب عنه مما سبق عند الكلام في حرمة الجماع علي المرأة، حيث ذكرنا أن ظاهر الصحيح ثبوت الكفارة بالجماع لا بالخروج السابق عليه.

أما بعض مشايخنا قدّس سرّه فقد ذكر إن مقتضي الجمع بين النصوص المذكورة و الصحيح ليس هو بالتفصيل بين وجوب الاعتكاف و عدمه، بل بالتفصيل بين الاشتراط و عدمه، فلا تثبت الكفارة مع الاشتراط و تثبت بدونه مطلقا سواء كان في اليومين الأولين أو بعدهما، و هو مبني علي الجمود علي عنوان الاشتراط في الصحيح.

و لعل الأقرب من ذلك حمل ذكر الاشتراط في الصحيح علي الكناية علي الرجوع في الاعتكاف، فإن الاشتراط إنما يكون من أجل أن يفسخ المعتكف اعتكافه عند الحاجة لذلك، و حيث كان حضور الزوج من موارد الحاجة لفسخ الاعتكاف، فإن كانت المرأة قد اشترطت، فهي بحضور الزوج و اهتمامها بأمره لا بد أن تفسخ الاعتكاف إعمالا للشرط و تخرج، فلا كفارة عليها، و إن لم تكن اشترطت فهي إما أن لا تفسخ

ص: 526


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 6.

و الأقوي عدم وجوبها بالإفساد بغير الجماع (1)، و إن كان أحوط استحبابا،

______________________________

أو تفسخ و لا ينفعها الفسخ، بل تبقي علي اعتكافها، فيجب عليها الكفارة بالجماع.

و حينئذ يكون مقتضي الجمع بين النصوص المتقدمة و الصحيح هو التفصيل بين فسخ الاعتكاف و عدمه. فمع الفسخ لا كفارة، سواء كان الفسخ مع الشرط، أم بدونه في اليومين الأولين. و مع عدمه تجب الكفارة، سواء كان لتعذر الفسخ، كما فيما بعد اليومين الأولين من دون شرط، أم مع إمكانه من دون أن يتحقق، كما فيما قبل اليومين الأولين و مع سبق الشرط.

و كيف كان فلا مجال لما ذكره في الجواهر- تبعا لظاهر جملة من الأصحاب- من حمل نصوص الكفارة علي صورة وجوب الاعتكاف. لاستلزامه حمل نصوص الكفارة علي ما بعد اليومين الأولين. و هو بعيد جدا بلحاظ تعددها من دون إشارة في شي ء منها إلي ذلك، مع شدة الحاجة للتنبيه إليه فيها، لأنه أقل أزمنة الاعتكاف.

نعم لا يبعد ذلك في صحيح أبي ولاد، لأن الشرط إنما يحتاج إليه بعد اليومين الأولين، كما تقدم التنبيه له عند الكلام في اشتراط الاعتكاف باستدامة اللبث في المسجد. فلاحظ.

هذا و حيث كان ظاهر النصوص أن موضوع الكفارة الاعتكاف فمقتضي إطلاقها عدم الفرق بين الليل و النهار، بل هو كالصريح من معتبر عبد الأعلي بن أعين بناء علي ما قربناه في مسألة تحديد مساحة الكر من وثاقة محمد بن سنان-: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان. قال: عليه الكفارة. قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال: عليه كفارتان» (1).

(1) كما هو ظاهر المبسوط و صريح الشرائع، و نسبه في المدارك لأكثر المتأخرين.

لاختصاص النصوص بالجماع، فالتعدي لغيره يحتاج إلي دليل، خصوصا بناء علي ما تقدم من أن موضوع الكفارة هو الجماع بذاته، لا من حيثية كونه مبطلا.

نعم تقدم من الشيخ قدّس سرّه إلحاق كل مباشرة تؤدي إلي إنزال الماء بالجماع في

ص: 527


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 4.

و كفارته مثل كفارة إفطار شهر رمضان (1) و إذا كان الاعتكاف في شهر

______________________________

وجوب الكفارة، خلافا لما حكاه عن بعض الأصحاب. و هم مبني علي فهم إلحاقه بالجماع من أدلته كإلحاقه به في أصل التحريم. و إن لم يخل عن الإشكال، كما يظهر مما تقدم عند الكلام في تحريمه.

و مما تقدم يظهر ضعف ما عن المفيد و السيدين، بل نسبه في التذكرة للمشهور من وجوبها بكل مفسد للاعتكاف، علي إشكال في النسبة لبعضهم.

نعم لا إشكال في ثبوت كفارة إفطار شهر رمضان به لو كان المبطل للاعتكاف من المفطرات، و قد أتي به في نهار شهر رمضان، و في ثبوت كفارة إفطار قضاء شهر رمضان لو كان الصوم منه و قد أتي به بعد الزوال، و في ثبوت كفارة النذر به لو كان الاعتكاف أو الصوم الذي معه منذورا معينا. إلا أن ذلك ليس لخصوصية الاعتكاف التي هي محل الكلام.

(1) كما نسبه في المختلف للشيخين و السيد المرتضي و أتباعهم، و جعله في المسالك الأشهر، و نسبه في المدارك للأكثر، و في الجواهر للمشهور.

لموثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله. فقال [قال]: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (1)، و في موثقه الآخر: «عليه ما علي الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» (2)، و قد يشعر به أو يدل عليه صحيح عبد الأعلي بن أعين المتقدم.

خلافا لما عن ظاهر ابن بابويه من أنها مرتبة، و جعله في المدارك أصح. لصحيح زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع [أهله] قال: إذا فعل فعليه ما علي المظاهر» (3)، و في صحيح أبي ولاد المتقدم في المعتكفة التي تهيأت لزوجها حتي واقعها:

«فإن عليها ما علي المظاهر» (4).

لكن مقتضي الجمع العرفي حمل الصحيحين علي الاستحباب، كالنصوص

ص: 528


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 1، 6.
2- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 1، 6.
3- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 1، 6.
4- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 2، 5، 1، 6.

رمضان، و أفسده بالجماع نهارا وجبت كفارتان (1)، إحداهما لإفطار شهر رمضان، و الأخري لإفساد الاعتكاف. و كذا إذا كان في قضاء شهر

______________________________

الدالة علي أن كفارة إفطار شهر رمضان مرتبة. بل ظاهر المبسوط الاتفاق علي أن الكفارة في المقام هي كفارة إفطار شهر رمضان، علي الخلاف في كونها مرتبة أو مخيرة.

(1) كما صرح به غير واحد، و في الانتصار و الخلاف الإجماع عليه. و يقتضيه إطلاق دليلي كفارة الاعتكاف و كفارة إفطار شهر رمضان، بناء علي ما هو المشهور المنصور من أصالة عدم التداخل. مضافا إلي معتبر عبد الأعلي المتقدم في آخر الكلام في وجوب الكفارة بالجماع.

هذا و قد صرح في النهاية و الشرائع و غيرهما باختصاص ذلك بما إذا كان الاعتكاف في شهر رمضان. لكن مقتضي إطلاق غير واحد عمومه لما إذا لم يكن الاعتكاف فيه، بل هو صريح السرائر. و هو مقتضي إطلاق معقد الإجماع في الانتصار و الخلاف.

و قد يستدل له:

تارة: بأن صوم الاعتكاف واجب كصوم رمضان، فتجب له الكفارة مثله.

و فيه أولا: أن وجوب صوم الاعتكاف ليس تكليفيا، بل وضعيا راجعا إلي شرطيته في الاعتكاف.

و ثانيا: أنه لا دليل علي ثبوت الكفارة لكل صوم واجب و حمله علي صوم رمضان قياس مع الفارق.

و أخري: بإطلاق مرسل الصدوق قال: «و قد روي أنه إن جامع بالليل فعليه كفارة واحدة، و إن جامع بالنهار فعليه كفارتان» (1).

لكن ضعفه بالإرسال مانع من الاستدلال به. و لا سيما مع قرب كون المراد به صحيح عبد الأعلي المتقدم المختص بشهر رمضان، و مع بعد الإطلاق عن الاعتبار، و عدم مناسبته لإطلاقات النصوص الأخر، فإن حملها علي ما يعم التعدد أو علي

ص: 529


1- وسائل الشيعة ج: 7 باب: 6 من كتاب الاعتكاف حديث: 3.

رمضان (1). و إن كان الاعتكاف المذكور منذورا (2) وجبت كفارة ثالثة لمخالفة النذر (3). و إذا كان الجماع لامرأته الصائمة (4) و قد أكرهها وجبت كفارة رابعة عنها (5)، و الحمد للّه رب العالمين.

______________________________

خصوص الليل بعيد جدا. و من ثم لا يبعد حمله- كإطلاق بعض من تقدم- علي خصوص شهر رمضان.

(1) يعني إذا كان بعد الزوال. و الكفارة الثانية حينئذ هي كفارة إفطار الصوم المذكور، و هي إطعام عشرة مساكين، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام.

(2) يعني: منذورا معينا و لو بالعرض. و مثله ما إذا كان الصوم الذي معه منذورا كذلك.

(3) و هي كفارة حنث النذر.

(4) يعني: في شهر رمضان.

(5) كما هو مقتضي إطلاق ما تضمن تحمله عنها الكفارة إذا أكرهها علي الجماع في نهاية شهر رمضان، بضميمة أصالة عدم التداخل.

خلاف للمحقق في الشرائع من الاقتصار علي كفارتين، و وافقه في المدارك، بناء منه علي عدم تحمل الزوج كفارة زوجته لو أكرهها علي الجماع في صوم شهر رمضان، لضعف دليله. لكنه لا يتجه من المحقق بعد ذهابه في الشرائع إلي التحمل هناك.

بل صرح غير واحد بتحمل الزوج عن زوجته مع إكراهها كفارة الاعتكاف، فالتزموا بوجوب كفارتين عليه لو أكرهها و هي معتكفة علي الجماع ليلا، و بأربع لو أكرهها عليه نهارا، مع إطلاق بعضهم أو تعميمه الحكم لغير شهر رمضان. بل في المختلف أنه قول مشهور لم يظهر له مخالف، و في الانتصار دعوي الإجماع عليه، و أنه من متفردات الإمامية.

و هو مبني علي إلحاق الاعتكاف بالصوم في تحمل الكفارة مع الإكراه. لكنه

ص: 530

______________________________

أشبه بالقياس بعد اختصاص النص بالصوم.

(فرع): قال في المبسوط: «و من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من قال: يقضي عنه وليه أو يخرج من ماله إلي من ينوب عنه قدر كفايته. لعموم ما روي:

من أن من مات و عليه صوم واجب وجب علي وليه أن يقضي عنه أو يتصدق عنه».

لكنه كما تري، لأن الموت قبل إكمال الاعتكاف يكشف عن عدم مشروعية الشروع فيه، نظير ما لو صادف العيد قبل إكماله، فهو لم يجب، ليقع الكلام في وجوب قضائه. و لعله لذا خص في الشرائع وجوب قضاء الولي بما إذا كان الاعتكاف واجبا.

علي أنه أيضا لا يخلو عن إشكال أولا: لأن وجوب الاعتكاف لا يقتضي إلا وجوب الصوم مقدمة له، و ظاهر أدلة وجوب قضاء الولي للصوم أن موضوعها انشغال ذمة الميت بالصوم بنفسه.

و ثانيا: لأن ذلك إنما يقتضي وجوب قضاء الصوم، لا قضاء الاعتكاف مع الصوم.

و دعوي: إن مثل هذا الصوم لا يمكن الإتيان به إلا علي هيئته التي انشغلت الذمة بها، و هي وقوعه حال الاعتكاف.

مدفوعة:

أولا: بأن ذلك لا يقتضي وجوب قضاء الاعتكاف عن الميت، بل وجوب الإتيان بالصوم حال الاعتكاف و لو كان ذلك الاعتكاف للولي نفسه. فتأمل.

و ثانيا: بأن الذي تنشغل به الذمة تبعا للواجب قيود الواجب، لا ما يكون الواجب قيدا فيه.

نعم قد يتجه ذلك فيما لو كان المنذور هو الصوم حال الاعتكاف. علي أنه لا يخلو عن إشكال أيضا فيما لو مات و عليه قضاء الصوم المذكور، لا أداؤه، لما سبق في المسألة العشرين من فصل قضاء الصوم من عدم وضوح وجوب المحافظة في القضاء علي قيود الصوم المنذور. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

ص: 531

______________________________

انتهي الكلام في مبحث الاعتكاف بفضل اللّه تعالي و لطفه، ليلة الأحد، الحادي و العشرين من شهر ذي الحجة الحرام، سنة ألف و أربعمائة و خمس عشرة للهجرة النبوية، علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و السلام و التحية. في النجف الأشرف، علي مشرفه الصلاة و السلام. بقلم العبد الفقير محمد سعيد (عفي عنه) نجل سماحة حجة الإسلام و المسلمين آية اللّه السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم (دامت بركاته).

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و آله الطاهرين.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق و التأييد و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 532

الفهرس

الفصل الأول في النية يشترط في صحة الصوم النية 5

تحديد النية المعتبرة في الصوم 7

تحديد النية في صوم القضاء عن الغير 9

لا يقع في شهر رمضان صوم غيره 9

صوم غير شهر رمضان فيه ممن لا يكلف بصومه 11

صوم غير شهر رمضان جهلا أو نسيانا 13

يكفي في نية كل صوم القصد إليه و لو اجمالا 15

وقت النية في الصوم الواجب المعين 20

وقت النية في الصوم الواجب الموسع 24

الكلام في وثاقة علي بن محمد بن الزبير القرشي 24

الكلام في تصحيح طريق الشيخ لكتب ابن فضال و ان لم تثبت وثاقة ابن الزبير المذكور 26

وقت النية في الصوم المندوب 33

الكلام في الاجزاء في صوم شهر رمضان بتمامه بنية واحدة 34

الكلام في الاكتفاء بتجديد النية للجاهل و الناسي بدخول شهر رمضان 36

الكلام في صوم يوم الشك 41

وجوب الامساك تأدبا في شهر رمضان علي من بطل صومه 49

تجب استدامة نية الصوم في تمام النهار 50

الكلام في نية العدول من صوم إلي آخر 51

ص: 533

الفصل الثاني في المفطرات الأول و الثاني: الأكل و الشرب و ان كانا قليلين 53

الكلام في الأكل و الشرب غير المعتادين 54

الثالث: الجماع. و المعيار فيه ما يحقق الجنابة 57

الرابع: الكذب علي اللّه تعالي أو علي رسوله (ص) أو الأئمة (ع) 58

الكلام في عموم الحكم لبقية الأنبياء و الأوصياء (ع) 62

الكلام لعموم الحكم للأمور الدينية و الدنيوية 63

الكلام في قصد الكذب أو الصدق خطأ 64

الإخبار بما يشك في ثبوته 65

الكذب من دون توجيه الخطاب إلي شخص خاص أو مع توجيهه إلي من لا يفهم 66

الخامس: الارتماس في الماء علي كلام 67

هل المعيار علي رمس تمام البدن أو خصوص الرأس؟ 69

الكلام في الارتماس التدريجي أو علي التعاقب 70

الارتماس في الماء المضاف 71

الارتماس بنية الاغتسال 72

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلي الجوف 72

الكلام في التدخين 75

السابع: تعمد البقاء علي الجنابة إلي طلوع الفجر 75

تعمد البقاء علي الجنابة في قضاء صوم شهر رمضان و بقية الصوم الواجب 79

تعمد البقاء علي الجنابة في الصوم المندوب 81

البقاء علي الجنابة لا عن عمد 83

لا يبطل الصوم بالاحتلام نهارا 85

لا يبطل الصوم بمس الميت 86

تعمد الجنابة ليلا مع ضيق الوقت عن الغسل 86

الكلام في عموم بدلية التيمم عن الغسل في الصوم 87

الكلام في بدلية التيمم عن الغسل في خصوص المقام 89

من نسي غسل الجنابة و صام يوما أو أكثر 90

ص: 534

الكلام في نسيان غسل الحيض و النفاس 93

الكلام في مشروعية التيمم للصوم من العاجز عن الغسل 94

هل يجوز النوم قبل الفجر للمتيمم من أجل الصوم 95

إذا أجنب بظن سعة الوقت للغسل فبان ضيقه 95

تعمد البقاء علي حديث الحيض و النفاس إلي الطلوع مبطل للصوم 96

الكلام في حكم المستحاضة الكثيرة 98

صور نوم الجنب حتي يصبح بالإضافة إلي الصوم 99

حكم نوم الجنب تكليفا 111

لا يجب علي المحتلم في نهار شهر رمضان المبادرة للغسل 113

يجوز الاستبراء للمحتلم في نهار شهر رمضان 114

حكم نومة الاحتلام 114

حكم النوم مع حدث الحيض أو النفاس 117

الثامن من المفطرات: إنزال المني. مع الكلام في معيار وجوب الكفارة 118

التاسع: الاحتقان 121

الكلام في ما يصل إلي الجوف من غير طريق الحلق 122

صب الدواء في الجرح بنحو يصل إلي الجوف 126

جعل الدواء في الأذن بنحو يصل إلي الجوف 126

جعل الدواء في الاحليل بنحو يصل إلي الجوف 127

جعل الدواء و الكحل في العين بنحو يصل الي الجوف 128

حكم وصول الطعنة للجوف 130

حكم زرق الغذاء و الدواء بالإبرة 131

حكم ابتلاع ما يخرج من الصدر و ما ينزل من الرأس 131

لا بأس بابتلاع البصاق المتجمع في الفم 134

العاشر من المفطرات: تعمد القي ء 134

الكلام في أكل الطعام المحرم 135

ابتلاع ما يخرج بالتجشؤ 136

إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار 137

ص: 535

أمور لا بأس بها للصائم 138

الكلام في مضغ العلك 139

الكلام في مص لسان الزوج و الزوجة 141

مكروهات الصوم 142

الكلام في السعوط 146

الكلام في جلوس المرأة في الماء 149

الكلام في إنشاد الشعر للصائم 150

تتميم: يشترط في مفطرية المفطرات التعمد لها 152

الكلام فيمن تعمد فعل المفطر جهلا بمفطريته 155

الكلام فيمن استعمل المفطر إكراها أو تقية 158

إذا غلب علي الصائم العطش 160

الفصل الثالث في الكفارة الكلام في عموم وجوب الكفارة بتعمد المفطر و فيما يوجب الكفارة من المفطرات 165

تحديد كفارة إفطار شهر رمضان 167

تحديد المد 170

يحرم الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال مع الكلام في وجوب الكفارة به 172

تحديد كفارة إفطار قضاء شهر رمضان 173

تحديد كفارة إفطار الشهر المنذور 175

هل تتكرر الكفارة بتكرر الموجب للإفطار في يوم واحد؟ 178

حكم العاجز عن خصال الكفارة الثلاث 179

من أفطر علي حرام 183

الكلام في وثاقة محمد بن عبدوس و علي بن محمد بن قتيبة 183

إذا اكره الصائم زوجه الصائمة علي الجماع 185

اذا تردد الإفطار بين ما تجب به الكفارة و ما لا تجب به 186

من افطر عمدا أو سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة 188

اذا اكره المفطر زوجته الصائمة علي الجماع 190

الكلام في التبرع بالكفارة عن الحي و الميت 191

ص: 536

هل تجب المبادرة لأداء الكفارة؟ 192

مصرف كفارة الإفطار الفقراء إما بإشباعهم أو بالتسليم إليهم 193

تحديد الطعام في الكفارة 195

لا بد في الكفارة من مراعاة العدد و لا يجزي التكرار في حق شخص واحد، إلا مع تعذر العدد 199

حكم زوجة الفقير و الغني 200

تبرأ ذمة المكفر بملك الفقير للطعام و ان لم يأكله، فله بيعه 200

عدد الامداد في حقة النجف الاشرف 200

لا فرق بين الصغير و الكبير في الإعطاء، و يفرق بينهما في الإشباع 200

يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

الأول: نوم الجنب ليلا حتي يصبح 201

الثاني: الإخلال بنية الصوم من دون استعمال المفطر 201

الثالث: نسيان غسل الجنابة علي كلام 202

الرابع: استعمال المفطر بعد الفجر من دون مراعاة 202

الخامس: الإفطار بتخيل دخول الليل خطأ علي تفصيل و كلام 208

لا يجوز الإفطار مع الشك في دخول الليل 211

يجوز استعمال المفطر مع الشك في طلوع الفجر 212

السادس: دخول الماء للجوف بمضمضة علي تفصيل 212

السابع: سبق المني بملاعبة و نحوها 217

الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم يشترط في صحة الصوم الإسلام و الإيمان 219

لا بد من الإسلام و الإيمان في تمام النهار، و حكم من أسلم أو آمن في أثناء النهار 221

يشترط صحة الصوم العقل 222

يشترط في صحة الصوم الخلو من الحيض و النفاس 223

يصح الصوم من النائم اذا سبقت منه النية مع الكلام في السكران و المغمي عليه 224

لا يصح الصوم مع الإصباح جنبا أو علي حدث الحيض أو النفاس علي التفصيل المتقدم 225

ص: 537

لا يصح الصوم من المسافر 225

موارد صحة الصوم في السفر 226

الكلام في إيقاع الصوم المندوب في السفر 230

صوم ثلاثة أيام للحاجة في المدينة المنورة 231

يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم 232

يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام 233

لا يصح الصوم من المريض الذي يضره الصوم 233

تحديد الضرر المعتبر في في وجوب الإفطار 235

يكفي خوف الضرر في وجوب الإفطار، مع الكلام في كيفية الجمع بين دليل الضرر و دليل الخوف 236

لا يصح الصوم مع خوف حدوث المرض 239

لا يكفي الضعف في جواز الافطار، مع الكلام فيما اذا لزم من الصوم الحرج 239

اذا أدي الضعف الي ترك العمل اللازم للمعاش 241

هل يجب الاقتصاد مع الإفطار لأجل الحرج علي الطعام و الشراب بقدر الضرورة 241

اذا صام لاعتقاد عدم الضرورة فبان الخلاف 242

اذا صام مع خوف الضرر فتبين عدمه 243

الكلام في حجية قول الطبيب 244

الكلام فيما اذا برئ المريض قبل الزوال و لم يتناول المفطر 245

يصح من الصبي الصوم و بقية العبادات 246

لا يصح التطوع بالصوم لمن عليه قضاء صوم شهر رمضان 249

هل يصح التطوع بالصوم لمن عليه غير القضاء من الصوم الواجب؟ 249

هل يصح التطوع بالصوم لمن نسي أو جهل أن عليه صوم القضاء 251

يصح التطوع بالصوم لمن عليه صوم استئجاري 252

يجوز لمن عليه صوم القضاء استئجار نفسه للصوم الواجب مع الكلام في استئجارها للصوم المندوب 252

يشترط في وجوب الصوم البلوغ و العقل 253

الكلام في اشتراط وجوب الصوم بالحضر 253

ص: 538

الكلام في اشتراط وجوب الصوم بعدم الإغماء 258

الكلام في اشتراط وجوب الصوم بعدم المرض 258

الكلام في اشتراط وجوب الصوم بعدم الحيض و النفاس 259

لو صام الصبي فبلغ في أثناء النهار 259

الكلام فيما لو سافر المكلف بالصوم في أثناء النهار 260

إذا دخل المسافر بلده في أثناء النهار 264

المعيار في كون السفر قبل الزوال أو بعده علي الخروج من البلد، لا علي الوصول لحد الترخص 267

حكم السفر في شهر رمضان اختيارا 268

يجوز للمسافر التملي من الطعام و الشراب و النكاح 273

الفصل الخامس يرخص في الإفطار للشيخ و الشيخة و ذي العطاش الكلام في معني الطاقة و الإطاقة لغة و عرفا 275

تجب الفدية عليهم إذا افطروا علي كلام في بعض الصور 281

يستحب كون الفدية من الحنطة و كونها مدين 284

الكلام في وجوب القضاء عليهم مع تجدد القدرة 284

يرخص في الإفطار للحامل المقرب علي تفصيل و كلام 285

يرخص في الإفطار للمرضعة القليلة اللبن علي تفصيل و كلام 286

تجب الفدية و القضاء علي الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن 288

لا فرق في المرضعة القليلة اللبن بين كون الولد لها و كونه لغيرها 289

الكلام في جواز التملي من الطعام و الشراب و النكاح للأشخاص المذكورين 290

الفصل السادس ثبوت الهلال حجية البينة في ثبوت الهلال 291

الكلام في حجية حكم الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال 294

لا يثبت الهلال بشهادة النساء 296

لا يثبت الهلال بشهادة العدل الواحد 297

لا يثبت الهلال بقول المنجمين، مع الكلام في ثبوته بقولهم بملاك

ص: 539

الرجوع لأهل الخبرة 298

الكلام في ثبوت الهلال بتطويقه في الليلة الثانية و برؤية ظل الرأس فيه في الليلة الثالثة 299

الكلام في ثبوت الهلال بغيبوبته بعد الشفق في الليلة الثانية 301

لا يثبت الهلال بقول البينة إذا لم تشهد بالرؤية 302

الكلام في حجية الشهادة بالشهادة في الهلال 302

الكلام في حجية رؤية الهلال قبل الزوال في كونه لليلة السابقة 304

الكلام في أن دخول النهار و اليوم بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس 306

لا يثبت الهلال بعدّ أربعة أيام في الأسبوع من يوم الصوم في السنة الماضية و صوم اليوم الخامس 315

لا يثبت الهلال بعدّ تسعة و خمسين يوما من أول شهر رجب 317

لا يثبت الهلال بعدم رؤيته صباحا 317

الكلام فيما تضمن أن شهر رمضان لا يتقصر أبدا و شعبان لا يتم أبدا 318

لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم 319

الكلام في حكم البلاد المختلفة في الآفاق 320

الكلام في البلاد الواقعة في أقصي الشمال أو الجنوب بحيث تمر بفترة لا تغيب فيها الشمس أو لا تطلع فيها في تمام دورتها اليومية 325

الفصل السابع في أحكام قضاء شهر رمضان لا يجب قضاء ما فات في زمان الصبا و الجنون 333

لا يجب قضاء مات بسبب الإغماء 334

لا يجب قضاء ما فات بسبب الكفر الأصلي 336

الكلام في عموم وجوب القضاء 337

الكلام في وجوب القضاء علي المرتد 338

يجب قضاء ما فات بسبب الحيض و النفاس و النوم و السكر و المرض 339

الكلام في وجوب القضاء علي المخالف اذا استبصر 340

قضاء ما فات بسبب النوم و السكر و المرض 340

حكم الشك في أداء الصوم في وقته 343

ص: 540

لا يجب الفور في القضاء 345

الكلام في تأخير قضاء صوم شهر رمضان عن شهر رمضان الثاني 345

اذا أخر القضاء عن شهر رمضان الثاني بقي موسعا الي آخر العمر 348

لا يجب في القضاء تعيين الأيام و لا الشهور و لا الترتيب بينها، إلا مع اختلاف حكمها علي تفصيل 348

لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب 351

من فاته الصوم لمرض أو حيض أو نفاس فمات قبل أن يقدر علي القضاء لم يجب القضاء عنه، مع الكلام فيما لو كان المانع من الصوم السفر 351

اذا فاته شهر رمضان او بعضه لمرض و استمر الي رمضان الثاني سقط القضاء و وجبت الفدية 354

الكلام في استحباب القضاء في الموارد السابقة 354

الكلام فيمن افطر لمرض و استمر به المرض إلي رمضان اللاحق 354

الكلام فيمن افطر لعذر آخر و استمر به العذر الي رمضان اللاحق 358

الكلام فيمن افطر لعذر و تعاقبت عليه الأعذار المختلفة الي رمضان اللاحق 359

من قدر علي القضاء و أخره إلي رمضان اللاحق وجبت عليه الفدية علي تفصيل و كلام 362

لا تتكرر الفدية بتأخير القضاء سنين متعددة 365

يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد أو شهور لشخص واحد 365

لا يتحمل الإنسان فدية من تجب نفقته عليه 365

لا تجزي القيمة في الفدية و لا في الكفارات بل لا بد من دفع العين 366

يجوز الإفطار في الصوم المندوب الي الغروب 366

لا يجوز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان، مع الكلام في غيره من الصوم الواجب الموسع 366

من يقضي عن غيره هل يحرم عليه الإفطار بعد الزوال؟ 369

يجب علي والي الميت أن يقضي عنه ما فاته من الصوم 369

الكلام في تعيين الولي 372

الكلام في وجوب قضاء الولي ما تعمد الميت تركه 377

ص: 541

الكلام في وجوب قضاء الولي عن المرأة 378

الكلام في وجوب الفدية و الاستئجار لقضاء الصوم من التركة عند فقد الولي 380

الكلام في عموم وجوب قضاء الولي لكل صوم واجب علي الميت غير صوم شهر رمضان 380

يجب التتابع في صوم الشهرين من الكفارة مع الكلام في معيار التتابع 382

الكلام في وجوب التتابع في بقية صوم الكفارة 384

لا يخل بالتتابع الواجب الإفطار لعذر اضطراري، مع الكلام في فروع ذلك 385

الكلام في التتابع المنذور 389

من نذر صوم شهر متتابعا جاز له التفريق بعد خمسة عشر يوما 391

من وجب عليه صوم متتابع لم يجز له الشروع فيه في زمان يعلم بعدم سلامة التتابع له الا في صوم الثلاثة بعد الهدي 394

من نذر صوم شهر لم يجب فيه التتابع إلا مع التقييد أو الانصراف فيه 398

إذا كان الصوم المنذور متتابعا فهل يجب التتابع في قضائه 398

الصوم من المستحبات المؤكدة 399

يتأكد استحباب صوم ثلاثة أيام في الشهر مع بيان افضل وجوهها 401

يتأكد استحباب صوم يوم الغدير 402

يتأكد استحباب صوم يوم مولد النبي (ص) و مبعثه 403

يتأكد استحباب صوم يوم دحو الارض 404

يتأكد استحباب صوم يوم عرفه علي التفصيل 404

الكلام في صوم يوم المباهلة 405

يتأكد استحباب صوم شهري رجب و شعبان 405

صوم يوم النوروز و أيام من شهر محرم و كل خميس و كل جمعة علي تفصيل 406

يكره صوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء 407

يكره صوم يوم الشك المحتمل كونه عيدا علي التفصيل 407

يكره صوم الضيف بدون إذن مضيفه عن الكلام 408

الكلام في صوم الولد بدون إذن الأبوين 409

يحرم صوم العيدين، مع الكلام في استثناء بعض الموارد 410

ص: 542

يحرم صوم أيام التشريق لمن كان بمني 413

يحرم صوم يوم الشك علي أنه من شهر رمضان 413

يحرم صوم نذر المعصية مع الكلام في تحديده و دليله 414

يحرم صوم الوصال مع الكلام في تحديده 416

الكلام في صوم الزوجة بدون اذن زوجها 419

الكلام في صوم المملوك بدون اذن سيده 420

خاتمة في الاعتكاف تحديد الاعتكاف و بيان حقيقته 425

يصح الاعتكاف في كل وقت يصح فيه الصوم، مع التعرف لأفضل أوقاته 427

الاعتكاف من العبادات المعتبر فيها قصد القربة 429

لا يجوز العدول من اعتكاف لآخر 432

تشرع النيابة في الاعتكاف 433

لا بد في الاعتكاف من الصوم 434

لا يقل اعتكاف عن ثلاثة أيام، مع الكلام في الزيادة عليها، و في حكم الليالي المتخللة و المتطرفة 435

الكلام في تحديد مكان الاعتكاف 443

لا بد من وحدة المسجد الذي يقع فيه الاعتكاف 447

يصح الاعتكاف في كل مكان في المسجد مع الكلام في الإضافات الملحقة به 449

إذ قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده 450

الكلام في توقف اعتكاف العبد علي إذن المولي 451

الكلام في توقف اعتكاف الزوجة علي إذن زوجها 452

الكلام في توقف اعتكاف الولد علي إذن والديه مع الكلام في معيار وجوب طاعة الوالدين 453

لا بد من لبث لمعتكف في المسجد مع الكلام في أن ذلك واجب عليه تكليفا أو مقوما للاعتكاف يبطل بتركه 454

الكلام في الخروج نسيانا أو كرها 458

للمعتكف أن يخرج من المسجد لحاجته، مع الكلام في تحديد الحاجة المسوغة للخروج 461

موارد جواز الخروج من المسجد للمعتكف 463

ص: 543

هل يجب اختيار أقرب الطرق؟ 465

حكم جلوس المعتكف خارج المسجد خصوصا تحت الظلال 467

حكم وقوف المعتكف و مشيه تحت الظلال خارج المسجد 469

يجوز صلاة المعتكف في مكة خارج المسجد مع الكلام في غيرها 470

حكم اغتسال المعتكف خارج المسجد 471

فصل الاعتكاف مندوب في نفسه و قد يجب بالعارض 473

هل يجب الاعتكاف بمجرد الشروع فيه 473

يجب إكمال الاعتكاف بمضي يومين منه 480

يستحب للمعتكف أن يشترط أن له الرجوع فيه و حينئذ يجوز له الرجوع بعد مضي يومين منه 481

لا بد من مقارنة الشرط لنية عقد الاعتكاف 481

هل يصح اشتراط أن له الرجوع متي شاء أو لا بد فيه من اشتراط الرجوع لعارض؟ 483

لا يسقط الشرط بالإسقاط 483

حكم الكلام فيما إذا نذر الاعتكاف و اشترط في النذر أن له الرجوع في اعتكافه 485

لا يبطل الاعتكاف بالجلوس في المسجد علي فراش مغصوب 488

الكلام في حق الاختصاص بالسبق للأماكن العامة 489

هل يعتبر في حق الاختصاص المذكور إبقاء الرحل و نية العودة للمكان أو لا يعتبر شي ء منهما؟ 492

الكلام في تحديد الرحل الذي قد يعتبر تركه في بقاء الحق 495

الظاهر جواز الانتفاع بالمكان في غياب صاحب الحق بنحو لا يزاحمه 495

لا بد في ثبوت الحق من السبق للمكان و الانتفاع به فيما وضع له، و لا يكفي السبق لتحجيره لنفسه أو لغيره من دون انتفاع به 495

تحديد الأماكن العامة التي تكون موردا لحق الاختصاص المذكور 496

إذا زاحم شخص صاحب حق و أخذ مكانه فهل تصح صلاته و اعتكافه فيه؟ 497

فصل في أحكام الاعتكاف يحرم علي المعتكف الجماع، مع الكلام في عموم الحرمة لغيره من وجوب الاستمتاع 501

ص: 544

الكلام في ثبوت الحرمة في حق المرأة المعتكفة 503

الكلام في حرمة الاستمناء علي المعتكف 506

يحرم شم الطيب و التلذذ بالريحان علي المعتكف 507

يحرم البيع و الشراء علي المعتكف، مع الكلام في عموم الحرمة لجميع وجوه التجارة و الأمور الدنيوية 509

لو اضطر المعتكف للبيع و الشراء 511

تحرم المماراة علي المعتكف مع الكلام في تحديد المماراة 512

الكلام في حرمة جميع محرمات الإحرام علي المعتكف 515

الكلام في أن هذه الأمور محرمة تكليفا أو وضعا بحيث تبطل الاعتكاف 516

الكلام فيما إذا صدرت هذه الأمور سهوا أو كرها 520

الكلام في وجوب قضاء الاعتكاف و حدود ذلك 521

لا يبطل البيع و الشراء حال الاعتكاف و إن كانا محرمين أو مبطلين له 525

تجب الكفارة علي المعتكف في الجماع و لو ليلا دون غيره من منافيات الاعتكاف 525

كفارة الاعتكاف هي كفرة إفطار شهر رمضان 528

تتعدد الكفارة بالجماع نهارا في شهر رمضان 529

إذا كان الجماع سببا لكفارة أخري ثبتت أيضا 530

الكلام في وجوب قضاء الاعتكاف ممن مات قبل إكماله 531

الفهرس 535

ص: 545

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.